شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قانون الحاخاميّة… دليل آخر على تفشّي الفساد والزبائنيّة الدينيّة في إسرائيل؟

قانون الحاخاميّة… دليل آخر على تفشّي الفساد والزبائنيّة الدينيّة في إسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الخميس 4 يوليو 202405:36 م

الحاخامات في إسرائيل ممثلون في جميع المؤسسات الرسمية والشعبية، ويشكّلون ركناً أساسياً من أركان الدولة، فهم موجودون في وزارة الشؤون الدينية والأحزاب والكيبوتسات والمدن والبلدات، ويوجد لكل مستوطنة حاخام، إضافة إلى حاخامات خاصّين ببعض المؤسسات مثل المؤسسة العسكرية. كما تُعتبر دار الحاخامية واحدة من أهم المؤسسات في إسرائيل وهي تتكون من حاخام يمثل اليهود الشرقيين (السفارديم) وحاخام يمثل اليهود الغربيين (الأشكناز).

 إذاً، تمتلك المؤسسة الحاخامية صلاحيات كبيرة، خاصة في قضايا الأحوال الشخصية والأمور المتعلقة بالزواج والطلاق والطعام والميراث وشعائر يوم السبت وقضاة المحاكم الدينية. ولها تأثير فاعل في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولدى الحاخامية دور في التركيبة السياسية وتشكيل الحكومات من خلال الأحزاب الدينية ولا سيما حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراة" وغيرهما من الأحزاب التي تشكل اليمين المتطرف في إسرائيل.

وتعتبر مؤسسة الحاخامية الرئيسية (الربانية) في إسرائيل، وفقاً للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، من المؤسسات التي يتم تعيينها من قبل الحكومة بموجب قانون خاص بها، ومقرها في مدينة القدس المحتلة. وتتكون المؤسسة من مجلس أعلى يضم 16 عضواً نصفهم من اليهود الأشكنازيين والنصف الآخر من اليهود السفارديين، وينتخب هذا المجلس من قبل 80 حاخاماً و70 مندوباً من الجمهور بمن فيهم علمانيون، وذلك كل ثلاث سنوات.

وكانت الحاخامية في العهد العثماني بيد السفارديم، فمنذ الانتداب البريطاني، أُنشئت الحاخامية الرئيسية في عام 1921، ممثّلة بحاخامين اثنين من الأشكناز (يهود غربيون) وحاخامين سفارديين (يهود شرقيون). ومكانة الحاخامية في إسرائيل ينظمها قانون خاص أصدره الكنيست الإسرائيلي عام 1980، ومجموعة من الأنظمة والتعليمات الصادرة عن وزارة الأديان الإسرائيلية.

راهناً، يهدف قانون الحاخامات المقترح بالأساس إلى تغيير هيئة انتخاب الحاخامات. يقول الصحافي والباحث المختص بالشأن الإسرائيلي، نضال وتد، لرصيف22 إن مشروع القانون يُعطي الأغلبية في تلك الهيئات للمجالس المحلية في البلدات والمدن الإسرائيلية، ويُخفِض نسبة تأثير تلك الهيئات في تعيين الحاخامات لصالح وزارة الأديان في الحكومة الإسرائيلية، وفي هذه الحالة فإن الوزير الذي يتولّى وزارة الأديان، وعادة ما يكون من أحزاب الحريديم، سيكون "مسيطراً" على تعيين الحاخامات في البلدات والمدن.

هناك أزمات تعصف بالحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، لكن هذا ليس بجديد، فغالبية الحكومات الإسرائيلية كانت تعاني الأزمات منذ خمسينيات القرن الماضي. في حديثه لرصيف22، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، البروفيسور أسعد غانم أن هذه الأزمات موجودة بشكل اعتيادي منذ رسالة "ستاتوس كو" لبن غوريون وانخراط الأحزاب الدينية في الحكومة أو عدم انخراطها.

قسم من أعضاء الليكود يرى في هذا القانون نوعاً من الفساد والتأثير على جودة الحكم في إسرائيل لأن وزير الأديان هو الذي سيقوم بتعيين الحاخامات في كل البلدات والمدن والمستوطنات وبذلك سيقوم بتعيين أعضاء من الحزب الذي ينتمي إليه، وهو حزب شاس حالياً، وهي وظيفة حكومية جيدة مع دخل مرتفع ما قد يؤدي إلى التبذير والبذخ السياسي وتوزيع ميزانيات وامتيازات للمقربين من الحزب

فكان انخراط حزب مبام في الحكومة منذ عهد بن غوريون أو عدم انخراطه أمراً مؤثراً، بالنظر إلى طبيعة  نظام الحكم في إسرائيل جوهرياً وبنيوياً إذ يحتوي على أزمات كثيرة بسبب التركيبة الحزبية والسياسية وطبيعة النظام السياسي الذي يمنح الأحزاب الصغيرة القدرة على الضغط والتأثير على الأحزاب الكبرى للحصول على المزيد من الامتيازات.

وفي حال عدم الحصول على امتيازات، تقوم تلك الأحزاب بإسقاط الحكومة. ومنذ زمن بعيد، يُحَل الكنيست الإسرائيلي كل سنتين ونصف أو أقل مع التوجه إلى انتخابات مبكرة.

يضيف غانم: "كما يبدو أن هذه الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو أكثر ثباتاً واستقراراً من غيرها من الحكومات السابقة التي شكلها نتنياهو منذ عام 2009. فمن الناحية النسبية، هذه حكومة ثابتة ومن المستبعد أن يكون هناك انتخابات قريبة في إسرائيل إلا إذا حصل تطور مفاجئ أو غير محسوب لأن مركبات الحكومة تؤيد نتنياهو وهي أكثر يمينية منه، ويمثل نتنياهو  حزب الليكود الجناح المعتدل في تلك الحكومة".

بناءً على ذلك، يُجزم أستاذ العلوم السياسية: "لسنا أمام انهيار متوقع للحكومة بسبب قانون الحاخامية أو توزيع الميزانيات ولا بسبب قانون تجنيد الحريديم في الجيش ولا في قرار الحرب والسلم. بالرغم من وجود بعض الأصوات المعارضة لنتنياهو مثل يوآف غالانت ويولي أدلشتاين وآخرين في حزب الليكود، إلا أن هذا لا يعني أننا نقترب من خيار حل الحكومة ولا الذهاب إلى انتخاب مبكرة في إسرائيل".

التيار الديني يحافظ على حضوره في الحيز العام 

ما يزال التيار الديني في إسرائيل يحافظ على حضوره وقوته استناداً إلى استطلاعات الرأي التي تمنحه عدد المقاعد نفسه الذي يحتفظ به حالياً في الكنيست تقريباً. بحسب الباحث والأكاديمي المختص في الشأن الإسرائيلي، د. أشرف بدر، لا تغيير من حيث قوة التيار الديني في الحيز العام في إسرائيل، ولكن الذي يحصل هو الانتقال داخل مركبات التيار الديني عينه. على سبيل المثال، الصهيونية الدينية برئاسة سموتريش شهدت انتقال بعض جمهور المصوتين لها إلى حزب العظمة اليهودية برئاسة بن غفير، أي بقيت الكتلة التصويتية داخل المعسكر الديني اليميني  نفسه، ولم تنتقل إلى معسكر آخر.

في هذا السياق، يلفت وتد في حديثه لرصيف22 إلى أن نسبة كبيرة من الجنود الذين يقاتلون في غزة تنتمي إلى التيار الديني الصهيوني، وخاصة حزب العظمة اليهودية الذي ارتفع حضوره في استطلاعات الرأي منذ بداية الحرب على غزّة. يختلف هذا عن موقف الأحزاب الحريدية، مثل شاس ويهوديت هتوراة، التي ترفض تجنيد الشبان الحريديم في الجيش، وهناك فتاوى من قبل حاخامات تلك الأحزاب بأن من يلتحق بالجيش يكون "كمن ينتهك حرمة السبت ويكون مذنباً وآثماً".

على جانب آخر، يحافظ حزب شاس على حضور شعبي يبقيه في المشهد السياسي الإسرائيلي ويحافظ على قوته في استطلاعات الرأي. يقول لرصيف22 السياسي والأكاديمي الفلسطيني، إمطانس شحادة، مدير برنامج الدراسات عن إسرائيل في مركز مدى الكرمل، إن مكانة "شاس" لم تتغير لاعتبارات فئوية وثقافية وارتباطه بجمهور معين، هو الجمهور الشرقي المتدين، ولأسباب دينية خالصة، مستدركاً بأن التنافس على الجمهور الحريدي مع حزب العظمة اليهودية قد يؤدي إلى بعض التراجع البسيط ولكنه غير مؤثر حتى الآن.

يضيف شحادة: "هناك أصوت تتصاعد ضد الحريديم في المجتمع الإسرائيلي بسبب عدم خدمة الحريديم في الجيش، واستمرار ضخ الميزانيات لهذه الفئة على الرغم من الوضع الاقتصادي السيئ وحالة الحرب وتراجع الميزانيات المخصصة لقطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي مقابل بقاء موازنات الفئات الحريدية كما هي وعدم تعرضها للتقليص، بل وربما زاد قسم منها. فالحريديم والاستيطان ميزانياتهما لم تتراجع رغم الحرب وتقليص الميزانية في إسرائيل".

تعديل القانون يؤجج الصراع الحزبي ويؤسس للفساد والزبائنية  

بالعودة إلى التعديلات المقترحة على قانون الحاخامية، والتي تكمن إشكاليتها في نقل صلاحيات تعيين الحاخامين من السلطات المحلية إلى وزارة الأديان والتي يسيطر عليها في الحكومة القائمة حزب شاس، والذي يتشكل من اليهود السفارديم من المغاربة والمشرق العربي، فإن تلك التعديلات، في حال إقرارها تمنح حزب شاس قوة سياسية واقتصادية كبيرة نظراً لما تشكله الحاخامية في البلديات من موطن للقوة والنفوذ والمال اعتماداً على الصلاحيات الممنوحة لها وخاصة في إصدار ما يعرف بشهادات الحلال (الكاشير) وفي عمليات المراقبة والمتابعة على المؤسسات التجارية والصناعية والإنتاجية والصناعات الغذائية.

وتقر الحكومة الإسرائيلية ميزانية الحاخامية بما يعادل 28 مليون شيكل (نحو 7.5 مليون دولار أمريكي) يُصرف قرابة ثلثيها للموظفين الذي يعملون في مراقبة  الالتزام بالتعاليم الدينية اليهودية. علماً أن العائد المالي من شهادات الحل الكاشير يبلغ نحو 600 مليون شيكل (أكثر من 160 مليون دولار). وفي حال تعديل القانون، سيسيطر حزب شاس وحده على هذه المنظومة بالكامل ما دامت سيطرته على وزارة الشؤون الدينية.

ويضيف شحادة، في هذا الصدد، أن قسماً من أعضاء الليكود يرى في هذا القانون نوعاً من الفساد والتأثير على جودة الحكم في إسرائيل لأن وزير الأديان هو الذي سيقوم بتعيين الحاخامات في كل البلدات والمدن والمستوطنات وبذلك سيقوم بتعيين أعضاء من الحزب الذي ينتمي إليه، وهو حزب شاس حالياً، وهي وظيفة حكومية جيدة مع دخل مرتفع ما قد يؤدي إلى التبذير والبذخ السياسي وتوزيع ميزانيات وامتيازات للمقربين من الحزب.

هذه التعيينات والامتيازات التي يتحدث عنها شحادة تنتزع من حزب الليكود ورؤساء السلطات المحلية المحسوبة على حزب الليكود  قوة وتأثير وإمكانية تعيين مقربين من الليكود، وهنا المنافسة تكون على النفوذ والميزانيات والسيطرة على المنافع، وليست منافسة أيدولوجية. وعليه، يردف بأن معارضة قطاعات واسعة من رؤساء السلطة المحلية ومن بينهم رؤساء سلطات محلية من حزب الليكود لهذه التعديلات المقترحة يعود إلى القلق من سحب صلاحية تعيين الحاخام الرئيسي في المدن والبلدات الإسرائيلية وتحويلها إلى وزير الأديان.

يشدد شحادة على أن طرح تعديل هذا القانون في هذا التوقيت يترافق مع أزمات أخرى يمر بها الائتلاف الحكومي الحالي بما "يزيد الطين بلّة"، علماً أن نتنياهو يرغب في تعديل هذا القانون والاستجابة لمطالب شاس والحريديم ولكن بسبب تركيبة التحالف والمعارضة من داخل الليكود ومن أعضاء في الكنيست اضطر إلى سحب مشروع تعديل القانون.

في المقابل، أثار الأمر تساؤلاً داخل الأحزاب الحريدية عن مدى الاستفادة من التحالف مع نتنياهو، وعن الثمن الذي تدفعه هذه الأحزاب بناء على هذا التحالف وخاصة الضغوطات المتعلقة بتجنيد الحريديم والمطالبة بتقليص الميزانيات المخصصة للمعاهد الدينية.

بدوره، يقول بدر إن الصراع بين حزبي شاس والعظمة اليهودية أصبح ظاهراً للعيان لأنهما حزبين دينيين ويرأسهما يهوديان من أصول شرقية أرييه درعي  لشاس، وإيتمار بن غفير للعظمة اليهودية. فضلاً عن أن كلاهما ينطلق من نفس المنبع، فبالرغم من أن شاس حريديم إلا أنه قريب من التيار الديني القومي وحتى قيادات بارزة فيه خرجت من نفس معاهد التيار الديني القومي. تماماً بالنسبة للعظمة اليهودية حيث توجد قواسم فكرية وفقهية تجمع الحزبين وإن اختلفت مرجعياتهم الدينية. شاس لديها مرجعية والعظمة اليهودية لها مرجعية أخرى.

كلا الحزبين أيضاً يتنافس على نفس الخزان الانتخابي ألا وهو الطبقات المسحوقة من الشرقيين والمتدينين، وبالتالي هناك صراع على هذا الحيز الانتخابي وعلى هذا الخزان من الأصوات.

يستمر الانقسام في إسرائيل ما بين الديني والعلماني على صعيد المجتمع والأحزاب في إلقاء ظلاله على مستقبل حكومة نتنياهو وفرص استمرارها وقدرتها على التماسك أو الحل مستقبلاً... لماذا اختلفت الأحزاب الدينية في إسرائيل على قانون الحاخامية؟ ولماذا سحبه نتنياهو من المداولة في الكنيست؟ وهل تؤدي عودة السجال حوله إلى حل الحكومة؟

يردف بدر بأن الحزبين متقاربين على الصعيد الأيديولوجي والإستراتيجي لكن تعديل قانون الحاخامية من شأنه أن يمنح نفوذ وسلطة لحزب شاس كبيرة جداً كونه يسيطر على وزارة الأديان، بمعنى أنه يؤهل لبناء شبكة زبائنية كبيرة من الحاخامات للحزب، ويجعل له في كل بلدية حاخام تابع لوزارة الأديان بما لذلك من امتيازات مالية وامتيازات سلطوية ونفوذ داخل المجتمع، وبالتالي يعزز حظوظه في المستقبل انتخابياً ومالياً.

الصراع بين التيارات الدينية الصهيونية والدينية الحريدية ليس حديثاً أيضاً بل متجذِّر وإن ظهر حالياً بشكل أوضح في سياق طرح التعديلات على قانون الحاخامية. والصراع بين مكونات المجتمع الديني في إسرائيل ما بين الحريديم ممثلين في شاس ويهوديت هتوراة من جهة، والصهيونية الدينية من جهة أخرى، تجلّى في عام 2015 عندما كانت الصهيونية الدينية ممثّلة في حزب البيت اليهودي برئاسة نفتالي بينيت،حول إجراءات التهوّد التي أدت إلى شرخ حاد ما بين الصهيونية الدينية والحريديم في تلك الفترة.

ويشير بدر إلى أن معارضة بعض النواب من حزب الليكود لهذا التعديل يعود لأسباب تتعلق بالحالة العامة في إسرائيل وحالة الحرب التي تمر بها الدولة من أزمة اقتصادية خانقة، ما يجعل من طرح تعديل القانون في هذا التوقيت يوحي بنوع من الانتهازية في توزيع الوظائف والمناصب لأن الظروف غير مواتية لمثل هذا التعديل، ولكن حزب شاس يدعي أنه تم تأجيل هذا الأمر كثيراً، وحان الوقت المناسب لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي وتعديل القانون. 

مصير حكومة نتنياهو بعد هذه الخلافات 

إذاً، من الواضح أن تعديل قانون الحاخامية يؤدي إلى مزيد من الخلافات في الائتلاف الحكومي القائم ما بين الأحزاب الخمسة المُشكلة لهذه الحكومة (الليكود، وشاس، ويهوديت هتوراة، والعظمة اليهودية، والصهيونية الدينية)، لذا أصبح مستقبل هذه الحكومة وتقديم موعد الانتخابات مرتبطين أكثر بقرار حزب شاس. ولكن، يبدو أن المصالح المشتركة بين المكونات الخمسة لهذا الحكومة ما زالت تفرض عليها البقاء على الرغم من أن الخلاف بين حزبي شاس والعظمة اليهودية يضيف تحدياً جديداً أمام نتنياهو وقدرته على الاستمرار في الحكم.

كذلك، يستمر الانقسام في إسرائيل ما بين الديني والعلماني على صعيد المجتمع والأحزاب في إلقاء ظلاله على مستقبل هذه الحكومة وفرص استمرارها وقدرتها على التماسك أو الحل مستقبلاً.

ويضيف وتد أن مجرد طرح القانون يهدد الائتلاف الحكومي، وخاصة بمعارضة نواب من حزب الليكود، لذلك بادر نتنياهو إلى سحب مشروع القانون وعدم التصويت عليه لتجنب إثارة المزيد من التصدّع داخل الائتلاف الحكومي، إضافة إلى رفض حزب العظمة اليهودية بقيادة بن غفير للقانون وتهديده بالتصويت ضده. والخلاف الآن بين ثلاثة مكونات في الائتلاف الحكومي (الليكود، وشاس، والعظمة اليهودية)، وهو ما قد يؤدي إلى تأثير سلبي كبير على الشراكة التاريخية القائمة منذ فترة ما بين حزبي الليكود وشاس، وإلى تنافس كتلوي داخل كتلة الائتلاف الحاكم.

ويوضح غانم أن الصراع بين حزبي شاس والعظمة اليهودية يتمحور حول جمهور المصوتين. فحسب الاستطلاعات، فإنّ أكثر العناصر تطرفاً وعنصرية في إسرائيل هم مؤيدو العظمة اليهودية وشاس، ومن الوارد أن تكون بعض الخلافات هنا وهناك على المناصب أيضاً بين الحزبين. ولكن التنافس الحقيقي بينهما هدفه الحصول على أصوات اليمين في الانتخابات وهذا هو الأساس لأن القضايا المالية والامتيازات يتم حلها داخل الحكومة، وأما التنافس على الخزان الانتخابي للمصوتين فيُحسم في صناديق الاقتراع.

أما في حزب الليكود، فهناك رفض داخل أوساط الحزب لسيطرة شاس على بعض المؤسسات التي لها دور مؤثر في قضايا الدين والدولة والمحاكم الدينية. إضافة إلى ذلك، فإن الصراع داخل حزب الليكود نفسه من قبل بعض النواب الذين يعارضون توجهات نتنياهو مثل يوآف غالانت ويولي أدليشتاين، ولكن من المستبعد إسقاط هذه الحكومة بناء على صراع داخلي في حزب الليكود لأن أعضاء الليكود على قناعة تامة بأن من يخرج ضد نتنياهو لن يكون في الكنيست القادم، ضمن قائمة حزب الليكود على الأقل، لذلك هذه مسألة في غاية الأهمية لمن يفكر بالتمرد على قرار نتنياهو وإسقاط الحكومة من داخل الليكود.

المواطن العربي الخاسر الأكبر في هذا الصراع

ويشير تقرير للمركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية (مدى الكرمل)، إلى ما يتعرض له المواطنون العرب في إسرائيل من قمع وعنصرية، وخاصة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث زادت موجات التحريض ضد المجتمع العربي بما في ذلك من خلال تصريحات نتنياهو عندما قال إن "دولة إسرائيل تقاتل على أربع جبهات" في إشارة إلى جبهة غزة، وجبهة الضفة، وجبهة الشمال، وجبهة الداخل المحتل.

"الأساس في كل تلك النقاشات جعل إسرائيل أكثر يهودية بالمعنى الديني وبالمعنى القومي، وهذه النقاشات التي تجلت في ما عُرف بالانقلاب القضائي كانت استناداً إلى هذه الجدلية، لذا توجد تأثيرات مباشرة وغير مباشرة لهذه النقاشات على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى المواطن العربي في إسرائيل وعلى الشعب الفلسطيني في الضفة"

ومنذ ذلك الحين، تنامت مشاعر العنصرية الرسمية والشعبية وبشكل علني ضد المواطنين العرب وتجلّت تلك العنصرية في ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي من تصريحات قيادات سياسية ودينية، وفي آليات تعامل المؤسسات الأمنية والأكاديمية مع المواطنين العرب. وقد عملت حالة الطوارئ المعلنة في إسرائيل على إعادة تشكيل "القبليّة الإسرائيلية"، فكل مواطن خارج القبيلة اليهودية ولا يؤمن بمبادئها هو عدو ويتم  تكثيف العنصرية والقمع السياسي والاجتماعي بحقه. 

ويصف بدر المواطن العربي في إسرائيل بأنه الحلقة الأضعف التي تُستهدف من قبل النظام العنصري في إسرائيل ومحاولة الضغط عليها، لا سيّما أن هناك جزءاً من الأحزاب الإسرائيلية ينظر إلى المواطن العربي في إسرائيل على أنه "طابور خامس" يجب التخلص منه.

بدوره، يلفت غانم إلى أن الأساس في كل تلك النقاشات جعل إسرائيل أكثر يهودية بالمعنى الديني وبالمعنى القومي، وهذه النقاشات التي تجلت في ما عُرف بالانقلاب القضائي كانت استناداً إلى هذه الجدلية، وهي جعل إسرائيل أكثر قومية وأكثر يهودية بما في ذلك السيطرة على الضفة الغربية المحتلة، فلذلك توجد تأثيرات غير مباشرة من حيث الأثر على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى المواطن العربي في إسرائيل وعلى الشعب الفلسطيني في الضفة، ومن جانب آخر هناك تأثيرات مباشرة من حيث إغلاق أو تضييق الحيز على المواطنين الفلسطينيين العرب في إسرائيل.

يستنتج غانم من ذلك: "نحن (المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل) في حصار، وهناك حاجة للفلسطينيين في إسرائيل إلى التفكير في آليات الخروج من هذا الحصار، ومشكلة الفلسطينيين في إسرائيل أنهم جزء مهم من الشعب الفلسطيني أولاً، وفي ظل عدم وضوح الرؤية الفلسطينية والتوجه العام إلى أين تسير البوصلة، فهل هو خيار الدولة الواحدة أم خيار الدولتين أم خيار حماس أم خيار فتح، وأثبتت الحرب أنه لا توجد طريقة جدية ومؤثرة للتعامل مع التحديات التي تفرضها إسرائيل".

ويستطرد الأكاديمي الفلسطيني: "نحن جميعاً في أزمة وجزء من الأزمة الفلسطينية هي أزمة الفلسطينيين في إسرائيل، وكذلك لكونهم فلسطينيين في إسرائيل هناك مطاردة لهم وتضييق عليهم وسلب لحقوقهم على ضوء صعود اليمين المتطرف في إسرائيل، لذلك في نهاية الأمر الفلسطيني في إسرائيل إستراتيجياً أمام وضع مستمر سوف يتفاقم أكثر فأكثر لأن هذه الحكومة الإسرائيلية هي حكومية يمينية عنصرية متطرفة تستهدف تهجير الفلسطينيين والتضيق عليهم سواء في غزة أو الضفة أو القدس أو في أراضي الـ48، وهذا يشكّل مأزقاً وجودياً حقيقياً".

كما يرى أن كل تداعيات الخلافات الداخلية حتى الآن تعكس سلباً على الفلسطينيين في الداخل، وهنالك خلاف جدي داخل المجتمع الإسرائيلي بين المعارضة والحكومة، ولكن الخلافات داخل الحكومة هي خلافات تكتيكية وبسيطة، ومن المستبعد أن يقوم أحد مكونات الحكومة بالانسحاب منها وإسقاطها. مع ذلك، يستدرك بأنه قد تتكاثر الضغوط الخارجية من المعارضة ومن الشارع  والرأي العام بما تؤدي إلى التأثير على هذه الحكومة وإضعافها وربما إجبارها على الاستقالة، ولكن في الواقع، هذه الحكومة بمركباتها هي حكومة ثابتة ومستقرة.

ويختم شحادة حديثه لرصيف22 بأن المجتمع العربي يتأثر بشكل مباشر بقضايا تقليص الميزانيات والتجاذبات السياسية داخل مركبات الحكومة لأن زيادة تلك الميزانيات للحريديم والاستيطان يقابلها تقليص مخصصات السلطات المحلية العربية في إسرائيل، مما يؤثر سلباً على طبيعة الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطن العربي في المدن والبلدات والتجمعات السكانية العربية ويدفع المواطن العربي الثمن في القضايا الاقتصادية والخدماتية، فهذه الحكومة أكثر يمينية وعنصرية وبذلك فهي أشد في التعامل مع المجتمع العربي في إسرائيل.

وفي تقرير لمركز عدالة الحقوقي، يتعرض المواطن الفلسطيني في إسرائيل للملاحقة السياسية ولحملات ملاحقة من قبل المؤسسات الحكومية الرسمية والجماعات اليمينية المتطرفة وازدادت هذه الملاحقات بشكل كبير منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويقول المركز إن الحكومة الإسرائيلية تتهم كل من يعبر عن رأيه ويُظهر تعاطفه مع الضحايا في قطاع غزة من المدنيين الفلسطينيين بأنه يحرّض على الإرهاب ويدعم منظمات يصنّفها إرهابية، وهو ما تعتبر "عدالة" أنه يأتي ضمن السياسة المنظمة التي ينتهجها اليمين الإسرائيلي في هذه الحكومة في ملاحقة المواطنين العرب والتضييق عليهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard