شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل السجائر الإلكترونية أقل ضرراً؟

هل السجائر الإلكترونية أقل ضرراً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الأحد 5 مايو 202412:22 م

تقول منى (51 عاماً) إنها حاولت الإقلاع عن التدخين أكثر من مرة في السنوات العشر الأخيرة وفشلت، لكن ظهور السجائر الإلكترونية صنع لها "جسراً للتخفيف من التدخين" على أمل أن تقودها إلى الإقلاع، وهي تدخن سجائر الـ"IQOS" منذ حوالي عامين.

تضيف في حديثها لرصيف22: "في البداية انتقلت لهذا النوع من التدخين على أمل أن يساعدني في تقليل السجائر، يعني لأترك التدخين بالتدريج، لكنني ارتحت له أكثر من السجائر القديمة ونقلت إدماني إليه، لماذا ارتحت أكثر؟ أولاً لا يوجد رائحة تعلق في الملابس والمنزل بسببه لأنه بخار وليس دخان، وثانياً أعتقد أن صحتي تحسنت قليلاً".

لكنها تشكو من ارتفاع موازنة هذا النوع من السجائر "أحتاج لسيجارتين من الدخان الجديد لأصل لنفس الرضى الذي كانت توصلني إليه سيجارتي القديمة، أي أنني صرت أصرف الضعف". 

حين كتب العالم "ممنوع التدخين" 

بدءاً من السجائر التقليدية وانتقالاً إلى السجائر الإلكترونية أو سجائر التسخين، مرّت عملية بيع التبغ بكثير من التحولات الاقتصادية والصحية، فخلال الستينيات، كانت نسبة المدخنين في الولايات المتحدة تقدر بنحو 42% من السكان، وهي النسبة التي تعتقد الدراسات أنها كانت أعلى بكثير من البلدان النامية التي تنقصها الدراسات حول التدخين في تلك الفترات. 

منى: "انتقلت لسجائر التسخين بهدف ترك الدخان بالتدريج، لكنني ارتحت لها أكثر من السجائر القديمة ونقلت إدماني إليها، فلا يوجد رائحة تعلق في الملابس والمنزل، وأعتقد أن صحتي تحسنت قليلاً".

ولكن بعد الأبحاث الطبية التي ربطت بين التدخين وبين كثير من الأمراض كالسرطان وأمراض القلب، وأيضاً حملات التوعية الوطنية انخفضت هذه النسبة إلى حوالي 14% بحلول العام 2019، بحسب الرابطة الأمريكية للقلب، وهي الثقافة التي انعكست في العالم كله مع الثمانينيات، حيث بدأت شركات الطيران في العالم وفي البلاد العربية بمنع التدخين لتكون السباقة إلى هذا الأمر من بين منشآت القطاع الخاص. وبحلول العام 2021، كانت كل البلاد العربية قد فرضت قيوداً قانونية على التدخين، ووصلت البلدان التي تفرض وضع تحذيرات صحية كبيرة وواضحة على عبوات السجائر قد وصلت إلى 78% حول العالم.

التراجع في الولايات المتحدة مجرد نموذج يعكس التوجه العالمي كون ثقافة مكافحة التدخين بدأت منها وكونها الدولة الأكثر إنفاقاً على الحد من التدخين لأسباب اقتصادية وصحية بالأساس سيشرحها هذا التقرير، حيث تشير التقديرات التي نشرتها منظمة "Tobaco Control" إلى أن مبيعات السجائر في العالم ظلت تنخفض بنسبة 4.5% سنوياً منذ عام 2015.

ورغم أن السجائر الإلكترونية وسجائر الاستنشاق وسجائر التسخين ظهرت في العام 2004 إلا أن توسعها في كل العالم واستهدافها للمراهقين بدأت في السنوات العشر الأخيرة، الأمر الذي ساهم في الحد من خسائر شركات بيع وتصنيع التبغ، وهو ما سيتابعه هذا التقرير.

السجائر الإلكترونية… حبل نجاه شركات التبغ؟

الخط البياني لتراجع المبيعات بدأ بالتحسن (من منظور شركات تصنيع التبغ) بسبب ظهور منتج جديد قلب كل المعايير، وهو "سجائر التسخين"، والتي بدأت تحل محل سجائر الاحتراق الكلاسيكية، وأثّرت بشكل كبير على مبيعات السجائر في عدة دول، لتساهم سجائر التسخين في المحصلة في انخفاض مبيعات السجائر الكلاسيكية، إنما في زيادة أرباح الشركات.

لكن الأمر لا يقتصر على المدخنين القدم، وليس هذا محل الخطورة التي تثير حفيظة المنظمات العالمية المعنية بالصحة، فقد أظهرت كثير من الدراسات أن سجائر التسخين مثل "فيب" و"آيكوس" انتشرت بقوة في السنوات الأخيرة بين المراهقين وطلاب الجامعات، مما يعني أن شركات تصنيع التبغ العالمية قد فتحت لنفسها نافذة زمنية جديدة للاستمرار، ونجحت في نقل الإدمان إلى جيل جديد. 

ظهرت سجائر التسخين للمرة الأولى في اليابان عام 2004، حيث لا زالت تلاقي إقبالاً هناك، وتشير الدراسات إلى أن إطلاق سجائر التسخين تزامن مع انخفاض ملحوظ في مبيعات السجائر التقليدية.

اليابان هي المثال الأدق في العالم لأنها قدمت دراسات تفصيلية لتغيرات سوق التبغ قبل سواها، والسبب الرئيسي هو أن لديها أعلى معدل استخدام لسجائر التسخين في العالم، وقد تزامنت مقبولية هذه المنتجات مع انخفاض سريع في مبيعات السجائر القديمة، مما يشير إلى أن عدداً كبيراً من المدخنين يتحولون من السجائر التقليدية إلى بدائل جديدة. وذلك بحسب المنظمات الصحية والطبية العالمية يأتي بسبب الدراسات التي تقول إن ضررها أقل، وهو ما تنفيه هذه المنظمات ولا تعتبره "معلومة علمية دقيقة".

في مصر، أجريت دراسة حول انتشار التدخين الإلكتروني أو التسخيني بين طلاب المدارس الثانوية وعلاقته بالاضطرابات النفسية الأخرى. حيث أشارت الإحصائيات الواردة فيها إلى أن نسبة كبيرة من المدخنين المراهقين استخدموا السجائر الإلكترونية للظهور الاجتماعي أو لتقليل استهلاك السجائر التقليدية​.

كما أكد المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في إحدى الدراسات أن ما يقرب من مليوني ونص طالب في المدارس المتوسطة والثانوية الأمريكية أبلغوا عن استخدام السجائر الإلكترونية في شهر واحد من العام 2022. وأن نسبة كبيرة منهم استخدموا السجائر الإلكترونية المنكّهة، مما يشير إلى أن نكهات هذه المنتجات قد تلعب دوراً في جذب المراهقين.  

مبيعات سجائر الاحتراق ظلّت تتراجع في العقود الأخيرة، وتراجعت مزيداً مع ظهور السجائر الإلكترونية، إلا أن هذا الانخفاض زاد من أرباح شركات بيع التبغ، وهي نفسها الشركات القديمة، التي اتبعت منذ الستينيات استراتيجية استهداف المراهقين لضمان الإدمان، وبالتالي البيع لعقود قادمة   

ورغم إنكار شركات تصنيع التبغ استهدافها للمراهقين، إلا أن هذه التهمة ليست بالجديدة، وتعود إلى الستينيات، حيث تشير الدراسات إلى أن الإدمان ينشأ بين عمر 17 و25 وعليه فاستراتيجية استهداف المراهقين تضمن مبيعات لعقود قادمة. وعليه، لم تعد محاولة نفي التهمة مجدية للشركات المصنعة لسجائر التسخين كما لم تكن مجدية للشركات المصنعة لسجائر الاحتراق سابقاً -وهي تقريباً نفسها-، ومؤخراً وفي أول قضية كبرى ضد هذا النوع من السجائر الجديدة، دفعت شركة "JUUL LABS" الأمريكية تسوية قضائية بلغت 462 مليون دولار، وذلك بعد اتهامها من قبل 6 ولايات أمريكية باستهداف المراهقين، وهو الأمر الذي أقرته المحكمة.

من قال إنها أقل ضرراً؟

ازدياد الإقبال على سجائر التسخين مرتبط بحسب خبراء التسويق مع انتشار عدد من الدراسات التي تشير بأنها قد تكون أقل ضرراً من سجائر الاحتراق القديمة، إلا أن هذه الدراسات نفسها محل تساؤل من حيث مصادر تمويلها.

شركة فيليب موريس من جهتها، قدمت ما أسمته "تحليلاً شاملاً" أبرزت من خلاله اتجاهات التدخين في بعض الدول، مماثلة في دول أخرى لما يحدث في اليابان. ووجدت الدراسة أن "تقديم منتجات التبغ المسخنة لديه القدرة على تقليل انتشار التدخين من خلال تحويل المدخنين إلى هذه البدائل الأقل ضرراً، وبالتالي تكمل الجهود الحالية للوقاية والإقلاع عن التدخين".

شركات التبغ التي تدافع بشدة عن منتجاتها وتعمل على تطوير بدائل مثل سجائر التسخين. تزعم أن سجائر التسخين تقلل من تعرض المستهلكين للمواد الكيميائية الضارة بنسب تصل إلى 95% مقارنة بالسجائر العادية، لكن هذه الادعاءات ما زالت محل جدل وتحقيق من قبل المجتمع العلمي.

العلم بحاجة إلى زيد من الوقت

يقول الدكتور محمد الخطيب لرصيف22: "من المبكر جداً أن يحسم أي طرف سواء شركات التدخين أو المؤسسات الطبية السؤال على جواب إن كانت هذه السجائر أقل ضرراً، إذ لا يزال تقييم الأثر الكلي على الصحة العامة لسجائر التسخين قيد الدراسة، سيما وأن الآثار طويلة المدى لها تحتاج لمزيد من الوقت لتعتبر مثبتة علمياً".

ويشير إلى أن ملاحظات الأشخاص أنفسهم تؤخذ بعين الاعتبار، لكنها ليست نتائج طبية مباشرة، مثلاً بإمكان المدخن الذي انتقل إلى النوع الجديد أن يلاحظ أن صعوده الدرج صار أفضل وأقل لهاثاً، لكنه لا يستطيع أن يخبرنا إن كانت هذه السجائر قد أبعدته عن الإصابة بأمراض القلب والشرايين، فهذه النتائج تأتي من أبحاث ودراسات وليس انطباعية من قبل الأشخاص أنفسهم. 

لا يزال الجدل بين شركات التبغ ومنظمات الصحة دائراً حول ما إذا كانت سجائر التدخين أقل ضرراً، ومع ظهور كثير من الدراسات من الطرفين، إلا أن الطب يقول إنه بحاجة إلى مزيد من الوقت لدراسة الآثار طويلة الأمد.  

ولا يبدو أن منظمة الصحة متأثرة بالدعاية الجديدة لكون هذا المنتج الجديد "أقل ضرراً"، وفي بيان أصدرته حول سماح إدارة الغذاء والدواء بترخيص هذا المنتج قالت المنظمة : "نظراً لأن التعرّض لمواد سميّة إضافية عند تعاطي منتجات التبغ المسخّن يمكن أن يؤثر على الصحة، فإن الادعاءات التي تفيد بأن هذه المنتجات تحدّ من التعرض للمواد الكيميائية الضارة مقارنة بالسجائر التقليدية قد تكون ادعاءات مضللة".

وكانت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة رخّصت تسويق منتجات "IQOS" في تموز/ أيلول 2020، لكنها أيضاً رفضت بموجب ترخيصها، الادعاءات القائلة بأن المنتج أقل ضررًا من منتجات التبغ الأخرى أو أنه يتيح الحد من المخاطر الصحية.

كما أشارت إحدى الدراسات إلى أن استخدام السجائر الإلكترونية بين المراهقين والشباب البالغين مرتبط بمجموعة من المشكلات الصحية العقلية. وبحسب الدراسة التي نشرت في مجلة "Addictive Behaviors"، تم العثور على مستويات مماثلة من النيكوتين في دم المدخنين بعد استخدام سجائر التسخين مقارنةً بالسجائر العادية، مما يشير إلى أن الإمكانية للإدمان قد تكون مشابهة للسجائر التقليدية

التدخين في البلدان العربية

لا تزال الدراسات حول التدخين في البلاد العربية قاصرة، ويعتقد الخبراء أن هناك مأخذاً كبيراً عليها كونها لا تأخذ بالاعتبار التفرقة بين أنواع التدخين كالنرجيلة "الشيشة" وسجائر الاحتراق وسجائر التسخين. إلا أن تشير التقديرات إلى أن نسبة المدخنين البالغين في مصر تصل إلى حوالي 22%، بينما في الأردن تقدر بنحو 29%، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. تفرض هذه الدول قيوداً متفاوتة على التدخين في الأماكن العامة، لكن تطبيق القوانين يعتبر تحدياً مستمراً.

يتنافس كل من الأردن ولبنان دائماً على المراكز العشرة الأولى في العالم من بين الدول الأكثر تدخيناً، وفي دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية في العام 2023 ورد أن العائلات في الأردن تنفق على التدخين شهرياً أكثر مما تنفق على طعامها، بمعدل 150 دولاراً شهرياً للشخص الواحد مقابل 36 دولاراً شهرياً للفواكه و58 دولاراً للألبان والبيض ونحو 70 دولاراً للحوم والدواجن. أما لبنان فيتفوق في نسبة المدخنين التي فاقت 42% بين الذكور والإناث. 

كما تربط الدراسات بين ازدياد نسب التدخين والحروب والمناطق غير المستقرة، كما في بعض الدول العربية التي تعاني من النزاعات. في سوريا، على سبيل المثال، ارتفعت نسب التدخين بشكل كبير خلال الحرب، حيث يلجأ الكثير من الأفراد إلى التدخين كوسيلة للتعامل مع الضغوط النفسية. تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى زيادة في نسب التدخين بين البالغين في هذه المناطق بأكثر من 35% خلال العقد الماضي.

وجاء في دراسة نشرت في مجلة "IZA" أن "الحروب الأهلية تقلل من نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسب متفاوتة، وهذا يؤثر بدوره على الصحة العامة وسلوكيات الأفراد بما في ذلك التدخين". 

عربياً... لا تزال قوانين منع التدخين غير مفعّلة بشكل ملزم في معظم البلاد باستثناء الإمارات والسعودية، في حين يتنافس كل من الأردن ولبنان على قائمة الدول الأكثر تدخيناً في العالم، بينما تربط الدراسات بين ارتفاع نسب التدخين واشتعال الحروب   

في بعض الدول مثل الأردن ولبنان، يُلاحظ استمرار ارتفاع نسب التدخين حتى في الأماكن المغلقة، وكذلك انتشار استهلاك النرجيلة في العقد الأخير بدون تدخل مباشر من قبل الدولة، بينما في دول أخرى مثل السعودية والإمارات، هناك جهود مكثفة للحد من التدخين بأشكالة. فقد بدأت السعودية على سبيل المثال بتطبيق قوانين صارمة تحظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة والمفتوحة، وتشمل هذه القوانين النرجيلة وسجائر التسخين، حيث تُفرض غرامات كبيرة على المخالفين. وكذلك الحال في الإمارات التي لديها قوانين صارمة تحظر التدخين في الأماكن المغلقة بما فيها النرجيلة والسجائر الإلكترونية.

وحولت تقبل المحيط العام في الأماكن المغلقة تقول منى: "لاحظت أن الانزعاج من سجائر التسخين أقل عموماً، قديماً كنت إذا أشعلت سيجارة في المول أجد حراس الأمن يطالبونني بإطفائها فوراً، أما اليوم فمن الممكن أن أدخنها كاملة دون أن يتنبه أحد لعدم وجود رائحة".

ومع أن القوانين الخاصة بتقييد التدخين في البلاد العربية غالباً ما تشمل الأراجيل أيضاً، إلا أن تطبيقها في كثير من البلاد يبدو متراخياً، ففي تم إقرار القوانين التي تقيد التدخين في الأماكن العامة منذ سنوات طويلة، لكن تنفيذ هذه القوانين يبقى تحدياً كبيراً، خاصة وأن النرجيلة تعد جزءاً من ثقافة المقاهي الشعبية. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard