شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
شعبان عبد الرحيم

شعبان عبد الرحيم "يكره إسرائيل"، وأنا أكره ريال مدريد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الخميس 16 مايو 202410:38 ص

أقسم أحد الأشخاص العائدين من الموت أنه رأى بأم العين هذه الجملة مكتوبة على باب الجحيم: "ليس كل مناصري ريال مدريد أشراراً، لكن كل الأشرار مناصرون لريال مدريد".

عندما أبحث في ذهني عن منظمة أو كيان يشبه النادي الإسباني ريال مدريد، بكل من فيه من لاعبين وإداريين ومشجّعين حتى، لا أجد إلا إسرائيل: بلطجي ومتنمّر، ويتفاخر بقدرته على تحطيمك و"دعوستك"، لأن لديه أخاً في المخابرات مثلاً أو أمن الدولة أو لأنه هو أصلاً المخابرات وأمن الدولة، فيصبح صوابك خطأ وخبزك فحماً ونبيذك بول جمال.

الأموال الكثيرة والكيانات الإعلامية الفاجرة إلى جانبه، جاهزة لتمسح أي حقيقة يمكن أن تدينه أو تشينه. له تاريخ طويل من القتل والتدمير وسرقة الحقوق لكنه يستطيع إخفاء كل هذا ببراعة سيطرته على الكيانات الإعلامية الكبرى، ببركة الأخ الأكبر (الولايات المتحدة أو ضابط المخابرات)، كيان له تاريخ فاشي لا يخفى على أحد، لكن التحدث عنه ممنوع ومرتبط بكم كبير من العقوبات والإدانات.

في كل مناسبة ينتصر فيها على خصم قوي لابد أن يشوب هذا الانتصار شيء من الخطأ لصالحه. سبحان الله: حكم راية ساه، مراقبو الشاشات الإلكترونية (الفار) نعسون نتيجة "غداء عمل ثقيل"، الأمم المتحدة تقوم بتعزيل قاعاتها ولا مجال لعقد جلسة طارئة، القادة العرب يحضرون مهرجاناً يسقط فيه سوتيان هيفاء وهبة أو أليسا، أميركا تتبول في مكان مكشوف ولم تكن تراقب التلفزيون أصلاً والاتحاد الأوربي مشغول بثلاثة مهاجرين عرب يقومون بصنع الفلافل، ويفسدون حياة الأوربيين بروائح الطهي. أعني لا بد أن يحصل شيء ما حتى لا ينتبه أحد، حتى يسهو الجميع وتمرّ المجزرة، وترفع تلك "الدولة الرياضية" كأساً جديداً يضاف إلى لائحة إنجازاتها: رفح، جباليا، بحر البقر، قانا، الشيخ جراح، التشامبيونز ليغ، كأس السوبر.

أقسم أحد الأشخاص العائدين من الموت أنه رأى بأم العين هذه الجملة مكتوبة على باب الجحيم: "ليس كلّ مناصري ريال مدريد أشراراً، لكن كلّ الأشرار مناصرون لريال مدريد"

قبل أن ينتقل أي لاعب إلى هذا الكيان، يكون مثالاً في اللطف، عائلة محترمة وأخوة طيبون ووالدة متفانية، ثم ينتقل فجأة إلى النادي/الدولة الأشهر في العالم، فيتحوّل. كأنهم يخيرونه بين حبتين، زرقاء وحمراء، كما في ماتريكس، وما إن يبلع تلك الحبة حتى يصبح فجأة بلطجياً، متنمّراً، معتدياً، لا يخشى من ارتكاب أي عنف ضد لاعبي الخصم أو السكان الأصليين، بل ويعرف كيف يتباكى أمام الكاميرات: "أريد فقط أن ألعب كرة القدم، أريد فقط أن أقتل عربياً واحداً"، لدرجة أن مدافعاً في المباراة الأخيرة قام بحمل لاعب عن الأرض لمنعه من اللحاق بالكرة، وكافأه الحكم بابتسامة وبإرسال المزيد من الأسلحة ليقصفه في المرة القادمة إن لم يتوقف. من سيجبر لاعباً كهذا على عدم الاعتداء؟ الفيفا، أم منظمة الأمم المتحدة؟

الكرة دخلت المرمى في عدّة مناسبات، والضحايا تجاوزوا الثلاثين ألفاً، المدافعون عن مجد الكيان أطلقوا النار على المهاجمين الأخصام، لكن كل هذا كذب: عليك أن تصدّق جو بايدن، الذي يقف بقربه اللاعب المدريدي مبتسماً بسخرية، وتكذّب عينيك.

هناك العديد من مناصري هذا الكيان الإسباني الغاصب بين ظهرانينا، ومنهم أصدقاء لي حتى، لكني أحتفظ بهم كأصدقاء افتراضيين صافحاً عن أخطائهم هذه، إذ لديهم صفات جيدة أخرى، كما تفعل الأم حين تخصّص قطعة اللحم الكبرى للابن الأكثر فظاظة.

كنت أعرف رجلاً في سوريا، لا أستطيع أن أطلق عليه لقب صديق، لكني كنت مضطرّاً لرؤيته باستمرار، شيء يشبه المنظر القبيح الذي لا ترغب برؤيته لكنه يقع على طريقك باتجاه الحديقة مثلاً، كان يتفاخر بأنه شجّع هولندا ضد الاتحاد السوفييتي في نهائي الأمم الأوربية في 1988، في إشارة لاختلافه عن السائد وعن "تفكير القطيع" الذي كان يرى في الاتحاد السوفييتي نصيراً للضعفاء، وعندما قامت الثورة السورية، فرح وهلّل لتهديد الولايات المتحدة بقصف دمشق. ربما كان يأمل من أوباما أن يوزّع شيفروليه وآيفون على كل ثائر.

 في كل مرة ينتصر فيها ريال مدريد على برشلونة، أو ينفّذ فيها غارة على مطار في دمشق، لا يحاول إخفاء شماتته بي، رغم أن لا علاقة له بكرة القدم لا من قريب ولا من بعيد، لم يشاهد في حياته مباراة واحدة كاملة وليس لديه اهتمام بهذا العالم أكثر مما لدى قطة بالأركيولوجيا، لكنه يعتبر نفسه مدريدياً شرساً، كما يعتبر نفسه معارضاً شرساً للنظام السوري أيضاً (بحكم الطائفة!)، لماذا؟

الكرة دخلت المرمى في عدّة مناسبات، والضحايا تجاوزوا الثلاثين ألفاً، المدافعون عن مجد الكيان أطلقوا النار على المهاجمين الأخصام، لكن كل هذا كذب: عليك أن تصدّق جو بايدن، الذي يقف بقربه اللاعب المدريدي مبتسماً بسخرية، وتكذّب عينيك

غالب الظن أنها عبادة القوي، المنتصر، واحتقار الذات، إذ هو نفسه من يظن أن من حق الولايات المتحدة تغيير أنظمة البلاد التي لا تعجبها أو لا تنصاع لأوامرها، بل وأن تتجسّس على الجميع، بمن فيهم الأوربيون، ولا تمتلك روسيا أو إيران أو حتى الصين الحق نفسه. هو نفسه من يرى بوتين مجرم حرب، بينما بوش الصغير والكبير إضافة لأوباما وساركوزي، الرؤساء الذين قتلوا 11 مليون إنسان عربي ومسلم، حمامات سلام فحسب. هو نفسه من يظن أن على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين أن يتركوا إسرائيل تقصفهم وتحتلّهم لأنها أكثر ديمقراطية من أنظمتهم، ولا يخفي فرحه لهزيمة منتخب سوريا في أي مباراة، رغم أنه سوري، إذ إنهم "لاعبو الأسد"، وهو نفسه من يدعو لاستمرار الثورة السورية، من على الكنبة في الصالون، حتى لو لم يتبق سوري واحد على قيد الحياة، بعد أن أسعفته الحظوظ باللجوء إلى إحدى الدول الأوربية، وهو نفسه من يرى أن ريال مدريد يستحق كل كؤوس المسابقات التي يشارك بها ولا يمكن أن يرشي حكماً أو يستفيد من تلاعب، فهو النادي الأكثر ملائكية في العالم، إضافة لديمقراطيته.

أظن أن أغلب مشجعي ريال مدريد ومناصري إسرائيل يأتون هكذا، حزمة واحدة، ملفوفة بنفس العلم ذي النجوم: الرأسمالية قمّة التطوّر الحضاري، لا يمكن للأوربيين أن يكونوا عنصريين، إسرائيل دولة ديمقراطية، هم يمتلكون ثقافة موت (غالباً الطائفة الأخرى) ونحن نمتلك ثقافة حياة، الصناعة الصينية سيئة والآيفون أفضل من هاواوي وكوريا الشمالية يحكمها معتوه (الولايات المتحدة يحكمها عاقل ورزين جداً) وستاربكس أطيب من قهوة أبو خضر... وهكذا، ودليله الوحيد هو مؤخرة فتاة رجراجة في شارع أوربي لم يرها من قبل في مدينته التي تشبه تورا بورا.

عندما تفهم وجود مشجّعين لريال مدريد في العالم بأكمله، والعربي ضمناً، تفهم لماذا يطبّع العرب مع إسرائيل: لم يستطيعوا هزيمتها فقرّروا عبادتها

كان العداء للأغنياء، وضمناً الطغاة، جزءاً من كل منظومة أخلاقية وثورية. ظل هذا المقياس واضحاً حتى استطاعت الولايات المتحدة وآلتها الإعلامية الهائلة، برفقة الإعلام العربي الذي ينسخ السخافة الغربية ويروّج لها على أنها "ثقافة حياة"، أن تنقل العالم إلى النقيض، وحلّت عبادة الأغنياء محل كراهيتهم، وتحول العالم بأكمله لـ "أنكل توم" واحد وحيد، يخدم السادة الأغنياء ويتلقى بصاقهم ويقول "إنها تمطر".

أولئك الذين دخلوا الربيع العربي فحوّلوه، ببركة المال الخليجي و"تهاوشنا على الصيدة"، إلى خريف سلفي وإخواني، الذين استهلكوا كلمة "الثورة" لدرجة أن القرضاوي أصبح غيفارا المسلم، الذين امتهنوا فكرة "ثقافة الحياة" فأصبحت على إيديهم سخافة وتعهيراً وانحطاطاً لم يكن ينقصنا أصلاً. غوغائيو الثورات الطائفيون، دعاة التثوير والتحرير باستحضار القاعدة وداعش، صانعو التحوّل الاستهلاكي، التحوّل الذي يجعل مواطناً عربياً يحمل رأساً بين كتفيه يقف ويقول: "الفلسطينيون باعوا بيوتهم لليهود، وهم من اعتدوا على إسرائيل في 7 أكتوبر"، أو: "الكرة لم تدخل المرمى، وهذا الحكم عادل طالما منح ريال مدريد الفوز".

كان العداء للأغنياء، وضمناً الطغاة، جزءاً من كل منظومة أخلاقية وثورية. ظل هذا المقياس واضحاً حتى استطاعت الولايات المتحدة وآلتها الإعلامية الهائلة، أن تنقل العالم إلى النقيض، وحلّت عبادة الأغنياء محلّ كراهيتهم

أكره انتصار القوي الظالم، أكره ريال مدريد وكل كيان يشبهه، أكره كل ما يمثّله هذا الكيان القذر، اللاإنساني، المتلاعب، ولو استطعت لغنّيت له كما غنى الرابر كيندريك لامار للرابر الآخر ديريك (هذه إضافة من ابنتي روزماري، لأن كراهية الأغنياء وريال مدريد وتلك الدولة المارقة أيضاً إرث عائلي): I hate the way that you walk, the way that you talk, I hate the way that you dress, I hate the way that you sneak diss

هؤلاء "الأنكل تومات" الصغار، الفقراء الذين يحتقرون الفقراء، العاطلون عن العمل الذين يستعبدون العاطلين عن العمل، الذين يمرّون قربك في الشارع، في الحافلة، في المقاهي، في المظاهرات، الذين يمتلكون برهاناً ساطعاً: "الأغنياء حياتهم أفضل، هم أغنياء لأنهم أفضل منا". يخوضون حروب الأغنياء القذرة، ويصفعونك على وجهك بهذه الحجّة العملية الدامغة: "البقاء للأصلح والأغنياء هم الأصلح".

عندما تفهم وجود مشجّعين لريال مدريد في العالم بأكمله، والعربي ضمناً، تفهم لماذا يطبّع العرب مع إسرائيل: لم يستطيعوا هزيمتها فقرّروا عبادتها. وقد يعذرني أصدقائي المدريديون (أو لا) فمنهم من لا ينطبق عليه هذا الوصف، ومنهم من ارتبط عاطفياً منذ وقت طويل بهذا الكيان البشع، لكن لم يفت الوقت لتصحيح رؤيتكم للعالم، فقد رأيت الكثير من الجثث تتخلّى عن عبادة ساطور قاتلها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نرفض تحويلنا إلى كائنات خائفة يسهل حكمها. لذلك كنّا وسنبقى موقعاً يرفع الصوت ضد كل قمع لحرية التعبير ويحتضن كل الأفكار "الممنوعة" و"المحرّمة". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image