أخذت الحرب على قطاع غزة منحى جديداً، مع إقدام الجيش الإسرائيلي على قصف مدينة رفح الفلسطينية في الساعات الأولى من يوم 12 شباط/ فبراير الجاري، ما يطرح الكثير من الأسئلة بشأن ضبابية المشهد الحالي، مع تصاعد حدّة التوتر بين القاهرة وتل أبيب من جانب، وتطورات محاولات التوسط لإتمام صفقة لتبادل الأسرى والتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وبرر الجيش الإسرائيلي القصف على رفح، الذي خلَّف نحو مئة قتيلٍ وعشرات الجرحى، بأنه كان يستهدف "أهدافاً إرهابيةً" في أثناء عملية إنقاذ رهينتين. وبعد العملية، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إصراره على الاستمرار في الحرب ودخول رفح، وأن "أولئك الذين يقولون لنا لا ينبغي أن نعمل في رفح يقولون لنا في الواقع أن نخسر الحرب، وأن نسمح لحماس بمواصلة الوجود هناك".
لماذا رفح؟
يرى الدكتور عقل صلاح، خبير الحركات الأيديولوجية في حديثه إلى رصيف22 أن "رفح هي ورقة ضغط على المقاومة الفلسطينية وحماس، إسرائيل تفاوض منذ خمسة أشهر، ولم تصل إلى شيء، ورفح هي الورقة الأخيرة في يدها لتقليل سقف طلبات المقاومة، خاصة بعدما أخذت إسرائيل الضوء الأخضر من حليفتها واشنطن".
أيضاً، يفسّر المحلل الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، في حديثه إلى رصيف22، إصرار نتنياهو على خوض المعركة في رفح، بمحاولة تحسين شروط التفاوض على تبادل الأسرى، إذ "يرى فيها آخر معاقل حماس، وهناك 4 كتائب حمساوية تريد إسرائيل تدميرها في رفح على حد زعمهم، والتحريض الإسرائيلي هدفه الضغط لتحسين ظروف المفاوضات غير المباشرة الدائرة في القاهرة"، ويضيف أنَّ "المزاعم بوجود أسرى وتحريرهم أضفت شرعيةً تريدها الحكومة الإسرائيلية كمبرر للعملية".
ويرى الرقب أن "هذه العملية لها تبعات، واحتلال رفح له هدفان؛ إزاحة الكتلة السكانية باتجاه مصر وهنا يحقق الاحتلال مبتغاه بدفع الهجرة القسرية، وبالطبع هناك موقف مصري صلب رافض لهذا، والثاني هو إجبار السكان على التوجه صوب الشمال، وتالياً تتبعهم وتفتيشهم، وتضييق الخناق عليهم، واعتقال من يريدون منهم، ورفح آخر معقل فيها مناطق لم يتم استهدافها".
يرجّح الدكتور أيمن الرقب أن تتراجع إسرائيل عن عمليتها في رفح إذا كان ثمنها الصدام مع القاهرة، "لأن تل أبيب تدرك أهمية العلاقات السياسية والإستراتيجية مع مصر، وهي أهم من العملية المنشودة في رفح".
أما المحلل الفلسطيني الدكتور ماهر صافي، فذهب في حديثه إلى رصيف22، إلى أنَّ أهمية رفح بالنسبة لإسرائيل أبعد من هذه الحرب، وهدفها "تحقيق مكاسب مستقبلية اقتصادية، خاصةً السيطرة على حقول الغاز الطبيعي في غزة، ثم بناء قناة بن غوريون بين البحرين المتوسط والأحمر، من خلال ربط إيلات على البحر الأحمر بعسقلان على البحر الأبيض المتوسط، كما تريد، ما يجعلها مركزاً مهماً للنقل ونقطةً لإعادة الشحن، ومركزاً لوجستياً للعالم، وما يخلق بديلاً حقيقياً لقناة السويس، التي تستقبل 12% من تدفقات حركة المرور العالمية. وتدمير رفح وبالتبعية غزة بشكل كامل، يؤمّن لإسرائيل وسائل النقل لأطماعها المستقبلية".
وتحاول مصر وقطر تقريب وجهات النظر بعد رد حماس على الاتفاق الإطاري في باريس، من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإعادة المختطفين، فيما قالت حركة حماس إنَّ من شأن الهجوم في رفح أن يُفشل عملية التفاوض الخاصة بتبادل الأسرى.
هل يفجّر نتنياهو معاهدة السلام؟
تقع رفح الفلسطينية في أقصى الجنوب من غزة، على مسافة لا تتجاوز عشرات الأمتار من رفح المصرية، وكانتا محافظةً واحدة. اليوم، يفصل محور صلاح الدين المعروف باسم "محور فيلادلفيا" مصر عن القطاع، ويفصل معبر رفح البري بين شقّي المدينة.
لذلك فإن القاهرة تعدّ رفح الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، ومن هنا تأتي التحفظات على العملية الإسرائيلية، والتي عبّرت عنها الخارجية المصرية في بيان أصدرته الأحد 11 شباط/ فبراير الجاري، اعتبرت فيه "استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلي في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته".
وتشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية "توتراً"، حسب ما قال المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، الإثنين 12 شباط/ فبراير، في وقتٍ حمَّل فيه وزير المالية الإسرائيلي تسلئيل سموتريتش، مصر "بعض المسؤولية" عن عملية "طوفان الأقصى"، الأمر الذي رفضته القاهرة.
وبينما نقلت تقارير صحافية عن مسؤولين مصريين وغربيين أن مصر هددت في اتصالاتها مع إسرائيل بتجميد اتفاقية السلام إذا بدأت إسرائيل عمليةً واسعةً في رفح، لا تزال القاهرة تحافظ على نبرة دبلوماسية علنية تتجنب التصعيد، إذ أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، التزام بلاده باتفاقية السلام.
ويرجّح الدكتور أيمن الرقب أن تتراجع إسرائيل عن عمليتها في رفح إذا كان ثمنها الصدام مع القاهرة، "لأن تل أبيب تدرك أهمية العلاقات السياسية والإستراتيجية مع مصر، وهي أهم من العملية المنشودة في رفح".
لذلك، يستبعد المحلل الفلسطيني أن تكترث إسرائيل لحديث مصر عن الخطوط الحمراء، إلا إذا شعرت بأن التحذيرات الأمريكية بشأن تضرر العلاقات مع مصر في ظل الإصرار على إحداث خلل في هذه المنطقة عبر إجبار السكان على النزوح، تحذيرات جادة.
وأفادت تقارير بأن مسؤولين أمنيين إسرائيليين كباراً يعملون على مدار الساعة لتهدئة المخاوف المصرية بشأن هجوم عسكري إسرائيلي وشيك على مدينة رفح، بحسب ما نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، كما قررت الحكومة الإسرائيلية إرسال رئيس الموساد، دافيد برنياع، إلى القاهرة اليوم الثلاثاء 13 شباط/ فبراير، للمشاركة في المباحثات حول صفقة الرهائن، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت". وتحاول مصر وقطر تقريب وجهات النظر بعد رد حماس على الاتفاق الإطاري في باريس، من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإعادة المختطفين، برغم أن حركة حماس ردت على هجوم رفح معلنةً أن من شأنه أن يفشل عملية التفاوض الخاصة بتبادل الأسرى، بحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد حذّر نتنياهو هذا الأسبوع، من أن عمليةً في رفح قد تؤدي إلى كارثة إنسانية، وطلب منه وضع خطة لحماية المدنيين.
يرى محلل الشؤون العربية في القناة 13 الإسرائيلية، تسفي حزقيالي، أن الحكومة الإسرائيلية فوتت فرصة قصف محور فيلادلفيا في بداية الحرب، "عندما كان بإمكاننا فعل الكثير من الأشياء".
إسرائيلياً، يستبعد مئير مصري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، أن يتطور هذا "التوتر" إلى حدود الصدام السياسي بين البلدين على خلفية تلك المستجدات، ورجّح أن تكون التعزيزات المصرية على الحدود قد تمت بالتنسيق مع إسرائيل، واستبعد الحديث عن المحاولات الإسرائيلية الحثيثة لتهجير الفلسطينيين صوب مصر.
أما الدكتور يهودا بالانغا، الخبير في شؤون مصر وسوريا في قسم الدراسات اليهودية في جامعة بار إيلان، فيرى أنه إذا أرادت إسرائيل تجنّب المواجهة مع مصر، فعليها خلق واقع عسكري على الأرض مفاده رسالة واحدة واضحة هي: "نحن هنا".
ويقول: "الاستيطان الإسرائيلي في غزة يقلق المصريين لأنه عودة للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة، وهو خرق للاتفاقيات مع إسرائيل، وبالنسبة للمصريين هو خط لا يرغبون في تجاوزه بعد كل الإنجازات، وإذا عادت إسرائيل إلى غزة، من وجهة نظر المصريين، فهذا فشل في سياستهم".
ويرى الكاتب والمحلل الإسرائيلي، عاموس هرئيل، في صحيفة "هاآرتس"، أن تصرفات تل أبيب تثير عصبيةً كبيرةً في القاهرة، لذا وضعت مصر عشرات الدبابات شمال شرق سيناء، وأقامت الجدران على طول الحدود مع غزة في رفح، لمنع نزوح الفلسطينيين إلى أراضيها، وهددت بتعليق اتفاق السلام، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع دون فحص أمني.
كيف يفكر الإسرائيليون؟
بعد قصف رفح، شهد الإعلام الإسرائيلي حالةً من الزخم مع تعدد التحليلات التي تشيد غالبيتها بالعملية، وتحذر قلة منها من التبعات، مثل مقال الكاتب اليساري جدعون ليفي، في "هاآرتس"، والذي جاء بعنوان "أنا أتوسل: لا تدخلوا رفح".
وقال ليفي: "غزو رفح سيجعل الجيش يرتكب جريمة إبادة خطيرة قام بها من قبل، والاقتحام سيحول رفح إلى مسلخ"، وأضاف الكاتب المعروف بهجومه على سياسات الاستيطان والاحتلال، أنَّ على الرأي العام في تل أبيب، وكذلك إدارة بايدن، أن يستيقظوا، وعلى واشنطن أن تمنع اقتحام رفح بالأفعال وليس بالكلام، "فهي وحدها القادرة على كبح جماح إسرائيل".
على الجانب الآخر، يرى محلل الشؤون العربية في القناة 13 الإسرائيلية، تسفي حزقيالي، أن الحكومة الإسرائيلية فوتت فرصة قصف محور فيلادلفيا في بداية الحرب، "عندما كان بإمكاننا فعل الكثير من الأشياء".
وفي رسالة شديدة اللهجة، حث حزقيالي، الجيش والحكومة على العملية العسكرية في رفح، وقال: "أعتقد أنه كان على إسرائيل أن تقصف محور فيلادلفيا في بداية الحرب وأن تسيطر عليه، إنهم يقولون باستمرار 'الخوف من مصر'، 'الخوف من العالم'، لا تنسوا أنه في الأسابيع الأولى من الحرب كان بإمكاننا فعل الكثير من الأشياء".
وهاجم الكاتب مصر، وقال إنها تقدم على دعم حماس بالرغم من علمها بخطر الحركة المقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين، وتساءل حزقيالي: "لماذا لا تفتح مصر حدودها للنازحين؟".
وقال عومير الدوستري، في تحليل بعنوان "إسرائيل لن تنتصر في غزة دون احتلال محور فيلادلفيا": "يثبت التاريخ أن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على كيان أجنبي لأمنها، ومن أجل منع غزة من التحول إلى كيان إرهابي مرةً أخرى، يتعين على إسرائيل أن تحتل رفح عسكرياً، وتالياً محور فيلادلفيا، وأن تسيطر على المنطقة حتى بعد الحرب".
أما رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي السابق العميد احتياط يعقوب ناجيل، فيقلل من جدية التهديدات المصرية بتعليق العمل باتفاقية السلام، بقوله إن مصر بحاجة إلى اتفاق السلام أكثر من إسرائيل، وما يمكن لمصر فعله هو استدعاء السفير الإسرائيلي وتوبيخه، لكن لن يصل الأمر إلى حرب أو مواجهة مع مصر، مشدداً على أهمية خوض المعركة في رفح بالنسبة لإسرائيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 16 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت