شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أصوات غير موجودة في القاموس

أصوات غير موجودة في القاموس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والنساء

السبت 30 مارس 202411:29 ص



هناك أصوات تنتمي إلى لحظات قصيرة تمرّ في حياتنا. لا نعرف أسماءها. لطالما شغلتني هذه الأصوات. ليس بدافع الفضول اللغوي، بل بدافع تثبيت هذه اللحظة في ذاكرتي وإعطائها الحيز الذي تستحقه، كأي لحظة مُهملة.

اللحظات المهملة السريعة توقفني عندها ساعات من التفكير والتأمل...

(كلمة رقم سقطت عمداً عن هذه اللحظات لإعطاء بعد إنساني لهذه اللحظات، كي تعلق خارج اللحظة على شكل صوت/ أصوات).

 *****

لحظة 1: صوت امرأة يلجها رجل تحبه ولا يحبها

لحظة 2 : صوت امرأة يلجها رجل تكرهه ويكرهها

لحظة 3: صوت امرأة يلجها رجل تحبه ويحبها

لحظة 4 :صوت امرأة يلجها رجل متزوج من غيرها

لحظة 5: صوت امرأة يلجها رجل تحبه ولكنها متعبة

صوت رجل "لا يئن" لأنه رجل؛ يلج امرأة لها أصوات، لكن لا اسم لها، إلا في مخيلتي

لحظة 6: صوت امرأة يلجها رجل في عز النهار، وأولادها ينادونها

لحظة 7: صوت امرأة يلجها رجل لأول مرة في حياتها

لحظة 8: صوت امرأة يلجها رجل متحول

لحظة 9: صوت امرأة يلجها رجل يشبه أباها

لحظة 10: صوت امرأة يلجها رجل في المنام

مئات اللحظات تضاف. المشهد نفسه. الحالة تختلف. الأصوات تختلف.

"تئن": قال من لا يسمع التفاصيل

 لحظة 100: صوت رجل "لا يئن" لأنه رجل؛ يلج امرأة لها أصوات، لكن لا اسم لها، إلا في مخيلتي.

للنقطة آخر اللحظة صوت. لا اسم له. اللانقطة صوت أيضاً.

*****

لمحته على قارعة الطريق. رجلٌ في عقده السادس، رث الملابس، لا أتذكر ملامحه، أو ليست لديه ملامح. يقف ويمسك بيده طرف ميزان قياس الوزن الذي يتجاوزه هو ببضعة سنتميترات لا أكثر. يمسكه وينتظر... هذه هي مهنته: الانتظار ... انتظار المارة (صوت). انتظار أن يخطر على بال أحد المارين من رجال ونساء، مراهقين ومراهقات ، أطفال ... لا يهم مَن. انتظار أن يخطر على بال أحدهم أن يقف للحظة عنده (صوت) كي يقيس وزنه! لا يكلّ، لا يتعب، لا ييأس، فقد أمضى كل حياته  واقفاً، ممسكاً الحديد، منتظراً فضول أحدهم كي يعرف كم يزن في هذه اللحظة الصاخبة  من الحياة (سكون).

قال له العسكري بصوته الأجش: "الحكومة هي اللي مشغلاك يا حيوان"، ومن يومها اقتنع فعلاً، وبات يشعر أنه مهم، وأنه جزء من دائرة الحياة الطبيعية... مجاز

الكل يركض في كلا الاتجاهين كأنهم يقصدون وجهة معينة. يتكلمون بصوتٍ عالٍ. يثرثرون، يضحكون. يبكون (أصوات). وهو في الوسط ينتظر (صوت مكرّر). في وسط هذه العادات الإنسانية التلقائية، ينتظر أن تخطر على  بال أحدهم فكرة أن يعرف وزنه. ربما لتعبئة استمارة عند الجهات الحكومية. يريدون معرفة وزن وطول المواطنين. لون أعينهم. مواصفات دقيقة لا يعرفها المواطنون العاديون عن أنفسهم ولا يهمهم معرفتها. الحكومة تفرض علينا أن نعرف لون عيوننا ،وزننا، طولنا، عمرنا حسب شهادة ميلادنا.

فكّر بكلّ هذا وعدّل عن وقفته: الحكومة إذا تساعده في أكل عيشه. تجعل الناس تأتي إليه كي تقيس وزنها. هكذا أفهمه مرّة أحد عساكر الأمن في ليلة عاصفة، عندما أتتهم الأوامر بلمّ جميع العاملين على الرصيف (صوت صاخب) واعتبارهم يشوّهون المنظر العام للبلد. قال له العسكري بصوته الأجش: "الحكومة هي اللي مشغلاك يا حيوان"، ومن يومها اقتنع فعلاً، وبات يشعر أنه مهم، وأنه جزء من دائرة الحياة الطبيعية (صوت روتيني) التي ينتمي إليها الناس العاديون.

نعم المهنة التي ورثها عن أجداده مهمة وخفيفة فلولاه لما عرف الناس وزنهم... الناس خفيفون جدّاً عندما يجرّدون من أحلامهم. لا مفاجآت تحصل على أرضية المربع المهترئة الصدئة حيث يقفون، فهذه الأرضية تسع لجميع الأوزان والأشكال والألوان  (أصوات صاخبة)، وإن لم تسع فهو يضع يده بطريقة غير مرئية كي يكون الزبون راضياً، فكم مرة جعل امرأة سمينة جداً تسعد لوزنها بعد أن أرجع إبرة الميزان دون أن تدري عشرين كيلوغراماً (صوت خفيف)، كانت تقفز من الفرح والفخر. لا يهم أنه غش. فهو جزء من الحكومة، ومهمة الحكومة إسعاد مواطنيها بشتى الطرق.

كم هو محظوظ أنه مستثنى من تعبئة الاستمارات، فهو لن يقدم يوماً على شراء بيت أو سيارة أو تقديم طلب هجرة أو عمل جديد. ليس مرغماً إذن أن يعرف وزنه وطوله أو لون عينيه. هو من لا ملامح له مثل الآخرين، فالميزان الطويل الحديدي الذي يقصره ببضعة سنتميترات، أخذ كل الأضواء منه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image