حقّق نادي ريال مدريد بطولة دوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشر في تاريخه متزعماً القارة الأوروبية بفارق كبير عن أقرب منافسيه، نادي ميلان الإيطالي مع 7 بطولات فقط، بعد موسم كان كارثياً للنادي الإسباني برأي البعض بسبب الإصابات التي لحقت بالفريق وعدم وجود مهاجم أساسي. أياً كانت الظروف، يثبت ريال مدريد أن لا عقبات تقف أمام حصده البطولات.
هذا اللقب الأخير هو البطولة القارية رقم 7 في تاريخ رئيس النادي فلورنتينو بيريز والذي وصفه لاعب النادي الأهلي السابق ومحلل قنوات Bein sport، محمد أبوتريكة، بأنه "ليس رئيس نادي بل رئيس دولة"، وذلك في الاستديو التحليلي للمباراة النهائية في دوري الأبطال بين ريال مدريد وبروسيا دورتموند. آخرون في الوسط الرياضي يحلو لهم أن يطلقوا على بيريز لقب "الشامخ" باعتباره لا يقهر، كما أنه معروف في الوسط الرياضي الإسباني باسم "القرش"، كما ذكر في وثائقي نشر عنه.
لماذا يحظى رئيس نادٍ بكل هذه الألقاب؟ ولماذا تثار حوله الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام؟ هل هو حقاً يقود دولة مدريد في البطولات أم هي لعبة أخرى يلعبها بيريز؟ هذا ما نسعى إلى الإجابة عنه في تقريرنا.
"الشامخ" و"القرش" و"رئيس دولة"... لماذا يحظى بيريز رئيس ريال مدريد بكل هذه الألقاب؟ ولماذا تثار حوله الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام؟ هل هناك رؤساء أندية عرب يوازونه في النفوذ؟
سياسي محنّك وصدامات لا تنتهي
يعامل بيريز ريال مدريد مثل السياسى في المجالس النيابية ومجلس الأمن. يقف دائماً متصدراً المشهد الرياضي سواء في الملعب أو في أي جدل رياضي، فلا كلمة تعلو فوق كلمته، وبإشارة منه يقول للمدرب أو للاعب: "أنت خارج أسوار البرنابيو". تماماً كما فعل مع الكثير من المدربين واللاعبين أمثال كريستيانو رونالدو وبيل ودي ماريا وكاكا وأنشيلوتي في فترة ولايته الأولى التي امتدت بين عامي 2000 و2006.
مع بداية موسم 2023/2024، دخل بيريز في صدام مع رابطة الدوري الإسباني حيث صرّح: "لن يتم التصوير داخل غرف الملابس في البرنابيو" ليخسر ريال مدريد بسبب ذلك القرار 13 مليون يورو من قيمة البث التلفزيوني. السبب في رفض بيريز البث من غرف الملابس، حسب ما ذُكر في صحيفة "ذا أتلتيك"، هو الصراع بين بيريز ورئيس الرابطة، خافيير تيباس، حول نسب حقوق البث.
يرى الناقد والكاتب الرياضي محمد علاء أن "ريال مدريد وبرشلونة هما السبب الرئيسي وراء تراجع مستوى الدوري الإسباني، تحديداً بسبب التوزيع غير العادل للعوائد، والذي تسبب لكافة الأندية - باستثنائهما - بمشاكل اقتصادية كبيرة، حيث لم تقدر على الحفاظ على نجومها أو زيادة قوة فرقها بالمزيد من التعاقدات المؤثرة، فأصبحت المنافسة محصورة بين الثنائي الكبير، ريال مدريد وبرشلونة، وأحياناً فرق مثل أتليتكو مدريد وجيرونا كما حدث هذا العام"، وفق حديثه لرصيف22.
رفض بيريز أيضاً تغيير شعار النادي إلى لون قوس قزح كما تفعل أندية إنكلترا ومنافسه التقليدي برشلونة في تحدٍ آخر لا يجرؤ عليه سواه. وقبل مباراة نصف نهائي بطولة دوري الأبطال بين ريال مدريد ومانشستر سيتي، خرج رئيس رابطة الدوري الإسباني، في تصريح تلفزيوني، معلناً "أنا مدريديستا ولكني لست فلورينتيستا".
التصريح الذي قد يراه البعض غريباً وغير مناسب، في هذا التوقيت قبل مباراة مهمة للفريق الإسباني. فتيباس لم يخفِ تشجيعه لريال مدريد، ولكنه كان دائماً ما يصدِّر العداء الكبير لبيريز في وسائل الإعلام، وقد اشتد الصراع بينهما عقب إعلان بيريز مشروعه "السوبر ليغ".
مع ذلك، لم يتضرر ريال مدريد من هذا العداء حيث استمر في الحصول على فوائد نظراً لأن رئيس الرابطة هو أحد مشجعيه، فوائد مثل مواعيد المباريات التي تتغير وفقاً لرغبة ريال مدريد، وهو ما عبّر المدير الفني السابق لبرشلونة، تشافي، عن غضبه إزاءه قبل إحدى مباريات الكلاسيكو، معترضاً بشدة على عدم حصول فريقه على فترة راحة مماثلة لما حصل عليه ريال مدريد بين المباريات.
ويستمر الصراع بين بيريز وتيباس -على ما يبدو- محصوراً في علاقة الشد والجذب عبر وسائل الإعلام حيث نُشر على لسان تيباس في مجلة "ماركا" الإسبانية أن رئيس ريال مدريد يتصل به العديد من المرات لـ"الشكوى من تقنية الفار".
أراد تيباس أن يسكب البنزين على النار بحديثه عن شكوى بيريز من التحكيم والفار وأن يتصل به تليفونياً، في حين يشكو الغريم التقليدي لريال مدريد، برشلونة، مما يعتبرها "مجاملة التحكيم لريال مدريد".
هناك اتهام متكرر بأن ريال مدريد يستفيد من التحكيم، وأن الحكام يجاملون النادي في الكثير من المباريات وخصوصاً في البطولات الأوروبية، في محاولة لترسيخ أن بطولاته غير مستحقة. في هذا السياق، يُضرب المثل بإلغاء هدف بايرن ميونخ في مباراة العودة في النسخة الأخيرة من دوري الأبطال، واعتذار الحكم بعد ذلك وإقراره بأنه تسرّع في إطلاق الصافرة، كما ذكر في الموقع الإنكليزي "مترو".
لكن في المقابل، يتجرّع الفريق من نفس الكأس. مثال على ذلك ما حدث في مباراة العودة بين نادي ريال مدريد وفالنسيا في الدوري الإسباني حيث حرم حكم المباراة ريال مدريد من هدف الفوز وحصد الثلاث نقاط بعدما أطلق صافرته أثناء رفع الكرة داخل منطقة الجزاء واللاعب بيلينغهام يحرز هدف الفوز، وهو القرار الذي أوقف حكم المباراة على أثره، خيسوس خيل مانزانو، بقرار من الاتحاد الاسباني بحسب "ماركا".
وجاء هجوم رئيس برشلونة، خوان لابورتا، الأخير على ريال مدريد واتهامه بأنه يحصد البطولات بالحكام، بقوله: "ريال مدريد؟ للفوز، ليس كل شيء يستحق العناء، لقد لعبوا بطريقة قذرة للغاية. قرارات الحكام دائماً ما تكون لصالحهم".
المال والسلطة
تُقدر "فوربس" ثروة بيريز الشخصية بـ2.9 بليون دولار، ليحل في المركز 1185 بين أثرى أثرياء العالم. وهذه ثروة كبيرة لمهندس وصاحب أعمال ومشاريع إنشائية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل استفاد بيريز من رئاسة ريال مدريد في أعماله أو زيادة ثروته؟
يجيب بيريز بنفسه على هذا السؤال في لقاء مع الإذاعة الإسبانية "كادينا سير" عام 2021 حيث قال: "أنا لا أجني المال من ريال مدريد وإذا أردت قميصاً للفريق أقوم بشرائه".
مع ذلك، وإذا سلمنا بأن بيريز لا يستفيد مادياً من رئاسته لأكبر نادي في العالم، لكنه يستمد منه القوة والنفوذ. وبالمثل يستفيد ريال مدريد من وجود رئيس قوي وذي نفوذ على رأسه.
على سبيل المثال، ريال مدريد هو النادي الوحيد الذي لم تُفرض عليه عقوبات على خلفية تأييد دوري السوبر ليغ الذي كان بيريز يقف خلفه، على العكس من برشلونة واليوفي وغيرهما من أندية الدوريات الأوروبية. وفي نهاية المطاف، انتصر بيريز بحكم القضاء بأحقيته في المضي قدماً في المشروع.
إذا سلمنا بأن بيريز لا يستفيد مادياً من رئاسته لأكبر نادي في العالم، لكنه يستمد منه القوة والنفوذ. وبالمثل يستفيد ريال مدريد من وجود رئيس قوي وذي نفوذ على رأسه
يقول الناقد الرياضي عمرو شوقي لرصيف22: "طول فترة رئاسته في الحسبان، بدا أنجح رئيس نادي في العالم. وبالنظر إلى عدد البطولات التي حصدها الفريق تحت رئاسته، فهو أنجح رئيس نادي في العالم. لكن من حيث التحديات فلا شك أنه يتسلّح بريال مدريد. وبرأيي، رئيس نادي بايرن ليفركوزن واجه تحديات أكبر من بيريز هذا العام حيث حصد الدوري الألماني من بايرن ميونخ ووصل إلى نهائي دوري الأبطال، بإمكانيات وامتيازات أقل بكثير من التي تتوفر لبيريز في ريال مدريد".
بيريز والمستقبل
خلال ولاية بيريز الأولى، بين عامي 2000 و2006، كانت سياسته تعتمد على النجوم و"فريق الأحلام" الذي ضمّ بيكهام ورونالدو وزيدان ومايكل أوين، والعديد من النجوم الآخرين. هؤلاء النجوم كان بيريز يجيد استغلالهم لزيادة شعبيته وموارد النادي، فكان يسوّق اللاعبين في كل شيء بما في ذلك معسكرات التدريب الصيفية في القارة الأمريكية وفي آسيا.
كان النجوم أيضاً جزءاً من برنامجه الانتخابي للفوز بمقعد رئيس النادي حيث كان تصريحه الشهير في فترة الانتخابات بأنه سوف يأتي باللاعب البرتغالي لويس فيجو من منافسه برشلونة وهو ما حدث بالفعل، ومن بعدها جاء بالكثير من النجوم.
لكن هل يتعلم بيريز من أخطاء الماضي وينظر حقاً إلى المستقبل؟ أم أنه يكرر حماقاته كما ذكر الكاتب الرياضي، غابرييل ماركوتي، في صحيفة ESPN الأمريكية عام 2015، منتقداً أسلوب ريال مدريد وإدارته وجهازه الفني وسياسة بيريز في إدارة النادي.
إذا قسمنا الفترة الثانية من رئاسة بيريز لريال مدريد، التي بدأت عام 2009 وتستمر حتى الآن، إلى نصفين: ما قبل جائحة كورونا وما بعدها، نجد أن بيريز ما قبل كورونا اعتمد نفس سياسة الفترة الأولى من خلال جلب الكثير من النجوم دون الاهتمام بالمراكز التي يحتاجها الفريق وسد النواقص والعجز في صفوفه. وفي بداية فترته الثانية، تعاقد "الشامخ" مع أوزيل وجيمس رودريغيز ودي ماريا وثلاثتهم يلعبون في نفس المركز. وترك الدفاع معتمداً على سيرجيو راموس وبيبي فقط.
لكن سياسة بيريز تغيّرت في فترة ما بعد كورونا بشكل لافت وإن لم تختفِ أخطاء الماضي كلياً.
بدأ الرجل في الاعتماد على مجموعة من الشباب في فريق لا يكلف خزينة النادي الكثير من الأموال أمثال فالفيردي وفينيسيوس ورودريغو وأندريك، وقادر مع ذلك على حصد البطولات مع مدرب مخضرم هو كارلو أنشيلوتي. وواصل التدعيم بنجوم ذائعي الصيت لزيادة شعبيته على غرار النجم الفرنسي كيليان مبابي الذي سعى ريال مدريد للحصول عليه طويلاً. علماً أن المقولة الشهيرة المرتبطة بريال مدريد هي: "قطار مدريد لا يمر إلا مرة واحدة فقط". لكن مع مبابي، اختلف الأمر وليس واضحاً إن كان الاستثناء الوحيد.
سفينة بيريز... سفينة نوح
وخلال الاستديو التحليلي لمباراة ريال مدريد ومانشستر سيتي العام قبل الماضي في دوري الأبطال، وصف المحلل الرياضي في قنوات Bein sport، طارق الجلاهمة، بيريز بأنه "عبر بريال مدريد من مأزق جائحة كورونا مثل سفينة نوح" بمعنى أنه لم يتأثر مادياً كثيراً كما تأثرت غالبية الأندية الجماهيرية في العالم، وذلك نتيجة للخطوات الناجحة التي خطها بيريز بل ونجح في تجديد ملعب ريال مدريد التاريخي، "سانتياغو بيرنابيو".
ويعقّب الناقد محمد علاء على ذلك بأنه "بالمعايير الرقمية، سواءً على المستوى الأقتصادي أو الرياضي، فبالتأكيد بيريز هو أنجح رئيس نادي في العام سواء اتفقنا أو اختلفنا على أسلوبه أو العوامل المساعدة له. لقد استطاع أن يحافظ على العلامة التجارية لناديه ويعبر به أصعب المطبّات ويعود به سريعاً إلى الواجهة حتى بإمكانيات أحياناً أقل من منافسيه خاصةً على المستوى الأوروبي. فالوضع الحالي للنادي توجد الكثير من الأندية الأقوى منه فنياً والأثرى منه من حيث اللاعبين والأكفأ مادياً، ولكنه حافظ على خلطة سحرية تجعله الرقم الأقوى والأصعب في المعادلة".
"ريال مدريد على القمة قبل بيريز وعلى القمة في فترة بيريز، وسيظل على القمة بعد بيريز. لكن بيريز سيترك أساساً قوياً للمستقبل"... بين سفينة نوح وسفينة بيريز التي عبر بها ريال مدريد الصعاب ويحصد بها الألقاب
الديكتاتور والسلطة
طوال سنوات رئاسته، ظلّ بيريز صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بقاء أي لاعب أو مدرب في ريال مدريد. لكن سياسته التي عُرفت بالشدة مع المدربين تحديداً، تغيّرت مؤخراً لإيمانه بأنشيلوتي باعتباره الوحيد حالياً القادر على التعامل مع الشباب الذين جلبهم الرئيس إلى النادي وشكّل منهم فريقه. غير أن نفوذ بيريز لا يتوقف فقط عند بقاء أو رحيل شخص بعينه، بل أيضاً في فرض سيطرته على البطولات وحتى الجوائز الفردية للاعبين.
يقول علاء: "شعبية ريال مدريد العالمية توفر لبيريز الحصانة وهي عامل مساعد له، على أقل تقدير تجعله دائماً سابق بخطوة على منافسيه على كافة المستويات، وله كلمة، سواء كانت في التحكيم أو الإعلام، أو أمور أخرى تحدث وراء الكواليس تخدم بيريز أكثر من غيره".
يرى الناقد الرياضي أن "الانحياز يصب في مصلحة بيريز أحياناً، وأحياناً أخرى يكون بسبب أهمية استمرار ريال مدريد في المراحل النهائية للبطولات لأنه يزيد من شعبيتها ويعلي من قيمتها، وأكبر دليل على ذلك أن هناك لاعبين يفعلون كل شيء في كرة القدم ولا يحصدون الجوائز الفردية، ولكن انضمامهم لريال مدريد يكون كفيلاً بمضاعفة حظوظهم للتتويج، وهناك أمثلة عديدة على ذلك، أبرزها كانافارو، ومودريتش، فرغم عظمتهما إلا أنهما لم يحصدا الكرة الذهبية خارج أسوار ريال مدريد".
بدوره، يختم عمرو شوقي بأن "ريال مدريد على القمة قبل بيريز وعلى القمة في فترة بيريز، وسيظل على القمة بعد بيريز. لكن بيريز سيترك أساساً قوياً للمستقبل فهو كبير سناً ولكنه شاب فكرياً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم