منذ غزو القادة المسلمين للهند، محمود ابن سبكتكين الغزنوي (المتوفى 1030م)، ومحمد الغوري (المتوفى 1206)، ومحمد ابن بختيار الخلجي (المتوفى 1206)، وانتشار الإسلام في الهند لم يتوقف، مستفيداً من طبيعة الشعب الهندي المُسالمة التي جعلته واحداً من الشعوب التي لم تغزُ دولَ الجوار في التاريخ وتحتلّها.
ظلت العلاقة بين المسلمين والهندوس في الهند، منذ القرنين الـ11 والـ12 الميلاديين حتى القرن العشرين، طبيعيةً، لم تؤدِّ في مُجملها إلى صعود قادة انفصاليين. في المقابل، ظلت الهند تحت سيطرة الأغلبية الهندوسية مع طبيعة صوفية لمسلميها سمحت بقبول تلك السيطرة بحكم القوة والعدد، وعلى الرغم من ذلك ظلت مشاعر الهندوس غير راضية عما حدث لهم في عصور القادة الأفغان والأتراك (الغوري والغزنوي والخلجي)، وتفاصيل هذا الرفض حكاها المؤرخ والكاتب الهندي سيتا رام جول، في كتابه "المقاومة الهندوسية البطولية للغزاة المسلمين" (Heroic Hindu Resistance to Muslim Invaders) الذي شرح فيه تاريخ الهنود في التصدي لـ"لاحتلال الأفغاني الإسلامي"، وفقاً لتعبيره.
ظلت العلاقة بين المسلمين والهندوس في الهند، منذ القرنين الـ11 والـ12 الميلاديين حتى القرن العشرين، طبيعيةً، لم تؤدِّ في مُجملها إلى صعود قادة انفصاليين. في المقابل، ظلت الهند تحت سيطرة الأغلبية الهندوسية مع طبيعة صوفية لمُسلميها
لكن في القرن العشرين تطور الفكر الإسلامي في الهند كثيراً وازداد الشعور بضرورة الاستقلال والانفصال عن حكم الأغلبية الهندوسية، حتى أدى ذلك إلى تقسيم الهند على أساس ديني، فانفصلت باكستان أولاً عام 1947، ثم بنغلاديش ثانياً عن باكستان سنة 1971، وهما تمثلان أغلب شعوب الهند المسلمة في القرون الوسطى منذ غزوات ابن سبكتكين والغوري، حتى وصل الصراع إلى منتهاه الآن في مشكلة كشمير التي تُعدّ من أقدم نزاعات العالم الموروثة من القرن العشرين، والتي لم تُحَلّ دبلوماسياً إلى الآن.
خلق هذا الصراع بين مسلمي الهند والأغلبية الهندوسية شعوراً بالعُزلة والانفصال في الهوية بات يسيطر على كتابات بعض مثقفي المسلمين وشيوخهم الذين رفعوا سيف التكفير والتشدد الديني كردّ فعل على السيطرة الهندوسية من جانب، وعلى انتشار مفاهيم الاستقلال والجهاد ضد الاستعمار المسيحي من جانب ثانٍ، وعلى شعورهم بالتفرد الذاتي والحاجة إلى بناء دولة شريعة وخلافة إسلامية من جانب ثالث.
في هذا المقال سنلقي الضوء على نزعات التكفير عند بعض الفقهاء الهنود الذين كان لهم دور رئيسي في بناء فكر الجماعات الدينية المتشددة التي غزت العالم في العصر الحديث، بناءً على هذه الجوانب الثلاثة.
دور ذاكر نايك والمباركفوري والمودودي وأبي الحسن الندوي
كان لبعض الفقهاء الهنود دور كبير في نشر التكفير والعنف في الفكر الإسلامي المعاصر، فكتب أبو الأعلى المودودي (1903-1979) في رفض الدساتير والقوانين الحديثة باعتبارها صادرةً من كفّار غير مؤمنين، وقال إن المؤمنين بها والعاملين عليها يعيشون عيشةً جاهليةً، ومن هذا المصطلح الجاهلي اشتقّ لفظ الكفر قياساً على المجتمع العربي قبل الإسلام الذي اتصف بهذا الوصف.
ومن خلال ما كتبه المودودي، كتب الأديب المصري سيد قطب (1906-1966) وشقيقه محمد قطب (1919-2014) عن الجاهلية، حتى صرّح الأخير بذلك في كتاب منفصل بعنوان "جاهلية القرن العشرين"، وباتهام مستتر بالكفر للحكام والدول المؤمنة بالدساتير والقوانين الحديثة في كتابه الآخر بعنوان "التطور والثبات في حياة البشرية".
كان لبعض الفقهاء الهنود دور كبير في نشر التكفير والعنف في الفكر الإسلامي المعاصر، فكتب أبو الأعلى المودودي في رفض الدساتير والقوانين الحديثة، باعتبارها صادرةً من كفّار غير مؤمنين.
وكان المودودي من المؤصّلين للفكر التكفيري في كتبه ودعوته الصريحة للعنف ضد غير المسلمين واستحلال بلادهم وأرضهم، وفقاً لما كتبه في كتابه "الجهاد في سبيل الله"، من تشريع لجهاد الطلب، نزولاً إلى ما كتبه في مصنّفات أخرى كـكتاب "مبادئ الإسلام" عن وجوب تحكيم دولة الشريعة والخلافة الإسلامية في الفصل الأخير بعنوان "أحكام الشريعة"، وكتبه الأخرى التي توسع فيها بذلك تحت عنوان "الحكومة الإسلامية"، و"نظرية الإسلام السياسية" و"نظرية الإسلام وهدية في السياسة والقانون والدستور"، علماً بأن هذه الكتب المذكورة للمودودي تُعدّ من المراجع الرئيسية التي اعتمد عليها مُنظّرو داعش والقاعدة في تأصيل العنف الديني مثلما فعل أبو عبد الله المهاجر، في كتابه "مسائل من فقه الجهاد".
وعلى الدرب نفسه سار الشيخ أبو الحسن الندوي (1914- 1999)، في الكثير من كتبه ومنها "الإسلام والحُكم" و"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، والكتاب الأخير هو الأكثر تأثيراً وانتشاراً بين الجماعات الإسلامية لقيامه على لغة عاطفية واستدعاء روح الجهاد والغزوات الأولى في عصر الصحابة، واعتبار أن هذه الغزوات كانت تمثل روح الحضارة والنضج والعلم، ورهن عودة المسلمين للتحضر باستحداث واستدعاء تلك الغزوات على الفور لسيادة العالم وتحقيق أستاذيته وفقاً لتعبير الشيخ حسن البنا الذي تأثر به الندوي كثيراً حتى شبّهه في كتبه بالخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، والقائد صلاح الدين الأيوبي.
أما الشيخ صفي الرحمن المباركفوري (1942-2006)، فكان مختلفاً، ليس في التكفير، إنما في الأسلوب الدعوي الذي مال فيه إلى السلفية العلمية والحديث، لا الجهادية، مثلما صرّح بذلك المودودي والندوي، فكتب وفقاً للمذهب السلفي الوهابي ليُكفّر بقية المسلمين في كتابيه "سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب" و"الفرقة الناجية، خصاصها وميزاتها"، وكفّر الطائفة الأحمدية في كتابيه "نظرة إلى القاديانية" و"فتنة القاديانية"، إلى هجومه على الشيعة وتكفيرهم في صورة كتاب يردّ فيه على آية الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية (1979)، بعنوان "ثورة الخميني الإسلامية، البيئة النفسية والحقائق".
أما في نطاق المناظرات، فقد نشط الشيخ ذاكر نايك في الردّ على الهندوس والمسيحيين والملحدين، واكتسب شعبيةً كبيرةً من أثر تعاطف المجتمع الإسلامي، برغم أن الرجل متهم بالإرهاب في الهند وبنغلاديش، وأنه وفقاً لـتصريحات السلطات الهندية مسؤول عن غسيل مخ 130 إرهابياً معتقلاً بتهمة الانتماء إلى داعش، والتهمة نفسها وجهتها إليه سلطات بنغلاديش وحمّلته مسؤوليته عن عملية دكا عام 2016، التي قتل فيها 20 شخصاً، وبالتحقيق تبيّن أن الإرهابي تأثر بالشيخ ذاكر في محاضراته التي كان يلقيها في تلفزيون "السلام" التابع له، وقد قررت السلطات البنغالية إغلاق قناة "السلام" بعد هذه الحادثة، غير أنه ممنوع من دخول بريطانيا بتهمة التحريض على العنف والكراهية واتهامات أخرى له بغسيل الأموال.
مقاومة مسلمي الهند للتكفير ودور عقلاء المسلمين
جهود مكافحة التكفير في التاريخ الإسلامي لم تتوقف منذ عصر المعتزلة وأهل الرأي في العصرَين الأموي والعباسي، ولكن حديثاً تمّ تنظيم أول مؤتمر لتوحيد هذه الجهود عام 2005 برعاية ورئاسة ملك الأردن عبد الله الثاني، وقد خلص المؤتمر إلى حُرمة تكفير المسلم والاعتراف بالمذاهب الإسلامية الثمانية الكبرى (4 سنّية، بالإضافة إلى الجعفري والزيدي والإباضي والظاهري)، وخلص بيان المؤتمر إلى أنه لا يجوز تكفير أيّ فئة أخرى من المسلمين تؤمن بالله وبرسوله وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدّين بالضرورة.
وكانت الهند قد شهدت قبل ذلك ومنذ القرن التاسع عشر، اتهامات بالكفر متبادلةً بين الفرقتين الديوبندية السلفية وزعيمها رشيد أحمد الكنكوهي، وبين البريلوية الصوفية وزعيمها أحمد رضا خان، برغم اجتماع كليهما على تكفير الأحمدية القاديانية والشيعة والبهائية، وهو موقف أثّر لاحقاً على علماء الهند جميعهم في القرن العشرين حيث تبنى العديد منهم آراء الديوبندية في موقفهم الشديد من التصوف والتشيع والقاديانية وبالطبع الهندوس وما يصحب ذلك من زيارة القبور.
مع ذلك كان المجتمع الهندي قوياً ومتماسكاً لم يتأثر بالتكفير المذكور، وشهادات بعض زعماء الهند في تلك الفترة مثل الشاعرة الهندوسية والناشطة في مجال حقوق الإنسان والمدافعة عن المرأة ساروجيني نايدو (1879-1949)، عن السّلم المجتمعي وتسامح المسلمين مؤكدة وثابتة مثلما كتب راشد علي العيسي في مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، وقد استدلّ بأقوالها محب الدين الخطيب، في كتابه "الحواديت"، التي تشهد فيها بتسامح الإسلام وإيمانه بالمساواة.
وقد اضطلع الفيلسوف الهندي المسلم السيد أحمد خان (1817-1898)، بدورٍ في هذه المقاومة، فكتب للتقريب بين الأديان ومن ذلك "تبيان الكلام"، وقد ترجم له جرجي زيدان في كتابه "تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر"، بقوله إن أحمد خان أنشأ جريدةً سمَّاها "مصلح الهيئة الاجتماعية الإسلامية"، نشر فيها مقالات بيَّن فيها خطأ الذين يطعنون في العلوم الحديثة أو يحرمون من يقتبسها، وأورد لهم الأدلة الدينية والشواهد الشرعية المؤيدة لأقواله، ولأنه كان ناقداً فقد حصل على غضب المتشددين منه فكتبوا لازدرائه وربط أفكاره بالاستعمار، ومن ذلك ما كتبه محمد البهي في "الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي"، وكذلك دائرة المعارف الإسلامية.
أثّر أحمد خان في صناعة جيل من المفكرين الناقدين للعنف والتكفير منهم فضل الرحمن (1919- 1988)، والشاعر الفيلسوف محمد إقبال (1877-1938)، والأخير تبنّى آراء ثوريةً نقديةً في كتابه "تجديد الفكر الديني في الإسلام"، قال فيها إن "الفتوحات الإسلامية" هي التي أعادت "الوثنية" للمجتمع الإسلامي، ولم تنشر الإيمان الحقيقي كما هو شائع، فانشغالهم بالسياسة والغزوات أعاد "إحياء القيم الوثنية الجاهلية القديمة" التي ثار عليها الإسلام، وبرغم بناء العرب إمبراطوريةً عظيمةً إلا أن هذه الإمبراطورية في الحقيقة لم تكن مؤمنةً كما ينبغي، بل أضاعت القيم الأخلاقية والكونية في القرآن.
ومن تلاميذ أحمد خان، المفكر والفيلسوف وحيد الدين خان (1925-2021)، الذي كتب في مجالات عدة تحضّ على التفكير والعقل منها "الإسلام يتحدى مدخل علمي للإيمان" و"الدين في مواجهة العلم" لتدريب المسلم على الردود الحضارية والعلمية على الملحدين، وفي السياق نفسه كتب "الإسلام والعصر الحديث" و"تجديد الدين" و"الإنسان القرآني"، في محاولة منه لعزل المسلم عن ماضي أسلافه وعدم الخلط بين التاريخ والعقيدة ودفعه للتفكير بشكل تقدمي. ثم كتب أيضاً في كتابه "مسؤوليات الدعوة" لتقريب العلمانية حيث طالب بإنشاء مركز إسلامي عالمي وعصري في الوقت نفسه لا يعمل بالسياسة ويسعى إلى إلغاء جهاد الطلب. وفي السياق ذاته كتب "التفسير السياسي للدين" ردّاً على أبي الأعلى المودودي، الذي سبق ذكره.
دور الوهابية في صناعة التكفير الهندي
بدأت الوهابية بدخول الهند على يد السيد أحمد برلوي (1786-1831)، الذي أقدم على غزو البلدان المجاورة لإقامة دولة شريعة سلفية سرعان ما أعلنها في بيشاور، وأثار ذلك حفيظة المجتمع الهندي ضده من المسلمين والسيخ والهندوس حتى حارب السيخ وقُتِل في معركة وادي بالاكوت عام 1831، ثم أعقبته محاولات سلفية على النمط نفسه أشهرها معركة أمبيلا سنة 1863م ضد الإنكليز على يد مسلحين من البشتون الوهابيين بقيادة مبارك شاه، لتنتهي أول محاولة وهابية لإقامة دولة إسلامية في الهند في منتصف القرن التاسع عشر.
ولشدة تعلّق الإخوان المسلمين بتجربة برلوي، ترجم له أبو الحسن الندوي كتاباً كاملاً بعنوان "سيرة السيد أحمد شهيد" في رمزية تؤكد على الرباط القوي بين الوهابية وفكر الإخوان المسلمين، والتي تقوم في أدبياتها على مركزية "الحديث" كبناء فكري لإقامة الدين، مع نشاط حركي ضد الاستعمار الإنكليزي حصل به الإسلاميون على الشعبية اللازمة في المجتمع الهندي المسلم، ومن ذلك نفهم أن السلفية دخلت الهند بشكل جهادي علمي حركي، وليست علميةً فقط مثلما هو شائع في النسخة العربية في الخليج والتي انتقلت إلى معظم بلاد العالم في القرن العشرين.
ولأن الحركة الوهابية قامت على تعظيم الحديث كبناء فكري، صدرت ردات فعل إسلامية عليها كما تقدّم مثلما فعل وحيد الدين خان، ويمكن عدّ ظهور القاديانية الأحمدية على يد ميرزا غلام أحمد (1835-1908)، خلال هذه الفترة جزءاً من حملات الرفض لقيامها على القرآن كبناء فكري وتأويله ليناسب فكرة المسيحانية بهدف جذب الكثير من المسلمين والمسيحيين الهنود إلى الطائفة، وأيضاً قيام جماعة "التبليغ والدعوة" على يد محمد إلياس الكاندهلوي (1885-1945)، الذي ركّز في أدبياته على البناء الروحي والسلوكي والتعبدي دون الانشغال بالسياسة التي هي رافد رئيسي من روافد الحركة الوهابية.
وبرغم انتماء جماعة التبليغ إلى السلفية وفقاً لبعض الباحثين، لكن الطابع السلمي المميز لها ورفضها العمل بالسياسة مطلقاً أعطيا للجماعة دوراً بارزاً في تأسيس إسلام أصولي في الهند لا يؤمن بدولة الشريعة والخلافة ولا يهتم بها، ويقاوم في الوقت ذاته حركات الجهاد المتنامية بفعل الإحياءة الإخوانية المستندة إلى مرجعية السيد أحمد برلوي كما تقدّم.
لكن بقيت في المقابل روح الأصولية العنيفة ومشاعرها راسخةً عند مسلمي الهند الذين تأثروا بالحركة الوهابية الأولى وبالأصولية المعارضة لها، وأبرز تجليات هذه المشاعر العنيفة هي أحداث عام 1992، عقب هدم مسجد بابري وتحويله إلى معبد هندوسي، وهو ما أدى إلى إشعال دوامة عنف بين المسلمين والهندوس سواء داخل الهند أو في باكستان وبنغلاديش ومقتل نحو 2،000 شخص، وتنامى معها نفوذ وحضور الحركات المتطرفة الإسلامية والهندوسية، مما أعطى بيئةً خصبةً لشيوع التشدد الديني وإحياء فكر الجماعات مثلما كان عليه في القرن التاسع عشر.
دلالات التكفير في انفصال باكستان عن الهند
في رمزية لها دلالاتها، صنعت باكستان مؤخراً صواريخ عدة على أسماء قادة الأفغان المسلمين الذين فتحوا الهند قديماً، مثل صاروخ "غوري" على اسم محمد الغوري في إشارة إلى كراهيتهم للهنود وتهديدهم باستعادة مجازره السابقة، ويبلغ مدى هذا الصاروخ 1،500 كيلو، ويصل إلى مدن الهند كلها. كذلك صنعت صاروخاً ثانياً باسم "غزنوي" على اسم محمود بن سبكتكين الغزنوي. والهنود لا ينسون هذا الترصد "الديني" عند باكستان، لذا يقومون بتسليح جيشهم ويسعون إلى امتلاك القنابل النووية وأحدث أنظمة الدفاع الجوي.
في القرن العشرين تطور الفكر الإسلامي في الهند كثيراً وازداد الشعور بضرورة الاستقلال والانفصال عن حكم الأغلبية الهندوسية، حتى أدى ذلك إلى تقسيم الهند على أساس ديني
وللاسم دلالات أخرى أيضاً، فباكستان باللغة الأردية تعني "أرض الطهارة أو الأرض الطاهرة"، وهي مركّبة من مقطعين "باك"، وتعني في الفارسية طهارة، و"ستان" وتعني أرض، وتستخدم للانتساب إلى المكان. والمقصود أن الدولة الإسلامية الوليدة المنشقّة عن الهند سنة 1947، هي طاهرة من دنس الهندوس، لذا فالاسم نفسه يثير حفيظة المتدينين الهندوس، ويرون أن لما حدث طابعاً دينياً تكفيرياً، برغم أن نصف مسلمي الهند تقريباً آنذاك لم ينشقّوا أو يهاجروا إلى باكستان وظلّوا في الهند حتى بلغ عددهم وفقاً لمركز الخليج للدراسات والبحوث أكثر من 220 مليون هندي مسلم، وهو عدد المسلمين نفسه تقريباً في باكستان.
وعلى المستوى القانوني، جعلت باكستان دين الدولة الإسلام في المادة الثانية من الدستور مما خلق تفاعلاً وقبولاً للجماعات الإسلامية عند الحكومة وحصلت على اعتراف من الدولة، بخلاف الدستور الهندي الذي يقرّ مبادئ العلمانية وفصل الدين عن الدولة. لكن بقيت جزئية حكم الأغلبية الهندوسة أو حكم السيخ للهند أزمةً عند المسلمين برغم تمتعهم بمعظم جوانب المواطنة.
خلق هذا الخلاف صراعاً كبيراً يدور حول هوية كلا البلدين ظهرت تجلياته في مشكلة كشمير التي أدت إلى اندلاع 3 حروب بين البلدين أعوام 1947، 1965، 1999، فباكستان ترى الهند بمنظور ديني؛ فهي تعادي الإسلام وتتحالف مع أعدائه من الوثنيين والصليبيين كما هو شائع، والهند ترى في باكستان تهديداً وجودياً للأغلبية الهندوسية، وكلاهما يرى كشمير أكثر من مجرد منطقة تنازع جغرافي، فهي منطقة صراع وجودي ظهرت معالمه في كتابات رموز الحركة الإسلامية للإخوان والسلفية الوهابية عبر عدّ مسألة كشمير مسألةَ دفاع عن الإسلام وليست فقط مسألة دفاع عن باكستان، وجراء ذلك دعموا حركات جهادية سلفيةً في كشمير تتبنى إقامة دولة خلافة وشريعة، مما عقّد المشكلة أكثر وأشعر الهنودَ بالخطر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
ادريس حسن -
منذ 3 ساعاتسلام عليكم
أحضان دافئة -
منذ 18 ساعةمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين
Jack Anderson -
منذ أسبوعشعور مريح لما اقرا متل هالمقال صادر من شخصك الكريم و لكن المرعب كان رد الفعل السلبي لاصحاب...