شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أصبح

أصبح "خائناً" و"عميلاً" ولم يشأ أن يكون "صنماً"… لويس عوض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يحفل التاريخ العربي الإسلامي، كأي تاريخ ديني آخر، بعددٍ هائل من الأصنام العتيدة التي لا يمكن خدشها أو الاقتراب منها دون تلقي عقاب عسير جراء ذلك، من قِبل جماعات سلفية مسلحة بفكر ماضوي استبدادي، مستقر وراسخ منذ مئات السنين. وسيكون العقاب أشد قسوةً، إذا أخذتك الشجاعة وتجرأت على نقد هذا الفكر، الذي تَشكّل أغلبه عبر تأويلات متخلفة لنصوص إسلامية، متناقضة مع مبدأ الدين الإسلامي، خصوصاً في مصر "بلد الدين الواحد"، بحسب تعبير الشاعر والكاتب عبد المنعم رمضان.

لا يخفى على الكثير من المثقفين أن هذا الجمود الذي يولّد العنف والتطرف، تُطوّعه وتستثمره السلطة في مصر وفقاً لمصلحتها، أو هي بالأحرى تأخذ منه ما يساعدها على كبح الحريات، وإخضاع الجماهير، وإقصاء الخارجين عن المألوف ونبذهم، ليتشكل في النهاية ما يسمّى بـ"القطيع" الذي لا يكون في حاجة إلى العصي ليصبح مطيعاً و"ابن حلال".

فالخروج عن القطيع في مصر دائماً ما يكون محفوفاً بالمخاطر التي من الممكن أن تودي بحياتك، ولعل حادثة اغتيال المفكر فرج فودة، مثال صارخ وحزين على ذلك، وبجواره الكثيرون الذين تم التنكيل بهم وترهيبهم ومصادرة أعمالهم ومطاردتهم، لأنهم حملوا على عاتقهم تحرير الفكر الديني وتجديده، بما يتناسب مع متطلبات العصر، ليصطدموا شرّ اصطدام مع التيار الديني المتشدد المتحدث الرسمي باسم الله والإسلام، في معركة يبدو أنها لن تُحسم أبداً، هي معركة الحداثة. فالحداثة بالنسبة لهذا التيار هي الشر المستطير، إذ تهزّ ثوابت الدين الإسلامي، وتودي بالمجتمع إلى الكفر والإلحاد.

كان بإمكان لويس عوض أن يتحول إلى صنم، كغيرِه من مجايليه الذين فضّلوا النأي بأنفسهم عن خوض المعارك، منكفئين على مكاتبهم ومكتفين بمناصبهم، وفقاً لنظرية آمنوا بها، وهي فصل الأدب والثقافة عن الحياة

من بين جميع المثقفين الذين خاضوا معركة الحداثة، تبدو تجربة الناقد والمترجم والأديب الدكتور لويس عوض (1915-1990)، جديرةً بالتأمل والدراسة.

كان بإمكان صاحب "أوراق العمر"، أن يتحول إلى صنم، كغيره من مجايليه الذين فضّلوا النأي بأنفسهم عن خوض المعارك، منكفئين على مكاتبهم ومكتفين بمناصبهم، وفقاً لنظرية آمنوا بها، وهي فصل الأدب والثقافة عن الحياة. لكن لويس، ابن قرية شارونة في محافظة المنيا في صعيد مصر، لم يكن باستطاعته الصمت والانزواء، فحتى لو كان الآخرون قد قاموا بتحويله إلى صنم، اتكاءً على مكانته العلمية والثقافية الرفيعة كأستاذ جامعي في كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية، لَتحطّمَ من تلقاء نفسه، لأن بذور التمرد كانت راسخةً في أعماقه، تدفعه إلى إخضاع كل ما هو ثابت ومستقر من أفكار وتقاليد، إلى منهج التحليل العقلي، ليخرج في الأخير برؤيته الخاصة التي لم يفرضها على أحد، بل قدّمها كرؤية مطروحة للنقاش، إيماناً منه بأن دوره كناقد يُحتّم عليه ألا يبصم على كل ما اتفق عليه ووصل إلينا من عصور غابرة.

لويس عوض

ولويس عوض هو الابن الأوسط لأسرة قبطية كبيرة، تنتمي إلى الطبقة المتوسطة المصرية. الأب شغل منصباً في الحكومة السودانية لعشرين عاماً، قبل أن يستقيل ويعود إلى المنيا مع أولاده وزوجته بسبب خلاف نشب بينه وبين رئيسه الإنكليزي. قضى الطفل لويس السنواتِ الخمس الأولى من حياته في السودان، وكان لهذه الفترة تأثير كبير في توجهاته، ودعوته الدائمة إلى ضرورة تكوين تحالف بين مصر والسودان وإثيوبيا، أو ما يُسمّى بوحدة وادي النيل، في مقابل تقليله من أهمية الارتباط القومي لمصر بغيرها من الدول العربية.

ولم ينفرد صاحب "أقنعة الناصرية السبعة" بهذه الرؤية وحده، فهناك بعض المثقفين، على سبيل المثال، الذين نادوا بالتمسك بالهوية الفرعونية لمصر. لكن التأثير الطاغي على تكوين لويس عوض كمثقف ليبرالي، مؤمن بالديمقراطية الاجتماعية، كان لثورة 1919، إذ نشأ الصبي الصغير في ظلالها، ورأى دموع والده وهي تتساقط على الجريدة التي يقرأ فيها خبرَ نفي سعد زغلول من البلاد، واستمع إلى نقاشاته مع أصدقائه وهو يتحدث عن عظمة هذا الزعيم الوفدي الذي حمل كفنه على يديه في سبيل حصول مصر على استقلالها، ولم تخلُ النقاشات من الحديث حول الهوية المصرية التي تبلورت في الحقبة الوفدية، وكذلك الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب والتي تجلت في وحدة الهلال مع الصليب في أثناء ثورة 1919.

وهكذا نشأ المثقف التنويري في أسرة وفدية صِرفة، رأت أن نجاة مصر تكمن في استقلالها، وتمسكها بالدستور الليبرالي. أما المسألة الدينية فلم تكن ذات شأن في أسرة عوض، وهو ما أوضحه تفصيلاً في كتابه "أوراق العمر"، حيث ذكر أن والده كان علمانياً، أسرّ له في إحدى المرات بأنه يؤمن بوجود قوى طبيعية كبرى، تُسيّر الكون، وهو ما اقتنع به الشاب الصغير لويس، وما عزز هذا الرأي لديه أنه لم يجد أحداً من أفراد أسرته يذهب إلى الكنيسة باستثناء والدته وفي مرات نادرة، لقضاء واجب عزاء أو زواج.

وبشكل عام لم يكن في أسرة عوض حوار حول الدين في أي وقت من الأوقات. يقول نصّاً: "يبدو أنه كان من العيب أو من غير اللائق أن يسأل أحدنا الآخر في أسرتنا عن صومه أو صلاته. كنا نعتبر الدينَ مسألةً خاصةً جداً وشخصيةً".

عش الدبابير

في فترة مبكرة من حياته، بدأت اهتمامات لويس عوض الأدبية، وقد غذّتها مكتبة الأب الحافلة بأمهات الكتب الأدبية والفلسفية، حيث عكف على قراءتها باللغة الإنكليزية ومراجعة ما فيها من أفكار. وعلى جانبٍ آخر، وقع الشاب الصغير في حب عباس محمود العقاد الذي كان نجماً متألقاً في ذاك الزمان، حتى أنه كان يخرج في "عزّ البرد"، بحسب تعبيره، "بالجلابية والشبشب، لشراء البلاغ من محطة القطار، لقراءة المقال الجديد للعقاد، الذي صار كالفرض"، وكذلك كان عميد الأدب العربي طه حسين يحتل مكانةً خاصةً لدى لويس عوض؛ كان يراه فارساً مهيباً، ونموذجاً للمثقف الحرّ المستنير، الذي لم يخضع لثقافة المجتمع، ولم يُسلِّم بالمصير المحتوم لفاقدي البصر الذين ينتهون كشيوخ معممين في الأزهر، والمعاهد الدينية.

اعتبر أعداء لويس عوض أن ما قاله يُعدّ تزويراً ونفياً مهيناً لأصالة القرآن، وأكدوا أن المفكر الليبرالي يريد إحداث زوبعة في المجتمع، لأنه قبطي، لا يؤمن بعروبة مصر.

بعد سفر عوض إلى القاهرة للالتحاق بالجامعة، سيصبح سلامة موسى، ثالث الآباء الروحيين للويس عوض، الذين رأى في مشروعاتهم الفكرية، ما يُشبع جنوحه نحو نسف ما ترسخ من موروثات ثقافية في الوعي الجمعي للمجتمع المصري.

لا شك أن هؤلاء المفكرين الثلاثة، هم من وضعوه على أول الطريق، ليخوض غمار معاركه الثقافية والفكرية بصلابة ونزاهة، وشجاعة نادرة، سيدفع ثمناً فادحاً بسببها في السنوات الأخيرة من حياته. دخل لويس عوض "عش الدبابير"، بمقدمته لديوانه "بلوتو لاند"، التي طالب فيها بـ"تحطيم عامود الشعر العربي"، وهو ما عدّه المثقفون آنذاك، نزقاً غير مقبول، وهجوماً مُشيناً على تراث الشعرية العربية، وتطوعت مجموعة من النقاد في مسخرة الديوان الشعري الأول لعوض.

وامتد الأمر إلى اتهامه بالتعاون مع الإنكليز بسبب إهدائه "بلوتو لاند" إلى أحد أساتذته الإنكليز الذين كانوا يُدَرّسونه في كلية الآداب، حيث قال أحد النقاد نصاً: "إن هذا الأستاذ الإنكليزي الذي أهدى له لويس عوض ديوانه، يعمل في وزارة الاستعمار البريطانية، ولا شك أن هذا الشاعر المتهافت يُساعده في أداء عمله على أكمل وجه".

اسم لويس نفسه لم يسلم من السخرية، فالأستاذة بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن، والدكتور محمود شاكر، وغيرهما، كانوا يستهزئون باسم لويس، ويُقسمون "بأيمان الله" أنه سُمّي لويس على اسم لويس التاسع ملك فرنسا، الأسير الأبدي في دار ابن لقمان في مدينة المنصورة في دلتا مصر، ويؤكدون أن لويس عوض وأسرته القبطية يكرهون العرب، وكانوا يُرحبون بأن تظل مصر مستعمرةً فرنسيةً أو إنكليزيةً بدلاً من أن تُصبح عربيةً.

إذاً، أصبح لويس عوض، بعد هذه الدعوات، خائناً وعميلاً للإنكليز، وكارهاً للثقافة العربية الإسلامية، لأنه دعا إلى "تحطيم عامود الشعر العربي"! وفي ما بعد سيدخل صاحب رواية "العنقاء"، و"مذكرات طالب بعثة"، معركة أشد وطأةً، عبر كتابه "على هامش الغفران"، لأنه قال فيه إن أبا العلاء المعرّي، تأثر بالأدب اليوناني في أثناء تأليفه كتابه "رسالة الغفران".

ورأى بعض المثقفين (حُرّاس وحماة الثقافة العربية من الاعتداءات الخارجية) أن كتاب لويس ليس سوى ضلال في ضلال، الهدف منه نسف الأصالة العربية عن نص خارق وبديع للمعرّي. ولم يقتصر الأمر على التقليل من المكانة الثقافية للويس عوض، بل وصل إلى حد التجريح في شخصه، ومهاجمته لشهور على صفحات الجرائد والمجلات وتحريض القيادة السياسية عليه.

ومع إصدار لويس عوض كتابه الموسوعي "مقدمة في فقه اللغة العربية"، كان قد أصبح العدوّ اللدود للتيار السلفي المتأصل في الثقافة المصرية. فالكتاب الذي عكف صاحبه على تأليفه لسنوات عدة، تمت مصادرة نسخه فور صدوره، وقُدّمت البلاغات في لويس عوض بتهمة ازدراء اللغة العربية في كتابه الذي يقول فيه: "انتهيت من أبحاثي في فقه اللغة العربية إلى أن اللغة العربية هي أحد فروع الشجرة التي خرجت منها اللغات الهندية الأوروبية. وإذا نحن اعتبرنا اللغة العربية نموذجاً لبقية اللغات السامية، خرجنا بأن ما يُسمى بمجموعة اللغة السامية هو أحد الفروع الرئيسة التي خرجت من هذه الشجرة ثم تفرعت إلى فروع ثانوية كانت اللغة العربية أحدها".

اعتبر أعداء لويس عوض أن ما قاله يُعد تزويراً ونفياً مهيناً لأصالة القرآن، وأكدوا أن المفكر الليبرالي يريد إحداث زوبعة في المجتمع، لأنه قبطي، لا يؤمن بعروبة مصر.

لم تكشف المعارك الضارية التي خاضها لويس عوض في حرب التجديد عن تيار سلفي متأصل في الثقافة المصرية فحسب، بل الأفدح من ذلك أنها أظهرت على السطح، الأزمة الدفينة لدى بعض المثقفين الذين يدعون إلى الحرية، وفي الوقت نفسه، لا يقبلون الرأي المغاير، بل لا يقبلون فكرة النقد والجدل. وبإمكاننا القول إنها أزمة الثقافة المصرية بشكل عام، نمت وتشكلت على مدار سنوات طائلة، في ظل ظروف تاريخية وسياسية قهرية، برعاية السلطة التي لا ترضى بغير "القطيع".

هكذا ظل لويس عوض يحفر مشروعه الثقافي، وعلى الجانب الآخر كان المتربصون به من المثقفين من مختلف الاتجاهات والأيديولوجيات، على رأسهم الناقد والكاتب فاروق عبد القادر، المعروف بليبراليته. ولم يقف الهجوم على لويس عوض عند الحدود المصرية، بل تجاوزها ليصل إلى عقر إحدى الجامعات الأمريكية حين كان يُحاضر في أحد المؤتمرات التي ينظمها "اتحاد الطلاب العرب في أمريكا"، حيث قام أحد الطلبة بتسجيل المحاضرة، وأرسلها إلى مجلة الآداب البيروتية.

المجلة ذات الاتجاه القومي العروبي، وجدت محاضرة عوض، دليلَ إدانة، وكنزاً ثميناً تحت يدها، لمهاجمته، وإخراس صوته، بسبب انتقاداته للحقبة الناصرية ونجيب محفوظ، وكذلك أستاذَيه طه حسين وعباس محمود العقاد، وقامت بنشر محتوى المحاضرة على صفحات المجلة، لتنطلق حملة شعواء في الجرائد المصرية، على الرجل الذي لم يفعل شيئاً سوى أنه عبّر عن رأيه المخالف لرأي الأغلبية.

"أوراق العمر" وعزلة الأقباط في مصر

من الواضح أن الإسلام في حد ذاته، لم يكن القضية المحورية في مشروع لويس عوض الفكري، فهو لم يكن رجل دين قبطياً. لكن قضيته الحقيقية كانت تكمن في إخضاع ماضي الثقافة العربية للمنهج العقلي وغربلته، والاحتفاظ منه بما يتناسب مع طبيعة العصر، والتخلص من كلّ ما يُعرقل عملية التطور، وهنا اشتعلت المعارك ضده، ليس فقط من جانب التيار السلفي، بل من جانب المثقفين أنفسهم.

وبتتبع مسيرة لويس عوض الفكرية، نرى أنه لم يكن على وفاق مع السلطات المتعاقبة في مصر؛ كانت لديه تحفظات كثيرة على الحقبة الناصرية، وقد أقيل من منصبه كرئيس لقسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب، واعتُقل مع الشيوعيين عام 1959، وقبل ذلك في عام 1954، كان قد قدّم استقالته كمشرف على الصفحة الأدبية في جريدة "الجمهورية"، احتجاجاً على استخدام العنف ضد المتظاهرين، والاعتداء الجسدي على السنهوري باشا، رئيس مجلس الدولة.

غلاف كتاب "أوراق العمر"

وفي ما بعد سيقف على يسار الحقبة الساداتية، منتقداً العبارات التي شاعت في تلك الفترة مثل "دولة العلم والإيمان" و"الرئيس المؤمن"، وغيرهما من العبارات الدينية، حيث رأى أن ذلك يُمهد الطريق لنسف هوية مصر، وتشويه ملامحها الثقافية، من خلال توسيع الطريق للتيار الديني المتشدد، لإحكام سيطرته على الوعي المصري.

وحده لويس عوض من خاض غمار الحياة كمحارب، ونال ما نال من الظلم والتجريح، حتى توفي بصمت عام 1990، ولم يعد يُذكر من إنتاجه الفكري والثقافي سوى بعض المقاطع من "أوراق العمر"

في العقد الأخير من حياته، عاش لويس عوض في عزلة مريرة، بعد حياة فكرية صاخبة، مليئة بالمعارك التي خاضها بين مختلف التيارات، وانطوى على نفسه، وراح يجترّ على الورق ذكريات الطفولة والصبا والشباب، لتُشكل سيرةً ذاتيةً صدرت قبل عام من وفاته 1989، بعنوان "أوراق العمر"، ويعدّها المثقفون والنقاد، أجرأ سيرة ذاتية في تاريخ أدب الاعترافات، حيث تناول فيها سيرة عائلته ومصير أشقائه الذين كان من بينهم أخ متخلف عقلياً هو شاكر، توفي وهو شاب في الثلاثين من عمره، وشقيقة "عبيطة" -على حد تعبيره-، توقف نموها العقلي عند مرحلة الطفولة، وأودعت وهي في الستين من عمرها في إحدى دور المسنين.

وتضمنت السيرة أيضاً علاقته بأخيه الأصغر المترجم والكاتب رمسيس عوض، حيث ذكر لويس أن أخاه استفاد من علاقاته بالمثقفين المناصرين له، وتضرر من معارضيه، وأنه كان يغار منه لأنه متوسط الذكاء، ولا يمتلك مقومات المبدع الحرّ مثله.

كما يمكننا بتتبع سيرة لويس عوض في "أوراق العمر"، التي توثق فصولاً وحقباً من تاريخ مصر الثقافي والسياسي، أن نرى أن وصفَها بأجرأ سيرة في تاريخ أدب الاعترافات، فيه الكثير من المبالغة، فالفقرات التي وُصفت على إثرها "أوراق العمر" بالأجرأ في تاريخ أدب الاعترافات، محدودة للغاية، لا تكاد تُلمح وسط التجربة الثرية التي سردها عوض في كتابه الضخم.

وربما الأمر الأهم الذي لم يذكره المفكر المستنير صراحةً، والذي تنضح به السيرة، خاصةً في تتبعه لمسار عائلته وحياتها في صعيد مصر والمآلات التي وصلت إليها، هو عزلة الأقباط في مصر؛ فالأب بعد أن قدّم استقالته وأحيل على المعاش، عاش حياةً روتينيةً انعزاليةً تخلو من الأصدقاء والمعارف، باستثناء مقابلات محدودة على سنوات متباعدة مع الأقارب، والأشقاء كما قال لويس نصاً: "كانوا يسيرون جنب الحائط، يخشون النزول إلى الشارع".

وحده لويس من خاض غمار الحياة كمحارب، ونال ما نال من الظلم والتجريح، حتى توفي بصمت في التاسع من أيلول/سبتمبر عام 1990، ولم يعد يُذكر من إنتاجه الفكري والثقافي سوى بعض المقاطع من "أوراق العمر"، التي أفشى فيها بعض أسرار عائلته -إن كانت أسراراً- في لحظة من لحظات اليأس والحزن، واللامبالاة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard