ينحدر من مدينة فيروزة على أطراف حمص. عاش حياته كلها في الأرجنتين. يتكلم الإسبانية والعربية والإنكليزية بطلاقة. مستقرّ في مصر، ويتنقل بين دول عربية وأجنبية عدة لنقل ثقافة التراث الفلكلوري السوري من خلال الدبكة برغم ابتعاده عن موطنه وعدم استقراره فيه. إنه خليل خليل، الشاب السوري الأرجنتيني، الذي يمتلك خليطاً لطيفاً من ثقافات مختلفة جعلته شخصيةً غنيةً يمكن التحاور معها لمعرفة كيف بدأ "الدبكة" والتنقل بين بلدان مختلفة ناقلاً صورةً مشرقةً عن الفلكلور السوري.
- وُلدتَ من أبوين سوريين، ونشأتَ في الأرجنتين، وتعيش في مصر اليوم حيث انطلق عملك هناك في الرقص السوري الفلكلوري الشعبي بشكل أساسي، وتتنقل بين سوريا ومصر ودول عربية وأجنبية عدة لتقديم عروضك، وتتحدث العربية والإنكليزية والإسبانية بطلاقة. هذا الخليط الغريب كله ماذا أكسبك على الصعيد المهني والشخصي والثقافي؟
وُلدتُ في عائلة عربية هاجرت إلى الأرجنتين في ستينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من العيش في دولة غربية، إلا أن تربيتنا وعاداتنا كانت عربيةً بحت، وبالطبع لم يكن من السهل الارتباط بالمجتمع الأرجنتيني. كانت عاداتنا مختلفةً، وهذا ما دفعني والعرب المهاجرين إلى إنشاء مجتمع يتم فيه الحفاظ على قيمنا وعاداتنا، وربما هذا ما جعلنا كجالية عربية نتمسك بهويتنا الثقافية وأرض آبائنا.
"انبهر الغربيون بالموسيقى العربية حين وصلتهم عبر الإنترنت ربما بعد غموض طويل حول العالم العربي وثقافته، وحسب ما رأيت وسمعت يمكنني القول إن الأجانب يحبون الموسيقى والرقص العربي أكثر من العرب أنفسهم"
ولادتي في الأرجنتين أفادتني ثقافياً في استقاء نمط حياة جديد ومختلف، من المجتمع المحيط، كما ساعدتني العودة إلى العالم العربي والانخراط فيه في تحقيق التوازن بين الثقافتين المختلفتين.
وعلى الرغم من أنني أعدّ أن هويتي عربية بحت، لكنني أقدّر التأثير الغربي عليّ، إذ ساعدني في الحصول على رؤية أوسع للعالم والحياة.
- برغم ذلك كله أنت متمسك بهوية الرقص الفكلوري السوري "الدبكة"، وتجول بها في العالم اليوم. كيف بدأت الحكاية؟
ابتداءً من عام 2000، وربما قبل ذلك بقليل، راجت الموسيقى والرقص العربي في الغرب، وهو عامل أساسي دفع فنانين مختلفين سواء كانوا عرباً مثل عمرو دياب أو غربيين مثل شاكيرا، إلى مزج الثقافتين الموسيقيتين مع بداية الانفتاح العالمي، فانبهر الغربيون بالموسيقى العربية حين وصلتهم عبر الإنترنت ربما بعد غموض طويل حول العالم العربي وثقافته، وحسب ما رأيت وسمعت يمكنني القول إن الأجانب يحبون الموسيقى والرقص العربي أكثر من العرب أنفسهم، لذا فإن كثيرين منّا، كعرب أصليين، كان لدينا نوع من الفخر في نقل هذه الثقاقة وتعليمها وتمثيلها، وأنا شخصياً أشعر بالفخر لأنني قادر على تمثيل هذه الثقافة ونقلها إلى بلدان مختلفة.
- هل واجهت معارضةً من قبل الأهل أو المجتمع أو الناس حول اختيارك هذه المهنة؟
مذ كنت صغيراً، أظهرت اهتماماً كبيراً بالدبكة، وكانت هناك نية لدي في اتخاذها مهنةً، وهو الأمر الذي أقلق والدَيّ قليلاً إذ أرادا مني أن أنهي دراستي وأدخل الجامعة. لا ينظر الآباء عادةً إلى الفن على أنه وظيفة آمنة ومستقرة، الأمر الذي يولد معارضةً في كثير من الحالات، بل انصبّ تركيز والدَيّ على إكمال دراستي ومن ثم التفرغ لما أريد، وعندما دخلت الجامعة اخترت مهنة المسرح الموسيقي، وهي الأقرب إلى ما أحبّ، الأمر الذي ساعدني في بناء الثقة مع أهلي، ومع مرور الوقت حصلت منهم على الدعم والقبول الكاملَين.
- هناك صور نمطية متعلقة بمفهوم الرقص عند الرجال، وهذا المفهوم ناتج عن عادات وتقاليد مجتمعية أو دينية ربما، البعض يعدّه حراماً، والبعض الآخر يصفه بأنه مسيء للرجل. كيف تواجه مثل هذه الصورة النمطية أو الأحكام المسبقة؟
بالنسبة لي لم أتعرض لهذه الأحكام المسبقة أو الصورة النمطية، لأن الرقصات الشعبية التي أؤديها، مثل رقصات حلب أو غيرها، هي رقصات ذات أصول صوفية ودينية، ابتكرها وأدّاها الشيوخ منذ قرون وتطورت بالتدريج، لذا عندما نتحدث عن الدبكة فإننا نتحدث عن تراث وفلكلور. ربما تتعرض النساء لهذه الأحكام المسبقة إذا مارسنَ الدبكة في مجتمعنا للأسف، ولكن الرجال لا، لأنها رقصة نشأت على أنها ذكورية. الرجال قد يتعرضون لهذه الوصمة إذا مارسوا أنواع رقص أخرى "غير الدبكة الشعبية".
- كيف يعبّر خليل خليل عن نفسه بهذا الرقص؟ وما هي التحضيرات التي يقوم بها قبل كل عرض؟
تمنحني الدبكة إمكانية نقل حبي للثقافة والتقاليد إلى الناس، فأنا شخص عاشق للموسيقى ومهنتي تسمح لي بتمثيلها ونقلها، لذا هي تعبّر عني بشكل كبير، كما أعتقد أن الحفاظ على التراث القديم وهوية ثقافتنا من مسؤولية الجميع، ونحن الفنانين مسؤولون بشكل أكبر عن ذلك.
أما بالنسبة إلى التحضيرات فأقوم قبل كل موسم عمل باختيار الأغنيات التي تثيرني وتلهمني وأعمل على تصميم الرقصات الخاصة بها لإيصالها إلى المسرح، وأجتهد كثيراً لرفع المستويَين المهني والإبداعي، لذا أتعاون مع فرق الأوركسترا والمغنّين الكبار المعروفين.
- يحتاج هذا النوع من الرقص إلى تمرين متواصل وجهود مكثفة، من كان له الفضل عليك في تحسين رقصك؟ وهل تعتمد عليه من الناحية المادية فقط دون وجود مصدر رزق آخر؟
تتطلب الدبكة تدريباً بدنياً مستمراً، والرشاقة والسرعة من عناصرها الأساسية، ويتطلبان الكثير من التفاني على الصعيد الصحي والنفسي والغذائي، وقد ساعدني في هذه التدريبات المتواصلة أساتذاي الرئيسيان؛ عبد اللطيف كرمان من مدينة حلب، وهو من مؤسسي أول باليه للرقص الشعبي السوري، كما تابعت تدريباتي مع خالد النابوش، المعلم الكبير وفنان الرقصات الشعبية اللبنانية وهكذا حتى صرتُ متمرساً.
الدبكة هي مصدر دخلي الوحيد، ومن الصعب جداً أن أكرّس نفسي بالكامل للفن وأحصل على وظيفة أخرى.
ـ الليونة مطلوبة في الرقص عموماً، ما يعني اتّباع نظام صحي غذائي متوازن وإجراء تمارين مستمرة للحفاظ على الرشاقة، ما هي التمارين التي تقوم بها عادةً؟ وهل تتبع نظاماً غذائياً معيّناً؟
هذا النوع من الرقص، مثل أي نشاط بدني، يتطلب بالطبع اتّباع نظام غذائي متوازن يحافظ على هذا النشاط، لكن على الرغم من الليونة الجسدية المطلوبة، إلا أنه ليست هناك حاجة ملحّة للحصول على جسم مثالي كأنواع الرقص الأخرى، لأننا هُنا نتحدث عن رقصات تقليدية الأهمية فيها للّيونة ورشاقة الحركة.
- غالبية عروضك الراقصة قائمة على الرقص الفردي أو على الجماعي؟
الدبكة هي رقصة جماعية تمثّل اتحاد المجتمعات ببعضها، وغالباً ما يتم رقص الدبكة في مجموعة، ويوجد دائماً قائد لها قادر على تشكيل المجموعة، فيكون إما في المركز الأول في نصف دائرة الدبكة أو قبلهم، لكن في حالات خاصة، أقوم في العديد من المناسبات بعرض لوحات لرقصات فردية، مثل رقصات الأندلس القديمة والموشحات، وأجدُ أني ابتكرت ذلك، وأعدّها فكرتي الخاصة كوني لم أرَها مع راقصين آخرين، وأحمد الله أنها لقيت استحسان الجمهور، خصوصاً أن حفلات الزفاف لا تعتمد على عروض راقصة لمجموعات كاملة، لذا وفي بعض الحالات يكون الرقص الفردي خياراً جيداً.
- اليوم تحولتَ إلى راقص محترف ومدرّب على هذا الرقص وبات لديك طلاب من الجنسيات كافة، من هي الشريحة التي تستهدفها في تدريباتك؟
لقد اكتشفت مؤخراً اهتماماً كبيراً بالدبكة بين الأجيال الجديدة، وأنا شخص اجتماعي للغاية، وأبحث دائماً عن الأشخاص المهتمين بالفن لتنفيذ مشاريع مشتركة.
الشباب اليافعون الصغار مهتمون للغاية بهذا الرقص، وهذا ما يجعلني سعيداً لأنني أشعر بأن تقاليدنا وتراثنا ما زالت محميةً ومتوارثةً بشكل جيد بين الأجيال، ويتم الحفاظ عليه في مجتمعنا، وعلينا تشجيع الشباب على ذلك لا سيما مع فقدان العديد من المدن هوياتها بسبب العولمة أو التأثيرات الغربية أو الحروب. من الجيد أننا نحفظ هذا التراث ونورثه ونحتفي به أيضاً.
- أنشأت مدرسةً مخصصةً للرقص لتعليم اللاجئين/ ات السوريين/ ات في مصر هذا الفن وكيفية تطويره، أخبرنا عن هذه المدرسة وماذا قدمت لك وللّاجئين/ ات السوريين/ ات الشباب على الصعيدين الشخصي والمهني؟
خلال عام 2022، بدأتُ مشروعاً لتعليم وتدريب فرقة رقص شعبي سوري في مدينة القاهرة في مصر. وجدتُ عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين الشباب العاملين هناك، وكان خيار تعليم "الدبكة" مُسَلٍّياً جداً بالنسبة لهم، فهم يعملون لساعات طويلة يومياً، ولا يجدون الكثير من الأنشطة الترفيهية أو ربما ليس لديهم الوقت لممارستها، لذا كانت فكرة فرقة الرقص مثيرةً جداً بالنسبة لهم، فلم يتعلموا الرقصات التقليدية وحسب، بل أتيحت لهم الفرصة أيضاً للعمل على حفلات الزفاف والاحتفالات الكبيرة للجالية السورية هناك.
لقد اكتسبوا بذلك حساً عالياً بالمسؤولية والالتزام بالتدريبات وفهموا "ماذا يعني أن تكون فناناً"، كما شعروا بالرضا بسبب تواجدهم على المسرح.
- هل شاركت هؤلاء اللاجئين/ ات الشباب عرضاً راقصاً جماعياً؟
شاركت معهم في العديد من العروض وسافرنا معاً إلى أماكن مختلفة وعملنا في العديد من حفلات الزفاف، كما أنشأنا روابط صداقة جميلة جداً، وحتى اليوم نحن على تواصل من خلال مجموعات واتساب خاصة بنا كنا قد أنشأناها لنخطط معاً للمواسم القادمة من أجل العمل معاً.
- كيف تكون ردة فعل الناس تجاهك حين يشاهدون الرقص الفلكلوري السوري؟
كما ذكرت سابقاً، الأجانب مهتمون جداً بالثقافة وتنوع الرقص في الشرق الأوسط، ويتم تنظيم مهرجانات دولية تجمع الفنانين والمجموعات لعرض هذه الرقصات، وفي الكثير من الأحيان يكون بين الجمهور سفراء الدول العربية الذين يشعرون بالفخر لمشاهدة هذه العروض في بلدان بعيدة جداً عن المنطقة العربية. يتحدث الكثير من الناس معي عن الفرحة التي تنقلها هذه الرقصات لهم وشعورهم القوي في أثناء مشاهدة العروض بالفخر والانتماء.
حلقات الدبكة التي رسمها ويرسمها خليل خليل، كانت بمثابة حلقات فرح وانتماء وإثبات وجود لهوية سورية تكاد تضيع في زحام الحرب والرصاص والانهيار الاقتصادي، لكن ما زال هناك من يعمل ويبحث ويسعى دوماً إلى تحقيق ذاته وتكريس صورة وطنه المشرقة من خلال الفن والتراث
- ختاماً، هل تعتقد أن هذا النوع من الرقص أو الفن يتوجه نحو الاندثار أم أنه مستمر ومرغوب لدى الناس؟ وكيف يمكن المحافظة على الفلكلور السوري من فن ورقص وثقافة؟
أعتقد أن الثقافة السورية اللامادية هي ثقافة غنية جداً ومثيرة للاهتمام وغير قابلة للاندثار، لكن برغم ذلك نحن بحاجة إلى المزيد من النشر عن تنوع ثقافتنا ورقصاتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وإظهار الفرق بين هوية هذا البلد وذاك، لأن الدول العربية الأخرى متنوعة أيضاً في ثقافاتها وتراثها، لذا قد يخطئ المتابع ولا يعرف مثلاً كيف يفرّق بين الدبكات أو الرقصات التراثية السورية واللبنانية والفلسطينية والأردنية.
لهذا أجد أننا بحاجة إلى نشر الاختلافات المتنوعة تلك في منطقتنا بشكل أكبر سواء على المستوى الجمالي الطبيعي أو الموسيقي أو التراثي، وبهذه الطريقة يمكننا أن نحدث فرقاً وننقل صورةً مشرفةً عن الفن السوري أو أي فن عربي غيره إلى المسارح الكبرى كما يحدث بالفعل في العديد من البلدان مثل أوروبا وأميركا.
حلقات الدبكة التي رسمها ويرسمها خليل خليل، كانت بمثابة حلقات فرح وانتماء وإثبات وجود لهوية سورية تكاد تضيع في زحام الحرب والرصاص والانهيار الاقتصادي، لكن ما زال هناك من يعمل ويبحث ويسعى دوماً إلى تحقيق ذاته وتكريس صورة وطنه المشرقة من خلال الفن والتراث والعروض الراقصة التي توصِل للغرب فكرةً صحيةً عن مجتمع متمسك بهوية لا تزول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 12 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.