شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ما وراء الصور النمطية… غجر إيران ودورهم الخفي في التراث الإيراني

ما وراء الصور النمطية… غجر إيران ودورهم الخفي في التراث الإيراني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Beyond stereotypes: The Persian Romani and their contribution to Iranian culture

برغم مكانة الغجر في إيران، والتي يمكن إطلاق "غير محترمة" عليها"، وعزو كثير من الأمور السيئة إليهم، ككثير من بلداننا الأخرى، إلا أن الحقيقة هي شيء آخر، فالغجر مساهمون في إثراء الثقافة الإيرانية إلى حد كبير، وليسوا مجرد فئة غريبة تعيش داخل إيران، كما يظن غالبية الإيرانيين أنفسهم.

ومع أنهم يعتبرون أقلية في إيران، مقارنةً ببعض الدول الأوروبية، إلا أن تواجدهم في هذا البلد يُعدّ أزمةً أو تحدياً اجتماعياً بين الإيرانيين. تشير كثير من الدراسات إلى أن للغجر جذوراً هندية لأن لغتهم تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندية، بالإضافة إلى خصائصهم الوراثية، التي تؤكد أنهم ينتمون إلى شمال شبه القارة الهندية.

صورة قديمة للغجر في إيران

وقد أظهرت أحدث الأبحاث الجينية التي أجريت عام 2012، أن الغجر غادروا شمال غرب الهند قبل 1500 عام، كما أكدت الأبحاث أن الجينات التي يمتلكها الغجر، غير موجودة عند أشخاص آخرين من سائر الأمم في العالم، إذ إن هذه الجينات تكونت قبل نحو 40 جيلاً، ولم تختلط منذ ذلك الوقت بأي فئة أخرى، ما يدلّ على أن هجرتهم حدثت آنذاك.

ملوك إيران سبب أزمة الغجر في العالم

هناك مصادر تاريخية إيرانية تعود إلى ما قبل 1500 عام، أي إلى الفترة المتزامنة مع نهاية العصر الساساني، تفيد بأن الملك الساساني الخامس عشر بهرام الخامس المعروف بـ"بهرام كور" (Bahram Gur)، أحضر آلافاً من الموسيقيين والراقصين من الهند، وذلك لمزاولة الرقص والغناء في إيران.

 برغم مكانة الغجر في إيران، والتي يمكن إطلاق "غير محترمة" عليها"، وعزو كثير من الأمور السيئة إليهم، ككثير من بلداننا الأخرى، إلا أن الحقيقة هي شيء آخر، فالغجر مساهمون في إثراء الثقافة الإيرانية إلى حد كبير

وحول هذا الأمر ذكر الشاعر الإيراني الشهير أبو القاسم الفردوسي (329-418 هـ) في كتابه "الشاهنامه": "بهرام (بهرام غور) أعطاهم القمح والبقر والحمير حتى يتمكنوا من الزراعة والعمل في هذا المجال كعمّال وعبيد، لكنهم لم يعملوا قط، وأكلوا القمح والبقر، ولم يبقَ لهم سوى الحمير. بعد ذلك أمرهم بهرام بامتطاء الحمير للتجول في البلاد، ونشر السعادة من خلال الغناء والرقص للشعب".

صورة قديمة لعائلة غجرية في إيران

بينما ذكرت دراسة قديمة أخرى في إيران أن انفصال الغجر وهجرتهم تزامنا مع هجوم السلطان محمود الغزنوي على الهند، كما يعتقد بعض المؤرخين أن ثاني الملوك الساسانيين سابور الأول، أحضر آلافاً من الغجر من كابول إلى محافظة خوزستان (الأهواز) جنوب غرب إيران، للعمل في بناء جسر شادروان في مدينة تُستر.

والحقيقة أنهم كانوا في إيران ومحيطها حتى ذلك الحين، ومن ثم هاجروا إلى أوروبا وشمال إفريقيا، إذ تشير التقارير التاريخية في أوروبا إلى أشخاص ذوي ملامح ومواصفات مشابهة للغجر المتواجدين في إيران، هاجروا في تلك الفترة إلى أوروبا، وبطبيعة الحال إذا أُجري تحليل جينيّ لغجر إيران، فسيكشف هذا الربط بين جذور غجر إيران وغجر البلدان الأخرى.

مهن الغجر في إيران

لعب الغجر دوراً إيجابياً في التاريخ الثقافي الإيراني والصناعات البدائية الإيرانية، إذ قبلوا بوظائف الطبقات الدنيا في المجتمع الإيراني القديم، فعملوا في وظائف كالحدادة التي لم تكن الطبقة العليا تعمل بها، وفي تقديم جزء من الخدمات الطبية مثل قلع الأسنان أو الختان، وكذلك الحلاقة ومهن أخرى كانت تُعدّ  غير راقية آنذاك، بل كانت المعتقدات الإيرانية والديانة الزرداشتية الرسمية في ذلك العصر، تعدّ بعض هذه الأعمال رجساً، ومزاولتها تُذهب بطهارة الشخص المتديّن. ومن الممكن أن يكون سبب وجودهم في إيران القديمة، نتيجةً للنظام الاجتماعي والديني الذي كان قائماً فيها.

يعتقد بعض المؤرخين أن ثاني الملوك الساسانيين سابور الأول، أحضر آلافاً من الغجر من كابول إلى محافظة خوزستان، جنوب غرب إيران، للعمل في بناء جسر "شادروان" في مدينة تُستر.

في العصر الحديث، ومع تطور الصناعات والخدمات الطبية، فقدت معظم المهن التاريخية للغجر أهميتها، كما عُهد ببعضها إلى أشخاص آخرين من الإيرانيين أو الوافدين إلى إيران، ومن هذا المنطلق عمل الغجر في وظائف أخرى، ومن الممكن تفسير دخول جزء كبير منهم في عالم السرقة والبغاء بهذه التغييرات الحديثة.

حافظوا على الموسيقى الإيرانية

الدور الأكثر أهميةً للغجر على مر القرون، تمثّل في حماية جزء مهم من الثقافة الإيرانية، أي الموسيقى العرقية أو الإثنية (موسيقى الشعوب الإيرانية) إذ تعتمد الحياة الموسيقية للشعب الإيراني على هذه المجموعة، وعلى وجه الخصوص في الفترات التي مُنعت في أثنائها الموسيقى والعمل فيها. واصل الغجر حياتهم الموسيقية بسبب عدم تقيدّهم بالدين والأعراف، ولهذا السبب فإن أفضل الموسيقيين في شمال خراسان ومازندران وسيستان وبلوشستان وغيرها من المحافظات، يرجعون إلى أصل غجري.

ويمكن عدّ الغجر رواة الموسيقى والثقافة في كل أمة، ففي أي نقطة من العالم إذا سُمعت أنغام موسيقى، شعر المستمعون وكأن فيها شيئاً من الروح الغجرية. في الوقت نفسه تُثبت ميزة الغجر هذه أن وجودهم في هضبة إيران له تاريخ قديم جداً، إذ يشكل الخروج عن السائد جزءاً مهماً من سلوكهم الاجتماعي. وإن عملوا في مهن غير مقبولة عرفياً أو ما يعتبر جرائم في المجتمع فهو في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة التي واجهوها، خاصةً مع استيطانهم خارج المدن وفي أطرافها.

أطفال من الغجر في إيران

ومع ذلك، يُشهد في تاريخ إيران المعاصر وفي أثناء تغيير النظام الطبق، أن تنفيذ الإصلاحات الزراعية في عهد محمد رضا بهلوي، زاد من سرعة الحراك الاجتماعي والجغرافي لمجتمع الغجر، وخلق لهم فرصاً ليس لتغيير حياتهم وأسلوبها فحسب، بل لتغيير هويتهم النسبية أيضاً، حيث اندمجوا في الطبقات الاجتماعية في المجتمع.

من يُقال لهم غجر في المجتمع الإيراني في عصرنا الحالي، هم جزء صغير من الغجر الذين كانوا منتشرين في إيران قديماً، وبهذا التغيير بنت غالبيتهم مكانةً في النظام الاجتماعي في إيران، ولم يعودوا ينتمون إلى تلك الفئة

ولهذا السبب، من يُقال لهم غجر في المجتمع الإيراني في عصرنا الحالي، هم جزء صغير من الغجر الذين كانوا منتشرين في إيران قديماً، وبهذا التغيير بنت غالبيتهم مكانةً في النظام الاجتماعي في إيران، ولم يعودوا ينتمون إلى تلك الفئة، كما اختلط العديد منهم مع مجموعات اجتماعية وعرقية أخرى، وحصلوا على جنسيات إيرانية رسمية، وكُثرٌ منهم اشتغلوا في وظائف مرموقة، على عكس الغجر المعروفين في مجموعاتهم العرقية كمجرمين في ضواحي المدن أو متسولين، ولا يمكن تمييزهم عن غيرهم من أهل المدينة. والبعض منهم ليست لديهم وظائف حكومية فحسب، بل اكتسبوا مكانةً اجتماعيةً رفيعةً وظهروا كأطباء ومحامين وحتى كسياسيين.

سيدة غجرية في إيران

يعيش الغجر حالياً في إيران، في محافظات خراسان (شمال شرق إيران)، وتشَهار مَحال (غرب)، وكردستان (غرب)، وآذربايجان (شمال غرب)، ولرستان (غرب)، ومازَندران (شمال)، وجرجان (شمال)، وخوزستان (جنوب غرب) وقُم (وسط)، وفارس (وسط)، وطهران (شمال)، وكرمان (وسط)، وسيستان وبلوشستان (جنوب شرق) وبوشهر (جنوب) وهرمزْكان (جنوب).

لقرون مضت، ظلّ الإيرانيون لا يرون سوى الأعمال السيئة التي يمارسها الغجر، لكنهم إذا حاولوا تغيير نظرتهم هذه، ونظروا بإيجابية إلى هذه الفئة، سيجدون حتماً أنهم كانوا مخطئين بحق الغجر، لا سيما أن الأخيرين ساهموا في حماية وتطوير قطاعات مختلفة في إيران، أبرزها الموسيقى الإثنية الإيرانية. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image