شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الدراسة في أوروبا... تحديّات عديدة أبرزها غياب الشمس

الدراسة في أوروبا... تحديّات عديدة أبرزها غياب الشمس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

الأحد 30 أبريل 202303:20 م

تشير جملة من التقارير والدراسات إلى ازدياد أعداد العرب الذين يدرسون في الجامعات الأوروبية خلال السنوات الأخيرة. الدراسة في الخارج، كما هو متوقع، تجربة مثيرة قد تجذب الكثير من الأشخاص. لكن ليس غلواً وصفها بأنها رحلة شاقة تحتوي على الكثير من التحديات. 

عبد الرحمن، 28 عاماً، وهو مصري، قرر بعد إنهائه دراسة السنة الأولى في كلية الهندسة في جامعة المنصورة عام 2016، السفر إلى ألمانيا للدراسة، لتتغير بعدها حياته تماماً. 

وهو يقارن دراسة الهندسة بين مصر وألمانيا: "عندما قررت الدراسة في ألمانيا كنت أعرف بأن نظام الدراسة قد يختلف لكن ليس بالقدر الذي وجدته. لم أواجه أي نوع من المشاكل في الدراسة في مصر، الحياة الجامعية كانت لطيفة. تدرس، تقدم امتحانات، تنجح. لكن حين بدأت بدراسة الهندسة الكهربائية في جامعة ميونخ في العام 2017، وهو التخصص ذاته الذي كنت أدرسه في مصر، وجدت الوضع مختلفاً كلياً".

ويوضح عبد الرحمن أن نظام الدراسة ونظام الامتحانات لطلبة الهندسة في ألمانيا يضعان الطلاب تحت وطأة الكثير من الضغط: "لا أبالغ لو قلت إن الدراسة للتحضير لامتحان مساق دراسي واحد في ألمانيا تعادل الدراسة لثلاثة مساقات دراسية في مصر". 

"لا أبالغ لو قلت إن الدراسة للتحضير لامتحان مساق دراسي واحد في ألمانيا تعادل الدراسة لثلاثة مساقات دراسية في مصر". عبد الرحمن، مصري، 28 عاماً.

ورغم أن طريقة دراسة عبد الرحمن في مصر كانت كافية ليحصل على تقدير امتياز وجيد جداً في جميع المساقات، لم تكن مناسبة ليجتاز الفصل الدراسي الأول في ألمانيا. يبيّن: "نظام الامتحانات في ألمانيا لا يعطي للطالب وقتاً كافياً لحل جميع الأسئلة مما يجعله متوتراً. كما لم أكن أعرف حين بدأت الدراسة بأن للطالب محاولتين فقط لتقديم الامتحان والنجاح وإلا فسيفصل من الجامعة ولن يستطيع أن يدرس التخصص ذاته في أي من الجامعات الألمانية. في الفصل الدراسي الأول كان عليّ تقديم عشرة امتحانات، لم أستطع اجتيازها جميعها من ثاني محاولة ففصلت من الجامعة. اكتشفت أن الهدف من هذا الضغط خفض عدد الطلبة المنضمين للتخصص بعد الفصل الأول".

لم يستسلم عبد الرحمن. فبعد ذلك بدأ دراسة الهندسة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات في جامعة ميونخ للعلوم التطبيقية. 

"سافرت إلى ألمانيا في العام 2015 عندما تزوجت، لأن زوجي كان يدرس ويعمل في ألمانيا كطبيب. وقررت أن أكمل دراستي العليا في البصريات السريرية في العام 2019 لأنني اعتقدت بأنها الطريقة الوحيدة لإيجاد عمل في تخصصي في البصريات بألمانيا، بسبب وجود مصطلحات في مجالي في اللغة الألمانية من الصعب تعلمها لو لم أدرسها هنا". تقول هديل، 31 سنة، فلسطينية. فضلت  استخدام اسم مستعار للحفاظ على خصوصيتها.

لم تكن رحلة الدراسة سهلة بالنسبة لهديل، لكن ليس بسبب المواد الدراسية. فبحسب هديل، معظم المواد الدراسية في مجال الماجستير أسهل مما توقعتها، إذ المعلومات هي ذاتها التي درستها في جامعة النجاح في فلسطين، ولكن بالألمانية بدل أن تكون بالإنجليزية. 

كانت الصعوبة الأكبر بالنسبة لهديل في اللغة، كون لغة الدراسة الألمانية ليست لغتها الأم مثل باقي زملائها. صعوبات اللغة تلك لا تقتصر على المجهود الدراسي الكبير، بل قللت أيضاً من ثقة هديل بنفسها، وكان لها تأثير سيىء جداً على التواصل مع باقي الطلبة، الذين كانوا يعبرون لها عن رفضهم وجودها فيما بينهم، ويقللون من قدراتها العقلية وأحياناً يعبرون عن استغرابهم نجاحها في جميع المواد الدراسية.

توضح: "كان لدى معظم الطلبة صورة نمطية حول المرأة المحجبة، والمرأة العربية عموماً، فلو استخدمت كلمة في الألمانية بشكل خاطئ يشعرونني بأنني قد اقترفت جريمة لا تغتفر، رغم أن ذلك طبيعي لأنها ليست لغتي الأم، حتى ولو كنت قد اجتزت امتحان مستوى اللغة الألمانية المتقدم جداً". 

"كان لدى معظم الطلبة في الجامعة في ألمانيا صورة نمطية حول المرأة المحجبة، والمرأة العربية عموماً" هديل، فلسطينية, 31 سنة

وتعقب: "لو كان لدينا طالب أجنبي في فلسطين كنا سنحتضنه ونساعده ونشجعه ونحترم عزيمته ومجهوده للدراسة بلغتنا، لم نكن لنكون لئاماً معه بأي شكل، لكن الطلاب هنا لم يكونوا لطفاء معي. لا أعمم بالطبع، فخلال رحلتي الجامعية كان هنالك طالبتان ألمانيتان في غاية اللطف قامتا بمساعدتي والإجابة عن استفساراتي حول الدراسة في ألمانيا".

وذكرت هديل أن بعض الطلبة كانوا أيضاً يوجهون لها أسئلة مزعجة حول معتقدها الديني والحجاب. كان هذا يجعلها لا تطيق التعامل معهم، تفسر: "لماذا يرفضون التعامل معي على أنني إنسانة وطالبة مثلهم بدل أن يروني دائماً فقط مسلمة ضعيفة، أنا أغطي شعري لا عقلي".

أما بالنسبة للأساتذة فتحدثت هديل عن الكثير من أساتذتها الرائعين وذوي المستوى الأكاديمي المرموق الذين كانوا يعاملونها في غاية المهنية ويحترمونها كطالبة، بالرغْم من وجود أستاذ واحد لم يكن لطيفاً وقام بإحراجها مرة حين أخطأت خطأ بسيطاً إذ قال إن عليها أن تعيد دراسة البكالوريوس. لكن باقي الأساتذة كانوا رائعين، ومنهم من كان يشرح لها خارج وقت المحاضرات، وآخر أخذ من وقته لكي يترجم مقالة إلى الألمانية كتبتها خلال دراستها في فلسطين لينشرها في إحدى المجلات العلمية الألمانية المرموقة باسمها. تقول: "لا يمكنني نسيان هؤلاء الأساتذة الرائعين، فمن النادر أن تجد مثيلاً لهم في الجامعات الفلسطينية".

وحول الأساتذة في الجامعات الأوروبية قال مودي، 35 عاماً، مصري:"تعامل الأساتذة مع الطلبة مختلف كلياً عن الأساتذة في الجامعات العربية، في مصر علينا أن نعامل معظم الأساتذة كأنهم أعلى منا قيمة، لكن في أوروبا الأساتذة في غاية التواضع، مع أن مستوى معظمهم الأكاديمي عال جداً، ولديهم الكثير من الكتب والدراسات المهمة المنشورة".

"في مصر علينا أن نعامل معظم الأساتذة كأنهم أعلى منا قيمة، لكن في أوروبا الأساتذة في غاية التواضع". مودي، مصري، 35 عاماً

ويضيف: "التواصل مع الأساتذة هنا سهل، يجيبون عن أي استفسارات لدى الطلبة ويساعدون قدر استطاعتهم، وهذا بالحقيقة صعب جداً في مصر بسبب عدد الطلبة الكبير. عدد الطلبة القليل في الجامعات الألمانية هو من أهم مميزات التعليم لأنه يرفع من جودة التعليم والتركيز على كل طالب". بدأ مودي دراسة الماجستير في اللاهوت ما بين الثقافات في العام 2019 في مدينة غوتينغن الألمانية.

عدد الطلبة القليل الذي وجده مودي ميزة كان في المقابل عاملاً سلبياً بالنسبة لهديل التي عبرت عن بعض الخيبة بقولها: "كنت أعتقد بأنني سأبدأ الدراسة في جامعة ضخمة بها عدد كبير من الطلاب، خاصة أن هناك جامعتين فقط في ألمانيا تقدمان برنامج الماجستير في البصريات، لكن هذا لم يكن الواقع، كان القسم الذي بدأت به الدراسة صغيراً جداً وعدد الطلبة المنضمين إليه قليلاً، لذا كان علي تسجيل المواد الدراسية التي تختارها الكلية وإلا فسأنتظر عاماً لأستطيع دراستها".

يرى عبد الرحمن أن مميزات الدراسة في ألمانيا كثيرة، أهمها أن هنالك فرصاً للدراسة والعمل في نفس الوقت، ليطبق الطالب ما يتعلمه في مجال العمل.

يتابع: "في مصر كان روتين حياتي اليومي هو أن أذهب إلى الجامعة وأعود إلى البيت، لم يكن يشغلني شيء آخر، لكن هنا هنالك الكثير من الأشياء التي تشغلك بجانب الدراسة مثل المعاملات الورقية أو الحياة البيروقراطية والعمل والسكن والإيجار والبنك… إلخ، هنا يتعلم المرء كيف يتحمل مسؤولية نفسه. الحياة في ألمانيا تعلم الشخص أن يكتشف نفسه، يعرف نقاط قوته ونقاط ضعفه التي لم يلاحظها يوماً".

من جهتها تحدثت ملك، 25 عاماً، فلسطينية، تدرس البكالوريوس في إدارة السياحة في جامعة ميونخ للعلوم التطبيقية، عن طبيعة التعليم الجامعي الممتع الذي يعتمد على الأمثلة والتطبيق العملي لفهم النظريات لا على الحفظ كما في نظام التعليم في المدارس في فلسطين. 

وذكرت أن أساتذتها متعاونون جداً معها، فحين يعرفون أنها ليست ألمانية، يحترمون ذلك ويقدرون مجهودها للتعلم باللغة الألمانية، وبعضهم كان يوافق على إرسال المواد النظرية لها قبل بداية الفصل ليكون لديها متسع من الوقت لترجمتها وفهمها حين كانت في فصولها الدراسية الأولى، بل اعتذر بعضهم لها لأنهم لا يستطيعون أن يشرحوا لها بلغتها الأم على الرغم من أن هذا غير مطلوب منهم، لكنه يقوي من ثقتها بنفسها وبقدراتها على التعلم والتطور حتى بين أقرانها الذين يدرسون بلغتهم الأم.

تحديات كثيرة أحدها غياب الشمس 

يعتبر مودي الجو في بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا أحد التحديات التي تواجه الطالب العربي الذي اعتاد المناخ المائل للحرارة، بينما الجو في أوروبا يميل للبرودة، والشمس غائبة في معظم السنة، وهو ما سبب لبعض الطلبة الاكتئاب، وجعل الكثير منهم يلجأون إلى المكملات الغذائية لتعويض نقص فيتامين (د). 

كما يعتبر مودي البعد عن عائلته وقلقه على والديه في عداد الصعوبات التي تواجهه خلال الدراسة في ألمانيا.

من جهته اعتبر عبد الرحمن قلة المعلومات بشأن القوانين وأنظمة الدراسة في ألمانيا من أكبر التحديات التي واجهته، يوضح: "كان هنالك أشياء لو كنت أعرفها في فصولي الأولى في الدراسة لسهلت حياتي كثيراً. عندما جئت هنا كنت وحدي لا أعرف أي عربي أو مصري ليرشدني للأشياء التي تقدمها الجامعة أو الدولة". 

"لم أقرر الدراسة في ألمانيا بعد تخطيط مطول بل كانت مجرد فكرة خطرت لي فقلتها لأبي فوجدت فشجعني. لعل هذا القرار هو أفضل ما حصل لي". ملك، فلسطينية، 25 عاماً.

أما ملك فتقول: "عندما جئت إلى ألمانيا كنت في الثامنة عشرة، لم أقرر الدراسة هنا بعد تفكير وتخطيط مطول بل كانت مجرد فكرة خطرت لي فقلتها لأبي فوجدت منه تشجيعاً كبيراً. لعل هذا القرار ولو كان يومها طفولياً فهو أفضل ما حصل لي. الحياة في ألمانيا بجميع الصعاب التي واجهتها بداية بتعلم اللغة ثم الدراسة في الجامعة والعمل والأشخاص الذين قابلتهم سواء كانوا لطفاء أو متعجرفين، وفهم الثقافة وتكوين الصداقات والانخراط في المجتمع والحياة اليومية، كل هذا جعلني شخصاً أنضج يفهم الحياة ويعتمد على نفسه بشكل كامل. وصرت أكثر انفتاحاً وتقبلاً لكل الناس بجميع اختلافاتهم الثقافية والفلسفية والعقائدية".

الدراسة في أوروبا رحلة ملأى بالصعاب والإنجازات. عزيمة الطلاب واجتهادهم هما وحدهما ما يجعلهم يتغلبون على جميع التحديات ليجنوا ثمار تعبهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard