شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نهران على وشك الجفاف… هل تستخدم إثيوبيا المياه كسلاح سياسي ضدّ الصومال؟

نهران على وشك الجفاف… هل تستخدم إثيوبيا المياه كسلاح سياسي ضدّ الصومال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

الصومال هو إحدى دول المصب للأنهار التي تنبع من الهضاب الإثيوبية، ويمرّ به نهرا "جوبا" و"شبيلى" اللذان يصبان في المحيط الهندي حيث يعتمد على مياههما نحو ثلث السكان في جنوب البلاد. لكنهما يشهدان انخفاضاً كبيراً في منسوب المياه، قدّره متخصصون صوماليون بنحو 80% من مقدار التدفقات الطبيعية.

ويُرجع متخصصون ذلك التناقص الكبير إلى عدّة عوامل طبيعية وبشرية، فالعامل الأول يتعلق بالتقلبات المناخية وازدياد البخار في مجرى النهرين، والعامل الثاني يعود إلى السدود التي أنشأتها إثيوبيا على النهرين قبل أنّ يصلا إلى الحدود الصومالية. كما فعلت في نهر "أومو" الذي تعتبر كينيا دولة التي يصبّ فيها. حوّلت إثيوبيا مشروع سدّ "جيلجل جيبي الثالث" على نهر أومو من توليد الكهرباء إلى مشروع زراعي كبير، ما أدى إلى نقصان كبير في تدفقات المياه التي تصل إلى بحيرة "توركانا" في كينيا، متسببةّ في أزمات بيئية ومائية وسياسية مع الدولتين الجارتين الصومال وكينيا.

والسؤال الملح هنا، هو هل تستخدم إثيوبيا المياه كسلاح ضدّ الصومال في وقت تتصاعد الخلافات بينهما؟

نهرا جوبا وشبيلى

نهرا جوبا وشبيلى هما نهران رئيسيان في الصومال، ويأتي 90% من تدفقاتهما من الهضاب الإثيوبية، بينما البقية من الأمطار التي تسقط على البلاد. ويعتمد نحو ثلث سكان الصومال على مياه النهرين في الزراعة، كما يغذي فيضانهما السهول بالطمي الذي يحافظ على خصوبتها ويجعلها صالحة للزراعة على طول مجرى النهرين.

نهرا جوبا وشبيلى هما نهران رئيسيان في الصومال، ويأتي 90% من تدفقاتهما من الهضاب الإثيوبية، بينما البقية من الأمطار التي تسقط على البلاد. ويعتمد نحو ثلث سكان الصومال على مياه النهرين في الزراعة. لكنهما مهددان بالجفاف بسبب التغيّرات المناخية والسدود الإثيوبية بما يعرّض حيوات ملايين الصوماليين للخطر

يتشكل نهر جوبا من اتحاد ثلاثة روافد رئيسية تنبع من إثيوبيا، وهي (داوا، وجينالي، وويب). علماً أن جميعها تتدفق باتجاه الجنوب الشرقي. ويتّحد رافدا ويب وجينالي داخل الأراضي الإثيوبية، ويلتقيان بالرافد الثالث "داوا" بعد الحدود الصومالية الإثيوبية مباشرة. ويبلغ طول النهر 1.8 ألف كم، منها 875 كم داخل الصومال، حتى المصب شمال مدينة كسمايو في ولاية جوبالاند، التي تعتبر ثالثة كبرى المدن والموانئ البحرية في البلاد، ويتميز بوجود تدفقات مائية في أوقات عديدة من العام.

أما نهر شبيلى فيبلغ طوله 1.5 ألف كم، منها 800 كم داخل الصومال، ويمرّ بثلاث من أهم المحافظات الزراعية، وهي: هيران وشبيلى الوسطى وشبيلى السفلى. ويلتقي نهر شبيلى مع جوبا خلال فترات التدفقات المائية الكبيرة، بالقرب من المصب، بينما في الأوقات الأخرى يختفي النهر في المستنقعات والأحراش.

يقول المحلل السياسي، محمد إبراهيم إنّ "كل خطوة تمسّ حركة المياه يجب أن تكون على توافق وانسجام مع كل المستفيدين. هذا ما يشدد عليه القانون الدولي في اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية، في هلسنكي، التي دخلت حيز النفاذ عام 1966". ويذكر، لرصيف22، أنّ الزراعة تمثّل نحو 64% من الناتج المحلي في البلاد، وفق أرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة لعام 2018.

يضيف إبراهيم أنّ "أغلب المزارعين يعتمدون على مياه نهري جوبا وشبيلى، مع وجود مصادر مياه أخرى مثل الآبار والأمطار والعيون. إلا أنّ أشهر الأقاليم الزراعية هي التي يمرّ بها النهرين".

التقى رصيف22 مالك مزرعة كبيرة في منطقة قريولي، بمحافظة شبيلى السفلى في ولاية جنوب غرب الصومال، التي يمرّ بها نهر شبيلى، يُدعى عبد الرحيم إدريس حسين. يقول المصدر لرصيف22: "مزرعتي مساحتها نحو ثلاثين هكتاراً، وكنت أزرع في السابق الكثير من المحاصيل. لكن في السنتين الأخيرتين، وبسبب قلة مياه النهر وندرة الأمطار، أكتفي بزراعة الذرة والفول وفي بعض الأوقات البصل". يلفت حسين إلى أنّ "العديد من المزارعين لجأ إلى حفر الآبار كبديل للأنهار التي تعاني نقصاً في مواردها الطبيعية، بسبب حجز المياه في السدود التي بنتها إثيوبيا على ضفاف نهر شبيلي. إلى جانب آثار التغيرات المناخية المتمثلة في الجفاف وقلة الأمطار". وبينما يُلقي باللوم على "غياب دور حكومي في دعم الزراعة"، يطالب حسين الحكومة الفدرالية بالاهتمام بقضايا الزراعة والدفاع عن مياه الأنهار قبل أن "يفوت الوقت" - يقصد انهيار قطاع الزراعة وتضرر الأراضي الخصبة.

بحسب برنامج الأغذية العالمي، يواجه نحو 4.3 مليون صومالي مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، كما أجبرت الفيضانات نحو نصف مليون مواطن على النزوح من مساكنهم، في الوقت الذي يعاني فيه البرنامج من فجوة تمويلية تقدر بنحو 378 مليون دولار، لتغطية تكاليف تقديم الدعم الإنساني حتى نيسان/ أبريل الوشيك.

السدود الإثيوبية

وقد انتهت إثيوبيا من بناء أكبر سدودها على نهر شبيلى في كانون الأول/ ديسمبر 2014، في الإقليم الصومالي الغربي الذي ضمته إثيوبيا إبان الحقبة الاستعمارية في المنطقة. وافتتح الرئيس السابق للإقليم عبدي محمود عمر عملية تشغيل السدّ، مُعلناً تخزين المياه في بحيرة السدّ. قال آنذاك: "الهدف هو تخزين المياه لري الحقول الزراعية". عقب ذلك شهدت مدينة "بير عانو" في الإقليم تطوراً في الإنتاج الزراعي، بينما تأثر منسوب النهر في دولة المصب، الصومال، بدرجة كبيرة أثرت سلباً على السكان.

يعود تخطيط إثيوبيا لبناء سدود مائية على نهري جوبا وشبيلى إلى خمسينيات القرن الماضي وإن لم تتمكن من تنفيذ ذلك قبل عام 1989 حين استعانت بخبراء من الاتحاد السوفيتي لإنشاء سدّ "ملكا وكينا" على الروافد العليا لنهر شبيلى في جبال بايل بهدف إنتاج 152 ميغاوات من الكهرباء.

وقدمت الحكومة الإثيوبية مشروع الخطة التنموية الكاملة للسدود المائية على نهر شبيلى في عام 2001، والذي يمتد تنفيذه حتى عام 2050، ويتكون المشروع من 141 مخططاً لمشاريع الري، لزراعة نحو 209.3 ألف هكتار. وقُدرت كمية المياه التي تتطلبها هذه المشاريع بنحو 2566 مليون متر مكعب، وهي أكثر من نسبة المياه التي تجري في النهر سنوياً بعد دخوله الصومال، والمُقدرة بنحو 2384 مليون متر مكعب، فضلاً عن مشاريع أخرى لتوليد الكهرباء ما تزال في مرحلة الدراسة.

في نفس المخطط، وضعت إثيوبيا تصورات كبيرة لنهر "جنالي داو" الذي يُعرف أيضاً بنهر "جوبا" عندما يدخل الأراضي الصومالية، وتهدف إلى إنشاء نحو 93 مشروعاً زراعياً، بالاستفادة من مياه النهر التي تذهب إلى دولة المصب (الصومال). وفي عام 2007، وضعت إثيوبيا مخططاً لبناء تسعة سدّود لتوليد الكهرباء على نهر جوبا، على أنّ ينتهي تنفيذها بحلول عام 2035.

استغلت إثيوبيا انهيار الدولة المركزية في الصومال عام 1991، وقامت ببناء أربعة سدّود لتوليد الكهرباء وتنمية المحاصيل الزراعية على نهر "شبيلى"، ما أثّر على جريان النهر، وتسبب في حالات جفاف أثرت سلباً على مياه الشرب والزراعة والرعي.

بسبب سقوط الدولة المركزية في الصومال، افتقد البلد وجود مؤسسات معترف بها دولياً قادرة على مخاطبة وإقناع المجتمع الدولي بخطورة السدّود الإثيوبية وأثرها الوخيم على الحقوق المائية للشعب الصومالي. كذلك، انشغل البلد بالحرب الأهلية والفوضى والإرهاب التي ما تزال إلى الآن قضايا ذات أولوية لدى الحكومات والشعب، فضلاً عن تزايد النفوذ الإثيوبي في البلاد، وتدخلها عسكرياً لأكثر من مرة

ماذا عن الموقف الصومالي؟

لم تقف الحكومات الصومالية مكتوفة الأيدي إزاء هذه الانتهاكات الإثيوبية لحقوقها المائية. في عام 1985، قدّمت الحكومة الصومالية طلباً إلى البنك الدولي لتمويل مشروع سدّ "بارطيري" على نهر جوبا، لخدمة المشاريع الزراعية في المنطقة التي تقع في محافظة شبيلى السفلى.

لكن البنك اشترط توافق الصومال وإثيوبيا وكينيا، كدول تشترك في النهر (إذ يصل رافد من النهر في إثيوبيا إلى كينيا) بجيث لا يسبّب السدّ ضرراً ل منها. عطّلت الخلافات بين الصومال وإثيوبيا، وما شهدته علاقات البلدين من تدهور على خلفية حرب أوغادين (1977-1978)، المشروع حيث رفضت إثيوبيا بناء السدّ، وعرضت عقد اتفاقية حول تقاسم المياه مع الصومال إلا أن الأخيرة رفضت التفاوض مع إثيوبيا لعدّة أسباب، أهمها أن التفاوض بشأن مياه نهر جوبا الذي يمر في المنطقة الصومالية الغربية (أوغادين) يعني الاعتراف بتبعية المنطقة لإثيوبيا، بينما كانت مقديشو تطالب بها وتعتبرها أرضاً صومالية.

المياه سلاح سياسي؟

بسبب سقوط الدولة المركزية في الصومال، افتقد البلد وجود مؤسسات معترف بها دولياً قادرة على مخاطبة وإقناع المجتمع الدولي بخطورة السدّود الإثيوبية وأثرها الوخيم على الحقوق المائية للشعب الصومالي. كذلك، انشغل البلد بالحرب الأهلية والفوضى والإرهاب التي ما تزال إلى الآن قضايا ذات أولوية لدى الحكومات والشعب، فضلاً عن تزايد النفوذ الإثيوبي في البلاد، وتدخلها عسكرياً لأكثر من مرة.

ويرى المهندس عبد الله عبد الحكيم، القيادي في لجنة منظمة الجمعية الصومالية للحفاظ على الطبيعة، والذي عمل سابقاً في منظمة "سوالم" التابعة لمنظمة "الفاو"، أنّ على الحكومة الصومالية القيام بدورها في حماية الأمن المائي للبلد، قائلاً "يجب أنّ تُولي الأمر الأهمية التي يستحقها… المياه مسألة حياة أو موت".

وهو يضيف، لرصيف22، أنّه لم يرصد حتى الآن تصريحاً حكومياً حول بناء إثيوبيا السدود على نهر شبيلى، سوى بيان هيئة إدارة الكوارث حول فتح إثيوبيا سدود على النهر تسببت في إغراق أراضي زراعية في الصومال، وذلك في الثامن من شباط/ فبراير الفائت، بعد توقيع مذكرة التفاهم مع صوماليلاند.

يطالب عبد الحكيم الحكومة الصومالية بالتصدي لما وصفه بـ"الاعتداءات الإثيوبية" من خلال المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد الإقليمية، مشدداً على أنّ "ادعاء إثيوبيا العمل بمبدأ الاستخدام المعقول للمياه يتجاهل حقيقة إضرارها بالجيران مثل الصومال". وينوه المسؤول السابق بأنّ الضرر الأكبر سيلحق بأصحاب المزارع الذين يعتمدون على مياه النهر في ري حقولهم، بينما أصحاب المواشي يمكنهم الاكتفاء بمياه الآبار والعيون، على حد قوله.

ختاماً، يشدد عبد الحكيم على ضرورة قيام الحكومة بوضع إستراتيجية متكاملة لمواجهة هذا الخطر، وتوفير بدائل مثل بناء سدود لحصاد مياه الأمطار، والتوعية بمخاطر إزالة الغطاء الشجري على معدل هبوط الأمطار، والعمل على استعادة الغطاء الشجري الذي أُزيل لما له من دور في زيادة كميات الأمطار.

"لدى إثيوبيا خططاً مستقبلية لاستخدام قضية المياه في الحصول على مكاسب من الصومال... إذا  فشلت إثيوبيا في تحقيق أطماعها في الحصول على منافذ بحرية في الصومال، فمن المحتمل أنّ توظف ورقة مياه الأنهار كعامل ضغط للحصول على منفذ بحري، ولهذا على الحكومة الاستعداد للدفاع عن حقوقها المائية كما تفعل اليوم في حماية سواحلها"

وتتنامى المخاوف من استخدام إثيوبيا المياه كسلاح ضدّ الصومال، خصوصاً في ظل تعمق الخلافات بين البلدين بعد توقيع مذكرة التفاهم بين أديس أبابا والإقليم الانفصالي عن الصومال، صوماليلاند، مطلع العام الجاري. ويرى الباحث المختص في العلاقات السياسية، عبد النور عبد الله، أنّ إثيوبيا ستستخدم الأنهار كورقة ضغط على الصومال. ويقول لرصيف22، "لكننا لا نعرف مستقبل ذلك بعد، خصوصاً أنّ شعب أوغادين هم من القومية الصومالية. كما أنّ توظيف تلك الورقة سيمنح حركة الشباب دافعاً لتنشيط دعوتها إلى القتال في إثيوبيا، ما قد يحمل مخاطر كبيرة عليها".

من جانبه، يشير الباحث الاقتصادي الصومالي، عبد الكريم أحمد، إلى أنّ "لدى إثيوبيا خططاً مستقبلية لاستخدام قضية المياه في الحصول على مكاسب من الصومال". ويقول لرصيف22 أنّه إذا "فشلت إثيوبيا في تحقيق أطماعها في الحصول على منافذ بحرية في الصومال، فمن المحتمل أنّ توظف ورقة مياه الأنهار كعامل ضغط للحصول على منفذ بحري، ولهذا على الحكومة الاستعداد للدفاع عن حقوقها المائية كما تفعل اليوم في حماية سواحلها".

تجدر الإشارة إلى أن الباحث الصومالي، محمد إبراهيم عبدي، كان قد لفت، في ورقة بحثية نُشرت عام 2018، إلى "خطة أعدتها وزارة الخارجية الإثيوبية ونشرتها عبر موقعها الإلكتروني منذ الغزو الإثيوبي للصومال عام 2006، تكشف عن نوايا على المدى المتوسط والبعيد لاستخدام ورقة الأنهار التي تنبع من مرتفعاتها وتصب في الصومال للحصول في المقابل على حق الانتفاع بالمواني الصومالية". تابع الباحث: "حسب وصفها، فإن ذلك سوف يتم بناءاً على مباديء تبادل المصالح والمنافع المشتركة بين البلدين المتمثلة في الأنهار والمواني، وتقصد بذلك بيع المياه المشتركة والكهرباء، ومقايضتهما بالموانئ الصومالية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard