كلّ الحب الذي قُدِّم إليّ كان مشروطاً بشكلٍ أو بآخر، وهكذا تشوّهت فكرتي عن الحب الذي أستحقّه، فمع أنًّ حبك "خلّى قلبي متل رماد السيجارة"، لازالت فكرة أنّك "مش ناطرني بالسيارة" تترك ندبةُ أكبر من روحي؛ ولو أنّ مشحةً من السواد غبَّرت قلبك، خبأتك تحت جلدي الذي ليس سوى ندبةٍ كبيرة.
رفاهية الشعور
كلّما غمرني الشعور بالقهر والنبذ، أواسي نفسي بامتلاكي سقفاً آمناً وثلاجةً مليئةً بالطعام، فأفكّ عقدة حاجبي وأبتسم لأطرد شعوري بالجحود والذنب، ولكن هل علينا تجاهل مآسينا الخاصة خلال تضامننا مع المآسي العامّة؟
بالنسبة لفتاةٍ مثلي، فالسلم هو الاستثناء، وعلينا استغلاله بأكبر قدرٍ ممكن، فأن تأتي من حيث آتي أنا، يعني أن تعيش لحظاتك بمبالغةٍ كبرى ولكن لحظية، فمن الطبيعي أن يتشقّف قلبك اليوم وأنت تدفن أعزّ أًصدقائك، وفي اليوم التالي فقط ترقص في عرس الآخر. هنا لا يوجد وقت للتأجيل، افرح اليوم وابك اليوم؛ لماذا إذن أشعر بأنه علي دائماً أن أحبّ غداً؟
لكوني مولعة بالنبيذ، سمحت لمخيلتي بأن تتعامل مع مشاعري على أنها عنب طازج يتم تخميره، لأستيقظ يوماً ما وأكتشف بأني حصلت على ثروة من النبيذ المعتق الذي سيبهر العالم كلّه... مجاز
أؤمن حقاً بأن المشاعر نوع من الطاقة التي تتحوّل من شكلٍ إلى آخر، لكنها لا تفنى ولا تتكون من العدم، ولكوني مولعة بالنبيذ، سمحت لمخيلتي بأن تتعامل مع مشاعري على أنها عنب طازج يتم تخميره، لأستيقظ يوماً ما وأكتشف بأني حصلت على ثروة من النبيذ المعتق الذي سيبهر العالم كلّه، غير أني استيقظت مؤخراً وأنا أغرق بخلٍّ حارق.
هكذا فهمتُ بأن عيش مشاعري وتأجيلها ليس حميداً مثلما ظننتُ، وبأني إذا نسيتُ نفسي خلال
دعمي للآخرين لن ينتبه أحد لتهاويي وخسارتي لصحتي النفسية في المقابل، والآن سيكون جوابي
كلّما سألت نفسي: "هلق وقتها؟"، هو: "إيه".
إذا كانت كل الأوقات مناسبة للموت وللحزن فعليها أن تكون مناسبة للحياة وللحب أيضاً، ولن أقبل أعذاراً من نفسي ولا من الآخرين بعد الآن.
نقطة الصفر
كانت المياه تتجمّد في الأنابيب، في الليلة التي نظرتُ فيها لمن أحب لأول مرّة مدركةً باني سأحبه. جلست إلى جواره وقرأت له الشعر، وهو شيء توقفت عن فعله لسنوات، لكنّه أثار فيّ شيئاً لم أقدر أبداً على تفسيره، دون اللجوء للكتاب والشعراء الذين ينقذون حياتي ويثيرون غيرتي كلّ مرةٍ يقولون فيها ما لا أستطيع قوله، وبغروري غير المقبول، صدّقت بأني جعلت قلبه أدفأ.
مددت له قلبي مثلما تمدّ الفزاعة يديها للفلاح، وسرق حزني كمن يسرق الكحل من العين. صرت أخيراً قادرة على النوم بلا كوابيس، ولم أعد خائفةً من أن يلمسني أحدهم دون إخباري مسبقاً. سيطرت على دوافعي الانتحارية وتوقفت عن شرب الخمر إلا في ليالي الأنس، ولم يطل الأمر حتى صار مجرد جرحٍ آخر في قلبي.
لكن القصة ليست تراجيدية كما يحلو الاعتقاد، وليست معقدة التفاصيل. انتظرته ليصير قادراً على الحب، وعندما فعل أحبّ غيري. هذه القصة من الصفر، بسيطة ولا تستحق الكتابة عنها.
لماذا أكتب هذا الكلام إذن؟ لأني جبانة، وآمل أن يقرأه بدل إخباره بتفاصيلها.
تجمّد دمي عندما أدركت بأن كل هذا حدث دون أن آخذ بالمقابل أسفاً حقيقياً ولا شعوراً بالذنب، كنت هيّنةً للحد الذي لا أُلاحظ فيه، لذا صارت تهاجمني احتمالية أن يكون اشتاق لي لمرة واحدة، لو تمنى للحظة أن أكون بدلها فراشه، أو أنه نام في ليلةٍ ما وأراد أن أكون من يراها عندما يفتح عينيه، إن لم يشعر بوجودي كيف سيشعر بغيابي إذن، وكيف يمكن للحب أن يجعلنا نشفق على أنفسنا لهذه الدرجة؟
ولكن إذا كنا نكره أنفسنا بحيث تواسينا لحظات عابرة في مخيلة من نحب، ألا يجب علينا أن نتعلم حب ذاتنا قبل التفكير بحب الآخرين؟
إذا كنا نكره أنفسنا بحيث تواسينا لحظات عابرة في مخيلة من نحب، ألا يجب علينا أن نتعلم حب ذاتنا قبل التفكير بحب الآخرين؟... مجاز
ليست كل النهايات حزينة
عندما تخوزقت -مجازاً- حصل الأمر بسرعةٍ واحترافيةٍ لدرجة أني كنت نائمةً، واستيقظت وحيدةً تصفعني ريح الخيبة بلا توقف. لم أستطع استيعاب الأمر، ومن الصدمة بلعت لساني ودموعي، وقلت بهدوءٍ غير مكترث، بأني أستحق معاملةً أفضل من هذه، لن أسمح لعاطفتي باتخاذ القرارات بعد الآن.
كان العصفور الرمادي ممدداً على جانب الطريق، وتلتصق ذبابة بالدم المجمّد بجانب منقاره، ومعي صديقي يحاول إقناعي بانتزاعي من المشهد الذي يلوّث نظافة الشارع. كسرت جمالية وقسوة هذه اللحظة قلبي إلى الأبد: لماذا على كل الأشياء أن تكون تراجيدية حتى تلفت الانتباه؟ قلت لصديقي بأني إذا فشلت بأن أكون حبيبة جيدة سأفشل في الموت ميتةً شاعرية، لأني لن أجد من سيبكي علي لثلاثة أشهر كاملة قبل إيجاد غيري. وعدني بأنه سيحاول البكاء ثلاثة أيام كاملة إذا قبلت الرحيل دون أخذ العصفور، فرحلت.
كان هذا النص الركيك محاولةً لأساعد من يعتقدون بأنهم مجروحين بطريقةٍ لا يمكن إصلاحها، وأقول لهم إنني مثلهم، لكنني نجحت، وها قلبي الآن أصبح زهرة دوار شمسٍ دون الحاجة للحب، لكننّي، وبينما تنفد حججي، أفهم أني ما زلت أحبه، وهذه الزهرة في داخلي ستتبعه دائماً كأنه شمسها الوحيدة، وأبكي لأني سُلبت الحق بإرسال نصوصي إليه، وبهذه الطريقة لن أعرف أبداً إن كان سيعرف أني ما زلت أنتظره، ولرجلي كل أحاديث التنمية البشرية وخبراء العلاقات، لأنه لا يوجد أي طعمة لأي نجاح ولا لأي شيء في الحياة إن لم يشاركنا ويبتسم لنا خلالها من نحب.
هو من أحب، وأي شيء آخر أقوله مجرّد هروب من هذه الحقيقة الجارحة كحدّ الورقة والواضحة مثلها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون