اقتربت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من إتمام نصف عام كامل، مرت خلالها بالعديد من المراحل والتدخلات؛ دول عدة كانت تؤيد إسرائيل ثم تراجعت، وأخرى تحولت لتصير حجر عثرة في طريق تحقيق الخطة الإسرائيلية الرامية إلى مزيد من القتل والعنف، أو تكاد، ومن بين تلك الدول التي تسترعي الانتباه الحليفة الدائمة والتاريخية لإسرائيل، والحديث هنا عن الولايات المتحدة الأمريكية.
الخلافات الأمريكية الإسرائيلية في مواقف عدة، منذ أشهر وحتى الآن، تدفع للحديث عن ماهيتها، وجوهرها، ووجهات نظر الطرفين فيها، خاصةً في ظل موقف أمريكي لم يحدث من قبل ضد إسرائيل، وهو الامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) في قرار ضد إسرائيل، لتظهر أسئلة أخرى أهمها؛ إلى أي مدى سيصل الخلاف بين الطرفين؟ وهل وجدت واشنطن نفسها مضطرةً إلى الوقوف ضد إسرائيل لتحسين صورتها الدولية التي اهتزّت بسبب التأييد المطلق؟ يبحث هذان السؤالان وغيرهما عن إجابات، في ظل واقع متحوّل بشكل دائم، مع الأخذ في الحسبان الصورة الأكبر، وهي أن الولايات المتحدة ستبقى الراعية الأكبر لإسرائيل، فيما الثابت أن التحوّلات قد تؤثر على كلا الطرفين بطريقة أو بأخرى.
قرار تاريخي
في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس الماضي، امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام حق النقض (الفيتو)، ضد قرار وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، استخدمت الفيتو 3 مرات منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، ضد مشاريع قرار تعرقل استكمال إسرائيل حربها ضد حركة حماس. وفسرت الصحيفة الأمر بأن "القرار الأمريكي يُعبّر عن مدى إحباط البيت الأبيض من تصرفات إسرائيل في الحرب، مثل تدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية في غزة، والهجمات على المستشفيات، وتقييد تدفق المساعدات الإنسانية الدولية إلى القطاع".
وبعدما باغتت واشنطن حليفتها تل أبيب، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلغاء زيارة كبار مساعديه لواشنطن، لمناقشة خطط الهجوم على رفح الفلسطينية، وفي بيان صادر عن مكتب نتنياهو، قالت إسرائيل إن القرار الأمريكي يضرّ بالمجهود الحربي ضد حماس، ويقوّض محاولات إطلاق سراح الرهائن. ووصف البيان القرار الأمريكي بأنه "تراجع واضح عن الموقف الأمريكي الثابت في مجلس الأمن منذ بداية الحرب، وهو قرار يعطي حماس الأمل في أن الضغط الدولي سيسمح لها بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار دون إطلاق سراح المختطفين".
وأثار القرار الأمريكي ضجةً واسعةً داخل إسرائيل، إذ رأى المحلل الإسرائيلي في صحيفة "غلوبس"، يوفال إينهورن، أن قرار واشنطن يُعدّ ضربةً دبلوماسيةً قاسيةً لإسرائيل، ونقطة تحوّل تساهم في مزيد من توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، والدعم الأمريكي لا يجب أن يكون أمراً مسلماً به".
وفق موقع "أكسيوس"، فإن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا الإسرائيليين أن الأزمة الإنسانية في غزة، والتي تدهورت خلال الأشهر الخمسة الماضية، لا تبعث على الثقة بقدرة إسرائيل على إجراء إجلاء فعّال ومنظم للمدنيين من رفح. اجتياح الجيش الإسرائيلي لرفح نقطة خلاف شديدة لكن ليست وحيدة بين إدارتي بايدن ونتنياهو
وممّا زاد الأمور تعقيداً، ردّ المسؤولين الإسرائيليين على الموقف الأمريكي. فعلى الرغم من ضغوط إدارة بايدن لوقف الحرب، رد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بأنهم سيواصلون الحرب حتى يعود المختطفون، والموقف نفسه تبنّاه وبشدة، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بتأكيده على مواصلة القتال، وأن القرار الأمريكي يصب في مصلحة حماس.
ولم يفوّت وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، الفرصة لمهاجمة واشنطن بقوله: "بايدن لا يضع انتصار إسرائيل والعالم الحرّ على الإرهاب على رأس أولوياته، بل اعتباراته السياسية، وبعد هذا القرار بالتحديد، يجب علينا أن نزيد من حدة الحرب ونواصل السعي بكل قوتنا، وبأي ثمن، لهزيمة حماس".
رفح تُعمّق الجرح
يبدو أن نتنياهو عازم على اجتياح رفح، بزعم أنها مفتاح النصر كما ردد مراراً في خطاباته، إذ يرى أن "من يطالبه بعدم اجتياح رفح كمن يقول له اخسر الحرب". ويُعدّ ملف رفح نقطة خلاف واضحةً حولها تباين شديد بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، إذ طالبت الأولى إسرائيل في وقت سابق، بوضع خطة إنسانية قابلة للتنفيذ، مع الأخذ في الحسبان العامل الإنساني والمخاطر التي قد يتعرض لها المدنيون قبل أي عملية اجتياح لرفح، ومن ضمن الخيارات المطروحة منع إسرائيل من استخدام أي أسلحة أمريكية في هذا الاجتياح حال حدوثه.
وكشفت مصادر مطّلعة لموقع "أكسيوس" الأمريكي، الأربعاء 3 نيسان/ أبريل الجاري، عن الخلافات العميقة بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، بسبب عملية رفح، وعن عقد الجانبَين اجتماعاً افتراضياً بعد إلغاء زيارة مساعدي نتنياهو لواشنطن الأسبوع الماضي. عبّر الجانب الأمريكي عن قلقه من عملية رفح، خاصةً في ما يتعلق بإجلاء مليون فلسطيني من المدينة، فكان الرد الإسرائيلي أن الأمر قد يستغرق 4 أسابيع أو أكثر حسب الوضع على الأرض، فيما رأى الأمريكيون أن التقدير غير صحيح وأن ذلك قد يستغرق أربعة أشهر.
وبحسب مصادر "أكسيوس"، فإن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا الإسرائيليين أن الأزمة الإنسانية في غزة، والتي تدهورت خلال الأشهر الخمسة الماضية، لا تبعث على الثقة بقدرة إسرائيل على إجراء إجلاء فعّال ومنظم للمدنيين من رفح. وحذّر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في الاجتماع، من حدوث مجاعة في غزة بسبب الحرب، ومن أن منظمة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، قد تُصدر في الأسابيع القليلة المقبلة إعلاناً عن المجاعة في غزة، وحدوث ذلك سيكون بمثابة الإعلان الثالث عن مجاعة تحدث في القرن الحادي والعشرين، وهو ما قد يضرّ بالجانب الأمريكي نفسه قبل الإسرائيلي، لكن المسؤولين الإسرائيليين قلّلوا من إمكانية حدوث ذلك.
هل يتخطى نتنياهو الخط الأحمر الأمريكي؟
قيل الكثير عن سياسة وضع الخطوط الحمراء من قبل بعض الزعماء في صراعات الإقليم، لكن حينما يتعلق الأمر بعلاقة واشنطن مع تل أبيب، يبدو مثيراً للاهتمام، إذ حذّر بايدن بشكل واضح من عملية اجتياح رفح، وأبلغ نتنياهو بأن الهجوم عليها سيكون خطاً أحمر. في المقابل، يرفض نتنياهو الضغوط الأمريكية لمنعه من اجتياح رفح، ما دفع صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، إلى وصف تصريحات نتنياهو بأنها تحدٍ واضح لبايدن، وزعم رئيس الحكومة الإسرائيلية في تصريحاته لـ"بوليتيكو"، بأنه حصل على دعم عربي للهجوم على حماس دون ذكر الدول الداعمة.
وكشفت مجلة "فورين بوليسي"، أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وصلت إلى أدنى مستوياتها بسبب غزة، مع عدم رضوخ نتنياهو للضغوط الأمريكية بشأن التوصل إلى حل ووقف الحرب، وهو ما جعل إدارة بايدن تشعر بالإحباط من نتنياهو. وكشفت الصحيفة أن هناك شكاً متزايداً عند مسؤولي إدارة بايدن وخبرائها في أن تنجح الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة لهزيمة حماس، وخوفاً حقيقياً.
وتحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الإثنين 2 نيسان/ أبريل الماضي، عن المخاوف الأمريكية من اعتزام إسرائيل اجتياح رفح، إذ ترى واشنطن أنه يمكن توجيه ضربات دقيقة لبعض الأهداف في رفح بدلاً من الاجتياح الكامل، لأن الأمر قد يتدهور نحو اشتباكات مع الجانب المصري.
وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إلى الحرص الأمريكي على عدم تدهور الأزمة بشكل إقليمي، ونفت أن يكون الهدف الأمريكي تغيير نتنياهو كرئيس للوزراء كما زعم البعض، إنما ترغب واشنطن في وقف الحرب الإسرائيلية خوفاً من أن تتوسع المواجهات لتشمل إيران وأطرافاً أخرى في المنطقة.
وقد اتخذ أحد أقوى مؤيدي إسرائيل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وهو يهودي ديمقراطي من نيويورك، مؤخراً، خطوةً ضد نتنياهو ودعا إلى استبداله، وقال: "أعتقد أن رئيس الوزراء نتنياهو ضلّ طريقه من خلال السماح لبقائه السياسي بأن تكون له الأسبقية على المصالح الأفضل لإسرائيل".
بايدن يحذّر نتنياهو ويوبّخه
وسط هذه الأجواء العاصفة والتوتر البالغ بين بايدن ونتنياهو بسبب تعنّت الأخير، جمعت مكالمة هاتفية استمرت 30 دقيقةً، مساء الخميس 4 نيسان/ أبريل الجاري، نتنياهو وبايدن، وبّخ فيها الأخير رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحذّره من أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يعتمد على التنفيذ السريع لخطوات جديدة لحماية المدنيين وعمال الإغاثة. وبحسب ما نشرته "أسوشيتد برس"، فإن رسالة بايدن إلى نتنياهو تمثل تغييراً حاداً في دعم إدارته الثابت لجهود الحرب الإسرائيلية، إذ هدد للمرة الأولى بإعادة التفكير في دعمه إذا لم تغيّر إسرائيل تكتيكاتها وتسمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.
تتبنّى الإدارة الأمريكية بشكل واضح حلّ الدولتين، وهي نقطة خلاف واضحة بين واشنطن وتل أبيب، خاصةً في ما يتعلق بمسألة اليوم التالي للحرب على قطاع غزة، فرغبة تل أبيب هي فرض سيطرة أمنية على كامل الأرض الواقعة غرب نهر الأردن. تحاول أمريكا الدفع في طريق حلّ الدولتين في محاولة للظهور كمحايد ساعٍ إلى السلام
ولم يحدد البيت الأبيض ما الذي يمكن أن يتغير بشأن السياسة الأمريكية، لكنه قد يشمل تغيير المبيعات العسكرية لإسرائيل والدعم الدبلوماسي الأمريكي على المسرح العالمي.
وقال مكتب نتنياهو في وقت مبكر اليوم الجمعة، إن مجلس الوزراء الأمني وافق على سلسلة من "الخطوات الفورية لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية على غزة، بما في ذلك إعادة فتح معبر رئيسي تم تدميره في هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي". وقال البيت الأبيض في بيان عقب اتصال اتصال بايدن ونتنياهو، إن الأوّل "أوضح حاجة إسرائيل إلى الإعلان عن سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة، وتنفيذها".
وازداد الغضب الأمريكي بعد الهجوم الإسرائيلي على عمال من "وورلد سنترال كيتشن"، والذي أسفر عن مقتل 7 أشخاص منهم، بحسب ما نشر موقع "أكسيوس" الأمريكي، أمس الخميس الرابع من نيسان/ أبريل، وهو الأمر الذي جعل مسؤولين أمريكيين يعربون عن غضبهم وإحباطهم من التصرف الإسرائيلي، خاصةً أن بعض القتلى من دول توصف بأنها صديقة لإسرائيل، مثل بريطانيا وكندا وأستراليا. واتهم بايدن، الجانب الإسرائيلي بأنه لم يفعل ما يكفي لحماية الفريق الإغاثي، وطالب بالتحقيق العاجل والفوري ونشر نتائجه على الملأ. وعبّر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في مكالمة جمعته بنظيره الإسرائيلي، عن الاستياء الأمريكي جراء الأخطاء الإسرائيلية المتكررة.
وبحسب "سي أن أن"، أتت المكالمة الهاتفية في وقت يتعرض فيه الزعيمان لضغوط داخلية هائلة، ووسط مؤشرات على أن أولوياتهما السياسية غير قابلة للتوفيق.
حلّ الدولتين
تتبنّى الإدارة الأمريكية بشكل واضح حلّ الدولتين، وهي نقطة خلاف واضحة بين واشنطن وتل أبيب، خاصةً في ما يتعلق بمسألة اليوم التالي للحرب على قطاع غزة، فرغبة تل أبيب هي فرض سيطرة أمنية على كامل الأرض الواقعة غرب نهر الأردن، وهو ما أعلنه نتنياهو بنفسه، وكشف أن ذلك يتناقض مع الرغبة الأمريكية وفكرة السيادة الفلسطينية، وقال نتنياهو حول هذه النقطة تحديداً، في كانون الثاني/ يناير الماضي: "رئيس الوزراء الإسرائيلي يجب أن يكون قادراً على قول لا، حتى لأفضل أصدقائنا؛ أن يقول لا عندما يكون ذلك ضرورياً، وأن يقول نعم إذا كان ذلك ممكناً"، ما دفع جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للرد بقوله: "واضح أننا نرى الأمور بشكل مختلف".
"ترغب أمريكا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال السماح بالتصويت على القرار داخل مجلس الأمن لجعلها دولةً كاملة العضوية، مع التخطيط لإتمام صفقة التطبيع بين الرياض وتل أبيب، على أن تعترف الأخيرة بالدولة الفلسطينية".
ونشرت مجلة "جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون" الإسرائيلية، تقريراً تحدثت فيه عن "الصفقة الأمريكية الكبرى" التي بموجبها ترغب أمريكا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال السماح بالتصويت على القرار داخل مجلس الأمن لجعلها دولةً كاملة العضوية، مع التخطيط لإتمام صفقة التطبيع بين الرياض وتل أبيب، على أن تعترف الأخيرة بالدولة الفلسطينية. وتشير المجلة إلى أن من ضمن المخطط الأمريكي إيجاد حل دبلوماسي للوضع في لبنان، ربما يتضمن تنازلات إسرائيليةً طفيفةً على الحدود البرية مقابل انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني. وكشفت المجلة الإسرائيلية أن هناك تحفظاً أو رفضاً إسرائيلياً واضحاً للاعتراف بأي دولة فلسطينية، وهو ما يُعدّ نقطة خلاف قائمةً وقديمةً وجديدةً تزيد الصدام بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو.
وتحاول أمريكا الدفع في طريق حلّ الدولتين في محاولة للظهور كمحايد ساعٍ إلى السلام، وفي هذا الإطار نشر "معهد شيكاغو"، في شباط/ فبراير الماضي، دراسةً تحدث فيها عن التورط الأمريكي بسبب الحرب الحالية. تقول الدراسة: "باعتبارها أقوى حليف لإسرائيل، وأكبر شريك تجاري لها، وأكبر مورد للمساعدات العسكرية، فقد تورطت الولايات المتحدة بشدة في ما يُعدّ الآن أحد أكثر الصراعات فتكاً وتدميراً في التاريخ الحديث". ونشر المعهد إحصائيةً تفيد بأن 56% من الأمريكيين يفضلون ألا تنحاز الولايات المتحدة إلى إسرائيل وأن تبقى على الحياد.
خلافات أخرى
برزت نقاط الخلاف بين الطرفين منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، فمثلاً مع قصف إسرائيل للمستشفى الأهلي العربي في غزة، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال بايدن وقتها: "أشعر بالغضب والحزن العميق إزاء الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي في غزة، وما نتج عنه من خسائر فادحة في الأرواح. إن الولايات المتحدة تؤيد بشكل لا لبس فيه حماية حياة المدنيين في أثناء النزاع، ونحن نحزن على المرضى والعاملين الطبيين وغيرهم من الأبرياء الذين قُتلوا أو جُرحوا في هذه المأساة".
وكذلك الأمر في ما يتعلق بالمستشفيات، فحينما اقتحم جيش الاحتلال مستشفى الشفاء في غزة، نفت واشنطن علمها المسبق بهذه العملية، وأكد وقتها كيربي، أن واشنطن لم توافق على عمليات الجيش الإسرائيلي حول مستشفى الشفاء.
وأقدمت إسرائيل، يوم الإثنين الماضي، على اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان، حسن مهداوي، إثر حادث قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو ما تحدث عنه الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل، قائلاً إنه يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الإسرائيلية توتراً، خاصةً أن الرد الإيراني قد يشمل أهدافاً لها علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية. وخلص عاموس هرئيل، إلى نتيجة مفادها أن الصبر على إسرائيل بدأ ينفد، حتى من قبل حلفائها وأصدقائها في الغرب، وأن الولايات المتحدة وجهت تحذيراً إلى إسرائيل من ردّ إيراني مباشر قد يشمل قصفاً لأماكن إستراتيجية حساسّة داخل إسرائيل من خلال صواريخ إيرانية مجنحة بعيدة المدى.
ويعرب مسؤولون أمريكيون عن مخاوفهم إثر حادث قصف القنصلية الإيرانية في دمشق والتي أسفرت عن مقتل 7 أشخاص بينهم مهداوي، ووصف رالف جوف، وهو عنصر استخباراتي أمريكي سابق في CIA، الهجوم الإسرائيلي، بأنه "متهور بشكل لا يُصدَّق، ولن يؤدي إلا إلى تصعيد من قبل إيران ووكلائها، ما يمثل خطورةً شديدةً على الجنود الأميركيين في المنطقة، الذين قد يتم استهدافهم في هجمات انتقامية من قبل وكلاء إيران"، بحسب ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الأربعاء 2 نيسان/ أبريل الجاري. وقالت مسؤولة شؤون الشرق الأوسط السابقة في "البنتاغون"، دانا سترول: "الهجوم يمثل تصعيداً كبيراً، ويهدد بدفع منطقة مضطربة وغير مستقرة بالفعل إلى حرب واسعة النطاق".
بعد الحديث عن العديد من الخلافات السابقة، يظهر تساؤل مهم: هل بالفعل تسعى الإدارة الأمريكية إلى إحلال السلام وحل الدولتين وتقويض إسرائيل من "أجل حقوق الإنسان"، أم هناك أمور أخرى؟
ما تخشاه إدارة بايدن
بعد الحديث عن العديد من الخلافات السابقة، يظهر تساؤل مهم: هل بالفعل تسعى الإدارة الأمريكية إلى إحلال السلام وحل الدولتين وتقويض إسرائيل من "أجل حقوق الإنسان"، أم هناك أمور أخرى؟ إذ نشر "المركز العربي واشنطن دي سي" الأمريكي، دراسةً تحدث فيها بشكل مسهب عن الخلافات الدائرة وما وراءها، ويقول دانيال برومبرغ: "لم يحدث في أي وقت من تاريخ الشرق الأوسط أن اصطدم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالسياسة الداخلية للولايات المتحدة على هذا النحو العميق الذي نشهده اليوم، وكما تظهر استطلاعات الرأي المتعددة، فإن دعم إدارة بايدن للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة قد أثار غضب العديد من الناخبين الأمريكيين الشباب خاصةً الأمريكيين العرب. وفي إطار تصميمهم على إرسال رسالة، اختار 13 في المئة من الناخبين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغان في 27 شباط/ فبراير، التصويت بعدم الالتزام، والتي تعني عدم انتخاب بايدن، احتجاجاً على سياسات الرئيس جو بايدن في غزة".
وأشارت الدراسة إلى انعكاسات الحرب الحالية داخل الولايات المتحدة وما أحدثته من انقسامات في المجتمعات العربية الإسلامية واليهودية التي فيها، مثل حرب الشعارات في حرم الجامعات، وأكدت الدراسة أن الفجوة التي اتسعت بين واشنطن وتل أبيب لن تضيق حتى لو نجح بايدن في وقف إطلاق النار.
كما تحدّث المعهد نفسه، ولكن في دراسة أخرى بعنوان: "غزة وبايدن والانتفاضة الأمريكية"، عن الخلافات الدائرة، بما يفيد أن "أكثر ما تخشاه الولايات المتحدة هو انتفاض وتمرد شريحة الشباب في أمريكا ضد استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، وبالفعل امتنع 100 ألف شاب عن التصويت لصالح بايدن في الانتخابات التمهيدية لولاية ميشغان، كما أن الوضع الحالي واستمرار تعنّت نتنياهو جعلا الجمهوريين في الولايات المتحدة يتحيّنون الفرصة ويظهرون دعمهم لإسرائيل، ليحققوا مكاسب أخرى بسبب المعارضة لدى الديمقراطيين لسياسة استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ومختصر القول: استمرار الحرب الحالية أثّر بشكل بالغ على شعبية بايدن وحزبه، وهو ما قد يؤثر سلباً في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبلة، والتي قد يخسرها الحزب بسبب هذا الصراع مع الجانب الإسرائيلي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 5 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي