شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"اتحاد القبائل العربية"... خطوة جديدة في صعود العرجاني المثير للقلق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 8 مايو 202412:21 م

تحت عنوان عاجل، أذاعت القنوات والصحف المملوكة للجهات السيادية، خبراً عن بيان "اتحاد القبائل العربية"، محذراً إسرائيل من اجتياح رفح، ومطالباً بتدخّل مجلس الأمن الدولي لوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي على غزة وتضامنه مع الشعب الفلسطيني، ومطالباً جامعة الدول العربية بعقد جلسة عاجلة لبحث العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته على الأمن القومي العربي.

تصدر البيان النشرات الإخبارية، وأولته الصحف عناية كبيرة، كما كان من اللافت أن قناة "العربية" التابعة للسعودية والإمارات قد اهتمّت بنشره.

أمر مريب أن يلعب ذلك الاتحاد، الذي لم يمض سوى أيام على إعلان تأسيسه، دور الدولة، في بيان لا يصدر بتلك اللهجة إلا من حكومات، فيدين ويستنكر ويطالب بالتصعيد، نيابة عن مصر وحكومتها وجيشها ووزارة دفاعها، حتى إن بيان وزارة الخارجية المصرية الذي يحذّر إسرائيل من اجتياح رفح نُشر بعده لا قبله، ولم يحظ بالزخم نفسه، والملاحظ أنه أضعف في نبرته من نبرة بيان الاتحاد الذي كتبه مصطفى بكري، المتحدث الإعلامي للاتحاد.

"اتحاد القبائل العربية" كيان يضم خمسة كيانات قبلية، من الصعيد والسلوم ومطروح والبحر الأحمر، تحت رئاسة إبراهيم العرجاني، طريد العدالة سابقاً وشريك الحكومة حالياً، ورجل الأعمال المصري الأكثر نفوذاً

"اتحاد القبائل العربية" كيان يضم خمسة كيانات قبلية، من الصعيد والسلوم ومطروح والبحر الأحمر، تحت رئاسة إبراهيم العرجاني، طريد العدالة سابقاً وشريك الحكومة حالياً، ورجل الأعمال المصري الأكثر نفوذاً، والذي يمتد نفوذه إلى خارج الحدود المصرية، وبحسب مصطفى بكري، المتحدث الإعلامي للاتحاد، فقد أعلن أنه جمعية أهلية يمكن اعتبارها فصيلاً من فصائل القوات المسلحة، وهو ما أعاد وأنكر أنه قاله في برنامج عمرو أديب، وقد فعلها بكل وقاحة رغم أن تصريح الفصيل مسجّل بالفيديو.

والتشكيل بالتأكيد هو تشكيل مسلح، فإبراهيم العرجاني هو رئيس أول كيان قبلي يظهر في مصر تحت مسمى "اتحاد قبائل سيناء"، بهدف المشاركة مع الجيش في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، والذي عُرف باسم تنظيم "ولاية سيناء".

ولكن كيانات قبلية أخرى ظهرت إلى جانب "اتحاد قبائل سيناء"، تضمّ أبناء قبيلتي السواركة والرميلات الذين شاركوا الجيش والشرطة في الحرب ضد تنظيم "ولاية سيناء" (كما قبيلة العبابدة في الصحراء الشرقية) وملاحقة المنقبين عن الذهب في تلك المنطقة.

وهذا البيان الذي ينوب عن الدولة، أو يتخطى اختصاصه المعلن كجمعية أهلية، هو أول الغيث لخطورة أن يعبّر تشكيل مسلح غير الدولة عن رأيه في السياسة، حتى لو كانت اللعبة في بدايتها برعاية الدولة، فهكذا بدأ حميدتي الانفصالي في السودان وقوات فاجنر في روسيا، حتى لو كان توقيت إعلان اتحاد القبائل العربية وتعيين مصطفى بكري تحديداً (المعروف بوجهه المتلوّن مع الأنظمة كلها) متحدثاً رسمياً له، مرتبطاً بالتوترات الأخيرة في رفح وتهديد الجيش الإسرائيلي، كي يتحرّك بحرية أكبر بعيداً عن "كامب ديفيد"، كما تذهب تبريرات المتفائلين أو الذين يحاولون عقلنة مسخرة الدولة للتمكّن من فهم منطقها، والذي لا أظنه كلاماً منطقياً في النهاية، فما الذي يعنيه أن تلعب ميليشا مسلحة دور الدولة في الدفاع عن سيادتها؟

تأتي الخطورة أيضاً من علاقات العرجاني التي تتخطى الحدود المصرية، إذ يملك سلطة على المعابر المصرية مع غزة، بالتنسيق مع السلطات المصرية، عبر شركة "هلا" التي، بحسب تحقيقات صحفي لجريدة التايمز البريطانية والغارديان وسكاي نيوز، جنت 88 مليون دولار منذ بداية آذار/مارس الماضي، مقابل إجلاء ما يزيد عن 20 ألف شخص من النازحين من غزة، بجانب عشرات الشهادات والتقارير المتواترة من فلسطينيين عالقين في غزة، عن التنسيق للخروج من القطاع عبر معبر رفح بدفع متوسط 5 آلاف دولار لشركة "هلا"، ما رفع تقديرات لما حصلت عليه الشركة مقابل خروج آلاف الفلسطينيين إلى 180 مليون دولار، وكلها تقارير لم تكلف الحكومة المصرية نفسها عناء الرد عليها، رغم تواتر الإثباتات والشهادات.

ظهر العرجاني قبل 20 عاماً، واعتُقل عام 2009، بعد أن اختطف العشرات من رجال الشرطة، وخرج من السجن في العام التالي ليبدأ نشاطه في عالم الأعمال مع تأسيس شركة "أبناء سيناء"، واقتطاع جزء هام من كعكة إعادة إعمار غزة عام 2014، حيث احتكرت شركته عمليات نقل مواد البناء

ظهر العرجاني قبل 20 عاماً، واعتُقل عام 2009، بعد أن اختطف العشرات من رجال الشرطة، وخرج من السجن في العام التالي ليبدأ نشاطه في عالم الأعمال مع تأسيس شركة "أبناء سيناء"، واقتطاع جزء هام من كعكة إعادة إعمار غزة عام 2014، حيث احتكرت شركته عمليات نقل مواد البناء.

وتضم مجموعة "السبع جبال"، شركات: "أبناء سيناء للمقاولات العامة"، و"أبناء سيناء للتشييد والبناء"، و"مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار"، و"هلا للاستشارات والخدمات السياحية"، و"إيتوس للخدمات الأمنية" التي تعاقدت مع اتحاد الكرة المصري لتأمين الفعاليات الرياضية، وغيرها من الشركات.

وفي كانون الثاني/ يناير 2022، تغيّر اسم المجموعة لتصبح "العرجاني جروب"، وقرّر السيسي تعيينه عضواً في هيئة تنمية سيناء كممثل للشركات والمستثمرين.

كما لفتت صفحة الموقف المصري، النظر إلى حضور العرجاني، الواضح منذ عام 2023، في ليبيا، عبر عدد من الشركات التابعة له، وحصول تلك الشركات على عقود إنشاء أكثر من 11 جسراً في درنة وبنغازي وأجدابيا، في عقود وقعت مع بلقاسم حفتر، الابن الثاني لخليفة بن قاسم حفتر، والمسؤول عن صندوق إعادة إعمار درنة بتمويل إماراتي.

وفي كانون الثاني/ يناير 2024، ظهر إبراهيم العرجاني مرة أخرى إلى جانب وزير النقل المصري الأسبق هاني ضاحي، في درنة، للتوقيع على عقود لتأسيس كباري ضمن خطة إعمار المدينة التي تسيطر عليها أطراف مقرّبة من حفتر، وتشارك فيها بدور كبير شركة جلوبال كاونتركاتنج الإماراتية، والغريب أن العرجاني قريب الصلة أيضاً من حكومة طرابلس، واستطاع الحصول على مشاريع لعقود غرب ليبيا.

بالطبع يحدث ذلك – حتى الآن- تحت أعين ورقابة المخابرات المصرية، لكن شتان بين مؤسسات الدولة القادرة على رؤية مصالح طويلة المدى للدولة وبين بيزنس مان يملك ميليشيا مسلحة في سيناء، ومن الخطورة بمكان أن يسمح له بتكوين علاقات خارجية مع ميليشيات وأجهزة عسكرية وشبه عسكرية خارج الدولة، ولنا فيما حدث مع حميدتي في السودان ودعم الإمارات المباشر له عبرة وعظة.

يتساءل الحقوقي ناصر أمين ما إذا كنا نتجه نحو التجربة السودانية، من خلال تحليله لوثيقة منشورة على موقع اتحاد القبائل العربية، تحتوي على تعريفات وأهداف وأطر تنظيمية مثيرة للقلق وغير واضحة. على سبيل المثال، في التعريف يُذكر أن "الاتحاد العربي للقبائل في البلاد العربية هو مؤسسة مدنية مستقلة غير حكومية وغير ربحية، لا تنتمي إلى أي حزب سياسي أو مذهب ديني"، دون الإعلان عن مكان وتحت أي قانون ورقم تم تسجيل تلك المؤسسة، وفي أي بلد؟ لكن النتيجة أننا قد نكون أمام مؤسسة مجتمع مدني، وهذا أمر غير واضح حتى الآن.

ويتابع أمين: "أما أساس التكوين فكان غريباً، إذ يتحدث عن أن فكرة إنشاء هذا الكيان تعود إلى (الإقرار بأن القبيلة والعائلة هما أساس المجتمع، ووجودهما يسبق وجود الدولة ذاتها)، وهو مفهوم عرقي بامتياز، يعيد المجتمعات إلى مراحل ما قبل وجود الدول الحديثة القائمة على مفهوم المواطنة. وعن تشكيله الغريب، فهو يضم في عضويته دولاً عربية تكون عضواً في الأمانة العامة، ما يعني أننا أمام منظمة دولية وليست مؤسسة غير حكومية، وهو ما يجب أن يكون إنشاؤها موجباً لاتفاقية دولية متعدّدة الأطراف، وفقاً لاتفاقية باريس للمعاهدات، وهذا أمر غير واضح"

وأخيراً، "عن دور هذا الكيان المنطلق من أهدافه المعلنة في الوثيقة عن دور القبائل، يقول: "ومن ثم يأتي تفعيل دورها لمعاونة ومساندة الحكومات العربية على حفظ النظام والاستقرار ومقاومة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، وهنا نكون أمام تنظيم إقليمي منشأ بقرار قانون من إحدى الدول الأعضاء به، وهذا أيضاً غير واضح".


هل نحن أمام تنظيم عرقي، مثل تحالف القبائل العربية الذي نشأ في دارفور في مطلع الألفية الثانية، والجميع يعرف الدور الذي قامت به تلك القبائل في حرب دارفور، والتي انتهت الآن بما يُسمى ميليشيات الدعم السريع في السودان؟

في النهاية، تلك المفاهيم الغريبة المذكورة في وثيقة التأسيس تطرح أسئلة حول واقع مخيف ومرعب: هل نحن أمام تنظيم عرقي، مثل تحالف القبائل العربية الذي نشأ في دارفور في مطلع الألفية الثانية، والجميع يعرف الدور الذي قامت به تلك القبائل في حرب دارفور، والتي انتهت الآن بما يُسمى ميليشيات الدعم السريع في السودان؟ هل نحن أمام تنظيم إقليمي عربي يتجاوز الحكومات العربية ذاتها، ويمكنه استخدامه في صراعاتها وخلافاتها القائمة والمستقبلية؟ هل نحن أمام محاولة تأسيس تجمعات على أساس عرقي تنتهي بتحويلها إلى أحزاب سياسية تحكم من خلالها وبها أنظمة الحكم في المنطقة العربية؟

أسئلة كثيرة مطلوب المناقشة حولها، بعد الإطلاع على تلك الوثيقة الغريبة في أهدافها وبرامج عملها التي تستهدف كل المؤسسات، من وزارات وحكومات وصولاً لجامعة الدول العربية.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image