صدر أخيراً باللغة الإنكليزية كتاب "الفن الثوري للمرأة العربية بين الفردية والتعددية"، عن دار "Palgrave Macmillan"، وهو من تأليف الدكتورة نيفين النصيري أستاذة مشاركة في قسم اللغة الفرنسية والإيطالية في جامعة ويسكونسن ماديسون بالولايات المتحدة الأمريكية، والباحثة في مجال الدراسات الفرنكوفونية ودراسات الجندر ونظريات ما بعد الاستعمارية.
قدم للكتاب المفكر المعروف آصف بيات، أستاذ الشؤون العالمية في علم الأجتماع ، والدراسات عبر الوطنية، في جامعة إلينوي. وينقسم إلى ثلاثة أجزاء: تصوير الثورة والاحتجاج ، وأداء الاحتجاج فن الشارع والثورة، وكتابة الثورة، من أجل فهم أفضل للعلاقة بين النصي والمرئي.
الثورة مستمرة
تكمن مساهمة هذا الكتاب الفريدة في دراسته الشاملة لصور التفاعل بين فنانين وفنانات من بلدان مختلفة ولدت أعمالهم شبكات كبيرة أفقية من التضامن على المستويات المحلية والوطنية والدولية، وأبرزت توحد قناعتهم المشتركة بأن النضال مستمر، وأن الثورة مستمرة كعملية تحول لا يمكن وقفها.
صدر أخيراً كتاب "الفن الثوري للمرأة العربية بين الفردية والتعددية" لنيفين النصيري، ويسلط الضوء على ملامح التغيير الذي أعقب انتفاضات 2011 متمثلاً في اتساع مشاركة المرأة عبر شتى الصور في إبداع الفنون الجماهيرية ذات المحتوى الثوري
وعلى الرغم من فشل الانتفاضات العربية التي شهدها العام 2011 في إحداث تحول ديمقراطي جذري، إلا أنها نجحت -بحسب الكتاب- في صناعة تغييرات هائلة ملموسة في المشهدين الفني والثقافي، ومهّدت الطريق لمبادرات ثقافية جديدة في جميع أنحاء العالم العربي، مما خلق أيضاً بيئة تزداد توسعاً لمشاركة المرأة في العمل الجماعي والفني وفي المجال العام.
كتاب عابر للحدود
ويجتاز الكتاب الحدود في بلدان مختلفة (مصر وتونس والمغرب والجزائر) بين عامي 2011 و2022، كاشفاً عن التفاعل المعقد بين الأنماط النصية والبصرية والأدائية في تقاطع الفن والسياسة.
ويسلط الضوء على ملامح التغيير الذي أعقب انتفاضات 2011 متمثلاً في اتساع مشاركة المرأة عبر شتى الصور في إبداع الفنون الجماهيرية ذات المحتوى الثوري، مثل الكتابة والرسم على الجدران، وعروض الشارع، والتصوير الفوتوغرافي، وفن القصص المصورة، وذلك بغرض توسيع أفق التحرر السياسي.
ترى الكاتبة أن النساء أعدن اختراع سرديات الروايات الثورية من خلال منظور الإبداع، واستفدن منه كأداة هائلة للمقاومة والتعبئة الجماعية، كما يدرس الكتاب صوراً للتفاعل بين الفن والسياسة، معتبراً هذا التفاعل بين الإنتاج الفني والنشاط شكلاً من أشكال الفن، عندما يُستخدم كشكل من أشكال الاحتجاج يحول الكلمات إلى أفعال.
إبداعات جديدة
وتلفت المؤلفة إلى أن الإبداعات الفنية النسائية التي ولدت عقب انتفاضات 2011 كانت فريدة من نوعها، وبالذات في إبراز اختلافها عن إبداعات الرجال.
غير أنها تلاحظ أن تلك التعبيرات اعتمدت على الاستخدام المتزايد والواعي لوسائل التواصل الاجتماعي، من أجل الوصول إلى جمهور أكبر. كما ساهمت تلك الإبداعات في ظهور مجال عام جديد، استطاعت المرأة الوصول إليه جسدياً، وافتراضياً، ورمزياً، مما أدى إلى تعزيز وجود منصات أكثر تشاركية يستطيع الجمهور من خلالها الانخراط في الفن والمساهمة في عملية إبداعه.
أبوية مفرطة
يوضح الكتاب أن المواجهات الدائمة مع الأنظمة التسلطية، فضلاً عن انتشار بعض القيم الأبوية التي لا تزال موجودة في المجتمعات العربية، دفعت النساء إلى إيجاد وسائل بديلة للتعامل مع "خيبة الأمل" التي نتجت عن فشل الانتفاضات الشعبية.
ترى المؤلفة أن الإبداعات الفنية النسائية التي ولدت عقب انتفاضات 2011 كانت فريدة من نوعها، وبالذات في إبراز اختلافها عن إبداعات الرجال.
وتفحص النصيري أوجه التآزر الحميمة بين الفكر الإبداعي والأفعال المتمردة، ومدى مساهمة المبدعات في إنتاج التحولات الاجتماعية عبر استخدام منهج متعدد التخصصات والرؤى يطمس الحدود بين الأنواع، ويقترح نظريات معرفية بديلة، ويتحدى الأرشيف الرسمي بطرق جذرية وإبداعية.
وتوضح الباحثة أن هؤلاء النساء استخدمن الفن كوسيلة لفضح وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، فقد سعت "ثقافة المعارضة" بتعبير "تشارلز تريب" إلى إحداث تغيير ذي معنى، وعززت الأشكال المختلفة للثورة العمل وإنتاج المعرفة والوعي السياسي والاجتماعي، فكلما كان النظام أكثر شراسة، كلما كانت ردود الفعل الفنية الثورية أكثر وفرة.
أصواتهن ورسوماتهن وأجسادهن
تُجري المؤلفة عدة مقابلات مع الفنانات اللواتي انخرطن في العمل الثوري، بغرض فهم العلاقة الوثيقة بين الفن والسياسة، وإثارة بعض الاهتمام النقدي حول التعبيرات الفنية المبتكرة، التي انتمت في معظمها لما يسمى بالـ"فن الجماهيري".
ومن الفنانات اللواتي تحدثن في الكتاب فنانة الجرافيتي ومؤرخة الفن بهية شهاب، ومصممة عروض الشوارع لمسرح العرائس رانيا رفعت، وعازفة العود ياسمين البرماوي، والمصورة التونسية هيلا عمار، والكاتبة والأكاديمية درة العتيري، والناشطة المغربية ورسامة القصص المصورة زينب فاسيكي، والكاتبة الفرنسية الجزائرية كوثر عظيمي.
الكتابة على الجدران كانت وسيلة جماعية لاستعادة الفضاء العام، بسبب رسالتها البسيطة والمكثفة التي يمكن للمارة فهمها بسهولة، كما كانت إحدى الوسائل الفنية التي يمكن للنساء والرجال من خلالها إعادة تصور أدوار الجنسين، مع رفض التسميات المحددة المستخدمة لوصف النساء بشكل عام، كما يخبرنا الكتاب.
كذلك تمكنت عروض الشوارع، سواء كانت مسرحية أو موسيقية أو راقصة، من التغلب على التوترات بين الجماليات والسياسة، مع تحفيز التفاعلات الجماعية على وجه الخصوص.
الكتاب قدّم دراسة شاملة لصور التفاعل بين فنانين وفنانات من بلدان مختلفة ولدت أعمالهم شبكات كبيرة أفقية من التضامن على المستويات المحلية والوطنية والدولية، وأبرزت توحد قناعتهم المشتركة بأن الثورة مستمرة كعملية تحول لا يمكن وقفها
وبالمثل نهض فن القصص المصورة مع الانتفاضات العربية في المنطقة، وتأثر الفنانون، وخاصة الشباب، بالانتفاضات الجماهيرية وبرزت أسماء مهمة مثل قنديل ومجدي الشافعي في مصر، وزينب فاسيكي كواحدة من الفنانات الرائدات في المغرب اللواتي استخدمن القصص المصورة للتنديد بالتقاليد القمعية والمحرمات في العالم العربي والسيطرة التي تمارس على أجساد النساء، كما احتفت في أعمالها بجسد المرأة ورفعت من مكانة الأقليات، من خلال رسوماتها، التي انفصلت عن الإطار المعياري المغاير، وكانت تطمس الحدود بين المساحات الخاصة والعامة في تمثيل الذات.
وبكلماتهن
يبرز الكتاب نماذج أدبية تم نشرها بعد احتجاجات 2011 في مصر، حيث ازدهرت تعبيرات أدبية وفنية جديدة، مثل المدونات الخيالية، والمهرجانات الموسيقية، والأغاني الاحتجاجية، والقصائد الشعرية، والأفلام الوثائقية، والصور الفوتوغرافية، وفن الشارع.
وعلى الرغم من أن أدب "الديستوبيا" يعتبر إلى حد كبير ظاهرة مصرية فإنّ استخدام "الديستوبيا" شاع بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم العربي، وبعد كتابات أحمد ناجي ومحمد ربيع ونائل الطوخي وبسمة عبد العزيز وأحمد عوني من مصر يمكن المرء أن يستشهد، بكتابات مثل :"فرانكشتاين في بغداد" لأحمد السعداوي، و"كلب الحرب الثانية" لإبراهيم نصر الله، و"فئران أمي حصة" لسعود السنعوسي. إذ لا يقتصر هذا الاتجاه على الأدب، حيث يعتمد العديد من الفنانين أيضاً على الخيال العلمي، واليوتوبيا، والديستوبيا.
وتلفت النصيري إلى التحديات التي يواجهها الإنتاج الثقافي متمثلة في الصمت القسري في معظم الدول العربية نتيجة تنامي شعور مذهل بالمرارة وخيبة الأمل.
تعبيرات النساء الفنية جاءت اجتماعية بقدر ما هي بيولوجية، كما واجهت الصور النمطية التي تصورهن كـ"ضحايا"، وتصور الغرب على أنه "منقذهن" الوحيد.
تؤكد النصيري أن هذه الأشكال الابتكارية لعبت دوراً رئيسياً في ظهور المرأة على المستوى الوطني والعالمي، والأهم من ذلك أنها كانت بمثابة أدوات تمكين ساعدت النساء على تحرير أنفسهن من الأدوار المحددة التي فرضها المجتمع عليهن.
كما ساعدت على تقديم أصوات ورؤى بديلة، ضمن منظور متعدد اللغات عابر للحدود الوطنية، مما يعكس ما هو مشترك بين هذه الأعمال، ولكن الأهم من ذلك التوقف أمام ما يميزها.
ترى المؤلفة أن التعبيرات الفنية للنساء اشتركت في تبني مطالب مشتركة مع الرجال، إلا أنها كانت تحتوي حتماً على طبقة إضافية متأصلة في قضايا المرأة وتطلعاتها، ارتبطت جميعها بالنضال ضد عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي (بقدر ما هي اجتماعية بقدر ما هي بيولوجية). كما واجهت الصور النمطية التي تصورهن كـ"ضحايا"، وتصور الغرب على أنه "منقذهن" الوحيد.
تنتقد النصيري كذلك خطابات الحركة النسوية العالمية لأنها توحد نضالات المرأة العربية ضمن إطار واحد دون الوعي باختلافات المجتمعات العربية وتنوعها، وترى في هذا السياق أنها ترتكز على بعض مفاهيم الموجة النسوية الرابعة، التي تبلور خطابها خلال فترة تنامي الانتفاضات الجماهيرية، ولم تختلف تماماً عن الموجات السابقة، في تركيزها على السياسات الجزئية وتحدي صور التمييز الجنسي وخطابات الحض على كراهية النساء.
ومن ناحية أخرى، ألهمت مآلات تلك الاحتجاجات العديد من الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم أن يعيدوا التفكير في علاقاتهم مع أوطانهم، والأدوار التي يمكن أن يلعبوها داخل البلدان المضيفة لهم.
يجادل الكتاب بأن الانتفاضات الجماهيرية في العالم العربي أسقطت المفاهيم الخاطئة الشائعة والقوالب النمطية الثقافية فيما يتعلق بأدوار المرأة في جميع أنحاء المنطقة، وعلى الرغم من ذلك لا تزال المكاسب التي تمكنت المرأة من تحقيقها في المجالات السياسية والاجتماعية والقانونية محدودة للغاية ، ولذلك "فمن الواضح جداً أن قضايا المرأة وحقوقها متشابكة ولا يمكن فصلها عن المطالب السياسية وبنية علاقات القوة، ولأن تحويل وعي الناس يستغرق وقتاً".
وتؤمن المؤلفة بأن الممارسات الثورية والتعبير الفني على المدى الطويل ستبقى وسائل فعالة لمقاومة الحياة اليومية القمعية. وهكذا سيظل الفن موجهاً دائماً نحو المستقبل، كأداة للمقاومة الفردية والجماعية، وكوسيلة لتوثيق ما حدث والقصص التي ستُسرد غداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...