شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مدريد تحاكي تجربة القصف... تضامناً مع فلسطين

مدريد تحاكي تجربة القصف... تضامناً مع فلسطين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

دوت صفارات الإنذار وأصوات المدافع والقنابل في حي "لاس ليتراس" وهو أحد أقدم الأحياء في قلب العاصمة الإسبانية مدريد، في فعالية تضامنية مع الشعب الفلسطيني، لتجربة محاكاة للقصف الإسرائيلي المستمر والمستعر الذي يعاني منه أهالي قطاع غزة منذ أكثر من 8 أشهر، وذلك عبر بث أصوت القصف والإسعاف في حراك تفاعلي لما يعيشه الغزيون من رعب وقتل، حيث تجاوز عدد الضحايا الأربعين ألفا معظمهم من الأطفال والنساء. 

وقام بهذه الفعالية حوالي خمسون إسبانياً وإسبانية من مختلف الأعمار للتضامن مع الشعب الفلسطيني وللتنديد بالكارثة الإنسانية في فلسطين وللمطالبة بوقف حرب الإبادة فوراً.

ودعت هذه المحاكاة التفاعلية منصة "الحرية لفلسطين" بالتعاون مع جمعيات ومنظمات حقوقية إسبانية مختلفة وأحزاب اشتراكية، ونُظم هذا الحدث بهدف تسليط الضوء على القمع والظلم الذي يواجهه الفلسطينيون يومياً.

بدأ الحراك بنشر علم فلسطيني يبلغ طوله حوالي خمسة أمتار، حيث انطلقت صفارة إنذار سُمعت في جميع أنحاء الحي، مما دفع المشاركين من نساء وأطفال ورجال ملطخين بدماء زائفة إلى الاستلقاء على الأرض في رمزية للضحايا الأبرياء في غزة.

حي "لاس ليتراس" في مدريد يعيش تجربة القصف والرعب تضامناً مع فلسطين، عدسة رزان ملش

سعَت الفعالية إلى إظهار العواقب المدمرة للعدوان الإسرائيلي على حياة المدنيين الفلسطينيين، فقد دُمرت البيوت والجامعات والمدارس والمستشفيات، ولم يعد هناك أي مكان آمن في هذا القطاع المحاصر والذي يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة.

وأوضحت المنصة المنظمة للفعالية أن: "هذه المحاكاة تهدف إلى خلق تأثير بصري وسمعي وعاطفي للتفكير في الواقع القاسي الذي يعيشه ملايين الرجال والنساء والأطفال في فلسطين تحت الاحتلال والقصف".

بدأ الحراك بنشر علم فلسطيني يبلغ طوله حوالي خمسة أمتار، حيث انطلقت صفارة إنذار سُمعت في جميع أنحاء الحي، مما دفع المشاركين من نساء وأطفال ورجال ملطخين بدماء زائفة إلى الاستلقاء على الأرض

وشددت الصحفية تيريزا أرانغورين، 70 عاماً، وإحدى منظمات الفعالية لرصيف22، على أهمية الموقف الأوروبي قائلة: "نحن كأوروبيين نراقب ولم نفعل أي شيء إزاء ما يحدث وهذا أمر خطير للغاية من منظور تطور الإنسانية والحريات وحقوق الإنسان".

وأكدت الصحفية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط أن الحكومات الغربية تدعم هذا الوضع وهي شريكة غير مباشرة في الإبادة: "إذا لم تعارض هذه الإبادة، فأنت تدعمها وتسمح بها".

وأضافت:" نحن هنا مستمرون في تظاهرنا لنقول موقفنا بضرورة عمل تحرك شعبي يطالب بوقف إطلاق النار ويفرضه، ويفرض وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ويمنع استمرار هذه الإبادة، فنحن نشهد إبادة وتطهيراً عرقياً لسكان ليس لديهم جيش، وهم محاصرون في منطقة دون أن يتمكنوا حتى من الهرب. لا يمكننا أن ننظر في اتجاه آخر بعيداً عما يحدث في غزة، فهذه الفظائع وبهذا الحجم تؤثر علينا جميعاً كبشر، وليس فقط على الفلسطينيين، لا يمكننا السكوت، يجب وقف إسرائيل ووضع حد لهذه الدولة المجرمة".

حي "لاس ليتراس" في مدريد يعيش تجربة القصف والرعب تضامناً مع فلسطين، عدسة رزان ملش

وعند سؤالنا لها عن سبب اختيار حي "لاس ليتراس" المدريدي الشهير لهذا الحراك، فقالت:"مدريد التي ترونها اليوم كانت قد عانت خلال الحرب الأهلية الإسبانية من القصف والحصار، ففي ذاكرة المدينة هناك مثال على الصمود في وجه البربرية ومثال على المقاومة كما في غزة، واختيار حي يتمتع بشعبية كبيرة مثل هذا الحي هو بمثابة اعتراف من الإسبان بأهمية تحديد موقفهم بأن يكونوا مع فلسطين ومع غزة من مركز عاصمتهم، مهم أن نضع أنفسنا مكان أهالي غزة، خاصة وأن ما يعانونه قد فاق الوصف المريع والمرعب وهو جحيم لا يطاق".

"مدريد التي ترونها اليوم، عانت خلال الحرب الأهلية الإسبانية من القصف والحصار، ففي ذاكرة المدينة هناك مثال على الصمود في وجه البربرية ومثال على المقاومة". الصحفية تيريزا أرانغورين، 70 عاماً، إحدى منظمات الفعالية

أما الناشطة الحقوقية الإسبانية مايتة مارتين، 36 عاماً، فقالت لنا: "أنا مذعورة مما يحدث في غزة، تراودني الكوابيس وصور الأطفال ضحايا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول، ضد المدنيين العزل. لا أعرف ماذا أفعل فأنا أخرج في كل احتجاج وتظاهرة، لكننا لم نوقف الإبادة ومازلت مستمرة، لم يسمع أحد صراخنا ونحن نقول لا للإبادة، لذلك فأقل ما يمكنني عمله هو أن أشارك في أي حراك ضد الإبادة ولوقفها".

في الفعالية التقينا أيضاً برئيس الجالية الفلسطينية في إسبانيا نايف إبراهيم، الذي أشاد بالموقف الإسباني:"منذ بداية حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والشعب الإسباني لا يتردد في إظهار دعمه وتعاطفه، ونحن اليوم نرى المجتمع المدني الإسباني يبتكر طرقاً جديدة ليظهر تعاطفه مع معاناة أبناء شعبنا وللتنديد بالمذابح المستمرة بحقه، الفعالية مهمة لأنها تفاعلية تشاركية تهدف لتقريب ما يعانيه الفلسطينيون تحت القصف والدمار للإسبان، ليعيشوا ولو لحظة شيئاً مشابهاً لتقريب صورة الوضع المريع في غزة لهم هنا في مدريد".

حي "لاس ليتراس" في مدريد يعيش تجربة القصف والرعب تضامناً مع فلسطين، عدسة رزان ملش

وفي جانب متصل نشر معهد "إلكانو الملكي" الإسباني استطلاعاً للرأي في أواخر الشهر الماضي قد أظهر أن 71% من الشعب الإسباني يعتقد أن ما تفعله إسرائيل في غزة هو إبادة جماعية، وأن 78% من الإسبان يؤيدون اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية، كما ويؤمن 67% منهم أنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يفرض عقوبات على إسرائيل. 

وإسبانيا تتصدر اليوم قائمة الدول ذات المواقف الإيجابية مع فلسطين، فقد اعترفت المملكة الإسبانية بفلسطين في 28 أيار/مايو المنصرم، رغم الاحتجاجات الإسرائيلية والتهديدات، لكن إسبانيا التي تحاول دوماً أن تظهر وكأنها تعمل وفقاً للأسس والمبادئ والقيم الأوروبية، فقد تبنت موقفاً مغايراً لباقي دول الاتحاد الأوروبي بتصريحات جريئة لرئيس حكومتها. أيضاً نذكر بأن مدريد تاريخياً لم تقم علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال حتى العام 1986، وجاء ذلك بعد أن أصبحت إسبانيا عضواً في السوق الأوروبية المشتركة.

حي "لاس ليتراس" في مدريد يعيش تجربة القصف والرعب تضامناً مع فلسطين، عدسة رزان ملش

خلال التغطيات الصحفية الكثيرة لحملات التضامن الإسباني والتظاهرات الضخمة وجدت في كثير منهم إنسانية لا حدود لها، يؤكدون لي دائماً بأنهم سيستمرون في الاحتجاج والتضامن مع فلسطين حتى وقف الإبادة وتقديم القتلة ومجرمي الحرب للمحاكمة، وهذه الفعالية في مدريد ما هي إلا دليل بسيط على عمق التضامن الشعبي الإسباني مع القضية الفلسطينية، لتسليط الضوء على أهمية اتخاذ مواقف أوروبية أكثر قوة وحزماً لوقف الإبادة المستمرة في غزة.

حي "لاس ليتراس" المدريدي كان ساحة لتجسيد الألم والأمل والتضامن الإنساني وروح الأخوة التي تخطت الحدود والقارات واللغات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image