شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الفيلم" يسدل ستارته بظهور لفيلم غودار المنبوذ من مؤسسات السينما الألمانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

انتهت مساء ال 30 من أبريل/نيسان، النسخة ال 15 من مهرجان "الفيلم" العربي في برلين، بسلام، دون أي تدخلات من السلطات أو جلبة صحفية حول ندوات النقاش السينمائية، وتعليقات صانعي/ات الأفلام التالية لعرضها.

بدت إدارة ومبرمجي المهرجان متفاجئين ايجابياً بمضي البرنامج دون منغصات، إلى حد بات الانتهاء من عرض أي فيلم أو ندوة حوار بدون مشاكل إنجازاً، في ظل الظروف السائدة، شاكرين الجمهور على تفاعلهم وتضامنهم معهم.

باسكال فخري، مديرة المهرجان، قالت في كلمة ختامية أن التحضير لنسخة هذا العام كانت كعشر سنوات، وأنه: "منذ بدء الحرب على غزة، كان هناك توتر، نشعر بأننا وحيدون ضد الجميع في ألمانيا، وأعتقد أن الجميع شعر بذلك"، مشيرة إلى اعتقادهم بإمكانية إلغاء السلطات الألمانية للمهرجان، لكنهم لم يشككوا للحظة بأنهم يريدون تنظيم المهرجان، وأن إقامته لمن الأهمية بمكان.

قبل عرض الفيلم الختامي في برنامج "بقعة ضوء"، "هنا وهناك" للمخرج الفرنسي جون لوك غودار، أوضح قيّم البرنامج اسكندر أحمد عبدالله، أن هذا الفيلم كان مصدر إلهام لبرنامجهم، أولاً بسبب فكرة التشابك، تشابك العوالم، أوروبا والجنوب العالمي، وفلسطين هنا وهناك، وثانياً لأن غودار تعامل مع الأمر وهو في قمة مشواره في الستينيات، من أجل تغيير شيء، وصناعة فيلم عن القضية الفلسطينية، لكنه في النهاية لم يصنع.

تواصلت إدارة مؤسسة أرسِنال السينمائية العريقة في برلين، مع مديرة مهرجان الفيلم، للمطالبة بإلغاء عرض فيلم "هنا وهناك"، للمخرج الفرنسي غودار، بحجة معاداة السامية

وقال أنه كان من المهم بالنسبة له شخصياً تذكير الناس في ألمانيا، في وقت تلغى فيه الأفلام وتُزال من المنصات الإلكترونية ويُلغى الأكاديميون/ات ويفقد الناس أعمالهم نتيجة تضامنهم مع فلسطين، بأن واحداً من آلهة السينما الفنية لديهم تجرأ على التعامل مع مسألة فلسطين، بطريقة راديكالية للغاية، وعمل على تذكير الفضاء الأوروبي بتاريخهم الأوروبي، وعلى نحو الخصوص اليسار الأوروبي، الذي كان ينتمي له غودار.

وأوضح اسكندر، أنه فكر أثناء مرحلة الإعداد لبرنامج المهرجان، بأنه سيحمي البرنامج بعرض هذا الفيلم، بالرغم من أنه وزملاءه في المهرجان، قاموا بممارسة الرقابة الذاتية على أنفسهم على عدة مستويات وكانوا يفكرون 10 مرات في ماهية الأفلام قبل اختيارها للعرض، لكن اتضح له بأنه كان مخطئاً لأن واحدة من المؤسسات السينمائية التي يتعاونون معها، وهي أرسِنال في برلين، اتصلت بمديرة المهرجان مطالبة بإلغاء هذا الفيلم من البرنامج، ما ترك القائمين على المهرجان في صدمة،  لكون الطلب آت من مؤسسة ممولة من الدولة، دولة تصرف مبالغ طائلة كل عام على واحد من أكثر المعادين للسامية في التاريخ الأوروبي، المؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر. 

وبذلك بات الفيلم منبوذاً من مؤسسة ألمانية، ويمكن رؤيته كجزء من باب "منبوذون/ات" في قسم اختيارات المهرجان، الذي خُصص ليكون عن أعمال عن شخصيات أو جماعات منبوذة.

قيّم البرنامج اسكندر أحمد عبدالله، والباحثة السينمائية رولا شهوان. خلال مهرجان الفيلم في برلين

قيّم البرنامج اسكندر أحمد عبدالله، والباحثة السينمائية رولا شهوان. خلال مهرجان الفيلم في برلين

وبدأ غودار الفيلم بعنوان "حتى النصر"، وتخلى عن إنهائه بعد أحداث "أيلول الأسود"، قبل أن يعود بعد 4 سنوات لمعاودة العمل على المواد المصورة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة العربية، ليطلقه في النهاية باسم "هنا وهناك".

الباحثة السينمائية رولا شهوان التي علقت على الفيلم، أكدت أنه ليس فيلماً عن فلسطين أو السياسة، بل عن السينما ومحاولة من غودار التحدث عن كيفية عكس السينما واقع الفلسطينيين، وفيما إذا كانت السينما صالحة لتكون أداة حقيقية لعكس الواقع، ومدى صدقية السينما كأداة للتعبير عن الثورة.

مخرجون/ات منشغلون بالعائلة في "اختيارات"

وضمت اختيارات البرنامج بعض أحدث الإنتاجات السينمائية العربية التي شاركت العام الماضي في مهرجانات سينمائية سائدة، مثل "كان" وبرليناله، على نحو "وداعاً جوليا" للسوداني محمد كردفاني و"إن شاء الله ولد" للأردني أمجد الرشيد، ومندوب الليل للسعودي علي الكلثمي.

 وإلى جانب فيلم "باي باي طبريا"، الذي تروي المخرجة لينا سويلم عبره قصة أربعة أجيال من النساء الفلسطينيات من عائلتها، خاصة والدتها الممثلة هيام عباس، دار فيلمان آخران وثائقيان حول العائلة.

في فيلم "ق"، الذي يفيض حميمية عائلية، ترافق المخرجة الأمريكية اللبنانية جود شهاب، والدتها هبة في رحلة خلاصها من جماعة القبيسيات الدينية التي ظلت مرتبطة بها لعقود، دون أن تبحث عن إجابات واضحة في النهاية.

صورة من فيلم "ق"، للمخرجة الأمريكية اللبنانية جود شهاب

صورة من فيلم "ق"، للمخرجة الأمريكية اللبنانية جود شهاب

تقف بطلة الفيلم، هبة على أطلال حياتها حائرة، لا تستطيع أن تكره الجماعة وصبغ كل تجربتها معها بالسوء، كي لا تشعر بأن حياتها ذهبت سدى، ولا تستطيع أن تحب الجماعة على ما عليها، فهي قد انفصلت عنها أو فُصلت منها لسبب أو أسباب مختلفة تفضل المخرجة عدم الخوض فيها بعمق، مشيرة فقط إلى أن تغير نمط حياة والدتها بعد انتقالها للعيش في أمريكا، لم يعجب الجماعة.

لا تستطيع بطلة فيلم "ق"، أن تكره جماعة القبيسيات، وتصبغ كل تجربتها معها بالسوء، ولا تستطيع أن تحب الجماعة على ما عليها، فهي قد فُصلت منها لأسباب عدة، ومنها أن تغير نمط حياتها لم يعجب الجماعة.

حتى مع ابتعاد هبة عن الجماعة، تبدو وكأنها تعيد إنتاج نموذج الآنسة التي كانت تشكو ضيقها من حبها، فالحب شيء خطير بالنسبة لها، قادر على جعلها تفعل ما لن تفعله البتة في حالتها الطبيعية، كأن تخصص ساعات من يومها لتنفيذ وصايا الآنسة، أو أن تنتظر الأسبوع كله لتلتقيها.

لم تصنع المخرجة هذا الفيلم ليكون بمثابة دعاية ضد الجماعة أو ليدور حول الجماعة، بل لتترك والدتها تبحث عن إجابات داخلها، وتستكشف فيما إذا كانت الجماعة استغلتها عاطفياً ودمرتها أم أنها تحب الجماعة بحق. تحدثت المخرجة جود شهاب بعد العرض الأول للفيلم في ألمانيا، عن تردد والدتها للغاية في البداية في المشاركة في الفيلم وكيف ساهم ذاك الحب الذي تكنه لها والدتها، الحب الذي هو ثيمة بارزة في الفيلم، في بلورته في النهاية.

صورة من فيلم "ق"، للمخرجة الأمريكية اللبنانية جود شهاب

صورة من فيلم "ق"، للمخرجة الأمريكية اللبنانية جود شهاب

وأوضحت أنه عندما بدأت بصناعة الفيلم لم تكن تدري عن ماذا سيكون، عن "القبيسيات"؟… كلا، فهي لا تريد المزيد من الصور السيئة عن المسلمين في العالم، لذا كانت قصة عائلتها محط اهتمامها، وقامت بصناعة الفيلم حباً بوالدتها، وللمساهمة في الحفاظ عليها وإيقاظها مما يشبه الكابوس، والعودة بها إلى جزء معين من شخصيتها لا تحضر فيه الجماعة، أي العودة إلى حيث كانت تمثل في المسرح وتقرأ الشعر. وقالت إنها أرادت أن يكون لدى والدتها، بعد كل هذه الأعوام من المعاناة، شيء تستطيع النظر إليه لاحقاً، يحمل ألم وجمال التواجد في الجماعة، أمر تعتقد أنه بمثابة تكريم لها. وتحدثت جود عن الكثير من ردات الفعل السلبية والاتهامات التي ظهرت عند انتشار صور العرض الافتتاحي للفيلم، ضد والدتها، رغم عدم مشاهد أصحاب التعليقات الفيلم في لبنان، وأنها باتت سعيدة لما انتهى إليه الأمر، حيث لم تعد والدتها على صلة بالجماعة. ورداً على سؤال من رصيف22، فيما إذا كان لموت منيرة القبيسي، مؤسسة الجماعة في سوريا تأثيره على الفيلم بطريقة أو أخرى، أوضحت جود أن جزءاً من ردات الفعل السلبية في لبنان كانت تزعم بأنها انتظرت موت مؤسسة الجماعة في دمشق لتطلق فيلمها، وأن ذلك لم يكن صحيحاً ولم يكن مخططاً له، حيث لم يقبل مهرجان صندانس الفيلم، وقُبل في مهرجان تريبيكا، وهكذا عُرض في يونيو 2023، بعد وفاة مؤسسة الجماعة بأشهر. وأشارت إلى أن صناعة الفيلم وتواجد الكاميرا في المشهد، دفعاها وعائلتها لتناول علاقتهم مع الجماعة، وأثرت على علاقتهم معها، متوقعة أنه لولا صناعة الفيلم لكانت والدتها ربما ظلت على تواصل مع الجماعة.

بقعة ضوء على فلسطين

ضمن "بقعة ضوء" ، حضر المخرج الغزاوي محمد جبالي، صانع فيلم "الحياة حلوة"، الذي قال أنه يتناول الأمل بتحقيق الوجود وأنه ليس عن الحرب، وكان ليتمنى لو عُرض في ظروف أخرى.
ويعرض الفيلم الذي حاز عنه جائزة أفضل مخرج في مهرجان "إدفا"، تقطع السبل بمحمد، عند زيارته النرويج في العام 2014 بدعوة من صناع أفلام نرويجيين، وعدم قدرته العودة لبيته، نظراً لإغلاق معبر رفح، ثم رحلته القانونية المجهدة للحصول على حق الإقامة في النرويج، كشخص "بدون دولة"، ومحاولته تجنب الترحيل، وتضامن المجتمع السينمائي النرويجي معه.
يعرض فيلم "الحياة حلوة"، تقطع السبل بمحمد، عند زيارته النرويج في العام 2014 بدعوة من صناع أفلام نرويجيين، وعدم قدرته العودة لبيته، نظراً لإغلاق معبر رفح، ثم رحلته القانونية المجهدة للحصول على حق الإقامة في النرويج، كشخص "بدون دولة"، ومحاولته تجنب الترحيل
وضم القسم الذي شغل قلب هذه النسخة من المهرجان، العديد من الأفلام التي يمكن وصفها ب “منبوذة" لكونها تعرضت للإقصاء والمقاطعة والاحتجاجات عندما عُرضت قبل عقود، وحتى يومنا هذا كفيلم غودار المذكور آنفاً.
حيث عرض المهرجان النسخة التي رممها مهرجان لوكارنو السينمائي، من فيلم المخرج يسري نصرالله "باب الشمس"، عن رواية إلياس خوري، التي تمتد إلى حوالي 4 ساعات ونصف، بفاصل مدته نصف ساعة، وهو عمل ملحمي من جزئين بعنواني الرحيل والعودة، هو بمثابة محاولة بناء ذاكرة جمعية للشعب الفلسطيني، على شكل حكاية مبسطة، تبدي فيها الشخصيات برأيها فيها.

ندوة نقاش "أن نحكي عن فلسطين، هنا أو في مكان آخر"، صورة من الموقع الرسمي لمهرجان الفيلم

ندوة نقاش "أن نحكي عن فلسطين، هنا أو في مكان آخر"، صورة من الموقع الرسمي لمهرجان الفيلم
وبعد عرض نسخة مرممة بدعم من وزارة الثقافة الفرنسية، من فيلم "حنا ك."، للمخرج اليوناني كوستا غفراس، في صالة ممتلئة عن آخرها في سينما أرسنال، تحدث الناقد السينمائي جاي وايسبيرغ مع ربيع خوري، رئيس لجنة اختيارات، عن صعوبة عرض الفيلم في الولايات المتحدة رغم حصول غفراس على الأوسكار حينها، نتيجة تهجم جماعات موالية لإسرائيل على الفيلم، وتزويدها النقاد بصفحات من "الحقائق" المضادة المفترضة لما ورد في الفيلم.
وإن أكد وايسبيرغ على أنه قد لا يكون فيلماً جيداً لكن الانتقادات الموجهة للفيلم ولبطلته جيل كاليبرغ كانت غير مفهومة، خاصة من ناقد بارز لدى صحيفة نيويورك تايمز حينها، كان لرأيه ثقل كبير في السوق الأمريكية.
ويروي الفيلم، وهو دراما سياسية، قصة تولي محامية يهودية، كانت عائلتها قد نجت من المحرقة، الدفاع عن شاب فلسطيني، يلعب دوره الممثل محمد بكري، تتهمه السلطات الإسرائيلية بالإرهاب والتسلل بطريقة غير شرعية للبلاد، فيما تدفع هي بأنه عائد لوطنه.
مع التأكيد على أهمية استخدام السينما كأداة لتقديم السردية الفلسطينية، عبر بعض المشاركون/ات عن شعورهم بالعجز وعدم جدوى صناعة الأفلام وقدرتها على التغيير في وقت كهذا.
في حلقة نقاش بعنوان "أن نحكي عن فلسطين، هنا أو في مكان آخر"، تحدثت مجموعة من صناع/ات الأفلام الفلسطينية، حول التحديات التي تقف أمام صناعة أفلام تتناول القضية الفلسطينية في أوروبا، كمحاولات تدخل الجهات المانحة في سيناريوهات الأفلام، ومطالبتهم بأن تكون ذات صلة بجمهور الدولة الأوروبية المانحة، وعدم وجود جهات مانحة فلسطينية خاصة، أو رجال أعمال مستعدين لتمويل أفلام داعمة للقضية الفلسطينية لا يتطلعون إلى الربح كهدف أساسي لإنتاجهم.
ومع التأكيد على أهمية استخدام السينما كأداة لتقديم السردية الفلسطينية، عبر بعض المشاركون/ات عن شعورهم بالعجز وعدم جدوى صناعة الأفلام وقدرتها على التغيير في وقت كهذا الذي يمرون به.
بمناسبة مرور 15 عاماً من المهرجان، عرض المهرجان فيلماً خاصاً من إنتاجه، هو توليفة من15 مقطعاً صامتاً نادراً من أرشيف القوات البريطانية بين عامي 1914و 1918، لفترة انهيار السلطنة العثمانية وتسليم فلسطين للانتداب البريطاني، فيما حاولت مهندسة الصوت اللبنانية رنا عيد ومؤلفة الموسيقى سينتيا زافين التأثير على هذا السردية الاستعمارية بتصميم صوتي وموسيقي ملائمين. 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image