شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"احتياطاته أكبر من احتياطات الكويت"… هل يحلّ النفط مشكلات الصومال أم يفاقمها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 18 أبريل 202409:29 ص

"قد يكون هناك عشرات المليارات من براميل النفط القابلة للاستخراج"، هكذا يقدر ريتشارد أندرسون، الرئيس التنفيذي لشركة كوستلاين إكسبلوريشن الأمريكية (Coastline Exploration)، احتياطات النفط الصومالية، التي تحمل آمال ملايين الصوماليين، كورقة للهروب من الفقر والحصول على حياة كريمة، وخدمات أساسية يُحرم منها الكُثر إلى اليوم؛ مثل التعليم والرعاية الصحية. 

يعود التفاؤل بوجود احتياطات نفطية كبيرة في السواحل الصومالية إلى الاكتشافات الكبيرة في سواحل شرق أفريقيا إلى الجنوب من الصومال، وبشكل خاص سواحل حوض موزمبيق الغنية بالغاز الطبيعي والاكتشافات المتوقعة في سواحل دول مدغشقر وتنزانيا وكينيا. فضلاً عن الاكتشافات المؤكدة في سواحل شمال الصومال التي تواجه الإقليم المستقل من طرف واحد صوماليلاند، وولاية بونتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، إلى جانب بيانات المسح الأولية في السواحل ومناطق البر، خاصة في الشمال.

آمال استخراج النفط

تُشير دراسة بعنوان "الصومال: النفط وانعدام الأمن"، صادرة عن وحدة التخطيط التنموي، في كلية لندن الجامعية، إلى أنّ تقديرات العديد من الشركات والباحثين تتوقع أنّ حجم احتياطات النفط في السواحل الصومالية تُقدر بنحو 110 مليارات من البراميل، وتفوق تلك النسبة الاحتياطات المؤكدة في الكويت بنحو 100 مليار برميل.

"قد يكون هناك عشرات المليارات من براميل النفط القابلة للاستخراج"... تفاؤل كبير بوجود احتياطات نفطية كبيرة في السواحل الصومالية بفضل الاكتشافات الكبيرة في سواحل شرق أفريقيا إلى الجنوب من الصومال. هل ينتشل "الذهب الأسود"ر البلاد من الفقر؟ أم يعمّق أزمة التكالب الخارجي على مواردها؟

مع ذلك، فتلك الأرقام التقديرية ما تزال وفق الدراسة في حاجة إلى مزيد من التدقيق وعمليات المسح والبحث، للوصول إلى أرقام مؤكدة حول الاحتياطات النفطية والغاز الطبيعي المصاحب، فضلاً عن أنّ التوصل إلى نتائج مؤكدة حول الجدوى الاقتصادية ما تزال غير مكتملة. علماً أنّ مسؤولين صوماليين يقدرونها بنحو 30 مليار برميل من النفط، دون الإشارة إلى الغازات المكافِئة، بينما لم تنشر وزارة البترول والثروة المعدنية تقديرات رسمية، بعد بحث على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.

ومنذ توقيع أول التزام للاستكشاف والتنقيب مع شركة كوستلاين إكسبلوريشن في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، يترقب الشعب الصومالي بدء استخراج النفط في الأشهر الأخيرة من هذا العام، وفق ما وعدت به الحكومة. وحصلت الشركة على رخصة العمل في سبع مناطق امتياز في المنطقة الساحلية التي تواجه ولايات غلمدغ وجنوب الغرب وجوبالاند، وتقع في جنوب البلاد.

ودفعت الشركة سبعة ملايين دولار مقابل الامتياز، وبدأت مرحلة المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد، على أن تبدأ أعمال حفر أول بئر في نهاية العام الجاري في مقاطعة هوبيو في محافظة مدغ بولاية غلمدغ، وذلك حسبما أكد وزير النفط والثروة المعدنية، عبد الرزاق عمر محمد. 

ودرس خبراء من وكالة النفط الصومالية بزيارة مناطق في غلمدغ، وخاصة هوبيو، الأثر البيئي لإنتاج النفط على السكان المحليين في المنطقة، بعد اعتراض الكثير من سكان المنطقة على التبعات التي قد يحملها النفط على منطقتهم.

كما تعمل الحكومة على تحرير الولايات الفيدرالية كلها من قبضة حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، حتى تستطيع العمل على المناطق التي يُعتقد وجود النفط فيها في اليابسة، لكن ذلك الهدف لا يبدو قريباً في ظل تراجع العمليات العسكرية ضد الحركة التي استعادت الزخم خلال الأشهر الماضية. 

خريطة التطورات السياسية في الصومال

الجدير بالذكر أنّ الحركة تسيطر على محافظات كاملة في ولاية جوبالاند، ولها حضور كبير في ولايات جنوب الغرب وغلمدغ وهرشبيلى، وهي الولايات التي طرحت فيها الحكومة الفيدرالية مناطق الامتياز، ولهذا فالحركة قادرة على تهديد عمليات الاستكشاف والتنقيب في البحر والبر.

يقول وزير النفط السابق عبد الرزاق عمر محمد لرصيف22 إنّ "احتياطات النفط غير المستكشفة هائلة للغاية. الصومال تتفوق على دول الخليج من حيث الأرقام"، على حد تعبيره. فيما يؤكد المدير العام في وزارة البترول، محمد حاشي عربي، على أنّ المناطق الممتدة من هوبيو إلى كيسمايو (جنوب البلاد) هي من أكثر من المناطق الواعدة التي تحتوي على النفط؛ وتتمتع باحتياطات كبيرة تنتظر الاستغلال التجاري.

ويضيف: "التوقعات تشير إلى إمكان ظهور الصومال كلاعب مهم في سوق النفط العالمية في المستقبل المنظور، وإن كان ذلك باتباع نهج تدريجي في التنمية والإنتاج بحسب الخطط الموضوعة"، وينوه إلى أنّه سيتم استخراج النفط بكميات تجارية معتبرة نهاية العام الحالي، وبداية العام المقبل. 

وفي ما يتعلق بالحجم المقدر لاحتياطيات النفط في الصومال، والتي يُزعم أنها تتجاوز 30 مليار برميل، يرجح محمد حاشي عربي هذه الأرقام، مشيراً إلى أهمية استمرار الاستكشاف والتقييم للتحقق من صحتها عبر منهجيات صارمة.

التنقيب والاستخراج

إبان الحكم العسكري (1969-1991) وعلى الرغم من التضييق على الحريات، فقد تمتعت البلاد بحكومة مركزية قوية؛ وقعت اتفاقات مدروسة مع شركات أجنبية، وتم الإعلان عنها بشكل رسمي من قبل الهيئات الحكومية. يختلف الأمر اليوم في ظل ضعف الحكومات التي تشكلت منذ تأسيس السلطات الفيدرالية، فضلاً عن اتهامات الفساد وتأثير الصراعات السياسية على العلاقة مع الشركات النفطية الدولية.

تقديرات العديد من الشركات والباحثين تتوقع أنّ حجم احتياطات النفط في السواحل الصومالية تُقدر بنحو 110 مليارات من البراميل، وتفوق تلك النسبة الاحتياطات المؤكدة في الكويت بنحو 100 مليار برميل… ما الذي يعرقل الاستفادة من هذه الثروة؟

في عام 2013، وخلال الفترة الرئاسية الأولى لحسن شيخ محمود (2012-2017) وقعت الحكومة اتفاقية مع شركة كوستلاين إكسبلوريشن التي كانت تدعى حينها صوما أويل (Soma Oil & Gas) لاستكشاف النفط في المنطقة الاقتصادية البحرية، وتحديداً قبالة ولايات غلمدغ وهرشبيلى وجنوب الغرب وجوبالاند. 

كان الاتفاق يقضي باستكشاف النفط لفترة محدودة، ثم يتفق الجانبان على أطر تمديد الاتفاقية، التي تحصل الشركة بموجبها على حقّ استخراج النفط من 12 منطقة تختارها إذا لبت الشروط والمعايير التي حددتها الحكومة.

وجدير بالذكر أنّ الشركة دخلت في صراع مع الحكومة الفيدرالية في عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو قبيل شهر من انتهاء فترته الرئاسية (2017-2022)، لتعود ثانيةً باتفاق جديد بعد أشهر من تنصيب الرئيس حسن شيخ لفترة رئاسية ثانية في أيار/ مايو 2022.

عقب ذلك، طالبت الشركة بالعمل على سبع من المناطق الـ(12) التي تضمنتها اتفاقيتها الأولى مع الحكومة الصومالية، وهي ثلاث في ولاية غلمدغ، واثنتان في كل من جنوب الغرب وواثنتان في جوبالاند، على أن تحصل على حقوق الاستكشاف والاستخراج في المناطق الخمس الأخرى في وقت لاحق، بحسب تصريحات إبراهيم علي حسين، المدير السابق لهيئة النفط الوطنية.

علاوةً على ذلك، وقع وزير النفط والثروة المعدنية اتفاقية تعاون مع نظيره التركي ألب أرسلان بيرقدار، تتعلق باستكشاف وتطوير النفط والغاز الطبيعي قبالة السواحل الصومالية، وذلك في 7 آذار/ مارس الماضي، بعد أقل من شهر من توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، والتي تضمنت توفير تركيا الحماية للمياه الصومالية نظير حصة من الثروات البحرية. 

تركيا طامحة إلى نفط الصومال

كما وقعت الحكومة الفيدرالية اتفاقية أخرى مع شركة ليبرتي بتروليوم (Liberty Petroleum) الأمريكية في 11 آذار/ مارس الماضي، للاستكشاف والتنقيب عن النفط في ثلاث مناطق في المياه العميقة في المنطقة الاقتصادية البحرية.

ومن المتوقع أن تجري عمليات التنقيب والإنتاج من الشركات الأمريكية والحكومة التركية بشكل متوازٍ، على أن تكون صلاحية الشركات في مناطق الامتياز الخاصة بها، وتعمل تركيا في بقية المناطق.

تحديات وعقبات

يتوقع الخبير في مجال النفط والطاقة، والمدير العام السابق في وزارة البترول والثروة المعدنية، كرار شوكري دومي، أن ينتج الصومال النفط بكميات تجارية كبيرة في غضون 5-10 سنوات. 

يبدو حديث دومي واقعياً مقارنةً بما يتوقعه الصوماليون وتروج له الحكومة التي تواجه صراعات سياسية كبيرة على خلفية إقرار تعديلات دستورية مثيرة للجدل، رفضتها ولاية بونتلاند وقوى سياسية فاعلة.

ففي لقاء على منصة "يوتيوب"، يشير المسؤول السابق إلى أن الحكومة ووزاراتها المختلفة بحاجة للعمل بجدية لتكون جاهزة للمرحلة المقبلة، وذلك عبر تعاون وزارة البترول مع وزارات التخطيط والموانئ والمالية، فضلاً عن دور وزارة التعليم في إنشاء المعاهد الفنية التي تُخرّج كفاءات قادرة على إدارة هذا القطاع الذي قد ينقل البلاد إلى مستوى جديد على كافة الأصعدة. 

ووفق حديثه، الدولة الصومالية ليست جاهزة بعد للتعامل مع الثروات النفطية والغازية، ويقول إنّ "الوزارات السابق ذكرها ليست بالقدر الكافي من الكفاءة لإدارة برنامج بهذا الحجم باقتدار". ولا يعود الأمر إلى مسؤولي الوزارة الحاليين على حد تعبيره؛ بل إلى واقع افتقار تلك الوزارات إلى الكفاءات المدربة والأعداد الكافية من الموظفين.

من بين التحديات الأخرى المطروحة: نقص العمالة المدربة، والاضطراب في الجوانب المالية والاقتصادية والقانونية، والتحديات الأمنية. وفي هذا السياق، قطعت الحكومات الصومالية شوطاً جيداً نسبياً في الجوانب التشريعية، مع إقرار قانون النفط بعد تصديق البرلمان الفيدرالي عليه وتوقيعه من الرئيس السابق في 8 شباط/ فبراير 2020، والذي بموجبه أُنشئت وكالة النفط الصومالية (SPA) وتختص بما يتعلق بالنفط تحت إشراف وزارة البترول والثروة المعدنية.

كذلك، عملت الجامعات الصومالية على تدارك النقص الحاد في الكفاءات، من خلال تأسيس كليات ومعاهد متخصصة في هندسة البترول والجيوفيزياء وجيولوجيا النفط والحفر والاقتصاد وأنظمة الرفع الصناعي.

ويعتقد ياسين كلميى حاجي، الطالب في العام الأخير، في إحدى كليات هندسة البترول، أن الجامعات الصومالية بذلت جهوداً جديرة بالثناء في تزويد طلابها بالمعرفة والمهارات اللازمة للمشاركة التنافسية في مختلف المجالات، لكنها مع ذلك محدودة، وفق قوله.

الأمر المؤكد من واقع المشهد الصومالي هو أنّ عملية إنتاج النفط إنّ لم تُدر بحكمة وعدالة توزيع من الحكومة الفيدرالية فإنها بلا شك ستتحول إلى عوامل زعزعة للاستقرار الهش أساساً. الخلافات بين مقديشو والولايات لن تكون بعيدة عن التنافس على النفط حين تبدأ عملية الاستخراج…

 ويقول لرصيف22، أن "هناك إيماناً قوياً بين الطلاب الصوماليين في قدرتهم على منافسة نظرائهم من الدول الأكثر تقدماً"، مؤكداً على استعداد الخريجين لقيادة مساعي إنتاج النفط في الصومال. 

لدى حاجي وزملائه التزام تجاه المنافسة على فرص العمل في مجال النفط في بلادهم؛ لإخراج ذويهم من براثن الفقر، وذلك في حال أُتيح لهم الوصول إلى التكنولوجيا والموارد المالية المطلوبة، وفق حديثه. وينوه أيضاً إلى ضرورة بذل جهود مشتركة من المؤسسات الحكومية والشركاء الدوليين، لتوفير فرص التدريب العملي للطلاب في الخارج لتعزيز مهاراتهم، خصوصاً في البلدان التي لديها صناعات نفطية راسخة. 

صراعات حول النفط

إلى جانب التحديات السابقة المرتبطة بصناعة النفط والغاز، والتي تتطلب استثمارات ضخمة لمعالجتها، هناك تحديات أخرى تندرج في خانة السياسة، ومنها الخلافات حول تقاسم الثروات الطبيعية بين الحكومة الفيدرالية والسلطات الإقليمية والمحلية، والتحديات المتعلقة بمطالب المجتمعات المحلية ذات الطابع القبلي.

تناولت دراسة "الصومال: النفط وانعدام الأمن" تلك التحديات في ولاية بونتلاند وإقليم صوماليلاند المستقل من طرف واحد، حيث النزاع الحدودي بينهما على مناطق برية بها احتمالات واعدة لإنتاج النفط، ما أجبر شركات دولية على الانسحاب. 

كما قدم موقع "EJAtlas" دراسة حالة الخلافات التي حدثت بين الأعوام 2005-2012 في منطقتي وادي نوغال ووادي طرور، والتي شملت خلافات سياسية على مستوى الولاية وأخرى بين القبائل، وشهدت إطلاق نيران على مواقع التنقيب، فضلاً عن هجمات مرتبطة بحركة الشباب المصنفة إرهابيةً.

ولتسوية تقاسم الثروات بين مقديشو والولايات الإقليمية والمجتمعات المحلية، وقعت هذه الأطراف اتفاقية تقاسم الموارد الطبيعية لعام 2018 وفق ما نصّت عليه المادة (44) من الدستور الانتقالي.

ومع استمرار عملية تعديل الدستور، فمن المرتقب أنّ تتكشف نوايا الحكومة الفيدرالية حيال تلك الاتفاقية؛ بالإبقاء عليها أو تعديلها لصالحها على حساب الولايات والمجتمعات المحلية.

ويرتبط بما سبق، الخلافات بين مقديشو والولايات سواء بسبب تعديل الدستور أو انتخابات رئاسة الولايات، وهي قضايا لن تكون بعيدة عن التنافس على النفط حين تبدأ عملية الاستخراج. والأمر المؤكد من واقع المشهد الصومالي أنّ عملية إنتاج النفط إنّ لم تُدر بحكمة وعدالة توزيع من الحكومة الفيدرالية فإنها بلا شك ستتحول إلى عوامل زعزعة للاستقرار الهش أساساً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image