شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في يومه العالمي… كيف يؤثر الربو على الحياة الجنسية للمصابين به؟

في يومه العالمي… كيف يؤثر الربو على الحياة الجنسية للمصابين به؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 7 مايو 202405:46 م


في أول ثلاثاء من شهر أيار/ مايو من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للربو، لتعزيز التوعية بالمرض ودعم المصابين به، والتشديد على أهمية اتّباع الإرشادات العامة للوقاية منه والتحكم به، خصوصاً مع حلول فصلَي الربيع والصيف، حيث تزداد حدة العواصف الترابية والرملية في بعض بلدان المنطقة العربية، ما يُشكل خطراً على صحة المصابين بأمراض الجهاز التنفسي، وبشكل خاص مرضى الربو.

ونظراً إلى انتشاره الواسع، تُبذل الجهود لتوثيق أعراضه وطرق علاجه، وكيفية التأقلم مع آثاره على الصحة النفسية والجسدية. مع ذلك، لا يزال الحديث عن تأثير الربو على الحياة الجنسية للأفراد المصابين به مُحاطاً بالكثير من التابوهات والرهبة، ما يُؤدّي إلى عزلة اجتماعية ونفسية للمرضى، ويُعيقهم عن الحصول على الدعم والمعلومات اللازمة.

ما هو الربو؟

يُعدّ الربو مرضاً مزمناً يصيب الجهاز التنفسي ويتميز بنوبات (أزمات) متكررة من الصفير، وضيق التنفس، والشعور بضيق في الصدر، والسعال، وغالباً ما تحفّزها منبهات معينة مثل مسببات الحساسية أو التمارين الرياضية. تحدث هذه الأعراض بسبب التهاب الشعب الهوائية أو تضييقها، مما يؤدي إلى تقليل تدفق الهواء وصعوبة التنفس.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب الربو في وفاة مئات الآلاف من الأشخاص حول العالم، خصوصاً في البلدان المنخفضة الدخل التي يُشكِّل فيها نقص التشخيص ونقص العلاج تحدياً كبيراً.


كيف يؤثر الربو على النشاط الجنسي للمصابين به؟

يُؤثر الربو على الحياة الجنسية للأفراد المصابين به بشكل مباشر، إذ قد تصبح ممارسة الجنس صعبةً عند الشعور بضيق التنفس، مما قد يُؤدي إلى الشعور بالتعب والإحباط.

يمكن أن تجعل الأعراض الجسدية للربو، مثل ضيق التنفس والسعال والشعور بضيق في الصدر، بعض الوضعيات الجنسية غير مريحة أو حتى مستحيلةً. كما قد يعاني الأفراد الذين يعانون من الربو غير المتحكم فيه جيداً من الإجهاد وانخفاض القدرة على التحمل، ما يشكل عائقاً أمام ممارستهم للجنس بشكل طبيعي.

وفي دراسة نشرها مركز الحساسية والربو الأمريكي في ولاية كنتاكي في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2022، تبيّن أن الجنس هو أحد العوامل "غير المشخّصة" المهيّجة لنوبات الربو، وأن السبب في نقص التشخيص هذا هو شعور المرضى بالحرج من التحدث في الأمر مع الطبيب.

أفادت الدراسة بأن الجهد المبذول في أثناء الجماع، يوازي الجهد المبذول لصعود سلالم طابقين في بناية بأقصى سرعة، ما قد يؤدي إلى ضيق التنفس وحدوث الأزمة، وتالياً التوقف عن الاستمرار في الممارسة الجنسية.

"عندما يراني زوجي أستنشق البخاخ قبل الممارسة الجنسية يعدل عن الفكرة خوفاً من أن أصاب بالأزمة في أثناء العلاقة أو بعدها، إذ حدث هذا الأمر خلال العام الماضي ومنذ ذلك الحين قلّت ممارستي الزوجية كثيراً. الأمر مؤلم حقاً، ولا يوجد أحد أستطيع التحدث معه في الأمر ويفهمني".

كما قد يواجه بعض المصابين أعراض الربو بعد مرور أربع إلى ست ساعات من بدء ممارسة الجنس، ومع ذلك، يمكن علاج هذا الأمر عن طريق تناول الأدوية قبل الممارسة. وفي حال استمرار الأعراض، قد يكون ذلك مؤشراً على عدم التحكّم بالمرض، وتالياً قد تكون هناك حاجة إلى تكثيف العلاج.

قد تتسبب بعض أدوية الربو، مثل مضادات الكولين، في جفاف المهبل عند النساء، ما يسبب ألماً وعدم راحة خلال الجماع. وبالنسبة للرجال، قد تؤدي بعض الأدوية مثل الستيرويدات القشرية (البخاخات الموسعة للشعب الهوائية) إلى ضعف الانتصاب، كما يمكن أن تتسبب في انخفاض الرغبة الجنسية عند الرجال والنساء على حد سواء، بسبب تأثيرها على مستوى الهرمونات الجنسية.

إحراج وخوف وقلق

بخصوص التأثيرات النفسية، يمكن أن يخلق الخوف من التعرض لنوبة ربو في أثناء النشاط الجنسي، قلقاً وتوتراً وتردداً في ممارسة الجنس، تجنّباً للإحراج.

ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه معهد "إيفوب" الفرنسي المتخصص في استطلاع الآراء ودراسات التسويق، يعتقد 44% من مرضى الربو في فرنسا أنهم غير أكفاء جنسياً بسبب مرضهم، و41% من المشاركين في الاستطلاع تجنّبوا ممارسة الجنس بالفعل، بسبب خوفهم من أن يثير ذلك نوبة ربو. أما في بريطانيا، فبحسب مسح أجرته جمعية مكافحة الربو البريطانية عام 2017، تبيّن أن أكثر من ثلثي المصابين بالربو والمشاركين في المسح، قالوا إن مرضهم أثّر بشكل مباشر على حياتهم الجنسية.

يُحذّر الدكتور جعفر إبراهيم، أخصائي الأمراض الصدرية والتنفسية في المجمع الطبي الأمريكي في محافظة أربيل في كردستان العراق، من مخاطر تفاقم نوبات الربو لدى مرضى "الربو المحرّض بالجهد" خلال ممارسة النشاط الجنسي.

ويوضح الدكتور إبراهيم، في حديث إلى رصيف22، أن "أكثر من يعاني من صعوبة في ممارسة الجنس هم مرضى الربو 'غير المتحكّم به'، أي الذين تأخروا في تلقّي العلاج ما أدى إلى استفحال المرض، لذا من المهم جداً اتّباع تعليمات الطبيب والاستمرار في أخذ الأدوية دون انقطاع حتى مع غياب الأعراض". ويؤكد إبراهيم إمكانية تمتع مرضى الربو بحياة جنسية طبيعية في حال المواظبة على الأدوية وتناول جرعة من الموسّع القصبي قبل الممارسة الجنسية.

"عندما يتعلق الأمر بمرضي وضعف الحالة المادية، وكوني أمّاً أرعى أطفالاً وأسكن في بيت قديم، يصبح الحديث عن العلاقة الحميمة ترفاً وعيباً. تقول لي أختي: لديك ثلاثة أطفال، لا داعي للحديث عن الجنس".

في العراق، هناك أكثر من 200 ألف شخص يتم تشخيصهم بالربو سنوياً، وفق دراسة نُشرت من قبل وزارة الصحة العراقية بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2012.

يعاني بعض مرضى الدكتور إبراهيم، من قلة الرغبة الجنسية ومن ضعف في الممارسة الجنسية بسبب الربو، إلا أن "الخجل" يمنعهم من التحدث عن هذه المشكلة بشكل صريح، حسب قوله.

ليلى (اسم مستعار، 37 عاماً)، اكتشفت إصابتها بالربو قبل خمس سنوات، ومع تردّي وضعها المعيشي وانعدام الوصول إلى المرافق الصحية والخدمية في المنطقة العشوائية التي تسكنها في البصرة، يأخذ وضعها الصحي بالتدهور.

"أسكن في بيت قديم متهالك على أرض تُعدّ ملكاً للدولة في قضاء الزبير في البصرة. الشبابيك القديمة فيه لا تحمينا من التعرّض للغبار والأتربة وكل ملوثات الجو يومياً، لذا منذ تشخيص المرض صارت حالتي تتفاقم سريعاً، خصوصاً مع عدم قدرتي على الالتزام بالأدوية لأنها باهظة التكلفة"، تقول ليلى، وتؤكد أن تكرار العواصف الرملية في العراق خلال السنوات الأخيرة، جعل حالتها تتفاقم.

"نسبة الربو المعلنة في العراق هي 12%، لكن واقع الحال يقول إن عدد الإصابات هو أكثر بكثير لعدم وجود مراكز متخصصة للكشف عنه ومتابعته أو حتى توثيق الحالات".

تشكل العواصف الترابية مخاطر صحيةً كبيرةً على مرضى الربو؛ بسبب استنشاق الجسيمات المحمولة جوّاً والمهيجات الموجودة في الغبار كحبوب اللقاح وجراثيم العفن والملوثات، والتي تتغلغل في أعماق الجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى تحفيز الالتهاب وتفاقم أعراض الربو.

"منذ عام 2022، صار أقل إجهاد أقوم به يؤثر فيّ ويهيج صدري، ولم أعد أستطيع ممارسة العلاقة مع زوجي بشكل طبيعي، خصوصاً بعد أن ازداد وزني مؤخراً. أما وقت العاصفة الترابية، فيدخل كل من في البيت في حالة إنذار بسببي، إذ يتعين عليّ الذهاب إلى المستشفى التي تبعد أكثر من 15 كيلومتراً عن بيتي لأنني أتعرّض لحالة اختناق شديدة"، تضيف ليلى.

يُعدّ العراق واحداً من أكثر مناطق العالم عرضةً للعواصف الترابية والرملية الموسمية التي تتسبب في دخول الآلاف إلى المستشفيات، إذ سجلت مستشفيات العراق أكثر من خمسة آلاف حالة اختناق وحالة وفاة واحدة جرّاء عاصفة ترابية ضربت معظم مناطق البلاد في أيار/ مايو عام 2022. أما في آذار/ مارس عام 2023، فقد سُجلت أكثر من 500 حالة اختناق جراء عاصفة ترابية ضربت وسط البلاد وغربها.

"عندما يراني زوجي أستنشق البخاخ قبل الممارسة الجنسية يعدل عن الفكرة خوفاً من أن أصاب بالأزمة في أثناء العلاقة أو بعدها، إذ حدث هذا الأمر خلال العام الماضي ومنذ ذلك الحين قلّت ممارستي الزوجية كثيراً. الأمر مؤلم حقاً، ولا يوجد أحد أستطيع التحدث معه في الأمر ويفهمني".

تتابع ليلى: "عندما يتعلق الأمر بمرضي وضعف الحالة المادية، وكوني أمّاً أرعى أطفالاً وأسكن في بيت قديم، يصبح الحديث عن العلاقة الحميمة ترفاً وعيباً. تقول لي أختي: لديك ثلاثة أطفال، لا داعي للحديث عن الجنس".

يقول الدكتور محمد عبد علي، أخصائي أمراض الصدر والجهاز التنفسي، لرصيف22، إنه من الصعب التكهن بمدى تأثر الحياة الجنسية للأفراد المصابين بالربو في العراق، لعدم وجود سجلات خاصة بهم من الأساس.

"نسبة الربو المعلنة في العراق هي 12%، لكن واقع الحال يقول إن عدد الإصابات هو أكثر بكثير لعدم وجود مراكز متخصصة للكشف عنه ومتابعته أو حتى توثيق الحالات".
يضيف الدكتور علي، أن معظم مرضى الربو الذين يشرف على علاجهم يشتكون من الضعف الجنسي، خصوصاً الذين تركوا المرض ليصل إلى مراحل متأخرة دون علاج.

على الرغم من التحديات التي يفرضها الربو، هناك العديد من الطرق العلاجية التي يمكن للأفراد والأزواج استخدامها للحفاظ على حياة جنسية مُرضية وفقاً لنصائح الخبراء، إذ يُعدّ التواصل المفتوح والصادق بين الشركاء أمراً بالغ الأهمية من خلال مناقشة المخاوف والرهبة والتفضيلات بصراحة.

كما أنه من الضروري للأفراد المصابين بالربو إعطاء الأولوية لصحتهم العامة، بما في ذلك إدارة الربو بشكل صحيح وممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتقنيات تقليل التوتر.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image