شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أطفال ثورة يناير...

أطفال ثورة يناير... "ولسه للحلم بقية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التجمع

الخميس 26 يناير 202305:24 م

في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، كانت زهوة عصام تستعد للاحتفال بانتهاء امتحانات الفصل الدراسي الأول للصف الثالث الإعدادي، وتعد نفسها ليوم حافل بالتنزه ومشاهدة ما تعرضه قنوات التلفزيون. خرجت زهوة التي كان عمرها وقتها 15 عاماً مع صديقاتها عقب انتهاء الامتحان الأخير، ولاحظن تراجع جودة شبكات الاتصالات بشكل يفوق المعتاد، تتذكر عصام: "لاحظنا عدم استقرار شبكة الاتصالات وعدم قدرتنا على التواصل مع ذوينا لطمأنتهم علينا، ثم فوجئت بوالدي إذ جاء يصطحبني من النادي، وقال لي إن هناك مظاهرات كثيرة في القاهرة والإسكندرية ولا أحد يعلم علام ستستقر الأمور".

كان الحديث عن الثورة والسياسة في بيت زهوة أمراً طبيعياً، "أنا من أسرة يسارية كانت تنتمي لحزب التجمع، وتقود الحزب في محافظتنا –كفر الشيخ- لذلك كنت قبل الثورة بسنوات أسمع عن الصراع مع أيمن نور، وتأسيس حركة كفاية، والمفكر جورج إسحاق، ولكن بطبيعة المرحلة لم أهتم بتلك الأمور لأني كنت طفلة".

زهوة واحدة من ملايين الطفلات والأطفال المصريين الذين كانت علاقتهم بالثورة وقت قيامها، تقتصر على ما يسمعونه عنها؛ والذين تعرضوا لطوفان هادر من الدعاية المضادة التي تصم الثورة بكل كارثة تشهدها مصر منذ العام 2011 إلى الآن

بعد 12 عاماً، أصبحت زهوة الآن كاتبة محتوى، تستدعي الثورة أحياناً في موادها المنشورة، وعلى الرغم من أن علاقتها بالثورة لا تتخطى سماع أحاديث الكبار – وقتها- ومتابعة الدعاية المضادة للثورة على شاشة التلفزيون (وقتها والآن)، لم تتمكن تلك الدعاية من تحييد مشاعرها تجاه الثورة، تقول: "أنا مدينة لها بكل شيء، فمثلاً، منذ أن كنت في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية وأنا أحلم بأن أكون صحافية، ولكن ليس لسبب جوهري أو مهم، لكن لاعجابي بحياة البحث عن الحقيقة والمغامرة، ولكن ما خلق جوهر هذا الحلم هو ثورة يناير، فطوال الـ18 يوماً، وما تلاها، وأنا أحاول أفهم، لماذا هؤلاء المتظاهرون غاضبون، ولماذا هناك أشخاص يكرهون النظام ورأسه، ولماذا هناك شعور عام بالظلم وانعدام الحقوق والحريات، بالطبع الإنترنت ساعد على إيجاد إجابات لكل تلك الأسئلة خاصة موقع فيسبوك، لكن الثورة هي التي فتحت المجال العام على مصراعيه، ووضعت المجتمع المدني بقوة في المشهد العام سواء كان اجتماعياً أو سياسياً".

على الرغم من أن علاقتهن بثورة 25 يناير لا تتخطى سماع أحاديث الكبار – وقتها- ومتابعة الدعاية المضادة للثورة على شاشة التلفزيون (وقتها والآن)، لم تتمكن تلك الدعاية من تسميم مشاعرهن تجاه الثورة

زهوة واحدة من ملايين الطفلات والأطفال المصريين الذين كانوا كل علاقتهم بالثورة وقت قيامها، هو ما يسمعونه عنها؛ والذين تعرضوا لطوفان هادر من الدعاية المضادة التي تصم الثورة بكل كارثة اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية تشهدها مصر منذ العام 2011 إلى الآن، إلا أنهم على الرغم من تلك الدعاية المكثفة اختاروا أن يروا ثورة 25 يناير على نحو آخر، تقول زهوة: "أشد ما أندم عليه، أن والدي أراد اصطحابي للشارع في 28 يناير، قال لي هذا الحدث ربما لن يتكرر مرة أخرى، لذلك فلا بد أن تريه بنفسك، لكنني خفت وعدت للمنزل، لكن لو عاد بي الزمن، لعدت لتلك اللحظة كي أتمسك بها، وأشارك في الهتاف ضد رأس النظام".

الشيماء أحمد فاروق تصغر زهوة بعام واحد، قامت الثورة وهي تبلغ من العمر 14 عاماً تقريباً، لم تكبر في عائلة مُسيسة كسابقتها، إلا أن شعورها نحو الثورة التي لم تشارك فيها ولم تسمع عنها سوى كل شر، لم يختلف كثيراً: "أنا من قرية تابعة لمركز مطاي في محافظة المنيا، اندلعت الثورة ونحن في إجازة نصف السنة الدراسية الأول، وكالعادة كنت أشاهد التلفزيون عندما أتى والدي بعد صلاة المغرب وقال «بيقولوا في ناس نزلت عملت مظاهرات في مكان اسمه ميدان التحرير»".

على الرغم مما كانت تكرره وسائل الإعلام عن هؤلاء المخربين والجواسيس الذين يحتلون ميدان التحرير، كان هناك شيء داخل الشيماء فاروق، يقول لها إن هذا التحرك الشجاع "التظاهر ضد نظام يملك كل هذه الأسلحة" لا يمكن إلا أن يكون إيجابياً

ذكريات الشيماء عن أول أيام الثورة لا تستدعي سوى التساؤلات التي كانت تجتاح عقلها وقتها: "المظاهرات دي عايزة إيه؟ هيوصلوا لإيه طيب؟".

لكن على الرغم مما كانت تكرره وسائل الإعلام عن هؤلاء المخربين والجواسيس الذين يحتلون ميدان التحرير، كان هناك شيء داخلها يقول لها إن هذا التحرك الشجاع "التظاهر ضد نظام يملك كل هذه الأسلحة" لا يمكن إلا أن يكون إيجابياً: "كانت تغمرني الحماسة والسعادة دون أن أعرف السبب حتى إنني ظللت أمام التلفاز لا أتحرك طوال 18 يوماً مدة الثورة".

تشعر الشيماء أيضاً أنها مدينة للثورة: "كنت طفلة وحيدة وانطوائية، حياتي كلها كانت عبارة عن التلفزيون فقط، بعد الثورة تجرأت وخضت نقاشات بل خناقات مع المدرسين عندما وصفوا شباب الثورة بأنهم أولاد بعدما عدنا للدراسة، وقتها غلبني شعور بأن الثورة صنعت لي شخصية، فأنا فقط كنت أتابع الأحداث بتفاصيلها وأفهمها وأتابع قنوات الجزيرة على عكس كافة زملائي الذين كانوا أطفالاً لم يفهموا أو يستوعبوا ما يحدث حولنا. كنت سعيدة جداً بهذا التميز والاختلاف".

رانيا رشوان: كان أكبر تأثير للثورة عليّ هو أنني كبرت بإحساس القدرة على التغيير والإصلاح، وصرت مؤمنة طوال الوقت بأني قادرة على تغيير واقعي

أكثر ما تتذكره الشيماء فاروق هو "حالة الزخم التي غمرت الحياة في مصر"، كانت تتابع الآراء الكثيرة المؤيدة لأفكار الثورة والكارهة لها، ومن داخل معسكر التغيير نفسه، كانت ترى أفكار اليمين واليسار، ورؤية التيارات السياسية المختلفة لمستقبل الحياة والاجتماع المشترك في مصر: "أفكاري تغيرت مع تغير الأحداث، وتطورت بسبب زخم المعلومات والآراء المتاحة، كل هذا ساهم في جعلي غير محدودة الأفق ولا أرى اتجاهاً واحداً. رغم أنني أذكر بعض الذكريات المؤلمة أيضاً، فحين دهست المدرعات المتظاهرين على كوبري قصر النيل، أرهقت والديّ بسبب الحالة النفسية التي تملكتني، فكنت أحضن التلفزيون وأنا أبكي بحرقة، وأطلب من والدي أن يصطحبني لهؤلاء المتظاهرين، لكنه كان مستوعب كلامي ومشاعري ويعمل على تهدئتي".

تساؤلاتها وجدت إجابة، عندما أدركت أن هناك فئة واسعة من المصريين -تنتمي إليهم والدتها- بلتصقون بحب السلطة نفسها من دون النظر إلى هوية من يمتلكها

أما رانيا رشوان، وهي طالبة بقسم علم النفس بكلية الآداب، 23 سنة، فتروي: "كنت في نهاية المرحلة الابتدائية وقت اندلاع الثورة، وبحكم أن والدي يعمل في الشرطة، فكانت السياسة حاضرة في المنزل، وكان أبي دائم المتابعة لقنوات الأخبار، وبطبيعة الحال كان مناصراً للنظام، لكن أنا وأخواتي كنا مناصرين للثورة، وكلما حاولنا عقد نقاش معه لم يكن يغير رأيه، لكن أكثر ما أتذكره عن تلك المرحلة كان شعوري حين عدنا للدراسة، إذ قال الإداريين بتهكم «مش انتم بقى الجيل اللي قام بالثورة»، كنوع من الاستهزاء، وقتها لم أشعر سوى بالفخر وإني محسوبة على جيل الشباب الذي قام بهذا التغيير العظيم، وكان أكبر تأثير للثورة عليّ هو أنني كبرت بإحساس القدرة على التغيير والإصلاح، وأني مؤمنة طوال الوقت بأني قادرة على تغيير واقعي، وشكلت وعيي، وحتى مساهمتي في الدعوة لانتخاب د. عبدالمنعم أبو الفتوح، في الانتخابات الرئاسية 2012، ودعمته مع إخواتي، ومحاولات اقناع الجيران والمدرسين بانتخابه، وقتها تملكني الفخر والشعور بأن من حولي يأخذوني على محمل الجد، ولست الطفلة التي لا أهمية لرأيها أو أفكارها".

ع. ع، تعمل في وزارة الصحة، تبلغ من العمر 27 عاماً، وتعيش في القاهرة حيث ميدان الثورة الأشهر.

اندلعت الثورة أثناء خوضها امتحانات الفصل الدراسي الأول لشهادة إتمام  المرحلة الإعدادية. عادت من الامتحان لتجد من في البيت يتابعون الأخبار على شاشة الجزيرة، فيما كانت القنوات المصرية المحلية تنقل أبناء الهدوء التام وفشل دعوات التظاهر.

تقول الإدارية الشابة: "طوال الـ18 يوماً، لم أرفع عيني عن شاشة التلفزيون، أراقب تجمعات المتظاهرين والثوار في ميدان التحرير. لم أشارك ولم أنزل للميدان ولكنني كنت متابعة بدأب من المنزل. ورغم أن أهلي كانوا يكرهون الثورة، وكانت والدتي من محبي الرئيس السابق حسني مبارك، ومن بعده الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، ولا تزال تلصق كل شر بالثورة، إلا أنني كنت وقتها أشعر أن هناك لبساً ما؛ وأتساءل كيف ترى أمي هذا الجمال في الميدان باعتباره شراً؟".

تساؤلاتها وجدت إجابة، عندما أدركت أن هناك فئة واسعة من المصريين -تنتمي إليهم والدتها- بلتصقون بحب السلطة نفسها من دون النظر إلى هوية من يمتلكها: "حتى بعد تولي الرئيس السابق محمد مرسى للحكم، ورغم انتماءاته لجماعة الإخوان، أيدته والدتي وكانت ترفض دعوات التظاهر في 30 يونيو".

وتكمل ع. التي تتحفظ على ذكر اسمها لأسباب تتعلق بالحفاظ على السِلْم العائلي: "بالطبع لو الزمن عاد بي للوراء، كنت سأشارك في الثورة منذ اليوم الأول، ليس لشيء سوى الشعور بإحساس الأمل الذي غمر مصر كلها، وأنه رغم كل العفن وكل الدمار من حولنا، هناك أمل بمصر أفضل".

وتقول الإدارية الشابة: "لولا أني عاصرت تلك المرحلة، لم أكن لأفهم معنى إدارة سيئة للبلاد ومعنى ديكتاتورية، في هذا الوقت شعرت بالانتماء لمجموعة من الناس لم أقابلهم يوماً ولم أرهم بعيني، منهم من مات ومنهم من لا يزال حياً ولكنه يتألم نفسياً وجسدياً. كذلك الثورة هي التي حطمت القوالب التي وضعت للشباب، حتى الميدان نفسه كان يتسع للكل مع جميع اختلافاتهم واتجاهاتهم الفكرية، وهو ما أعطاهم بعده الجرأة على الإعلان عن نفسه، وعن أفكاره".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard