شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من الترحيب إلى الترحيل... تحول مفاجئ في سياسة الهجرة البرتغالية

من الترحيب إلى الترحيل... تحول مفاجئ في سياسة الهجرة البرتغالية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

السبت 29 يونيو 202412:49 م


لأكثر من 17 عاماً كانت البرتغال ملاذاً للمهاجرين من جميع أنحاء العالم.

فتح هذا البلد الصغير في جنوب غربي أوروبا أبوابه للمهاجرين بغض النظر عن جنسياتهم وألوانهم، مانحاً إياهم فرصة جديدة للحياة والعمل، لكن في تحول دراماتيكي قررت البرتغال إلغاء سياسة الباب المفتوح التي كانت تميزها، وأصبح الكثير من المهاجرين في حالة من الصدمة والارتباك.

بدون حدود ولا حسابات ظلت البرتغال من بين الدول الأوروبية الأكثر ترحيباً بالمهاجرين، ما جعلها وجهة مفضلة للعديد من الأفراد والعائلات الباحثين عن حياة أفضل، فالسياسات البرتغالية المرنة ساهمت في تباطؤ انكماش عدد السكان المحليين وجذبت الاقتصاد بعيداً عن حافة الانهيار، ومنحت الجنسية البرتغالية لعدد كبير من المهاجرين بعد إقامات طويلة تجاوزت الست سنوات في البلاد، وعكس هذا الانفتاح روح التعايش والتسامح، ما ساهم في تعزيز التنوع الثقافي والاجتماعي.


صدمة إلغاء "تعديل الوضع"

في الثالث من يونيو/حزيران من العام الحالي، أعلنت حكومة اليمين الوسط بقيادة لويس مونتينيغرو، عن إلغاء مادتي 89 و88 من قانون الإقامة البرتغالي، المعروف محلياً باسم قانون تعديل الوضع.

هذا القرار المفاجئ جاء في سياق موجة يمينية تجتاح أوروبا في الفترة الأخيرة، حيث تسعى الحكومات إلى كبح الهجرة بكافة الوسائل الممكنة. خلال إعلان الإجراءات الجديدة أعلن مونتينيغرو عن رغبته في: "وضع حد للإساءة المفرطة" في ترحيب البرتغال بالمهاجرين، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على التوازن بين استقبال المهاجرين وحماية الهوية والثقافة البرتغالية.

هذا القرار المفاجئ جاء في سياق موجة يمينية تجتاح أوروبا في الفترة الأخيرة، حيث تسعى الحكومات إلى كبح الهجرة بكافة الوسائل الممكنة

كانت الصدمة كبيرة بين الوافدين الجدد إلى البرتغال، خاصة أولئك الذين دخلوا البلاد بشكلٍ قانوني عن طريق التأشيرة الأوروبية (شنجن)، والتي كانت تعتبر المفتاح للحصول على إقامة البرتغال بناءً على مادتي 89 و88 في القانون الذي تم إلغائه.

سفيان، هو مهاجر جزائري 37 عاماً، جاء من ولاية الأغواط بعد أن نفذ صبره لقلة فرص العمل المجدية واستحالة الحياة بعد أن باع آخر قطعة أرض يمتلكها، يروي تجربته لرصيف 22 قائلاً: "ظللت لأكثر من عام ونصف أخطط لتلك اللحظة التي أدخل فيها أوروبا لأحصل على الإقامة من خلال بوابة البرتغال الشرعية، لكن بعد وصولي بأسبوع واحد فقط، فوجئت بإلغاء القانون الذي دام لـ17 عاماً وإغلاق باب الأمل في وجهي".

يضيف سفيان: "دفعت الكثير من المال حتى أصل لشبونة، حرصت على أن تكون أموري قانونية للحصول على تأشيرة شنجن، واستكملت المشوار بدفع ما يزيد عن 400 يورو هنا في لشبونة لاستخراج الأوراق الحكومية اللازمة لاستكمال ملف تعديل الوضع وفقاً لمتطلبات وشروط الحكومة البرتغالية ولم يبق معي سوى مال يكفي لشهر واحد. ولأن حظي العاثر أوقعني مع محامي بطيء، لم أتمكن من استكمال ملفي لتقديمه عبر بوابة تعديل الوضع الإلكترونية. استيقظت يوم 3 يونيو/حزيران على خبر إلغاء تعديل الوضع، الذي كان من أسوأ أخبار حياتي على الإطلاق"

"بعد وصولي البرتغال بأسبوع واحد فقط، فوجئت بإلغاء القانون الذي دام لـ17 عاماً وإغلاق باب الأمل في وجهي". سفيان، 37 عاماً، مهاجر جزائري

فحص أوراق المهاجرين في الميادين

لم يمض أسبوع على إلغاء القانون حتى بدأت الشرطة البرتغالية بفحص الأجانب في الميادين وفي وسائل النقل العامة بين المدن، مما أثار قلقاً بين المهاجرين.

سُجلت حالات لأشخاص تم فحص أوراق إقامتهم ولم يحصلوا على إجابات واضحة حول مصيرهم، هذه الإجراءات الجديدة أدت إلى تزايد المخاوف بين المهاجرين غير النظاميين الذين باتوا يشعرون بمزيد من الضغط، وسط أزمات لا تنتهي في مجالات العمل والسكن.

في هذا السياق أكد محامي الهجرة البرتغالي ميجيل إدواردو، في تصريحات لرصيف 22 أن كل هذه الإجراءات عادية وليس هناك ما يدعو المهاجرين للقلق، موضحاً أن البرتغال دولة لا تطرد المهاجرين ولن ترحل أحداً خارجها خلال هذه الفترة المرتبكة.

واعترضت نحو 50 جمعية تدافع عن حقوق المهاجرين على إلغاء قانون تعديل الوضع، معتبرة أن القرار يضر بالبرتغال ويعيدها إلى تسعينيات القرن الماضي، حين عانت البلاد من تضخم أعداد المهاجرين غير النظاميين. هؤلاء المهاجرون كانوا عرضة للاستغلال في مشاريع تنموية ضخمة بدأت عام 1998، حيث استغلهم تجار البشر وأصحاب العمل لفترة طويلة قبل إعلان قوانين الهجرة عام 2007.

من جهة أخرى ترى الحكومة الجديدة أن استمرار سياسة الباب المفتوح أضرت بالبلاد ونشرت الفوضى. وتقول الحكومة إن إدارة الهجرة التي أُعيدت هيكلتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تستطع التعامل مع الأعداد الكبيرة من طالبي الإقامات، خاصة في ظل نقص عدد الموظفين وزيادة طلبات العديد منهم من أجل نقلهم للعمل في خدمات أخرى داخل الدولة، كما زادت التحديات مع تراكم نحو نصف مليون ملف لإقامات تعديل الوضع العالقة.

كانت إدارة الهجرة قبل أسابيع قليلة من إعلان إلغاء سياسة الباب المفتوح، أرسلت رسائل بريد إلكتروني لعدد كبير من أصحاب الملفات العالقة ضمن فئة طالبي تعديل الوضع، وتسبب هذا الإجراء المفاجئ في حالة من الارتباك لا سيما وأن الرسالة طلبت من صاحب الملف أن يدفع عبر بوابة إلكترونية ما يصل إلى 400 يورو، ليتمكن من الحصول على موعد لدى أحد مكاتب إدارة الهجرة، لتقديم أصول مستنداته ومن ثم الحصول على الإقامة.

وسرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرات من أن هذه الرسائل ما هي إلا مجرد وسيلة احتيال من مخترقي بيانات إدارة الهجرة. لكن ما هي إلا ساعات وتبين أن الرسائل هي إجراء جديد من إدارة الهجرة في البرتغال يهدف إلى الحصول على رسوم إضافية من طالبي الإقامة، في مقابل تسريع الإجراءات. والذي جعل الكثير من الأشخاص ينظرون إلى هذه الرسائل بريبة سببها الافتقار للمعلومات وصعوبة التواصل مع مكاتب الهجرة للتأكد، حتى أن التضارب طال المحامين البرتغاليين الذين كانوا آخر من يعلم بهذا الإجراء الجديد.

البحث عن المهاجرين الأثرياء

تقول المحامية البرتغالية المتخصصة في أمور الهجرة آنا دوميجوز، لرصيف 22 إن إدارة الهجرة في البرتغال تعاني من ضغوط كبيرة بسبب التخبطات الإدارية وزيادة عدد القضايا المرفوعة ضدها من قبل طالبي إقامات تعديل الوضع، مشيرة إلى أن هذا الوضع دفع بالكثيرين إلى اللجوء إلى المحاكم لتسريع عملية الحصول على بطاقات الإقامة.

وترى دوميجوز أن إلغاء قانون تعديل الوضع قد يخفف الضغوط مؤقتاً على الحكومة، لكنه في الوقت ذاته يزيد من أعداد طالبي اللجوء، لأن جميع القنوات القانونية الأخرى قد أُغلقت، ما يضع البرتغال أمام تحديات جديدة في التعامل مع طالبي اللجوء وفقاً للقوانين الدولية.

تشير الاتجاهات الجديدة إلى أن البرتغال تسعى الآن لجذب نوعية مختلفة من المهاجرين، مثل "الرحالة الرقميين"  Digital Nomad، والمستثمرين، إذ أن هؤلاء المهاجرون يحتاجون إلى إثبات دخل شهري مرتفع أو الاستثمار في العقارات والشركات البرتغالية، ما يعكس تحول البرتغال نحو جذب المهاجرين الأثرياء.

في السياق ذاته، يقول زيدان محمد، مهاجر تونسي 31 عاماً ويعمل في إحدى شركات خدمة العملاء في البرتغال منذ نحو العام، إنه حصل على بطاقة الإقامة قبل 3 أشهر من خلال الاستفادة من قانون تعديل الوضع. ومع ذلك، يدعم زيدان قرار الحكومة بإلغاء القانون، معتبراً إياه كان سبباً في زيادة أزمة السكن وفرص العمل، خاصة في العاصمة لشبونة. (أظهرت نتائج استطلاع حديث أن الأسرة في البرتغال تنفق قرابة الـ40% على السكن).

تسعى البرتغال الآن لجذب "الرحالة الرقميين" والمستثمرين، ممن يقدمون إثبات دخل شهري مرتفع أو استثماراً في العقارات والشركات البرتغالية، ما يعكس تحول البرتغال نحو جذب المهاجرين الأثرياء.

ويشير زيدان إلى أن البرتغال اكتفت حالياً من استقبال أعداد كبيرة من المهاجرين، وتبحث الآن عن المهاجر الثري الذي يأتي بأنواع تأشيرات مخصصة، مثل تأشيرة "الرحالة الرقميين"، التي تتطلب من المتقدم للحصول عليها إثبات دخل لا يقل عن أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور في البرتغال، أي حوالي 3,040 يورو شهرياً، وهي تأشيرة مفتوحة للقادمين من خارج الاتحاد الأوروبي بدءً من عمر 18 عام وحتى 65 عاماً ويحق لصاحبها أن يجمع شمل أسرته في البرتغال طالما أنه يحقق شروط الإقامة بالعمل فقط عن بعد ولديه مكان مناسب للسكن. وبعد خمس سنوات من الإقامة، سيكون المقيم قادراً على التقدم بطلب للحصول على الجنسية البرتغالية.

وبعيداً عن إلغاء قانون تعديل الوضع، لا يزال هناك فرصة للهجرة إلى البرتغال من خلال تأشيرة عمل أو تأشيرة البحث عن عمل التي أطلقتها البرتغال قبل أكثر من عام. وكذلك لا زال بإمكان الأجانب الذين دخلوا إلى البلاد بتأشيرة شنجن سواء تأشيرة سياحية أو غير سياحية أن يلتحقوا بالمعاهد الدراسية ويحصلوا على إقامة دراسية تمكنهم من مواصلة دراستهم بحرية والعمل على الأراضي البرتغالية بشكلٍ قانوني.

البرتغال تتحول بسرعة من بلد ترحيبي مفتوح أمام المهاجرين إلى بلد يفرض قيوداً صارمة على الهجرة. هذا التحول يعكس التغيرات السياسية والاجتماعية التي تجتاح أوروبا، وتترك الكثير من المهاجرين في حالة من القلق وعدم اليقين، وبينما تحاول البرتغال التكيف مع التحديات الجديدة، يبقى مستقبل المهاجرين فيها غير مؤكد.

وتظل التساؤلات قائمة حول مدى قدرة البرتغال على تحقيق التوازن بين حماية هويتها الوطنية وتلبية احتياجات اقتصادها المتنامي، وبين الوفاء بالتزاماتها الإنسانية تجاه أولئك الذين يسعون لحياة أفضل على أراضيها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard