مشهد رقم 4
أنيسة، بُشرى، خادمة.
غرفة طعام واسعة مفتوحة على المطبخ. وقت القهوة الصباحية.
...
أنيسة: عملت كل اللي فيني أعمله. ربيته ودرسته وأخد شهادة وصار اسمه المهندس مجد. حتى بلش ينزل اسمه على بعض المشاريع.
بشرى (تضحك): ماما هادا حكي جرايد ما بيلزمنا بالبيت. ما تفكري الناس ما بتعرف. ما في داعي نخبي الشمس بغربال.
أنيسة: مين الناس؟ هدول شوية التجار اللي عم يبيعوا ويشتروا بطيازُن ولّا قرطة البهايم اللي مو عرفانة وين الله حاطّا؟ لا يكون قصدك هالكم علّاك اللي قروا كتابين وفكروا حالهن بيفهموا بتلات فرنكات؟ لا عجب عليها أرض الأنبياء. من الآخر، ما في حدا مستاهل أعملّه اعتبار وقدّمله الحقيقة متل ما هيِّ.
بشرى: والشهادة الجديدة اللي أخدا؟
أنيسة: أي شهادة؟
بشرى: إدمانه.
أنيسة: شو بدك ياني وقف بساحة المرجة وصيح «ابن حافظ الأسد مدمن على المخدرات! ابني مجنون وإزا مو مسدقين تعالوا شرفونا على فنجان قهوة وشوفوا بعيونكن. أو تعالوا مع لافتاتكن وريحة عرقكن الزنخة وتجمهروا تحت شباكه وآزروا هالفيوزين البقيانين براسه!».
بشرى: أنا ما قلت هيك ولا قلت يستلم بعد أبوه. مجد بحاجة لشوية شمس وشوية هوا نضيف. يشوف بَشر ويختلط فيُّن متله متل كل الناس. ليش مستعرّين فيه هالقد؟!
تصمت أنيسة.
بشرى: أنتي وبابا عندكن أصدقاء قراب، فليش ما تعملوا زيارت عائلية تطالعه شوي من عزلته وإدمانه على تعاطيه مع صفية وخرقه؟!
أنيسة: والله ما يصير هيك لحتى تاني يوم تنطبل كل سوريا بقصته.
بشرى: حيرتينا. ساعة بتقولي ما بيهمك الناس وساعة حاسبة حسابُن! ماما في أشياء بتتخبى لأنها صغيرة وما بتلفت الانتباه، وفي أشياء الله ما فينه يخبيّا، وكل ما خبيتيّا أكتر كل ما بينت أكتر. اطّلّعي شي مرة بعيون اللي بتشوفيُّن من قرايبك ورفقاتِك لما بتجي سيرة مجد. لا تضحكي على حالِك.
أنيسة: هاي المرة المليون منحكي بنفس الموضوع. خلص بقى.
بشرى: تخيلي حالك معزولة عن العالم اللي فيكي تشوفيه بمجرد تزيحي البرداية. زيحة البرداية عنده متل الزر الأخضر تبع الريموت كونترول. بكبسة بيظهر هادا العالم وبكبسة على نفس الزر بيختفي. لا عجب إزا مجد مفكّر العالم كله وبما فيّن نحن مو حقيقيين. بنختفي وبنظهر بكبسة مالا تفسير. شو بيعرف مجد عن الدنيا؟
أنيسة: صفية.
بشرى: إمتى بدكن تقلّعوها؟
أنيسة: ما بعرف. خايفة من اللحظة اللي بيفيق فيّا مجد وما يلاقيها.
بشرى: شو رح تضل تخدم عنّا طول عمرا؟ أكيد عندا حياتا الخاصة وأكيد بدا تعمل عيلة وتستقر. إزا مو بكرة بعد بكرة.
أنيسة: بعرف بس كيف فينا نفهِّم مجد هالحكي؟ عم تغمض عيني وتتفتح على أمل يترتب هالوضع لحاله.
بشرى: هادا مو حكي.
أنيسة: هلق شيليني من صفية وسيرتا.
صمت لمدة عشر ثواني.
بشرى: ليش بدكُن تسفروه يتعالج؟
أنيسة: قلتلِّك ليش.
بشرى: مانه منطقي. أحسنلهُ يتعالج هون بين أهله مع شوية حب واهتمام.
أنيسة: أنا ماني معترضة بس أبوكي مو موافق. قال «ما عندنا كادر طبي بينوسق فيه».
بشرى: أبي ولّا خالي؟
أنيسة: لك شو دخّله خالِك أنتي كمان! بتدحشوه بكل شي ما بيجي على
مراقكُن. أصلاً فكرة علاجه هون كانت فكرة خالِك بس أبوكي ما رضي.
تنادي أنيسة وقد ضاقت صبراً: صفية. صفية.
تدخل خادمة أخرى.
أنيسة: وين صفية؟
الخادمة: ما بعرف. يمكن أخدِت الفطور للسيد مجد.
أنيسة: جيبيلي مقص النباتات.
الخادمة: من وين؟
أنيسة: أسألي صفية.
تبقى الخادمة واقفة.
أنيسة: تزكّرت. محطوط بعلبة معدن دهبيّة على طاولة جنب البرّاد. وراكي.
الخادمة: حاضر ستّي.
صدرت مؤخراً مسرحية "بيت الوحش" لحسين مرعي عن دار نشر خان الجنوب، التي نكتشف فيها الحياة الخاصة لعائلة الأسد حكّام سوريا، ومفاجأة موت باسل الأسد الابن الأكبر لحافظ الأسد
تأخذ أنيسة المقص وتبدأ بقصقصة الفروع اليابسة والأوراق الصفراء من شُجيرة زينة.
بشرى: طول عمره ما بيفكر إلا بحاله، وكيف تضل صورته متل مو راسما. وكله منشان مصلحة البلد... الله يعين هالبلد. كل شي بيهدده شخصيًا... بيهدد أمن البلد. كل شي بيشوه سمعته... سمعة البلد. أنا لما بحكي معه بأبسط شي بحسّ حالي عم أحكي مع سوريا كلّا. لما بيتكرم ويرد عليّ «صباح الخير» برتاح كل اليوم وبحس سوريا كلا قالتي «صباح الخير». ولما ما بيرد بيتخربط نهاري وأنا عم فكِّر بشو زعجت البلد؟! ما بيطلع معي شي. يبدو البلد مو شايلة أولادا من أرضُن.
أنيسة: بلا علاك فاضي وروحي غيري هالكنزة.
تشد بشرى الكنزة إلى أسفل فيظهر صدرها. تسحبها إلى أعلى فيظهر بطنها: ما بيمشي الحال. الأحسن يتعالج هون وتحت عينا.
أنيسة: ليش كتير هامك الموضوع؟!
بشرى: هادا أخي.
أنيسة: طول عمره أخوكي ومزروع بخلقتك وما اهتميتي كتير لأمره.
تنظر بشرى إلى نفسها في مرآة أخرجتها من حقيبتها: هلق لانتبهت أنه لون هالكنزة بشع. رح بدّلا.
أنيسة: هيك أضمن.
بشرى: لحتى ما توقع سرتي بأيد شي ابن حرام؟ ولّا لحتى ما ضيع شي فردة صدر بشي قاعة من قاعات الكلية؟
أنيسة: قصدي على علاج أخوكي برّا. شو لسانك زنخ! بدي أعرف وين راحت تربايتي!
بشرى: أي «أضمن». وصلتوا لشي؟
أنيسة: لأ.
بشرى: ولا راس خيط؟
أنيسة: لو في جديد كان دريتي.
بشرى: إزا ببيتنا مو عرفانين شو عم يصير!
أنيسة: لأنه ببيتنا. في أشياء أحسن الواحد ما يعرفا.
صمت.
بشرى: وبابا؟
أنيسة: عم يقول أنه صفية مالا علاقة. حقّقوا مع الحرس وما طلع معُن شي فحطّوُّن بالسجن.
بشرى: وليش حطّوُّن بالسجن؟!
أنيسة: لأن ما طلع معُن شي.
بشرى: الله عليكي يا ماما شو دمِّك خفيف!... وصفية؟
أنيسة: ما بدي شك باللي عم يعملي فطوري ويعطيني حبة الدوا. مالي حِمل.
بشرى: حقّقوا معا؟
أنيسة: لأ.
بشرى: شو يعني؟
أنيسة: ما بعرف شو يعني. اسألي أبوكي.
بشرى: مين رح يكون غيرا؟! هيِّ الشخص الوحيد اللي بيشوف مجد 3 مرات باليوم عالقليلة. بتقضي وقت معه أكتر من أمه.
أنيسة: قصدِك ماني أم منيحة؟
بشرى: ...وأكتر من أخته كمان. منيح هيك؟ كلنا مقصرين مع مجد. مرة خبرني ماهر أنه شافا عم تحشش مع شوفير خالي محمد، بس للأمانة ما سمعت أنها بتتعاطى مخدرات.
أنيسة: خلصيني بقى. كل هالجيل بيحشش. وقّفت على صفية. أنتي نفسِك ما بتحششي؟
بشرى: شو عم تحكي ماما؟! مستحيل. بحياتي ما حطيت سيجارة بتمّي.
أنيسة: بلشنا بالكزب.
بشرى (مستدركة): إلّا بالتخجيل.
بشرى: طول عمره ما بيفكر إلا بحاله، وكيف تضل صورته متل مو راسما. وكله منشان مصلحة البلد... الله يعين هالبلد. كل شي بيهدده شخصيًا... بيهدد أمن البلد. كل شي بيشوه سمعته... سمعة البلد. أنا لما بحكي معه بأبسط شي بحسّ حالي عم أحكي مع سوريا كلّا. - حسين مرعي
أنيسة: سألت ماهر عن قصة تحشيش صفية وقلي أنه كان عم يمزح معِك.
بشرى: بس ما رجع قلي أنه كان عم يمزح.
أنيسة: بيكون نسي.
بشرى: شو هالولدنة! سمعة الناس مو لعبة.
أنيسة: كان مفكرِك معجبة بشوفير محمد.
بشرى: العمى ما أحقره! بعدين أنا بدي اتطلع بشوفير؟!
أنيسة: على كل حال، مستبعد تكون صفية. ما بتسترجي.
بشرى: أنا متأكدة أنه عقلِك عم يقول «صفية صفية» بس أنتي ما بدك تزعلي أمها حتى لو شخِّت بِنص البيت.
أنيسة: حاجتِك زناخة. شكله الصنف اللي عم تدخنيه مضروب لحتى طلِع معِك هيك حكي.
بشرى: آه يا معلِّم! من وين متعلمة هالحكي؟!
أنيسة: يا من رفقاتي بالروضة يا من جيراني بالكهف. ما عدت متزكرة بالزبط. شو مفكرة أمك هبلة ولا نايمة على اودانا على قولة المصاروة! أنا بعرف كل شي عم يصير جوّا البيت وجوّا كل بيت بسوريا. إزا عنزة عطسِت بشارع «ستة إلّا ربع» بعرف.
بشرى: شارع شو؟!!
أنيسة: «ستة إلّا ربع» بدير الزور. ماهر متعرِّف على بنت ديرية وشكلا خارطة مشطه فلا تستغربي إزا زادت ثقافتنا الديرية هالفترة.
بشرى: شو دينا؟
أنيسة: مسلمة.
بشرى: ماما!! قصدي طايفتا.
أنيسة: أكيد علوية.
بشرى: علويّة من دير الزور؟!
أنيسة: ما سألته بس أخوكي وبتعرفيه. مبيّن لهلّق أنه العلاقة جدية فعالأكيد علوية.
بشرى (تضحك): جدية ومكترة. طيب حسبتوا حساب ردة فعله لما رح يدرى بِبلوة مجد الجديدة؟
أنيسة: ما رح يدرى إزا ما قلتيله.
بشرى: هَي قصة إدمان وتسفير لبرّا مو مشوار عالضيعة. كيف ما رح يدرى!
أنيسة: مانك آكلة هم بشار؟
بشرى: حلوة النكتة بس مو جاي عـبالي أضحك.
أنيسة: والإمامُ علي ما حدا طلع ابن أمه وأبوه غير باسل. الله يحميه.
بشرى: وأنا شو؟
أنيسة: عم أحكي عن الأولاد.
بشرى: وليش بس عن الأولاد؟!
أنيسة: وأنتي كمان بتشبهينا تنيناتنا...
بشرى: بس ما عندي زبّبّبّدة.
أنيسة: مو هيك بالزبّبّبّط.
بشرى: هيك بالزبط وستة إلّا ربع. ماما أنا بدي أشتغل.
أنيسة: ليش لأ. الشغل مو عيب. تخرجي ومشفى الأسد الجامعي عم يستناكي لتستلميه. هيك قال أبوكي.
بشرى: أو رئيسة مخفر حي المهاجرين. ومنه بضل جنبكُن وتحت عينكُن.
أنيسة: مع الأسف دراستِك ما بتأهلك لهيك وظيفة. البلد مؤسسات واختصاصات.
بشرى: وأنا عم قول هيك.
صمت.
بشرى: مين رح يسافر مع مجد؟
أنيسة: خالِك محمد.
بشرى: هلق اقتنعت أكتر أنها بلد مؤسسات.
أنيسة: هادا ظرف عائلي ماله علاقة بالبلد.
بشرى: ماما نوع معجون السنان اللي عم تنضفي فيه أسنانك سياسة وإله علاقة بالبلد. أنا ما عندي مشكلة بس لازم تعرفي -إزا ما بتعرفي- أخوتي متحسِّسين منه كتير. عالطالعة والنازلة بيتمسخر على بشار وبيضحِّك الكل عليه.
أنيسة: بيكون عم يمزح. بتعرفي قديش خالك بيحب بشار.
بشرى: لا ما بعرف.
أنيسة: أنتي بس بتحبي تبهّري القصص لحتى تركب على قياسِك. ليكو باسل بعمره ما قلي هالحكي.
بشرى: إزا ما بيقول هادا ما بينفي اللي عم قلك اياه. أخي باسل أكتر واحد ما بيطيقه لأخوكي، وأخوكي ما بيطيق الأرض اللي بيمشي عليا أخي.
أنيسة: يا ربي أنا جايبة أولاد ولّا أفاعي تسلايتا لدغ الناس وتسميم حياتي!
لا تهتم بشرى لكلام أمها على اعتبار أنه ليس جديداً على أذنها.
بشرى: إمتى السفر؟
أنيسة: الأسبوع الجاي.
بشرى: أي يوم؟ أي ساعة؟
أنيسة: ما بعرف. رح أسأل خالك.
...
الغلاف الخلفي للكتاب
من داخل بيت الأسد يتخيل حسين مرعي حيوات أفراد عائلة الأسد أنفسهم؛ عالم غامض شغل السوريين لعقود، حياة محدودة وبالغة الضيق، علاقات متوترة غير تقليدية، وتوجس دائم يشعل هواجس جميع الشخصيات. مع ارتكاز جميع الأحداث على حادثة وفاة باسل الأسد المفاجئة والغامضة، تصبح مسرحية "بيت الوحش" كوميديا سوداء عبثية بامتياز.
...
حسين مرعي: كاتب وممثل. وُلد في إدلب-سوريا عام 1976. شارك كممثل في العديد من الأفلام والمسرحيات، آخرها كان مسرحية "يا كبير" إنتاج مسرح الرور الألماني في العام 2018. نُشر له العديد من الكتب، منها مجموعة قصصية للأطفال بعنوان "غابة على السطح"، ورواية "لعبة الريح والمطر"، ومسرحية "صناديق خشب" المُستوحاة من تجربة اعتقاله السياسي التي تم تقديمها في "قراءة مسرحية" العام 2017 على خشبة مسرح نوور ثياتر/نيويورك.
...
جميع الحقوق محفوظة لدار خان الجنوب.
الكتاب متوافر في مكتبة خان الجنوب وعلى موقع الدار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 16 ساعةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...