"قُتل تسعة أشخاص من المواطنين الأجانب"؛ بهذه العبارة أعلن وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، عن عدد ضحايا الهجوم الذي شنّه الجيش الباكستاني على الأراضي الإيرانية، تحديداً في محافظة سيستان وبلوشستان في جنوب شرق البلاد، ردّاً على القصف الإيراني لمناطق في باكستان، قبل أيام.
تصريح الوزير هذا عن مقتل مواطنين أجانب، أثار حفيظة مجموعة من الإيرانيين/ات، وأشعل وسائل التواصل الاجتماعي داخل إيران، حيث تعالت الأصوات الرافضة لتسمية هؤلاء الضحايا بـ"الأتباع"، أي المواطنين غير المعترف بهم، خاصةً أن تلك المحافظة تحتضن عدداً كبيراً من الإيرانيين/ات الذين/اللواتي لا يحملون/ن الجنسية الإيرانية لأسباب عديدة.
التحديات والصعوبات
تُعدّ محافظة سيستان وبلوشستان في إيران من المناطق التي تشهد وجود عدد كبير من السكان غير المعترف بهم (لا يملكون جنسيةً)، والذي سنسميهم في هذه المادة "البدون"، كما يُطلق عليهم بالعربية في المنطقة لا سيما في الكويت، والذين يواجهون تحديات كبيرةً في مجالات الهوية والاقتصاد والخدمات الأساسية.
"البدون" في هذه المحافظة يعيشون غالباً في مناطق نائية وصحراوية، ويواجهون تحديات في تحديد هويتهم والحصول على وثائق رسمية. وغالباً ما يفتقرون إلى الوثائق الرسمية، مما يعرقل وصولهم إلى الخدمات الحكومية ويؤثر على حقوقهم.
تُعدّ محافظة سيستان وبلوشستان في إيران من المناطق التي تشهد وجود عدد كبير من السكان غير المعترف بهم (لا يملكون جنسيةً)، والذي سنسميهم في هذه المادة "البدون"، الذين يواجهون تحديات كبيرةً في مجالات الهوية والاقتصاد والخدمات الأساسية
"البدون" في هذه المنطقة، يُعدّون من الفقراء، حيث يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، ذلك إلى جانب نقص فرص العمل والعزلة الجغرافية، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وتدنّي مستوى المعيشة، مثل التعليم الذي أصبح بمثابة حلم لأطفال تلك المنطقة، والرعاية الصحية الهشّة.
تأمين فرص التعليم لهؤلاء الأطفال مهمة صعبة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والنقص في المرافق العامة في تلك المناطق، إذ يعاني العديد من الأطفال من "البدون" من عدم تسجيلهم رسمياً في المدارس، حيث تكون إجراءات التسجيل معقدةً وغير ميسّرة للعديد من العائلات، وتفتقر المناطق التي يسكنها هؤلاء "البدون" في هذه المحافظة إلى بنية تحتية تعليمية، فهناك نقص في المدارس والمرافق التعليمية، مما يؤثر سلباً على تعليمهم. كما أن "البدون" يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، مما يجعل أولياءهم يفضلون أن يعمل أطفالهم في مجالات أخرى بدلاً من إرسالهم إلى المدرسة.
وفي السياق نفسه، تشير الإحصائيات إلى ارتفاع معدلات الأمية بين "البدون" في محافظة سيستان وبلوشستان، نتيجةً لنقص التعليم، مما يؤثر على تطوير المجتمع وتنميته، كما أن الضحايا في هذه المنطقة هم الأطفال "البدون" الذين يفتقرون إلى التعليم، إذ يواجهون صعوبات كبيرةً في الدخول إلى سوق العمل وتحسين مستوى حياتهم.
كم عدد البدون في سيستان وبلوشستان؟
لمعرفة عدد الأشخاص "البدون" في إيران، قد لا نتمكن من الحصول على إحصائيات رسمية، ولعلّ أحد التعليقات الأخيرة في هذا الصدد يعود إلى عام 2017، عندما كشف أحد أعضاء اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني، دون أن يذكر اسمه، أن هناك مليون شخص مجهول الهوية في البلاد، أكثر من 400 ألف منهم من الأطفال، وحصة الأسد لمحافظة سيستان وبلوشستان التي تحتضن نحو 4،500 شخص منهم. وبطبيعة الحال، لا يمكن التأكد من دقة هذه الإحصائيات بشكل صحيح، وقد يكون عدد الأشخاص غير المسجلين في قوائم السجل المدني الإيراني أكثر أو أقل من هذا العدد.
وبحسب تصريحات البرلماني: "عدد كبير من الأشخاص غير المسجلين، نتيجة زواج الإيرانيات من مواطنين أجانب، إذ قامت بعض الأسر بتزويج بناتها من أجانب دون تسجيل الزواج في المكاتب الرسمية، لتكون نتيجة ذلك بقاء هؤلاء الأطفال من دون شهادات ميلاد، كما يعانون من مشكلات عديدة في حياتهم، أهمها التعليم".
من جهة أخرى، وصف عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني، ولادة أطفال مجهولي الهوية بالأزمة الخطيرة، بما أن أول وثيقة رسمية تحدد هوية الأشخاص هي شهادة الميلاد، والأطفال عديمو الهوية سيواجهون مشكلات كثيرةً في المستقبل. ووفقاً لهذا النائب السابق، فإن العدد الأكبر من الأشخاص "البدون" يتواجد في محافظة سيستان وبلوشستان.
لماذا لا يزال هؤلاء الأشخاص بلا جنسية؟
قديماً، وعندما لم تكن في البلاد أي خدمات اجتماعية ولا كهرباء ولا هاتف ولا تعليم ولا حتى مستشفيات أو مستوصفات، فُقد الحد الأدنى من مرافق المعيشة، وساد اعتقاد بعدم الحاجة إلى شهادة الميلاد في تلك المناطق، لذا لم يسعَ القاطنون هناك إلى نيل أي سجل وطني أو ما يثبت الهوية.
كما كان هناك اعتقاد سائد عند "البدون"، بشأن الحصول على شهادة الميلاد أو الهوية، مفاده أنها تلزم الرجال منهم بالخدمة العسكرية في إيران، وعلى هذا الأساس يعتقد السكان أن الاستخدام الوحيد للإثباتات الرسمية هو لأداء الخدمة العسكرية. ومع مرور الوقت، تم تقديم تسهيلات مثل التأمين الاجتماعي والصحي والإعانات وما إلى ذلك، ما تسبب في ارتفاع الرغبة في الحصول على شهادة الميلاد بين السكان، لكن العوائق أمام الحصول على هذه الشهادة أصبحت أكبر من ذي قبل، خاصةً بعدما هاجر الكثير من الباكستانيين والأفغان إلى هذه المحافظة بحثاً عن عمل.
قديماً، وعندما لم تكن في البلاد أي خدمات اجتماعية ولا كهرباء ولا هاتف ولا تعليم ولا حتى مستشفيات أو مستوصفات، فُقد الحد الأدنى من مرافق المعيشة، وساد اعتقاد بعدم الحاجة إلى شهادة الميلاد في تلك المناطق، لذا لم يسعَ القاطنون هناك إلى نيل أي سجل وطني أو ما يثبت الهوية
لم تكن التكلفة المرتفعة للحصول على شهادة الميلاد دون تأثير على بقاء سكان هذه المنطقة بلا جنسية، وعلى الرغم من أن الحصول على شهادة ميلاد أصبح مهماً بين السكان، إلا أن العملية كانت صعبةً، خاصةً بالنسبة للقرويين النائين، إذ لا يوجد في أكثر مناطقها كثافةً شخص واحد متعلم في كل أسرة، ومن ناحية أخرى، كانت تكلفة التنقل لاستخراج شهادة الميلاد مبلغاً باهظاً بالنسبة إلى الأسر، مما يزيد الطين بلةً في هذه المشكلة.
ومع أن صدور شهادات الميلاد لهؤلاء الأشخاص، هو أحد خطط السلطات الإقليمية، لكن الحصول على هذه الشهادة لهؤلاء السكان له طرقه وصعوباته الخاصة، فعلى سبيل المثال: يجب التحقق والتعرف عليهم أولاً، بحيث تتم الموافقة على الأشخاص الذين يتقدمون للحصول على شهادة ميلاد من قبل مجلس القرية والقرويين، بعد هذه المرحلة، يأتي دور السجل المدني للتأكد من إقامة الشخص. والصعوبة التي يواجهها الشخص "البدون" هي من الأسباب الأخرى لعدم حصوله على الهوية.
وإذا حصل الأب والأم على هذه الشهادة، وتخطيا هذه الخطوات، فسيتم تسهيل عملية الحصول على شهادة الميلاد لأطفالهم، وذلك بشرط إجراء فحص الحمض النووي الجيني، الذي يُعدّ أحد متطلبات هذه العملية، وتتحمل عائلة المتقدم لطلب شهادة الميلاد، تكاليف الفحوصات والاختبارات كافة، لكن مدينة زاهدان عاصمة محافظة سيستان وبلوشستان لا تملك المعدات اللازمة لهذا النوع من الاختبار، ويجب على الأشخاص الذهاب إلى مدينة طهران، العاصمة الإيرانية، وهذا سبب آخر لعدم حصول هؤلاء الأشخاص على بطاقات الهوية، لأن السفر إلى طهران صعب ومكلف على الكثير منهم.
وإلى جانب جميع هذه التحديات التي يواجهها الشخص "البدون" في إيران، يبقى الهاجس والحاجز الرئيسي لعدم نيله الهوية، هو الفقر الذي يمكن مشاهدة آثاره في كل مكان، وهذه القضية أصبحت من أكبر الأزمات في محافظة سيستان وبلوشستان.
وتقع محافظة سيستان وبلوشستان في جنوب شرق إيران، ويبلغ عدد سكانهما نحو ثلاثة ملايين نسمة بأغلبية بلوشية سنّية، وتُعدّ ثاني أكبر محافظة في إيران بعد محافظة كرمان وسط إيران، وتجاور هذه المحافظة كلاً من أفغانستان وباكستان، وتمتد على مساحة 178 ألفاً و431 كيلومتراً مربعاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...