تنطبع ابتسامة متألمة، على وجوه السوريين الهاربين من الحرب السورية عند دخولهم الأراضي الألمانية، وأكثر المتفائلين هم الشبان من حملة الشهادات العليا. وخصوصاً بعد الموافقة على منحهم حق اللجوء والحماية.
ولعل العامل المشترك الذي يجمع معظم هؤلاء هو شعورهم بالأمل والتفاؤل لمستقبل أفضل بإمكانية العمل بما يمتلكونه من خبرة عملية وشهادة عليا.
فإلى جانب السمعة الجيدة لدولة مثل ألمانيا في المجال العلمي ولما هناك من فرص عمل أفضل بكثير مقارنة بكثير من البلدان، فإن ذلك يحمس السوريين الحاصلين على شهادات عليا في بلدهم الأم سوريا للعمل بشهاداتهم في ألمانيا، لكن ذلك ليس بالأمر السهل على ما يبدو.
رغم الاندماج السريع للسوريين في سوق العمل وأن غالبية اللاجئين الذين وصلوا إلى ألمانيا هم ما بين 18 و35 عاماً وأن من هم فوق الأربعين عاماً نسبتهم ضئيلة، إلا أن الكثيرين من حملة الشهادات العليا لم يتم إنصافهم بما يكفي ويواجهون صعوبات في العمل، خصوصاً أولئك الذين تخرجوا من الجامعات السورية.
سواء من حيث تدني الأجور أو عدم الاعتراف بما حصل عليه اللاجئ من شهادات علمية في سوريا. الأمر الذي يدفع العديد من المهندسين والمعلمين وحتى الأطباء للعمل في أعمال خارج تخصصاتهم، كالعمل في ورش البناء ومعامل الأحذية والبلاستيك والديلفري والمطاعم.
تدني الأجور أو عدم الاعتراف بما حصل عليه اللاجئ من شهادات علمية في سوريا. يدفع العديد من المهندسين والمعلمين وحتى الأطباء للعمل في أعمال خارج تخصصاتهم في ألمانيا، كالعمل في ورش البناء ومعامل الأحذية والبلاستيك والديلفري
أكثر العوائق التي يعاني منها السوريون للعمل ضمن خبراتهم واختصاصاتهم، عامل اللغة والذي يستغرق أكثر من عامين حتى يتمكن اللاجئ من اجتيازه والقدرة على التواصل والانخراط في المجتمع.
تأتي بعد ذلك صعوبات تصديق الشهادات الأكاديمية ومعادلتها والتي تتطلب وقتاً، وأحياناً يرفض مكتب العمل Jobcenter معادلتها، ويقوم بالضغط على الباحث عن عمل، لمزاولة أي مهنة أخرى خارج اختصاصه.
هذا ما حدث مع معتز، (اسم وهمي)، وهو مهندس اتصالات يبلغ من العمر 38 عاماً، اضطر بعد ثلاث سنوات من البحث عن عمل وفق خبراته العلمية واختصاصه للعمل كعامل نظافة في إحدى دور الرعاية لكبار السن، يقول في ذلك: "حاولت تصديق شهادتي لكن موظفة الجوب سنتر رفضت طلبي وأصرت أن أزاول أعمالاً أخرى".
أما عبد السلام عبدالله، 36 عاماً، مهندس مدني، تخرج من سوريا عام 2010، دخل ألمانيا في السابع من يونيو عام 2015. أمضى عبد السلام عامين لتعلم اللغة، وثلاثة أعوام أخرى ليعادل شهادته وليناقش خبراته ومؤهلاته المهنية في الجامعات الألمانية وفي سوق العمل.
وليؤكد على رغبته في العمل ضمن تخصصه في الهندسة المدنية، أكمل دراسة الماجستير في إحدى جامعاتها، يقول عبد السلام: "كان الأمر متعباً جداً، حين تخرجت من الماجستير راسلت أكثر من 56 شركة للعمل بها لكن لم تكن لترغب أي منها في التعاقد مع شخص يمتلك شهادة غير ألمانية".
ويضيف عبد السلام: "أعمل في إحدى الشركات منذ عامين، براتب أدنى من البقية بعد أن قضيت ست سنوات في الدراسة والبحث، إنه أمر متعب وظالم".
تبلغ الجالية السورية ما يقرب الـ 2.5 مليون سوري في ألمانيا وتشكل تفرداً في الثقافة والتقاليد واللغة عن باقي الجاليات الأخرى، والمميز هو الاندماج السريع، خصوصاً من جيل اللاجئين الأصغر سناً، ممن هم في أغلبهم تحت العشرين عاماً، فمن هذه الفئات يوجد اليوم أعداد هائلة من المهندسين والأطباء والمعلمين الذين تمكنوا من الدراسة في الجامعات الألمانية خلال وقت زمني ضئيل جداً وهو أمر يحسب للجالية، حيث أن أكثر من 6000 طبيب سوري يعملون اليوم في ألمانيا، واستناداً إلى إحصاء الأطباء التابع لغرفة الأطباء الاتحادية في ألمانيا، فإنهم أكبر فئة من الأطباء الأجانب العاملين في ألمانيا.
أكثر من 6000 طبيب سوري يعملون اليوم في ألمانيا، واستناداً إلى الإحصاء التابع لغرفة الأطباء الاتحادية في ألمانيا، فإنهم أكبر فئة من الأطباء الأجانب العاملين في ألمانيا.
ورغم أن حظوظهم أكبر بكثير من الأكاديميين الآخرين، حيث هناك حاجة في ألمانيا للأطباء وبعض التخصصات العلمية، مع ذلك يوجد اليوم أضعاف مضاعفة من حملة الشهادات الطبية في ألمانيا هم بلا عمل ومن اختصاصات نادرة ومهمة، وذلك لأسباب مختلفة منها السن وعوائق تمليها نظم الروتين والبيروقراطية التي تفرضها سلطة المكاتب. في حين لا تكاد تكون معاناة عبد السلام ومعتز تذكر أمام ما يعانيه أصحاب اختصاصات أخرى، كمزاولي مهن المحاماة والإعلام والتدريس وحملة الشهادات العليا كالدكتوراه في الاختصاصات الأدبية كالتاريخ واللغة العربية والجغرافية وغيرها. فمثلاً، مالك صليبي، 33 عاماً، يعمل في تركيب ألواح الطاقة الشمسية كعامل عادي، بعد أن لم يتمكن من الاستفادة من خبرته في مهنة المحاماة، ويحمل صليبي ماجستير في القانون الجزائي، وقبل مغادرته سوريا كان يستعد لنيل درجة الدكتوراه.
كذلك ابتهال، 29 عاماً، التي لم تتمكن من مزاولة عملها كمدرسة للتاريخ رغم تعديل شهادتها وتصديقها. ابتهال من سكان مدينة دير الزور وتقيم في مدينة بريمن منذ العام 2016، تقول: "لقد عملت في مجال التنظيف لمركز لرعاية المسنين لمدة عام وبعدها تمكنت من العمل في أحد مطاعم ماكدونالدز، واليوم أعمل في المنازل في مجال الرعاية الخاصة للأطفال المتوحدين وكل ذلك دون الاستفادة من خبراتي الجامعية أو شهادتي، فهي أعمال يمكن مزاولتها دون خبرة مسبقة أو شهادة".
وبالرغم من أن الدولة الألمانية تسعى لتطوير سياسات الاندماج وتقوم على استقطاب حملة الشهادات من المهاجرين لتغذية سوق العمل، إلا أن العوائق البيروقراطية تقف في معظم الأوقات عثرة بين اللاجئين وفرص العمل في ألمانيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه