شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الشخصيات المثلية في الأعمال العربية المقتبسة... تُقتل قبل الولادة أو تدفن حيّة؟

الشخصيات المثلية في الأعمال العربية المقتبسة... تُقتل قبل الولادة أو تدفن حيّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 3 فبراير 202212:05 م

الاقتباس في السينما والتلفزيون العربيين من أعمال أجنبية ليس أمراً مستجداً، فقد اعتبر صنّاع الترفيه في الشرق الأوسط الغرب "منجماً" يمكن الأخذ منه بلا حساب، وإجراء عمليات التعريب وتحويل الشخصيات والأحداث إلى نسخ أقرب للثقافة العربية، ولكن مؤخراً لم يعد الأمر بهذه السهولة.

فلا يمكن أن يغفل أحد الانفتاح الكبير الذي تشهده الأعمال الأجنبية الحديثة، وقد قلّت المحظورات على الشاشة، وظهرت الشخصيات والعلاقات المثلية بشكل منفتح، الأمر الذي يجعل صنّاع الأفلام والمسلسلات العرب الذين يقومون بتعريب هذه الأعمال يعملون في حقل ألغام من رقابة الهيئات الحكومية، وكذلك الرقابة المجتمعية.

لذلك السؤال هنا: كيف ظهرت الشخصيات المثلية على الشاشة العربية في الأعمال المأخوذة من نسخ أجنبية؟

رقيب في منزل كل مشاهد

في ظل عالم مفتوح مع فضاء سيبراني شاسع، لم يعد من المتوقع أن يظل المشاهد العربي قابعاً في الركن، مغمضاً عينيه، متخيلاً أنه يعيش في يوتوبيا أخلاقية، بينما يقوم رقيب على كل عمل يشاهده هذا المتفرج الافتراضي، ليطمئن من مناسبته أفكاره وقيمه الأخلاقية.

مع كثرة المنصات الإلكترونية العربية منها والأجنبية، وحتى المواقع المقرصنة، أصبح لدى المشاهد الحرية التامة في اختيار المحتوى الذي يشاهده، ولكن يبدو أن الرقابة هي خيار المتفرج الشخصي وليست فرضاً عليه، والدليل على ذلك الصخب على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أسبوعي، من متفرجين غاضبين على أعمال فنية تقدم أفكاراً لا تتشابه مع أفكارهم أو قيماً لا تتناسب مع قيمهم، بحسب زعمهم طبعاً، كما لو أن المثل الشائع عن النعامة التي تدفن رأسها في الرمال -ولا تقوم به النعامة في الحقيقة- أثبت أنه ينطبق فقط على المشاهد العربي، والذي يرغب في رقيب خاص في منزله، ليختار له ما يشاهده تبعاً لقواعده الخاصة.

قلّت المحظورات على الشاشة، وظهرت الشخصيات والعلاقات المثلية بشكل منفتح، الأمر الذي يجعل صنّاع الأفلام والمسلسلات العرب الذين يقومون بتعريب هذه الأعمال يعملون في حقل ألغام من رقابة الهيئات الحكومية، وكذلك الرقابة المجتمعية

وفي ظل تسيّد شبكة الإنترنت والبث على القنوات الفضائية، أصبحت هناك قواعد للرقابة أكثر تعقيداً، فالمنصات الإلكترونية العربية مثل "شاهد" تختلف في مستوى الرقابة الخاصة بها عن المنصات الإلكترونية الأجنبية مثل نتفلكس، والأعمال المصوّرة للعرض على شاشة التلفزيون قبل انتقالها للمنصات لها قواعد رقابية مختلفة تماماً عن الحالتين الأولى والثانية، وكذلك البلد الذي تم تصوير فيه العمل له تأثير كبير على حجم الممنوعات والمحظورات على الشاشة.

والمثلية الجنسية، بما أنها من أكبر المحظورات على الشاشات العربية بشكل عام، تستلزم عناية خاصة عند التعريب من عمل أجنبي، ويجب على الصنّاع اتخاذ قرارات بشأن طريقة تعديل العمل، تبعاً للوسيط الذي سيعرض من خلاله العمل سواء فيلم أو مسلسل.

التضحية بالحبكة لإخفاء المثلية

قامت منصة شاهد مؤخراً بتعريب المسلسل التلفزيوني الأميركي Why Women Kill (لماذا تقتل النساء)، تحت عنوان "ستات بيت المعادي"، والذي يتناول حكايات ثلاث سيدات متزوجات، عشن في ذات المنزل في حقب زمنية مختلفة، وأقدمت كل واحدة منهنّ على ارتكاب جريمة قتل بسبب الحب.

في المسلسل الأصلي تواجدت أكثر من شخصية رئيسية مثيرة للجدل من وجهة النظر العربية، فزوج المرأة من حقبة الثمانينيات كان مثلياً، خانها مع أكثر من رجل ثم أُصيب بالإيدز.

وبالانتقال إلى القصة التي تقع أحداثها في الألفية الجديدة، نجد البطلة نفسها مزدوجة الميول الجنسية، تعيش في خضم زواج مفتوح: لديها زوج وفي ذات الوقت عشيقة، وتتأزم الأمور عندما يلتقي الزوج بالعشيقة، ويدخلون في علاقة ثلاثية تؤدي للجريمة.

بالطبع، كل هذه التفاصيل لا تتلائم مع "شاهد"، وهي المنصة العربية التي تستهدف المشاهدين من المحيط للخليج، فتم تغيير الحبكة بشكل جذري: تحول الزوج المثلي إلى رجل مغاير، يخون زوجته مع فتاة مراهقة لا يعلم إلا الله كيف أصيبت بالإيدز، لتنقله له حتى تكتمل حبكة المسلسل بما يتشابه مع النسخة الأصلية.

ولعلّ أكثر قصة تضررت بشكل حقيقي هي تلك الخاصة بالفصل الثالث من المسلسل، فالزوجة التي من المفترض أن تكون مزدوجة الميول الجنسية، بحسب النسخة الأصلية، تحولت في النسخة الحديثة إلى امرأة قوية الشخصية تعيل زوجها، كما لو أن ذلك هو المعادل الحقيقي للتفضيلات الجنسية المختلفة بالنسبة لصنّاع المسلسل.

كيف ظهرت الشخصيات المثلية على الشاشة العربية في الأعمال المأخوذة من نسخ أجنبية؟

بعيداً عن تنميط السيدات القويات، فإن اختفاء، لا بل تغييب الميول الجنسية المزدوجة للشخصية في النسخة العربية أدى إلى ثقوب في منطق الحبكة الخاصة بهذا الفصل، على رأسها اختفاء الدافع الذي جعل البطلة تحتفظ في منزلها بامرأة جميلة تشكل تهديداً على حياتها الزوجية، على الرغم من كل العلامات والتحذيرات.

في النهاية، خرج مسلسل "ستات بيت المعادي" بعيداً عن المنطق، مضطرباً بسبب الاختلافات التي اضطر كتّاب السيناريو لإجرائها، حتى يتناسب مع المشاهد العربي والقواعد الرقابية الخاصة بالمنصة.

تصريح بالمثلية وغضب من المشاهدين/ات

الخيار الآخر المتاح هو الالتزام بالنصوص الأصلية عند عملية التعريب، لكن هذا الأمر يستلزم شجاعة خاصة من صنّاع العمل، وكذلك وجود منصة تقبل ظهور شخصية مثلية بدون الحكم عليها أو السخرية منها، وتستطيع تقبل الهجوم الضاري الذي سيحدث نتيجة لذلك، كما حدث مع فيلم "أصحاب ولا أعز" على منصة نتفلكس.

في العام 2016 عُرض الفيلم الإيطالي Perfect Stranger والذي لاقى نجاحاً كبيراً وشعبية عالمية، ما أدى إلى اقتباسه في نسخ كثيرة، منها الفرنسية واليابانية والإسبانية والكورية، مع الاحتفاظ بتفاصيل الحبكة الأساسية في كل نسخة.

ومؤخراً، عرضت نتفلكس النسخة العربية من الفيلم تحت عنوان "أصحاب ولا أعز"، من إخراج وسام سميرة، وبطولة منى زكي وإياد نصار ونادين لبكي وعادل كرم.

تدور أحداث Perfect Stranger حول مائدة العشاء لمجموعة من الأصدقاء، الذين يقررون ممارسة لعبة يشارك فيها كل شخص منهم كل ما يصل إلى هاتفه المحمول من رسائل ومكالمات مع الآخرين، وعبر هذه اللعبة يكتشفون أسرار وخفايا تجعلهم يشككون في مدى معرفتهم ببعضهم البعض.

واحد من أهم الأسرار التي يُكشف عنها بسبب هذه اللعبة: الميول الجنسية لأحد الأصدقاء الذي اضطر لاخفائها عن المجتمع وحتى أقرب الناس إليه، وبقى السؤال لدى الكثير من مشاهدي الفيلم الأصلي قبل عرض النسخة العربية: كيف ستظهر هذه الشخصية على شاشة؟ هل ستتغير الحبكة لتقديمه كمغاير جنسياً أم تُلغي شخصيته من الأساس؟

التزمت نتفلكس في نسختها العربية بتفاصيل الفيلم الإيطالي، ليظهر ربيع كشخص مثلي، يخفي عن أصدقائه ميوله الجنسية، ويتخذ علاقات غير حقيقية، سعياً لطمس هويته وميوله الجنسية، يغضب بعض الأصدقاء عند الكشف عن ذلك ويدعمه الآخرون.

ينتهي الفيلم كما في النسخ الأصلية، بأن كل ما حدث هو أمر افتراضي لم يقع في الحقيقة، وتبقى أسرار الجميع "مستورة" تحت غطاء من الأكواد السرية للهواتف المحمولة والشاشات المقلوبة على الطاولة.

ولكن ظهور شخصية ربيع الحقيقية كمثلي على الشاشة لم يمر مرور الكرام لدى الكثير من المشاهدين العرب الذين ثاروا على هذا "التطبيع" مع المثلية، وفق رأيهم، في فيلم شارك فيه بعض من ممثليهم المفضلين، مثل منى زكي وإياد نصار، فبدأت الوسوم المضادة للفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي واعتباره عملاً يهدد الأخلاقيات العربية، مع مطالبات بمنع عرضه وتساؤلات عن دور الرقابة، وتم تقديم بلاغ عاجل للنيابة العامة المصرية باتهام منى زكي وصنّاع الفيلم بالتحريض على الفسق والفجور، والمطالبة بقوانين لتجريم المثلية الجنسية، على الرغم من أن الفيلم لم يُعرض في دور عرض سينمائية ولم يصوّر في مصر ليخضع للرقابة المصرية، ولا زالت أزمة الفيلم مستمرة.

الرفض هو للاعتراف بأن هناك أفراداً مثليين يعيشون بيننا تحت مظلة الخوف من العيون المتهمة، وردود الأفعال العنيفة التي تبدأ من الإقصاء وقد تصل إلى حدّ القتل

ربما ما يحدث الآن هو امتداد لنظرية المؤامرة التي اكتسبت شعبية في السنوات الأخيرة حول نتفلكس التي تهدف، بحسب مزاعم البعض، إلى إفساد الشباب العرب وأخلاقياتهم، عبر دسها الكثير من المحتوى حول المثلية الجنسية، ما ساهم في ردود الأفعال العنيفة تجاه الفيلم الذي لم يقدم بشكل فعلي أي مشهد جنسي، سواء مغاير أو مثلي، لكنه وضع المشاهدين/ات أمام مرآة ليروا أنفسهم/نّ على الحقيقة كأشخاص من الممكن أن يتقبلوا الشخصيات المثلية في المسلسلات والأفلام من لغات أخرى، ولكن ليس عندما تقدم ذات الأعمال بنسخة عربية.

الرفض ليس للفعل نفسه، بل لظهور شخص عربي ينتمي لمجتمع الميم-عين على الشاشة ويتقبله من حوله، الرفض هو لفكرة الاعتراف بأن هناك أفراداً مثليين يعيشون بيننا تحت مظلة الخوف من العيون المتهمة، وردود الأفعال العنيفة التي تبدأ من الإقصاء وقد تصل إلى حدّ القتل. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard