طالب قرار مجلس الأمن رقم 2732، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالتشاور مع الحكومة العراقية لإعداد خطة نقل وتصفية مهام بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، بحلول نهاية عام 2025، وتحديد تاريخ انتهاء أنشطة التصفية، مع ترشيد مهام البعثة بتوفير المشورة ودعم تعزيز الأعمال التحضيرية للانتخابات الاتحادية والفدرالية لضمان نزاهتها، وتسهيل مسار إيجاد حل نهائي للمسائل المعلّقة بين العراق والكويت، مع تعزيز المهام الإنمائية والإنسانية، بما فيها عودة النازحين وتحسين توفير الخدمات المدنية والاجتماعية الأساس. و"تتوقف بعدها البعثة عن جميع الأعمال والعمليات المنوطة بها باستثناء ما يتبقّى من أنشطة تصفية البعثة"، تماشياً مع طلب الحكومة العراقية.
"يونامي" وغوتيريش، "ملتزمان تماماً" بتنفيذ المهام الواردة في القرار، حسب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الذي أضاف: "الأمم المتحدة لا تزال ملتزمةً بقوة بدعم العراق في تطلعاته إلى مستقبل سلمي وآمن"، منوّهاً بأحاديث غوتيريش حول تحقيق العراق "إنجازات كبيرةً" منذ إنشاء "يونامي" عام 2003، ومساعدتها في دفع الحوار السياسي الشامل في العراق، وإجراء الانتخابات، وتعزيز المساءلة، وحماية حقوق الإنسان، وتنسيق عودة النازحين وإعادة إدماجهم داخل البلاد.
الاستقرار أو الانتقام؟
وفي بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، أشار رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، إلى أن "طلب بلاده إنهاء عمل بعثة ‘يونامي’، يأتي بناءً على ما يشهده العراق من استقرار سياسي وأمني"، مؤكداً استمرار التعاون مع الوكالات الدولية، بما يتفق مع البرنامج الحكومي ومستهدفاته التنموية، لا سيما في مجالات "الإصلاح الاقتصادي" وإعمار البنى التحتية، وتنامي قدرات القوات المسلحة. وأضاف البيان: "استقبل السوداني الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، بمناسبة انتهاء مهام عملها، معرباً عن تقدير الحكومة لجهودها خلال فترة عملها في العراق".
طالب قرار مجلس الأمن رقم 2732، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالتشاور مع الحكومة العراقية بإعداد خطة نقل وتصفية مهام بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، بحلول نهاية عام 2025، وهو قرار أثار كثيراً من المخاوف والجدل في الأوساط السياسية
ويعتقد الباحث في الشأن العراقي، علي الكرملي، أن توجه السوداني نحو إنهاء بعثة "يونامي"، جاء مدفوعاً بانتقاد البعثة مؤخراً لحكومته، عبر إشارتها إلى تراجع الديمقراطية والحقوق والحريات خلال فترة حكمه، بينما أشادت بالحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، ووصفتها بأنها كانت حكومةً جيدةً نوعاً ما، وقد حققت بعض الإنجازات.
"ندرك جميعاً أن العراق قد تغيّر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأن مهمة ‘يونامي’ بحاجة إلى إعادة تنظيم كجزء من التزامنا بتعزيز عراق آمن ومستقر وذي سيادة"، قال نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، روبرت وود، في خطابه أمام مجلس الأمن، بعد ترحيبه بخطط الإنهاء المنظم لـ"يونامي"، وبتبنّي القرار بالإجماع أيضاً.
ووصف مستشار رئيس الوزراء العراقي، حسين علاوي، القرار بأنه "يدعم عودة العراق كدولة طبيعية إلى المجتمع الدولي بعد أكثر من 21 عاماً من مسار الأمم المتحدة وعملها في البلاد"، مشيراً إلى أن العراق "سيحافظ على علاقته بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي بعد انسحاب ‘يونامي’، عبر المنسق الإقليمي بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة، وبآلية جديدة، هي آلية الدولة المستقرة التي تتعاون مع الوكالات الأممية، كلّاً حسب اختصاصها كالزراعة والصحة والتربية والتعليم والمسار التعليمي والتغير المناخي، وهو إنجاز تاريخي سينعكس على الاقتصاد العراقي وقدرة البلد وسياسته المالية في عملية التحرر التام من العقوبات المالية التي ورثها العراق قبل 40 عاماً نتيجة السياسات المغلوطة للنظام البائد".
"يونامي"... المهام والمشاريع
وُلدت بعثة "يونامي" بقرار مجلس الأمن الذي حدد مهامها بناءً على طلب الحكومة العراقية نفسها، حسب الباحث في الشأن العراقي، مجاهد الطائي. ونتيجةً لذلك، "كانت تقوم بمهام معيّنة تخدم الحكومة العراقية، ولم تكن بعثةً تضع في الحسبان معايير الأمم المتحدة ورؤيتها ومبادئها في تقييم الأوضاع المحلية في العراق، إلا عبر الإحاطات المقدّمة إلى مجلس الأمن. وهو ما جعل البعثة الأممية بمثابة "شاهد زور" على انتهاكات حقوق الإنسان وتسرّب السلطة إلى أيادي جماعات السلاح وتزوير الانتخابات، بالإضافة إلى الفساد الذي طال البعثة وموظفيها".
تُهم الفساد تلاحق ممثلة الأمين العام جينين بلاسخارت، وفي تقرير للـ"غارديان" تقاضى موظفو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن مساعدات بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني رشاوى وصلت إلى 15% من قيمة العقد.
و"يونامي" وفقاً لمكتب الأمم المتحدة في العراق، هي بعثة سياسية خاصة تأسست بناءً على طلب الحكومة العراقية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1500 عام 2003. وتوسّعَ دورُها بشكلٍ كبيرٍ بموجب القرار 1700 عام 2007. وبحسب التفويض الممنوح لها، تقدّم "يونامي" المشورة والدعم والمساعدة لحكومة العراق وشعبه بغية تعزيز حوار سياسي شامل ومصالحة وطنية ومجتمعية، والمساعدة في العملية الانتخابية، وتيسير الحوار الإقليمي بين العراق وجيرانه، وتعزيز حماية حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني. كما كُلّفت بالعمل مع الشركاء الحكوميين والمجتمع المدني لتنسيق الجهود الإنسانية والإنمائية لوكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها.
ويرأس البعثة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يعاونه نائبان، يشرف أحدهما على الشؤون السياسية والمساعدة الانتخابية، ويشرف الثاني على الجهود الإنسانية والإنمائية للأمم المتحدة، مع تأدية مهام المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في العراق. وبحسب مكتب الشؤون السياسية وبناء السلام التابع للأمم المتحدة، يتم التمديد للبعثة على أساس سنوي، وقد لعبت دوراً داعماً رئيسياً في عملية صياغة واعتماد الدستور العراقي عام 2005، وساعدت في إجراء الانتخابات الوطنية والبرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات في إقليم كردستان العراق منذ عام 2009.
وتماشياً مع قرار مجلس الأمن رقم 2576 لعام 2021، نفذت "يونامي" أحد أكبر مشاريع الأمم المتحدة للمساعدة الانتخابية في جميع أنحاء العالم، دعماً للانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بما في ذلك المساعدة التقنية ونشر 150 خبيراً انتخابياً دولياً تابعاً للأمم المتحدة قبل يوم الانتخابات وفي أثنائها. وفي ذلك العام، تعزز دورها الاستشاري ومساعدتها التقنية في مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ بالتعاون مع فريق الأمم المتحدة القطري.
ترحيب شيعي... ومخاوف سنّية وكردية وعلمانية
رحّب تحالف الحسم الوطني العراقي بالقرار 2732، قائلاً إنه يأتي بالتزامن مع النجاحات التي حققتها حكومة السوداني على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، عادّاً القرار تتويجاً لهذه النجاحات. وفي بيانه، عدّ التحالف استجابة المجتمع الدولي لطلب حكومة السوداني إنهاء حقبة الوصاية الدولية على العراق، "انتصاراً لحق العراق في سيادة كاملة متكاملة على قراره وموارده وسياساته وصوناً لحقوقه وحقوق أجياله".
من جانبه، يشير مركز "CFRI" الخاص بالشأن العراقي، إلى أن وجود "يونامي" في العراق لم يعد مبرراً، وفق منظور السوداني وتيارات الإطار التنسيقي الداعمة له، نظراً إلى "التقدم الكبير" الذي أحرزته الحكومات العراقية المتعاقبة. هذه الرؤية دعمتها الأحزاب الشيعية المهيمنة على الساحة السياسية، فيما أعربت الأحزاب السنّية والكردية عن مخاوفها، وعبّرت عن قلقها العميق تجاهها. فبحسب حزب الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية، يتطلب هذا القرار مراجعةً شاملةً، فالبعثة تتأثر أحياناً بالمصالح السياسية والحزبية والشخصية، إلى جانب تأثير بلاسخارت على قيادة البعثة واتجاهها، لصالح الحكومات. وفي ظل المخاوف من هيمنة شيعية قد تعرض مصالح الأكراد والسنة وسواهما للخطر، أجمعت الأحزاب الرئيسة في إقليم كردستان، على ضرورة استمرار البعثة.
يرى مؤيدو الحكومة بأن القرار يدعم عودة العراق كدولة طبيعية إلى المجتمع الدولي بعد أكثر من 21 عاماً من عمل البعثة في البلاد، بينما يشير مراقبون إلى أنه جاء مدفوعاً بانتقاد البعثة لأداء الحكومة، عبر إشارتها إلى تراجع الديمقراطية والحقوق والحريات
في حديثه إلى رصيف22، يقول الطائي إن "لا تأثير لحضور "يونامي" أو لغيابها عن الساحة العراقية، على المخاوف النابعة من تنامي سيطرة القوى الشيعية المسلحة، أو تقلص مساحات الأقليات والمكونات الأخرى أمام الهيمنة الشيعية. فالبعثة الأممية لم تقم بأي دور خارج حدود الخدمات التي تطلبها الحكومة العراقية التي تهيمن عليها القوى الشيعية. مع ذلك، لا يجب استباق الأحداث والحسم بمغادرة "يونامي"، لأن ولايتها ستنتهي بنهاية عام 2025. وهذه المدة كفيلة بحصول تغيرات كبيرة في العراق قد تجعل مجلس الأمن يغيّر موقفه ويصوّت على قرار يمدد عمل البعثة فترةً أخرى".
لكن المخاوف من إنهاء البعثة جدية وموضوعية، حسب الكرملي، وتطال كل الأحزاب السياسية ما عدا الشيعية منها، بما فيها الأحزاب المدنية والعلمانية التي تأسست بعد انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019. ويشير الكرملي لرصيف22، إلى أن غياب "يونامي" يعني غياب الرقابة الدولية على الوضع العراقي، وتالياً سيصبح المجال مفتوحاً أمام التيارات الموالية لإيران لتقرر مصير العراق كما تشاء. كما ستزداد سطوة هذه التيارات في الحكم بالقوة بدلاً من القانون، مع فرض آرائها على الأصعدة والمستويات والمناطق كافة. وسيزداد القمع وتتراجع حقوق الإنسان في العراق، نتيجة غياب الجهة التي كانت تعمل على تسليط الضوء على هذه القضايا. إلى جانب ذلك، ومع انتهاء ولاية البعثة الأممية، قد تشهد الانتخابات البرلمانية القادمة، عمليات تزوير أو تلاعب بنتائجها، خاصةً أن نتائج انتخابات عام 2021 سببت حالةً من الغيظ لأحزاب الإطار التنسيقي، وكادت أن تؤدي إلى حرب أهلية، نتيجة إصرار الإطار التنسيقي على التواجد في السلطة.
الانتخابات... لا الفساد
تُهم الفساد تلاحق "يونامي" وبلاسخارت من كل حدب وصوب. وفق تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، تقاضى موظفو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن مساعدات بقيمة 1.5 مليار جنيه استرليني رشاوى وصلت إلى 15% من قيمة العقد. والرشاوى المزعومة هي واحدة فقط من مزاعم الفساد وسوء الإدارة. وفي إفادته للصحيفة البريطانية، قال موظف في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "الصفقات تمت شخصياً وليس على الورق لتجنّب اكتشافها"، حيث يعمل العراقيون النافذون أحياناً كضامنين. وأفاد آخرون بأن "الطرف الثالث يأخذ أيضاً حصةً من الرشوة". وإلى جانب الفساد يتم إهدار الأموال على ورش عمل ومبادرات تدريبية لا تعكس المبالغ المصروفة عليها الحقيقة على أرض الواقع.
أعربت الأحزاب السنّية والكردية عن مخاوفها وقلقها العميق من القرار، وبحسب حزب الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية، يتطلب هذا القرار مراجعةً شاملةً.
يضيف "CFRI"، أن أوساطاً سياسيةً واجتماعيةً وناشطين عراقيين ينتقدون دور بلاسخارت الغامض في إدارة شؤون بلادهم، ويجادلون حول فسادها المزعوم، وتجاوزها حدود وظائفها، بالإضافة إلى تذبذب مواقفها، وهو ما أزعج بعض الشخصيات الحكومية، ودفعها للضغط من أجل إنهاء مهمتها بشكل دائم، مدفوعةً بشواغل حقيقية حول دور البعثة مستقبلاً، بما في ذلك الإشراف على الانتخابات البرلمانية المقررة أواخر 2025. وهو ما يكتسب أهميةً خاصةً، في ظل الحديث عن عودة مقتدى الصدر إلى الساحة السياسية، حيث يرجح إصراره على وجود بعثة أممية للإشراف على العملية الانتخابية ومراقبتها، منعاً لأي تزوير أو تلاعب، ما يتعارض مع مصلحة الأحزاب الشيعية الساعية إلى منافسته في "انتخابات نزيهة أو غير نزيهة"، لمنعه من تشكيل الحكومة. ووفقاً لـ"CFRI"، تسعى حكومة السوداني إلى إغلاق أقسام الانتخابات والشؤون السياسية وحقوق الإنسان في "يونامي" مع الاحتفاظ بدور المنسق المقيم للأمم المتحدة.
برغم تورط بلاسخارت في قضايا فساد كثيرة مع جميع التيارات العراقية، بما فيها الإطار التنسيقي، إلا أن ما أزعج الأخير، حسب الكرملي، انتقادات بلاسخارت للإطار التنسيقي في جلسات مجلس الأمن الدولي، برغم علاقاتها المشبوهة معهم، بجوار علاقاتها الأكثر شبهةً مع إقليم كردستان. فوفقاً لمصادر شخصية، حصلت بلاسخارت على عقارات وامتيازات كثيرة في أربيل، مقابل تلميع صورة الحزب الديمقراطي الكردستاني، مع مناصرة حكومة الإقليم في خلافاتها مع الحكومة الاتحادية في بغداد.
يتمتع العراق بزخارف الديمقراطية الليبرالية، كالانتخابات والحريات الفردية المنصوص عليها في الدستور، حسب الزميل الباحث الأول في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومدير مشروع "مبادرة العراق" في تشاتام هاوس، د. ريناد منصور، لكنها لم تؤدِ وحدها إلى سلام دائم، وبدلاً من ذلك، قسّمت التسوية السياسية السلطة على أسس عرقية طائفية، وخلقت نخباً جديدةً وفرصاً لا حدود لها لنهب ثروة الدولة. وقد أدى إفلات هذه النخبة من العقاب إلى جعل الدولة غير متماسكة أمنياً، حيث استخدمت إفلاتها من العقاب للحفاظ على جماعاتها المسلحة الخاصة، الموالية لها، بدلاً من موالاتها الحكومة، كما استخدمت العنف للتفاوض والتنافس على السلطة، خاصةً بعد الانتخابات أو اللحظات السياسية الرئيسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 4 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.