نشرت نائبة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيلا واوية، المعروفة باسم كابتن إيلا، الناشطة عبر مواقع التواصل، مقطع فيديو تخاطب فيه نساء غزة، بعدما رأت "الظلم الكبير الذي يتعرّضن له".
تقول إيلا لهنّ، بلهجة المتعاطفة مع الضحية، إنها تعرف من فرض عليهنّ الدمار والخراب. وفي فيديو آخر، تقول إنها تعرف معاناتهنّ وهنّ يعشنَ مع رجال من حركة "حماس"، "يسلبون حرية النساء ثم يقومون بقتلهن واغتصابهن واختطاف النساء والبنات"، مضيفة أنها تعرف أنها ليست الطريقة التي تريد أولئك النساء تربية بناتهن عليها.
تخاطب إيلا النساء باللغة العربية لتبقى قريبة منهن فهي "تخاف على مصالحهن" وتعرفها أكثر منهن، لكنّ إيلا تعرف أنها لا تعرف ما تريده النساء في غزة، إلا أنها تستخدمهن أداة سهلة لترويج وجهة نظر اسرائيل في الغرب.
عندما انتقلت المعركة العسكرية على أرض غزة، إلى معركة إلكترونية، شارك فيها أفراد وجماعات ومؤسسات ووحدات استخباراتية، أصبحنا أمام سيل من المقاطع التي تعمل بهدف خدمة "البروباغاندا" الإسرائيلية، معظمها متعلّق بالرواية الإسرائيلية العسكرية بشأن ما جرى في 7 أكتوبر 2023 وما بعده، إلا أن قسماً منها توجّه تحديداً إلى المرأة الفلسطينية في غزة.
تخاطب إيلا (نائبة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي) النساء باللغة العربية لتبقى قريبة منهن، فهي "تخاف على مصالحهن" وتعرفها أكثر منهن، لكنّ إيلا تعرف أنها لا تعرف ما تريده النساء في غزة، إلا أنها تستخدمهن أداة سهلة لترويج وجهة نظر اسرائيل
في حملتها الإعلامية، تتباهى إسرائيل بأنها "الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، فالقانون يضمن حقوق الإنسان ويضمن المساواة بين الرجل والمرأة، ولا يفرّق بين يهودي من ذوي البشرة السمراء ويهودي أوروبي، بحسب دعايتها، مع أن إيلا، والدولة التي تمثّلها، تعرف "حقوق المرأة الفلسطينية أكثر منها"، إلا أن هذه الحقوق تنتهي عند نطاق حكمه، بحيث ترتكب إسرائيل يومياً انتهاكات واضحة بحق النساء الفلسطينيات، من تحرّش جنسي إلى اعتداءات جسدية وابتزاز وسجن بلا محاكمة وغيرها، إضافة إلى مهاجمتها لمقار مؤسسات حقوقية، ومنها مؤسسات نسوية.
الاستشراق النسوي
لطالما برزت صورة المرأة الخاضعة والمضطهدة والضعيفة في الروايات الغربية عند الحديث عن "حقوق المرأة" في الدول "غير المتقدمة"، وهو ما يختصره إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق". يناقش الكتاب، في بعض أجزائه، النظرة السلبية تجاه المرأة الشرقية لدى كتّاب غربيين، وهي تنعكس في الكثير من خطابات المسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي لطالما استُخدمت لأسباب سياسية، وتم استغلالها للحفاظ على وجود المصالح الغربية الاستعمارية "دفاعاً عن حقوق المرأة المضطهدة".
يعرّف الاستشراق بحسب سعيد، بأنه أسلوبٌ غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلُّط عليه، وفي النسوية يمثّل الاستشراق نظرة للمرأة الضحية التي تحتاج دائماً إلى داعم من الغرب.
ففي العام الماضي، أعادت وسائل إعلام غربية نشر صورة للطفلة الفلسطينية عهد التميمي وهي تواجه جندياً إسرائيلياً، على أنها صورة لطفلة أوكرانية تواجه جندياً روسياً، وكتبوا عليها أبهى العبارات التي تصفها بالبطلة والشجاعة، المدافعة عن بلدها (أوكرانيا)، على الرغم من أن الصمت كان سيد الموقف عندما اعتقلت إسرائيل التميمي بتهمة "التحريض على الإرهاب". فالمرأة الفلسطينية مطالبة بحسب "الغرب" بخلع الحجاب والخروج من سلطة الرجال، لتكون "امرأة جيدة"، إلا أنها تصبح إرهابية عندما تواجه السطوة الإسرائيلية.
خطاب نسوي لخدمة السياسة الخارجية
خلال الاحتجاجات التي تلت مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني، بعد تعرّضها للتعذيب على يد الشرطة في طهران، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال كلمة ألقاها في إحدى كليات كاليفورنيا، أنه يقف بجانب "نساء إيران الشجاعات"، وقال إن "النساء في جميع أنحاء العالم يتعرّضن للاضطهاد بطرق مختلفة... لا ينبغي لأحد أن يقول لهن ماذا يجب أن يرتدين"، مشجعاً النساء اللواتي يردن التحرّر بوصفهن "شجاعات"، كما دعا الحكومة الإيرانية إلى إطلاق سراح المدافعة عن حقوق الإنسان المحتجزة نرجس محمدي، الحائزة جائزة نوبل للسلام، قائلاً إن "محمدي تعرضت لاعتقالات متكرّرة ومضايقات وتعذيب بتوجيهات من طهران، إلا أن ذلك جعل مقاومتها وتصميمها أكثر قوة".
وعندما سحب أردوغان تركيا من اتفاق إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة، شعر بايدن بخيبة أمل كبيرة وحسرة على "واقع النساء في تركيا". لكنّ خطاب بايدن كان غائباً عندما عقدت جلسات استماع مهّدت لغزو العراق، وكان حينذاك من أبرز الأصوات الديموقراطية التي دافعت عن قرار الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، متغافلاً عن حقوق المرأة العراقية وما ستعانيه جراء الحرب.
المنسق الأمني الأميركي السابق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الجنرال كيث دايتون، والذي كُلّف عام 2007 ببناء قوات الأمن الفلسطينية وتدريبها، حدّد في إحدى شهاداته عنواناً لمهمّته: أن تستطيع المراهقات في جنين زيارة أصدقائهن في الظلام دون خوف من "المخربين". وفي فترة مهمته، اعتقلت السلطة الفلسطينية الواقعة تحت سلطته، عشرات النساء من الضفة الغربية لأسباب عدة، أحدها ابتزاز الأزواج لهن!
تعبّر عبارة دايتون وتجربته عن تلك النظرة الغربية إلى نساء بلادنا ونوع "الحرية" التي يقررها الغرب لهنّ. أن تزور فتيات جنين أصدقائهن ليلاً بلا خوف، وليس أن يتحرّرن وأهلهن من احتلال يكتم حياتهن بكل تفاصيلها.
"الغرب يجب أن لا يتخلى عن نساء الشرق"
نشر معهد واشنطن مقالاً بعنوان: "حقوق المرأة، لماذا ينبغي على الغرب ألا يتخلى عن الشرق الأوسط؟". تقول كاتبة المقال، الباحثة في وحدة سياسة التطرّف في معهد توني بلير للتغيير العالمي جميما شيلي، إن زيارة بايدن للشرق الأوسط عام 2022، للمرة الأولى بعد توليه الرئاسة، قوبلت برفض تام، فقد اعتبر يسار الحزب الديموقراطي أن بايدن يهتمّ بالمصالح الاقتصادية على حساب حماية حقوق الإنسان.
وتضيف أن "الانخراط الدبلوماسي أساسي للمساهمة بشكلٍ أكبر في دعم هذه التغييرات وتشجيع الدول الأخرى على القيام بالمثل، ويجب ألا يتراجع. فلا يمكن للحكومات والشعوب الغربية أن تدير ظهرها للشرق الأوسط، لا سيما من أجل نساء المنطقة". ومع أن المقال يحاول تصوير الشرق كمنطقة شهدت تقدّماً كبيراً ولم تبقَ كما كانت عليه من "رجعية في مجال حقوق المرأة"، إلا أنه يؤكّد على تبني نظرة الاستشراق في النسوية، خصوصاً عند الحديث عن ضرورة عدم الامتناع عن تشجيع الناشطين، "كي لا يُسمح للقوى الرجعية في المنطقة بالتفوق على القوى التقدمية".
تؤّثر النظرة الاستشراقية على تصنيف النساء الشرقيات في قوالب نمطية، كما في حالة عهد التميمي التي صارت "بطلة أوكرانية" بسبب شعرها الأشقر وعينيها الملوّنتين، و"إرهابية فلسطينية" حين قاومت الاحتلال الإسرائيلي
لا يمكننا أن ننكر ما أتت به حركات النسوية الغربية من نهضة حقوقية ساعدت الحركات النسوية الشرقية، ولا ننكر ما تعانيه المنطقة من انتهاكات لحقوق المرأة وذكورية متنامية. ليس هذا موضوع النقاش، إلا أن هذه الخطابات الفضفاضة تفتقر - أو تتعمّد الافتقار - إلى نظرة شاملة لما تفتقد إليه المرأة العربية من حقوق أو لما تريده النساء. هذا النقص يتعلّق بشكل مباشر بمصالح الدول التي تعمل في نطاقها هذه الحركات، والتي تشاركها استغلال الخطاب النسوي في الكثير من الأحيان.
تقدّم الدول الغربية وأنظمتها نفسها لنا بأنها تعرف حقوقنا، نحن النساء اللواتي نعيش في هذه البقعة الجغرافية، أكثر منا، وبأنها تشعر بما نشعر به من معاناة أكثر منا... فنظرة الاستشراق النسوي التي تحدّث عنها إدوارد سعيد تنعكس على الخطاب النسوي العالمي وتَعامله مع حقوق المرأة في المجتمعات الشرقية.
تصرّ هذه النظرة على التركيز على ما تراه مناسباً للمرأة، انطلاقاً من قناعات ساذجة، متغافلة عما تحتاج إليه فعلاً نساء هذه المنطقة. تؤّثر هذه النظرة أيضاً على تصنيف النساء الشرقيات في قوالب نمطية، كما في حالة عهد التميمي التي صارت "بطلة أوكرانية" بسبب شعرها الأشقر وعينيها الملوّنتين، و"إرهابية فلسطينية" حين قاومت الاحتلال الإسرائيلي!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...