شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"هل هويتي مغربية أم فرنسية؟"... عن اللغة والاسم والدين في المهجر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

السبت 4 مايو 202403:43 م

"عندما كنت طفلاً، تساءلت كثيراً عن هويتي المغربية والفرنسية. لقد قبلت حقيقة وجود ثقافتين. ولكن عندما كبرت، لم أكن أعرف حقاً كيف أعرف نفسي لأن بعض المواقف كانت تذكرني دائماً بأنني لست فرنسياً تماماً، ولست مغربياً بالكامل".  هكذا يحكي أمين، شاب عشريني ولد في مدينة غرونوبل، جنوب شرقي فرنسا من أبوين مغربيين.

يعتبر المزج بين ثقافتين إثراء للجهتين، ولكن ليس من السهل دائماً التعايش معه. فكيف تتأقلم عندما تشعر بأنك أجنبي في أحد البلدين، بلد الانتماء وبلد الاستقبال، أو حتى كليهما؟  

لكنة مفرنسة 

لم يتردد والدا أمين في نقل الثقافة المغربية لأطفالهما منذ سن صغيرة، وصلت حد منعهم من التحدث بغير اللهجة المغربية داخل البيت. يقول أمين لرصيف22: "عندما كنت طفلاً قصيت كل إجازات صيف مع عائلتي في المغرب وتحديداً بمدينة الدار البيضاء. لم أحس أنني معزول عن محيطي هناك لأنني كنت أتقن اللهجة جيداً وأعرف الأطباق المغربية والتقاليد والعادات. لكنني  في عيون عائلتي في المغرب، كنت نصف مغربي يتحدث لهجة بلكنة مفرنسة".

"عندما كنت طفلاً، تساءلت كثيراً عن هويتي المغربية والفرنسية. وقبلت حقيقة وجود ثقافتين. ولكن عندما كبرت، لم أكن أعرف كيف أعرف نفسي لأن بعض المواقف كانت تذكرني بأنني لست فرنسياً تماماً، ولست مغربياً بالكامل". أمين، مغربي ولد في فرنسا

أما في فرنسا، فقد كان يبتعد أمين عن التحدث بالعربية داخل المدرسة أو تبادل أطراف الحديث مع أصدقائه في الحي أو خارجه بلهجة أجداده. "لقد كانت العربية حبيسة البيت. كنت دائماً أريد أن أثبت أنني فرنسي وأستطيع التواصل بشكل طبيعي مع الفرنسيين أباً عن جد. خصوصا أنني دخلت مرحلة الروضة لا أكون جملة مفيدة بلغة موليير. فخوف والدي من عدم تعلم لغة القرآن جعلني أعاني من إعاقة لغوية في بداية مشواري الدراسي". يضيف الشاب الفرنسي من أصول مغربية.

الاسم العربي سبب التمييز الأول

وإلى جانب اللغة، يحمل أبناء المهاجرين أسماء عربية تحدد هويتهم وانتماءهم، ما قد يخلق بعض العراقيل خصوصاً في مرحلة البحث عن عمل. 

وبالنسبة لآمنة، الشابة الفرنسية من أبوين تونسيين، تعيش في مدينة ليون جنوب شرق البلاد، تقول: "أول ما يحدد ما إذا كان الشخص أجنبياً أم لا هو الاسم". وتؤكد لرصيف22 أنها: "في الوقت نفسه تفتخر دائماً بأبعاد اسمها العربي".

وتضيف: "صحيح أن أسماءنا تصبح أحياناً سبباً من أسباب التمييز أو العنصرية في حقنا.  فمثلاً رغم تميزي الدراسي والأكاديمي، اضطررت لبعث سيرتي الذاتية لأحصل على أول تدريب مهني أكثر من ثلاثين مرة لأظفر فقط بفرصة إجراء مقابلة  مهنية وإقناع المشغل بكفاءاتي".

وتعتبر آمنة ذات خلفية تعليمية عالية. إذ حصلت الشابة التي أطفأت قبل أيام شمعتها السادسة والعشرين على جميع شهاداتها بتفوق، وصولاً إلى الماجستير الثاني في قانون الأعمال، الذي توج بتقدير جيد. 

ووفقاً لتقرير صدر نهاية عام 2023 من قبل مرصد عدم المساواة الفرنسي، فإن "المرشح الذي يحمل اسماً فرنسياً لديه فرصة أكبر بنسبة 50٪ تقريباً لأن يتم استدعاؤه من قبل صاحب العمل مقارنة بالمرشح الذي لديه نفس الملف الشخصي، ولكن باسم يبدو شمال إفريقياً". 

وهذا بالتالي، يفيد مدير المرصد، لويس مورين لرصيف22: "ينعكس على معدل البطالة بين المهاجرين من إفريقيا، الذي يعتبر أعلى بمقدار 2.25 مرة من معدل البطالة بين الأشخاص الذين ليس لديهم أصول مهاجرة. وحتى القانون، لا يزال يحظر على الأجانب غير الأوروبيين التقدم لخمسة ملايين وظيفة وهو ما يخلق عائقاً هائلاً".

وفقاً لتقرير صدر عام 2023 عن مرصد عدم المساواة الفرنسي: "المرشح الذي يحمل اسماً فرنسياً لديه فرصة أكبر بنسبة 50٪ تقريباً لأن يتم استدعاؤه من قبل صاحب العمل مقارنة بالمرشح الذي لديه نفس الملف الشخصي، ولكن باسم يبدو شمال إفريقياً".

ويتابع: "هذا التمييز على أساس اللقب موجود أيضاً بنفس النسبة بين الأشخاص ذوي الأسماء الإفريقية الذين يبحثون عن سكن. إن الأصل هو في الواقع عامل تمييزي للغاية. حيث أن 28% من أحفاد المهاجرين يقولون إنهم عانوا من التمييز على مدى السنوات الخمس الماضية".

واحد من كل خمسة أشخاص  في فرنسا، تراوح أعمارهم بين 18 و49 عاماً قالوا إنهم :"عانوا من عدم المساواة في المعاملة أو التمييز في 2019-2020"، وفقًا لمسح نشره المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في 5 يوليو/نموز 2022، والذي يشير إلى محتواه  أيضاً، مرصد عدم المساواة، في وثيقة نشرت الثلاثاء 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، 2024.

الأصعب هو التكيف مع الدين 

ويبدو أن الأصعب من كل هذا بالنسبة لصفية. م، شابة جزائرية في العشرين من عمرها، مقيمة في العاصمة باريس، هو: "التكيف مع الدين في بلد غير إسلامي".

وتشرح لرصيف22: "يعتمد تلقين التعاليم الدينية بشكل أساسي على الأبوين والأصدقاء. ولمعرفة تعاليم ديننا علينا أن نبذل جهداً مضاعفاً هنا في فرنسا. كما أننا نواجه صعوبة أكبر في التعبير عن إسلامنا، وعلينا دائماً الاختباء والحذر. إنه أمر سياسي للغاية، إذا كنت متديناً وأظهرت ذلك، فمن المؤكد بنسبة 100٪ أن الناس سيطرحون عليك الكثير من الأسئلة حول السياسة، لذا يكون الأمر صعباً".

لكن يبدو على حد تعبير أرنود لاشيرت لرصيف22، وهو دكتور في العلوم السياسية ومؤلف العديد من الأعمال التي تتناول اندماج الفرنسيين المنحدرين من الهجرة العربية: "إذا كان الإيمان شخصياً ويمارس في بيئة فردية، فمن الواضح أنه لا توجد مشاكل. وهذا أيضاً هو أساس الإسلام: العلاقة المباشرة بين الله والفرد، في حين، ومنذ اللحظة التي يتخذ فيها الإسلام شكلاً واضحاً في بلد يمر بعملية نزع المسيحية، والذي يقدم فضلاً عن ذلك أخلاقاً ليست أوروبية، فإن أغلبية السكان لم تعد تشعر بالارتياح".

وفي فرنسا، تنادي معظم الأطياف السياسية الفرنسية بمختلف ألوانها منذ سنوات بالتشبث بأسس العلمانية.  ولعل آخر مظاهر الحد من مظاهر التدين في البلاد، مصادقة مجلس الدولة، يوم الاثنين 25 سبتمبر/أيلول 2023، على منع ارتداء العباءة على الفتيات المسلمات في المدارس وذلك قبل وقت قصير من بداية العام الدراسي.

يحظر القانون الفرنسي منذ عام 2004، ارتداء الحجاب في المدارس العامة والكليات والمدارس الثانوية

وحسبما أعلنت المحكمة الإدارية العليا في بيان: "وفقاً للقاضي الجزائي، فإن ارتداء العباءة أو القميص جزء من منطق التأكيد الديني". في حين يحظر القانون الفرنسي منذ عام 2004 ارتداء الحجاب في المدارس العامة والكليات والمدارس الثانوية. كما أقر حظراً على ارتداء النقاب في الأماكن العامة في 2010.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، نحج أبناء المهاجرين في تغيير النظرة النمطية عن المهاجرين. وهذا ما تبين  في استطلاع رأي للمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية  في عام 2022، أبرز تحسن مستوى النجاح الأكاديمي للجيل الثاني من المهاجرين الشمال إفريقيين في فرنسا على الرغم من استمرار الفوارق الاجتماعية.

وهذا النجاح يعتقد أرنود لاشيريت في كتابه Les Intégrés، سببه: "إصرار الآباء المهاجرين القوي على النجاح الأكاديمي والمهني لأطفالهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image