يستمر الكاتب والمخرج المسرحي لوسيان بورجيلي في رحلة بناء عالمه الأقرب إلى عالمنا المعاش، هذه المرة يقوم باستعادة حيّة و"ملبننة" لمسرحية "عدوّ الشعب" للكاتب النرويجي هنريك إبسن. هذه المحاولة فيها من إسقاطات وتحويلات على ما نعيشه اليوم ومحاولة لكشف الأشياء والأحداث والإضاءة عليها.
سلسلة من الممثلين وطاقم إخراجي عصري على مدى ساعتين من الزمن يدخلنا من خلالها بورجيلي إلى القرون الماضية، وكأننا في قلب الانتقال وجزء منه، هذه القرية القديمة التي صرنا جزءاً منها هي مزيج من أشخاص وكاراكتيرات قوامها الجنون وحب السّلطة والمكر والخداع وحياكة المؤامرات والتواطؤ والانهزاميّة وغيرها من الصفات التي لربما ودون أدنى جهد في التفكير نقوم بإسقاطها على واقعها اللبناني الذي نعيشه.
النص الذي يختار بورجيلي الأمانة له وللأسماء، كما الإبقاء على شخصياته والتعامل معها على أساس معانيها وبنائها، هكذا حوّله بورجيلي إلى تحفة مرئيّة وأضفى عليه حواشٍ ومضاعفات تساعد في فهم مناخ القرية
النص الذي يختار بورجيلي الأمانة له وللأسماء، كما الإبقاء على شخصياته والتعامل معها على أساس معانيها وبنائها، هكذا حوّله بورجيلي إلى تحفة مرئيّة وأضفى عليه حواشٍ ومضاعفات تساعد في فهم مناخ القرية. يشعر الواحد منا أنه في مسرح نحن شركاء فيه، نتنقل كمشاهدين من مكان إلى آخر، بل قريبين جداً من فكرة التمثيل ولعلنا فعلناها من دون أن ندرك ذلك على مدى ساعتين من التذكّر والتذكير بما يجري اليوم استناداً إلى مسرحية عالميّة.
التقى رصيف 22 لوسيان بورجيلي عقب العروض وتحدثنا طويلاً في العمل وما حوله من متاعب وفرص نجاح ومحاكاته للواقع والخطاب الذي يسعى إلى تقديمه والأثر الذي تخلّفه الكتابة المسرحيّة والعروض في نفسه. عن خيبات وثورات غير مكتملة وإخفاقات كان كلامٌ كثير.
- دائماً ما تركّز على الأعمال الاجتماعية التي ترتبط بواقع اليوم، هل اخترت النص أو لجأت إليه لهذا السبب، وما الذي دفعك إلى اختياره؟
لا أخفيك أنّ النص أساساً من اقتراح البروفيسور روبرت مايرز. كنتُ قد قرأتُ النصّ سابقاً وأُعجبتُ به ونام في رأسي. بعد اقتراحه عليَّ أعدتُ قراءته وشعرتُ أنّه ابن اليوم. يمتلك الكثير من القدرة على التفاعل من قبل الناس، نظراً لفكرة رئيسة مغرية مفادُها أنّه نص مكتوب منذ 140 سنة. حين تنتبه أنه مكتوب منذ ذلك الوقت وفي بلد مختلف، يصبح من شأنه أن يعطينا بارقة أمل، أنّ بلداً مثل النرويج كانت هكذا وصارت كما نعرفها الآن.
نحن الآن نشبه بلداً نحكي عنه عام 1882، يستطيع هذا البلد بالوعي والجهد أن يكون في مكان آخر، ربما تكون هذه رسالة المسرحيّة وفكرة عرضها في توقيت كهذا.
- هل تفكّر أن العرض هو محلّ لطرح الأسئلة والإشكالات؟
لا أقصد الإشكالات ولا أتقصّدها، هي ببساطة دعوة للمواطنين للتفكير في أننا لماذا نكون هنا الآن وما الذي أوصلنا إلى هذا الدّرك؟ وكيف يمكننا الخروج منه؟ المسرحية هي حافز للسؤال لماذا نحن في الدوامة؟ وهل سنبقى على حالنا في رحلة لومِ أنفسِنا وغيرنا؟ هل الخطأ والتقصير موجود فينا؟ هل لخياراتنا السياسيّة دور في هذا المجال مثلاً؟ ماذا نفعل بيومياتنا؟
إذا أردنا أن نتحدث فعلاً عن "عدو الشعب"، هم زعماء الطوائف الذين يريدون مصلحتهم ومصالح عائلاتهم. هؤلاء وجودهم ضرر على المجتمع، ولكنّهم مع الأسف باقون على الكراسي.
تطرّقت المسرحيّة إلى دور الإعلام مثلاً. يحق وربّما يجب على من يخرج من المسرحيّة أن يسأل عن دور الإعلام، إعلام الزبائنية، أين هو الآن؟ ماذا عن فكرة الفرد بالمجتمع، ما هي علاقته بالمجتمع؟ هل يفتش الفرد على مصلحته؟ المصلحة النفعيّة الخاصة والسريعة أم يلتفت إلى العامة التي ستعود عليه نفعاً في نهاية المطاف؟ ربما تكون هذه الأسئلة التي تطرحها المسرحيّة وتفتح المجال أمامنا وأمام المشاهدين لنقاشها.
- كلامك هذا يغيّر رؤيتي للمسرحيّة، بحيث قرأتها في البداية بنفس انهزامي؟
لستَ وحدك في هذه القراءة، سمعتُ هذا الرأي من آخرين كثر. العمل ببساطة هو مرآة، نحن حين ننظر إلى المرآة نجدُ فيها أنفسنا بكلّ تفاصيلها وصفاتها، المرآة تساعد على رؤية الحقيقة. المسرحية هي مرآة للواقع الذي نعيشه، شغلنا في المسرح يقوم على أن نسأل هذه الأسئلة ومن ثم لاحقاً نغيّر شيئاً أو نفتح كوّة في جدار. إبسن هو من أوائل من كتبوا مسرحيّات بلا إجابات، لمجرّد فتح نقاش والدعوة للتلاقي. هدفنا من عرض المسرحيّة هو هذا النقاش، لربما تبقى معك لعدّة أيام، فتأثر على حياتك.
- شعرنا ونحن نتنقل بأننا جزء من العمل. هل هذا الأمر مقصود من قبلك؟
هناك عدّة أسباب؛ أوّلها أنّ فكرة المسرح الانغماسي تدفع الجمهور ليس فقط أن يرى المسرحيّة، بل ليغوص وينغمس فيها. الفكرة تكمن في أن يدخل المتفرّج إلى العمل بكل حواسه، حتى التذوّق حين يشرب الماء من عين الضيعة. الجلوس أيضاً ولمس الصخرة، كلّ هذا الانغماس يعطيك شيئاً واقعياً، بحيث تشعر فعلياً أنك زائر لهذه الضيعة.
ربما التورّط شيئاً فشيئاً، يدفعك لإزالة الفاصل بين الواقع والخيال. المسرحية تتحدث عن حياتك بمحل ما، "الريّس"فيها هو الذي نجده دائماً في مكان ما وتراه في التلفزيون، وفي كلّ خطاب. كما تساعد بالدخول ورؤية الطرق الملتوية التي يعمل بها السّاسة، عمليات الضغط والتهديد والترغيب والترهيب، وحقوق التعبير مثلاً. المسرحيّة هي عين الواقع والمنطقة.
- ماذا عن أسماء الشخصيّات التي بقيت كما هي ولم "تُلبْنِنها"؟
كان لديّ إصرار كبير، لا أدري ما مردّه، على إبقاء الأسماء كما هي. الدافع الأوّل هو الانغماس، والثاني هو ضرورة التذكر بأنّ تلك القصّة حصلت في ذلك البلد الذي هو اليوم في تلك المرتبة. لا يمكنني أيضاً أن أنكر أنّ في الإبقاء على الأسماء تكريم لكاتبها، وهذا أيضاً ما أردتهُ وسعيتُ إليه. من الجميل أن نشير وأن نذكّر بالأساس. يجب على الناس أن تلتفت وأن تستنتج أنّ هؤلاء الناس جرى معهم ذلك وخرجوا منه بأعجوبة. ولكن بشغل وجهد وإصرار وقرار كبير على المواجهة وهذا ما نفتقر إليه نحن اليوم.
- في تجوالنا مع الممثلين بين قسم وآخر، نلتفت إلى حبّ ممنوع هنا، وعراكات الشباب من هناك، وأحداث أخرى دراميّة متفرّقة، هل تقصّدتَ دفعنا إلى التخلي عن الدراما؟
الحقيقة أنّ هذه المشاهد هي من كتابتي وليست من المسرحيّة الأصليّة، هي جزء من الاقتباس. ما دفعني إلى كتابة هذه المشاهد هو الحاجة إلى تقريب المشاهد أكثر إلى لبنان. الحبيب والحبيبة مثلاً اللذان لديهما مشكلة في زواجهما في بداية العمل، نكتشف في نهايته أنّ "الريّس" قد أمّن له عملاً وتيسّرت أمور زواجه، مقابل دعمه في المواجهة. حتى هذا الشخص المقموع هو ضحية. أردتُ التركيز على فكرة الزبائنية، التي هي موجودة في المسرحية أساساً، وأنا فقط عملتُ مع الفريق على استكمالها.
- لكنّها مجرّد سلطة محليّة. نتحدث هنا عن بلدة صغيرة وبعيدة!
حتى لو كانت سلطة محليّة، فالسلطة المحليّة برأيي هي باب للتغيير الكبير. وهذا ما نراه اليوم في واقعنا. نسأل أنفسنا لمَ بلدياتنا بلا انتخابات في لبنان؟ لهذا السبب الذي نتحدث عنه ببساطة. المحاسبة في السلطة المحلية أسرع ومباشرة أكثر وشديدة الدقة، وهي باب إيجابي لمن أراد أن يغيّر.
- المدرسة، البيت، إيذاء الجسد وتشويه السّمعة، كلّها فواتير باهظة دفعها الطبيب"ستوكمان"، دعني أعكس الموضوع عليك: هل دفعتَ فاتورة اشتغالك بالسياسة والحملات والعمل الاجتماعي-السياسي؟
نعم دفعت طبعاً، كثر من الناس يتأثرون بمن أنا. ولكن لا قدرة لي على معرفة الخسائر، لو صحّت تسميتها بخسائر. أنا سمعتُ في عدة مواقف عمليات ربط القصص بمواقف لي تغيّرَت أو حتى نسيتُها، لمجرد أنني أردتُ التعبير عن رأيي. والمشكلة أنّه تتم محاسبتك فقط لأنّك أردتَ المعرفة والاستفادة من تجارب بعضنا. وفوق هذا كلّه الهدف كان خدمة هذه البلاد والقليل من الحلم بالإصلاح.
يجب أن نتعلّم كيف نستمع وكيف نشاهد وكيف يمكننا أن نتعاطى مع الرأي إيجاباً أو سلباً، لأن التغيير قد يقع بناء على هذه الرؤية وهذا التغيير.
- المسرح الذي تدرّسه هل له علاقة بما تعرضه؟
يرتبط بشكل قطعي. تدريسي يعتمد على عدة أنواع من التمثيل. يراودني شعور أننا بحاجة في هذه الأيام إلى مسرح الارتجال، ربما تنقصنا العفوية في التمثيل وفي الحياة حتّى.
- ألا ترى في الارتجال والعفويّة شيئاً من الاستسهال في المسرح أو ربما بسبب أزمة النص المسرحي العربي؟
العفوية مطلوبة لكن بعيداً عن الاستسهال. الممثل لا يلبس قناعاً، بل يخلع قناعه الحياتي ويدخلنا في قناع الشخصيّة، وهو بذلك يشارك نفسه ومشاعره مع الناس بلا غطاء. وهنا يكمن الفن الحقيقي. بدلاً من ارتداء "الماسك" يمكن الذهاب إلى بساطة القصص الحقيقية، حتى لو كان فيها ضربٌ من الخيال. هناك أزمة نصّ طبعاً ولكن هذا واقع الفنون جميعها، الواقع العربي كلّه مأزوم، والنقص في هذه الأشياء يدفع الممثل أحياناً إلى أن يلعب ضدّ التمثيل.
- مثلاً لو بدأنا المسرحيّة من النهاية، ما الذي كان سيتغيّر؟
ممكن جداً أن نفعلَ هذا الشيء؛ يمكنُ للمسرحيّة أن تسير في هذا السياق. ولكن في البداية برأيي يجب أن تعرف من هو الطبيب؟ يجب أن تتاح لك الفرصة للتعرف عليه. لكي تفهم وتتعاطف معه. ستشعر مع مرور الوقت أنّ لديه شيئاً من الكبرياء، وهو موجود ومتأصّل في شخصيّته فعلاً. وربما هذا ما أراده إبسن في المسرحيّة: أنه إذا أردتَ أن تغيّر، لا يمكنك أن تكون راديكالياً، يجب أن تجد طريقة مناسبة وخطة عمل لإيصال الفكرة ونصرة المصلحة العامة، وإذا سرتَ عكس ذلك سيثور ضدّك الجميع كما حصل مع الطبيب "ستوكمان" تماماً.
- هل لك أن تسقطها على الوضع اللبناني ؟
طبعاً؛ تشكّل المسرحيّة دعوة للناشطين الذي جرّبوا التغيير. لمَ اقتنع الناس بالإشاعات التي بدأت تلحق بكم مثلاً؟ لماذا الإشاعات أصلاً؟ لأنّ السلطة شغلتها صنع الإشاعات. نحن قطعاً مع قضيّة الطبيب ولكنّ شخصيته لم تساعده، من المهم جداً النظر في الأمر. التغيير قد يرتبط إلى حد كبير بالسلوك والخطاب والتفكير الدؤوب بكيفيّة محاربة الكبار. يجب أن نجد أساليب مختلفة في إظهار عري هذه السلطة وتبان على حقيقتها الماكرة والخداعة بكافة ألاعيبها والتوازنات والمحاصصات، غير ذلك الناس ستقف مع جلّادها وربما هذا الذي حصل في المرة الأخيرة!.
- دائماً ما تنطلق من لبنان أو تعود إليه، وهذا جزء من مسرح الموضوع أو المسرح الذي يعوّل على المعاش، حدثنا عن هذه الفكرة؟
أنا شخصياً أنجز المسرح بالدرجة الأولى لمتعتي الشخصية، مرحلة الاشتغال على النص والمراجعات واللقاء بالممثلين، نسعى ونعمل وكأننا نخلق شيئاً من العدم. تركيب القصص مع بعضها في هذا الموضوع شيء من المتعة الشخصيّة. من الجميل أن تشعر أنك استمتعت بالعمل منذ اللحظة الأولى، وهذه الأفكار تعني لي مثلما تعني لكثير من الناس. تتغير الناس وأجواؤها.
هناك نوع من الإحباط المعين، ولكن في نهاية المطاف يجب أن نبدأ من مكان محدد. الفن هو طريقة جميلة للحديث في مثل هذه المواضيع. إنه برأيي أجمل بكثير من المحاضرات أو النقاشات السياسية. الفن يشتغل على تقريب الأمور ورؤية العمق بشكل قريب، ممتع وواضح ولا يملّ، نتحدث عن موضوع مهم يعنينا ويعنيك ويدفعنا إلى التفكير بأشياء يجب أن نفكر فيها اليوم في لبنان، من خلال نص مسرحي يعود إلى عام 1882. لا أجدُ أجمل من هذا!
- كيف ترى هذا "اللبنان" اليوم؟
وضعنا كارثي بكل معنى الكلمة، ولا أفق لهذا القعر، المهوار الذي ننزل إليه لا يقف ولا يتوقف. أين هو القعر؟ التفاوت بالثروات، والطبقة الوسطى ذهبت مع الريح. الوضع فعلاً كارثي، إذا وجدنا أنّ 1 بالمئة من هذا الشعب قادر على العيش والسهر، فهذا لا يعني أنّ البلد بخير. أسأل نفسي دائماً كيف يكون هذا البلد صحيحاً مثلاً؟ أين الإصلاحات وأين مصير البلد؟ ولا إجابات تلوح في الأفق.
- هل تتابع ما يعرض اليوم في المسرح؟
أتابع يحيى جابر، عصام بو خالد، وآخرين. بطبيعة الحال أتابع كلّ شيء. أهميّة الأعمال أو بعضها أنها تفتح الباب إلى النقاش حول التاريخ الذي لم نتفق عليه إلى الآن؛ التاريخ غير الموجود؛ لا يوجد تاريخ ولا حقيقة. كيف ينطلق النقاش من دون كلّ هذا؟
العروض التي تحصل جيّدة ودليل عافية؛ فكرة الجلوس والعلاقة الإيجابيّة مع المسرح. الملل والروتين هما جزء من حياة اللبناني اليوميّة. من المهم أن نذهب إلى المسرح، ونعيش هذه التجربة. لربما يصير المسرح حاجة، وخصوصاً المسرح الانغماسي، فهو من أكثر أنواع المسرح التي تعطيك الشعور بالفرادة، بحيث لا تستطيع اختبار شعوره إلا في مثل هذا النوع. أنت جزء منه وفاعل مساهم فيه. تفاعل الناس يشعرني بالرضا، حين تقفز الناس وتصير داخل القصة فتختبرها بغير طريقة كلياً. هذا هو المطلوب.
- ماذا عن حريّة الممثل بمسرحك؟
الممثل يدخل في حالة أوتوماتيكية وآلية بعد عدّة عروض. وإن غيّرنا شيئاً بسيطاً لَتَحسّنَ التمثيل بما يخدمُ النص والشخصيّة لنصدّقها أكثر، فربما كلمة مختلفة كفيلة بإعادة الروح إلى الشخصيّة. طبعاً للممثل حريّته بما يفيد ويشكّل فارقاً في النص.
- هل سنراك في المونودرام أو الكوميدي؟
في أعمالي شيء من الكوميديا السوداء، ربما "حبيبة قلبي أنت" هي في هذا المحل أو ربما أنا أصنفها كذلك، لا أدري. نضحك على مأساة معيّنة وهذا ما يمكننا فقط أن نفعله في هذا المقام: الضحك على المأساة.
- برأيك هل انتهت ثورة 2019؟
الثورة لم تنتهِ، بل "خُلّصَ" عليها، أو بكلمة أخرى أُجهضت. كان هناك أمل، ولكن المعركة غير متساوية أبداً؛ الناس التي تتظاهر ليس لديها أيّ دعم. كلّ شيء كان يسير ضدّ الثورة: السلطة وأجهزتها والإعلام والتمويل والإشاعات. كل شيء كان مسخراً لتدمير الشرر الذي كان من المحتمل أن يؤدي إلى تغيير معيّن.
هذه المرة يقوم لوسيان بورجيلي باستعادة حيّة و"ملبننة" لمسرحية "عدوّ الشعب" للكاتب النرويجي هنريك إبسن. هذه المحاولة فيها من إسقاطات وتحويلات على ما نعيشه اليوم ومحاولة لكشف الأشياء والأحداث والإضاءة عليها
كلنا نعلم أنّ حركة الشعوب وثوراتها متى ما بدأت لا قدرة لأحد على إيقافها، هي التي تأخذ القصص وتسير. السّلطة في لبنان كانت قادرة على استيعابها لأنها في بداياتها ولم تصل إلى مكان خطر، وفي الوقت نفسه لجأت هذه السّلطة إلى الطائفيّ، وبدأت العزف عليها. لا يمكننا أن ننكر أنّ هذه السلطة قويّة وقادرة على البقاء، وتمتلك كافة مقوّمات البقاء حياً. وهذا ما كان ما يجب أن نعرفه ونلتفت إليه منذ بداية 2011.
- بمعنى ما النص ساعدك في التصالح مع الخسارة في 2019؟
صحيح؛ المسرحية صالحتني مع هذا الأمر. كان لديّ هذا الهاجس: من هو عدوّ الشعب؟ ولماذا تحدث كلّ هذه الأشياء؟ وبدأت أفكر أنّ الموضوع قد يكون محتاجاً لخمسين سنة للخروج من المأزق، ولا أحد قادر على أن يقول لنا متى يأتي هذا النهار. نحن سندرك بأنفسنا هذا النهار، وسننتفض.
الشرر ما زال موجوداً ومن الممكن أن يعود في أيّ لحظة. 17 تشرين الثاني/نوفمبر زرعت شيئاً في النفوس وهو يحتاج إلى الوقت فقط. 17 تشرين فاجأتنا ببساطة. ما نحتاجه اليوم هو لحظة حاسمة، اللحظة التي تولد فيها الأشياء. القضية جاهزة، بل صارت أعقد وأكثر إشكالاً، لأنّ الناس ليسوا مرتاحين، ونحن نبصر ذلك في وجوههم في كلّ عرض مسرحي.
- أخيراً، من هو عدو الشعب اليوم؟
إذا أردنا أن نتحدث فعلاً، هم زعماء الطوائف الذين يريدون مصلحتهم ومصالح عائلاتهم. هؤلاء وجودهم ضرر على المجتمع، ولكنّهم مع الأسف باقون على الكراسي. كيف يمكن لنا أن نقنعهم بأنّهم يجب أن يرحلوا؟ هؤلاء هم أعداء الشعب الذين يقاتلون ليل نهار لكي يبقوا، شأنهم شأن بيتر ستوكمان (في المسرحية) تماماً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 9 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 10 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت