بجوار وزراء قطريين وإماراتيين، أشرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، خلال زيارة الأوّل إلى بغداد، مطلع الأسبوع الفائت، على توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين تركيا والعراق وقطر والإمارات، للتعاون المشترك في مشروع "طريق التنمية" المقدّرة تكلفته بقرابة 17 مليار دولار، حسب وكالة رويترز للأنباء. ويهدف المشروع الذي تم إطلاقه عام 2023، ويبلغ طوله 1،200 كيلومتر، إلى تحويل العراق إلى مركز عبور إقليمي، يربط آسيا وأوروبا عبر ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق وصولاً إلى الحدود التركية شمالاً.
و"طريق التنمية"، حسب مدير عام شركة موانئ العراق فرحان الفرطوسي، "ليس مجرد طريق لنقل البضائع أو الركاب. فهذا الطريق يفتح الباب أمام تنمية مناطق شاسعة من العراق"، ويتضمن قطارات فائقة السرعة تنقل البضائع والركاب بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، ووصلات إلى مراكز الصناعة المحلية، ومكوّناً للطاقة يمكن أن يشمل خطوط أنابيب النفط والغاز. فيما يراه موقع الخليج أونلاين، "مشروعاً إستراتيجياً جديداً"، ينافس "الممر الاقتصادي" الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي"، الذي وُقّعت مذكرة تفاهم حوله خلال قمة G20 في نيودلهي في أيلول/ سبتمبر الماضي.
إلى ذلك، فإن دولاً مثل قطر والعراق وتركيا، استُبعدت من "الممر الاقتصادي" سابق الذكر، تجد في "طريق التنمية" فرصةً لتعزيز علاقاتها التجارية. وكان أردوغان قد أعلن في أيلول/ سبتمبر الماضي، أنه لن يكون هناك "ممر اقتصادي" من دون تركيا، التي ألقت بثقلها في مشروع "طريق التنمية"، إذ قال: "مشروع طريق التنمية مهم لدول المنطقة"، وإن بلاده ستدعم العراق "من أجل استكمال المشروع بأسرع وقت ممكن وتحقيق أهدافه الاقتصادية والتنموية". واللافت هنا، ليس مشاركة الإمارات في المشروعين معاً، وإنما كونها حجر زاوية فيهما أيضاً. إذ تم الاتفاق بين الحكومة العراقية ومجموعة موانئ أبو ظبي مؤخراً على التشارك في تشغيل ميناء الفاو، عندما يبدأ تشغيله في أواخر عام 2025.
دول مثل قطر والعراق وتركيا، استُبعدت من "الممر الاقتصادي" الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي، تجد في "طريق التنمية" فرصةً لتعزيز علاقاتها التجارية... هل يتحقق مرادها؟
طريق لنقل النفط والغاز المسال
"طريق التنمية، مشروع إستراتيجي عراقي فريد، وبحسب العقلية التي رسمت المشروع، سيعمل على اختصار الطريق البحري ما بين آسيا وأوروبا إلى ما يقارب 15 يوماً بدلاً من 30-40 يوماً على الطريق القديم"، يقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، خلال حديثه إلى رصيف22، ويضيف: "بجوار ذلك، تم التخطيط لربط أنابيب وخطوط نقل الطاقة في مراحل لاحقة للمشروع، مع مباحثات إقليمية لإيجاد تفرعات حيوية تؤمّن مرونةً أكبر في الربط لنقل البضائع وتشابك خطوط الصناعة والتجارة بين الدول المستهدفة من هذا المشروع، ومنها السعودية وسوريا للوصول إلى البحرين الأحمر والمتوسط، والأردن للوصول إلى ميناء العقبة، وإيران للربط بما يُعرف بطريق الحرير، ما يحقق تكاملاً إستراتيجياً أكبر".
ووفقاً لموقع فَنَك، فإن أهم نقطة في "طريق التنمية"، هي توفيره طريقاً سريعاً لنقل النفط والغاز المسال المُنتَج في بلدان الخليج العربي باتجاه أوروبا عبر تركيا، التي تضخ استثمارات للتحول إلى مركز لإعادة توزيع مصادر الطاقة إلى السوق الأوروبيّة. وتالياً، سيزيد المشروع من أهمية الدور الاقتصادي والجيو-سياسي الذي يلعبه العراق حالياً. وعلى المدى البعيد، سيلعب المشروع، الدور الإستراتيجي واللوجستي نفسه الذي لعبته قناة السويس تاريخياً.
يرتبط اهتمام تركيا بموضوع "طريق التنمية" باهتمام أنقرة بموضوع مكافحة الإرهاب، بحسب الصحافي والمحلل السياسي التركي علي أسمر، إذ يقول: "تحاول أنقرة إقناع بغداد بأنه من أجل تطبيق المشروع على أرض الواقع، يجب أن تقوم الدولتان بتنظيف الشريط الحدودي، لأنه حسب المخططات، سيمر المشروع من جنوب العراق إلى شماله ومن ثم إلى تركيا، لذلك لن يكون الطريق التجاري ناجحاً، إن لم يكن آمناً. فالأمن والأمان أساس نجاح الطرق التجارية". وفي حديثه إلى رصيف22، يفيد أسمر بأن "العقبة الكبرى لهذا المشروع، تتمثل في محاربة الإرهاب في شمال العراق".
إلى ذلك، هناك سببان يضفيان أهميةً على المشروع، حسب حارث حسن، من مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط؛ أولهما، اهتمام إقليمي وعالمي متزايد بإنشاء طرق جديدة للتبادلات التجارية الدولية العابرة للحدود، أصبح معه الشرق الأوسط ساحةً للتنافس الجيو-اقتصادي بين مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ومشاريع أخرى مدعومة أمريكياً كـ"الممر الاقتصادي"، إذ ارتبطت الممرّات التجارية بين الدول والمناطق أكثر فأكثر بالاصطفافات الجيو-سياسية. وثانيهما، تحوّل الاهتمام العراقي نحو المشاريع الكبرى والتجارة العابرة للحدود. فبعد سنوات من الانقسامات الإثنية والطائفية، باتت النخبة السياسية العراقية تبحث عن مصادر جديدة لإضفاء الشرعية على حكمها، وعليه، عادت فكرة التنمية مجدداً إلى صلب الخطاب الوطني.
في حديثه إلى رصيف22، يرى المحلل السياسي العراقي غانم العابد، أن "السنوات الأربعين العجاف التي مرت على العراق، من حروب وحصار اقتصادي، ثم احتلال واقتتال أهلي تسبب في الإضرار بالبنية التحتية العراقية، أخّرت مشاريع العمران بشكل كبير جداً. واليوم، بدأ العراق مع وجود نوع من الاستقرار السياسي، ووجود وفرة مالية، بالانفتاح على دول العالم، وتوقيع اتفاقات سواء مع دول الجوار، أو دول الاتحاد الأوروبي، أو مع الولايات المتحدة، ومؤخراً زار السيد السوداني واشنطن، وخلال زيارته، تم توقيع الكثير من الاتفاقات بين الجانبين".
فرض الرؤية التركية
اشتدّ التسابق الدولي على مشاريع البنية التحتيّة في العراق بعدما كشفت الحكومة العراقيّة عن الدور الإستراتيجي الذي ستحاول بغداد لعبه في المرحلة المقبلة. وتتصدّر المشهد كلّ من الصين وتركيا وقطر والمملكة العربيّة السعوديّة، على مستوى الدول الراغبة في المساهمة والاستثمار في الدور العراقي الطامح، حسب فَنَك، نتيجةً لإدراكها حجم الفرص الاستثمارية المهمة في المشروع العراقي، وبالأخص الدول المنتجة النفط والغاز، التي تحاول تطوير وسائل تصدير إنتاجها من البترول.
"تحاول أنقرة إقناع بغداد بأنه من أجل تطبيق المشروع على أرض الواقع، يجب أن تقوم الدولتان بتنظيف الشريط الحدودي، لأنه حسب المخططات، سيمر المشروع من جنوب العراق إلى شماله ومن ثم إلى تركيا، لذلك لن يكون الطريق التجاري ناجحاً، إن لم يكن آمناً. فالأمن والأمان أساس نجاح الطرق التجارية"
لذا، زار أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، العراق في حزيران/ يونيو 2023، ووقّع خلال زيارته عدداً من الاتفاقيات المتوقع إسهامها في جلب استثمارات قطرية تفوق 9 مليارات دولار. وكانت الدوحة قد دُعيت إلى بغداد لأجل الإعلان عن إطلاق مشروع "طريق التنمية". وبحسب مجلس الشرق الأوسط للسياسات الدولية، تدرس قطر أفق الاستثمار في قطاع الغاز في إقليم كردستان الذي يشكل جزءاً من الحوار الأوسع بين حكومة الإقليم وتركيا، حيث يقع العراق على تقاطع طرق إستراتيجية، ويدخل تالياً ضمن المصالح السياسية الخارجية الأوسع لقطر.
تمويل المشروع، عقبة ثانية تعترضه، حسب أسمر، فالحكومة العراقية لا تستطيع تمويل المشروع المقدّرة تكلفته بقرابة 20 مليار دولار. لذا، تواصلت أنقرة مع بعض العواصم الخليجية، كالدوحة وأبو ظبي، للمشاركة في التمويل. وبرأيه، تجب مقابلة حرص تركيا على مساعدة العراق في إنجاز المشروع، بالتشارك مع حكومة أنقرة في دور عراقي تجاه حزب العمال الكردستاني وبعض "الميليشيات" الموجودة في شمال العراق. فـ"طريق التنمية" مشروع إستراتيجي يؤمل منه ربط الخليج بأوروبا، ما سيعود بالمنفعة المادية على الجارتين، وكلما كان آمناً، سيعمل أكثر، ما سينعكس على الوضع الاقتصادي للبلدين. ويشير أسمر إلى أن ما تشهده بعض طرق التجارة من توترات شبه دائمة حالياً، بسبب بعض الصراعات، يزيد الحاجة إلى بدائل سريعة لكيلا تتضرر التجارة الدولية، وهنا تكمن أهمية "طريق التنمية".
الدور السعودي
دخلت الرياض باكراً على خط التنافس مع الدوحة. فبالتوازي مع الكشف عن المشروع العراقي، استضافت مدينة جدّة قمةً للمجلس التنسيقي السعودي-العراقي، وخلالها تم توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم عدة في قطاعات النفط والغاز والنقل، كما تم الاتفاق على الشراكة الاستثمارية في مشاريع الخدمات اللوجستيّة المسهّلة لعمل شركات النفط، مع الإعلان عن تأسيس "الشركة السعودية العراقيّة"، كذراع لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، للاستثمار في قطاعات البنية التحتيّة والتعدين والتطوير العقاري في العراق.
يعزو حسن اهتمام قطر بالمساهمة في تحقيق تقدّم في المشروع، جزئياً، إلى تجربة الحصار الخليجي عليها بين عامي 2017 و2021، ما دفع الدوحة للبحث عن طرق بديلة للتجارة، بالإضافة إلى علاقاتها الوثيقة مع تركيا
وبدورها، أبّدت أنقرة اهتمامها بدعم المشروع والاستثمار فيه، نظراً إلى استفادتها منه على المدى البعيد، عبر توريد مصادر الطاقة من الخليج عبر العراق، ومن ثم تصديرها إلى أوروبا. وعليه، تعامل أردوغان مع المشروع وكأنه مشروع تركي، فكلّف وزراءه بالتنسيق مع بغداد لأجل المشروع، واعداً بالتنسيق المشترك "للعمل معاً لإنجازه".
بحسب الشمري، تركيا شريك أساسي في هذا الممر التجاري إلى أوروبا، إلا أن موقفها يبدو مشروطاً، وجاء كردّ فعل على إبعادها عن "الممر الاقتصادي" بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط. لذا "تعمل أنقرة على فرض رؤية على العراق مقابل مشاركتها في المشروع العراقي، تتعلق بالتهديد الأمني الذي يمثله حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبتعزيز الصادرات التركية بما يضرّ بأهداف بغداد من المشروع، والمتمثلة في تعزيز البنية الصناعية والإنتاج الداخلي". ويشير الشمري أيضاً، إلى صعوبة تكيف تركيا من جهة طموحها الإقليمي مع المتطلبات العراقية، مع عدم حسم عدد من الملفات العالقة بين الجانبين منذ عقود، ما يجعل أنقرة شريكاً قلقاً على المدى البعيد.
في المقابل، يشير العابد، إلى أن توقيع حكومة أنقرة على اتفاقية "طريق التنمية"، جاءت بعد سلسلة خسارات سياسية لحزب العدالة والتنمية، ترافقت مع تراجع كبير في قيمة العملة التركية، وهو ما يضاعف حاجة تركيا إلى المال والأسواق العراقية، كمحاولة لإيقاف تراجع قيمة عملتها. وبرأيه كان الأجدى بالمفاوض العراقي اتخاذ موقف قوي تجاه سياسة "الابتزاز" التركي للعراق، عبر الضغط على العراق بمنعه من الحصول على حصته من مياه الأنهار المشتركة، للوصول إلى اتفاقات سياسية، مؤكداً على أن "طريق التنمية" سيصب في صالح العراق وفي صالح تركيا والإمارات وقطر، بدليل مسارعة هذه الدول إلى التوقيع على مذكرات التفاهم والاتفاق بشأنه.
ويرتبط "طريق التنمية" باقتناع بغداد بأنها بحاجة ماسة إلى تنويع اقتصادها ومصادر إيراداتها لتقليص الاعتماد الكامل على عائدات النفط. في الوقت الراهن، حسب حارث حسن، الذي يعزو اهتمام قطر بالمساهمة في تحقيق تقدّم في المشروع، جزئياً، إلى تجربة الحصار الخليجي عليها بين عامي 2017 و2021، ما دفع الدوحة للبحث عن طرق بديلة للتجارة، بالإضافة إلى علاقاتها الوثيقة مع تركيا. فيما تدعم الأخيرة المشروع بحماسة، كونه يوفّر لها طريقاً مختصراً إلى منطقة الخليج، مع تلبية طموحات تموضعها كمركز للتبادلات التجارية العالمية. كذلك يمكن للإمارات أن تكون شريكاً محتملاً، لا سيما مع اشتراكها في إدارة ميناء الفاو، المعدّ حجر زاوية في المشروع المنسجم مع اهتمام أبو ظبي بتعزيز حضورها في العراق، والحفاظ على موقعها كطرفٍ أساسي في إدارة الموانئ العالمية أو الإشراف عليها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه