"يتعرض الفلسطينيون من قبل الصهيونية بشكل متزايد لعمليات الإقصاء والسلب والحبس والعزلة والتعذيب والإبادة. وفي عام 2023، لمناسبة مرور 75 عاماً على النكبة، أردنا أن نؤكد أنَّ النظام الصهيوني هو نظام قائم على الفصل العنصري وأنه لا يمكن أن يستمر لفترة أطول". بهذه المقدمة افتتحت مؤسسة ورئيسة تحرير مجلة "إيديا آرابيا" الإلكترونية المختصة بالِشأن العربي والإسلامي. كارمن رويث برابو، مستعربة ومترجمة وأستاذة الدراسات العربية والإسلامية الإسبانية كرست حياتها في نشر الثقافة العربية والإسلامية في الأوساط الأكاديمية والثقافية في إسبانيا وأمريكا اللاتينية. وكرمت بجائزة الصداقة من قبل البيت العربي في مدريد. و هي جائزة تقدير يعلن عنها في يوم اللغة العربية لتكريم المفكرين والأدباء والمترجمين الذين ساهموا في نشر اللغة العربية وثقافتها في إسبانيا. تعتبر كارمن من أهم المترجمين والأكاديميين الإسبان الذين ترجموا أعمالاً لأبرز الأدباء العرب مثل نزار قباني ومحمود درويش ومي زيادة وجبران خليل جبران وسحر خليفة. إلى جانب ترجمتها، تعتبر كارمن من الأصوات القوية في المشهد الإسباني لدفاعها عن القضية الفلسطينية. كان لرصيف22 هذا الحوار معها.
على مدى سنوات طويلة عملت بجهد وشغف لبناء جسر ثقافي بين الثقافة العربية والإسبانية، ماذا يعني لك التكريم الذي منحك اليوم جائزة الصداقة العربية من قبل مؤسسة البيت العربي؟
جائزة الصداقة العربية التي تمنح لي اليوم تحمل أهمية كبيرة بالنسبة لي على الصعيدين الشخصي والجماعي. إن شعوري بهذه الجائزة مزيج من المشاعر الإيجابية والقلق والهواجس. أشعر بشوق كبير للزملاء من العالم العربي، خاصة من فلسطين. ويبدو أن المسؤولين قرروا منح هذه الجائزة بهدف استعادة علاقة صداقة حقيقية بين العالم الإسباني والعربي، بعيداً عن العلاقات السطحية في المناسبات الدبلوماسية والاحتفالات العامة.
"النظام الصهيوني، نظام قائم على الفصل العنصري ولا يمكن أن يستمر لفترة أطول". كارمن رويث برابو، إسبانية مستعربة ومترجمة وأستاذة للدراسات العربية والإسلامية في إسبانيا.نعيش اليوم فقداناً ملموساً بعد رحيل المستعرب وأستاذ الأجيال بيدرو مونتابييث، وخاصة في هذه الأزمة الإنسانية العربية والمأساة الحقيقية التي نشهدها في فلسطين. إننا بحاجة ماسة إلى حضوره وتوجيهاته في هذا الوقت الصعب. لهذا السبب، أعتقد أن منحي هذه الجائزة هو محاولة لاستعادة شخصيته بشكل معنوي. إن هذا التكريم يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للعلاقة الفكرية التي تربط بيني وبين هذا المفكر الكبير، الذي كان رمزاً في المجال الاجتماعي وليس في المجال الأكاديمي فقط.
خلال مشوارك الأدبي، تعاونت مع الطليعة الثقافية التي حدثتنا عنها بجهود جادة على مر سنوات طويلة لتغيير الصورة النمطية المغلوطة عن العرب، خاصةً في إسبانيا التي يرتبط تاريخها بالحضارة العربية والإسلامية. كيف كنت تعملين على تحقيق ذلك؟
أنا سعيدة أنني تعرفت على العديد من المفكرين والكتاب العرب من نساء ورجال. ومن حسن حظي أنني تعلمت منهم ومنهن معنى أن تكون مفكراً أو مواطناً في العالم العربي ومؤمناً بمستقبل أفضل، وبالإصلاح، وبالكرامة، وبالعدالة، وبالحرية.
لكن هذا لا يمنع التطرق إلى مشاكل الإعلام العربي والعالم الإسباني، ومناقشة الأخطاء. أؤمن بأن النقد المتبادل والحوار البناء النقدي يبني ولا يهدم. أنا ضد من يقترح أنه لا داعي لتناول الأمور السلبية في ما يخص البلدان العربية أو الحضارة العربية أو المجتمعات الإسبانية. أنا مع الصراحة والحقيقة. هذا لا يؤثر سلباً على صورة العرب، بل يساهم في نقل رسالتنا إلى الجمهور الإسباني. كما يساعد هذا النقد على إيصال صوتنا ورسالتنا بفعالية وصدق إلى الناس.
ما تعريف الحضارة والثقافة من منظورك الخاص؟
أهم ما يميز الثقافة هو العلاقات الإنسانية ومفهوم العدالة تجاه الإنسان. وبالطبع، التقدم في الجوانب التكنولوجية والمعرفة في العلوم التطبيقية يعتبر شيئاً إيجابياً وضرورياً. ومع ذلك، جوهر الثقافة والحضارة يكمن في التركيز على الإنسان نفسه والشعور بالعنصر الإنساني المشترك. يجب علينا تقييم الثقافة والحضارة بناءً على هذا الأساس. فمثلاً ما يشار إليه بحضارة وتقدم إسرائيل في دولة فلسطين، ما هو سوى مشروع صهيوني غير حضاري وغير متقدم وغير مثقف. كما يعتبر مضاداً للحضارة ومعادياً للإنسانية. هذا الواقع أصبح واضحاً للغاية. يمكننا أن ننظر إلى تاريخ إسبانيا والاستعمار في أمريكا والتطهير الإسباني للمورسكيين كأمثلة توضح هذه الرؤية.
"ما يشار إليه بحضارة وتقدم إسرائيل في دولة فلسطين، ما هو سوى مشروع صهيوني غير حضاري وغير متقدم وغير مثقف. كما يعتبر مضاداً للحضارة ومعادياً للإنسانية". كارمن رويث برابو
خصص العدد عشرين في مجلة "إيديا آرابيا" الإلكترونية التي أسستها في الثمانينيات وأصبحت رئيسة تحريرها، للحديث عن أوضاع الأطفال في غزة. ما هي رسالتكم وموقفكم في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وكيف تعملون كأدباء وكتّاب على تغيير السردية الصهيونية التي تدعمها بعض الأحزاب السياسية وحتى بعض المفكرين في إسبانيا؟
اخترنا موضوع الأطفال في غزة لأن الواقع كان يستدعي ذلك. كما أن الكثير من الناس لا يدركون أن تأسيس إسرائيل لم يكن نتيجة الحرب العالمية الثانية، بل نتيجة الحركة الصهيونية التي تسبق هذه الحرب بخمسين سنة. لذا، يجب على أي شخص يملك معرفة بسيطة بهذا الأمر أن يشرح هذه الحقيقة التاريخية للجمهور.
المقالة الأولى تهدف إلى مشاركة الشعور الإنساني بين الإسبان والإسبانيات حيال مصير هؤلاء الأطفال الأبرياء. هؤلاء الأطفال يستحقون مستقبلاً أفضل، ويجب أن لا يتعرضوا لهذا العدوان لا هم ولا آباؤهم ولا الإنسانية جمعاء. فالطفولة هي المستقبل وهي الجزء البريء والضعيف في الحياة، الطفولة لا تنتمي إلى الفلسطينيين فقط بل تنتمي إلينا كلنا. لهذا السبب، نحن جميعاً نشعر بضعفنا وهذا يجمعنا. الأطفال الفلسطينيون، بحياتهم وموتهم وشخصياتهم يكشفون عن ضعفنا حيالهم. إنهم ضعفاء ولا يوجد لديهم أحد يدافع عنهم في هذا العالم الجديد غير المثقف.
"الطفولة هي المستقبل وهي الجزء البريء والضعيف في الحياة، الطفولة لا تنتمي إلى الفلسطينيين فقط بل تنتمي إلينا كلنا" كارمن رويث برابوهذه المجلة جاءت كخليفة لمجلة سابقة تدعى "المنارة" التي أسسها الأستاذ بيدرو مونتابييث وكنت أنا وزملائي الأساتذة المحررون متطوعين فيها. في بداية السبعينيات، كانت المجلة الوحيدة التي تم إصدارها في نهاية حكم فرانكو واستمرت عشر سنوات، ركزت على العالم العربي والإسلامي. وفي صيف عام 1974، عرضت وزارة الخارجية دعماً مالياً للمجلة عبر المركز الثقافي العربي شريطة عدم التطرق إلى قضايا فلسطين. لكننا رفضنا هذا العرض واستمررنا في النشر بشكل مستقل. للأسف، لم نستطع الاستمرار في إصدار المجلة لفترة طويلة بسبب صعوبات مالية.
حتى أنني ترجمت كتاباً للمفكر بشارة خضر بعنوان "أوروبا وفلسطين من الحرب الصليبية". اضطررت أن لا أذكر اسمي كمترجمة للعمل بل استخدمت اسماً آخر وهو ماريا لوبيث، كوني كنت موظفة في المعهد الإسباني العربي التابع لوزارة الخارجية. هذا يشير إلى أن لدينا تاريخاً طويلاً من العلاقات الأكاديمية والسياسية، إذ دافعنا دائماً عن حرية التعبير وحق الناس في التحدث عن الأمور المهمة.
بعد مرور خمس عشرة سنة على هذا الحدث أُطلقت مجلة "إيديا آرابيا" من دار النشر "كانتارابيا". كان تأسيس المجلة مغامرة جديدة وكان يعتبر نوعاً من أشكال المقاومة.
وقع مئات من العاملين في القطاع الثقافي على بيان يطالب الحكومة الإسبانية بتعليق "تجارة الأسلحة والتعاون العسكري والأمني مع إسرائيل حتى تنهي إسرائيل الاحتلال العسكري ونظام الفصل العنصري وتسمح بحق العودة إلى أكثر من ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني_. هل شاركت في هذا البيان وما تقديرك لمدى أهمية مثل هذه الحراكات التضامنية من قبل الأدباء والفنانين في إسبانيا؟
في إسبانيا، تيارات قوية وجريئة من مدرسين وكتّاب وأدباء، ولهم تأثير كبير في المشهد السياسي. قبل عامين، قمنا بتوقيع بيان لوقف مشروع قانون كان مقرراً تنفيذه، ويهدف إلى منع أي نقد لإسرائيل بذريعة منع معاداة السامية. كان هذا القانون على وشك التنفيذ، على نحو يشبه ما يحدث حالياً في ألمانيا. ولكننا تمكنا من إيقافه بفضل ردة الفعل الإيجابية من قبل الأكاديميين الذين أدركوا أن له تأثيراً خطيراً على حرية البحث والعمل الأكاديمي. في هذا السياق، يجب التنويه إلى أن الوضع في إسبانيا حالياً يبدو أفضل من الوضع في بعض الدول الأخرى مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أن هناك تضامناً قوياً مع فلسطين في أمريكا. مع ذلك، يجب أن ندرك وجود نشاط صهيوني قوي ونشط في الأوساط الإسبانية، حتى في الأوساط السياسية كما الاجتماعية والأكاديمية، وهذا يستدعي تنبهنا والعمل على التصدي لهذا التأثير.
بشكل عام، توجد صراعات داخلية في إسبانيا نظراً لأهميتها ليس من الناحية السياسية بل من الناحية الرمزية. فشبه الجزيرة الإيبيرية لها تأثير كبير في التاريخ وقد تمثلت لفترة طويلة كقوة استعمارية. لذا، نحن نمثل أوروبا بوصفها قوة قادرة على تعزيز الحوار وتعزيز التعايش والتآخي الحقيقي، على الرغم من وجود احتفالات في الثاني من يناير/كانون الثاني في إسبانيا تنظمها بعض الجهات والتي تحتفل بما يسموه فتح غرناطة من قبل الكاثوليكيين، بينما هناك من يبكي ويتذكر سقوط غرناطة.
يطالب الكثير من المورسكيين (وهم المسلمون الذين احتفظوا بإسلامهم ضمنياً واعتنقوا المسيحية الكاثوليكية ظاهرياً مجبرين خلال حكم ملوك الكاثوليك في الأندلس) والمسلمين حتى الآن باعتذار رسمي من الحكومة الإسبانية على ما قامت به الممالك القشتالية من طرد وقتل وتهجير لهم بالإضافة إلى انتزاع ممتلكاتهم وأراضٍ هل يمكن مقارنة هذه الوقائع بما حدث في فلسطين؟
نعم، هناك دعوات لهذا الأمر من تيارات تمثل أحفاد المورسكيين وبعض الإسبان الذين يعيشون في إسبانيا. هذه المطالب مبررة ومشروعة لأي شخص يرغب في تسليط الضوء على التاريخ المشترك والاعتراف بأن هذه الأفعال كانت سادية ولا يجب التفاخر بها. إن الإرث الإيجابي الذي نحمله من الحضارة الإسلامية العربية هو إرث مشترك جاءنا بطرق سلمية وإيجابية. لذا، يجب على كل فرد أن يتأمل في التاريخ الاجتماعي.
"الأحزاب اليمينية التقليدية ليست المشكلة الأساسية. المشكلة الرئيسية تكمن في أن العديد من الإسبان يميلون إلى الشعور بالتفوق والتفكير في ثقافتهم وحضارتهم على أنها الأفضل وعلى أنهم متقدمون على الآخرين" كارمن رويث برابوهل تعتقدين أن الأحزاب اليمينية لها دور في تنظيم مؤتمرات تحث على التفاخر وتكريم الملوك الذين ارتكبوا أعمالاً سادية ضد المسلمين والعرب، كما ذكرت سابقاً؟
الأحزاب اليمينية التقليدية ليست المشكلة الأساسية. المشكلة الرئيسية تكمن في أن العديد من المواطنين الإسبان يميلون إلى الشعور بالتفوق والتفكير في ثقافتهم وحضارتهم على أنها الأفضل وعلى أنهم متقدمون على الآخرين، ويمكن أن يعزى هذا الموقف الاستعماري إلى الإعلانات ووسائل الإعلام والتعليم في المدارس. ليس من الضروري أن يكون هذا الشعور نتيجة تأثير الأحزاب اليمينية المتطرفة، بل يمكن أن يتواجد حتى في الأحزاب اليسارية المتقدمة والاشتراكية. يتجلى هذا الشعور في اعتقاد بعض الأفراد بتفوق الثقافة الغربية والتقدم على الثقافات الشرقية.
كيف طورت رحلتك الثقافية في اللغة العربية وما انطباعك عن المدن العربية التي زرتها؟
كنت في سوريا خلال صيف في السبعينيات، وهذه هي أولى ذكرياتي عن هذا البلد. خططت لدراسة اللغة العربية والترجمة في السنة الثانية في الدكتوراه في جامعة مدريد كومبلوتينسيي. وقد تساءلت كيف سأستطيع دراسة اللغة والترجمة والتحدث بالعربية بشكل مقبول وأنا لا أتقنها جيداً بعد. لذا قررت مع صديقتين لي أن نقوم بزيارة بلد عربي لنكتسب المزيد من المهارات. قررنا إرسال رسالة إلى جامعة دمشق، لنسأل عن فرص القبول والتدريب هناك. ولم يمض وقت طويل حتى وصل الرد من جامعة دمشق، مرحبين بنا. قدموا لنا سكناً للطالبات بأسعار معقولة. لذا، قررنا أن ندخر المال طوال العام لشراء تذاكر السفر إلى دمشق والبقاء هناك شهرين خلال فصل الصيف.
"هربنا من صفوف الدراسة إلى اللاذقية والرقة وتدمر، زرت أيضاً المكتبات العامة وتناولت القهوة في المقاهي الشعبية الدمشقية". كارمن رويث برابو.كنت أبذل جهداً في شراء الكتب لتحضير أطروحتي للدكتوراه حول القومية العربية. وكنا نجتمع في ساعة الغداء أنا وزميلاتي لنتحدث في مواضيع مختلفة ثم نفترق. بدأنا أيضاً في دراسة العامية المحكية بجانب اللغة الفصحى مع استاذة مختصة. كما هربنا من صفوف الدراسة إلى اللاذقية والرقة وتدمر، زرت أيضًا المكتبات العامة وتناولت القهوة في المقاهي الشعبية. ولاحظت أن العقلية السورية منفتحة على الفلسفة والحضارة، وهذا يعطيني الأمل في إمكانية استعادة العالم العربي لآفاق جديدة من الحرية، ما لم يتعرض لعوائق خارجية.
كما كان من حسن حظي زيارة القاهرة. هذه الزيارة جعلتني أتعرف أكثر على المجتمع المصري.
لقد منحتني تلك التجارب والذكريات خبرة حياتية لا تنسى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه