تستمر الحرب الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، ويستمر معها مسلسل الخسائر الكبيرة التي تلحق بالمزارعين. ومربو النحل اليوم من أكبر المتضررين من نيران الحرب المستعرة التي أتت على مئات المناحل، وقتلت أعداداً هائلة من النحل، ما ينبئ بكارثة على صعيد قطاع النحل وإنتاج العسل، إذ تشكل المناحل في الجنوب اللبناني إحدى أهم الدعائم لهذا القطاع.
علي نصرالله نحّال من بلدة ميس الجبل الحدودية مع فلسطين المحتلة، وهو عضو هيئة عامة في نقابة مربي النحل في الجنوب. لدى علي ما يقرب 190 خلية نحل، فقد معظمها بسبب الحرب، ويقول لرصيف22 إنه يملك 110 خلايا نحل في أرض في بلدته ميس الجبل على مقربة من مستعمرة المنارة، و80 خلية في منطقة الدبش داخل البلدة، لكن منذ بداية الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر الفائت وبعد عملية طوفان الأقصى، حُرم من الوصول إلى مناحله لمتابعتها وتقديم الرعاية اللازمة للنحل.
الفوسفور يقتل البشر فما بالك بالنحل؟
ويضيف: "المنحل قرب مستوطنة المطلّة تعرض لقصف إسرائيلي بالقذائف الفوسفورية، وبالتالي كل النحل الموجود أبيد بشكل كامل. الفوسفور يقتل البشر فما بالك بالنحل".
وتقدر إحصاءات وزارة الزراعة عدد قفران النحل في محافظة النبطية بنحو 74 ألفاً وفي محافظة الجنوب بنحو 57 ألفاً، ويبلغ عدد النحالين في المحافظتين أكثر من ستة آلاف نحال.
لا رعاية كافية
ليست القذائف الفوسفورية وحدها هي المتسبب بموت النحل، وإنما غياب الرعاية عن المنحل والنحل هو السبب الأكبر، إذ يؤكد نصرالله أن لا مجال لترك النحل دون رعاية واهتمام لفترات طويلة، فهو بحاجة إلى متابعة وعلاج بشكل دوري خاصه لناحية حشرة الفارواه التي تقتله، وبروتوكول العلاج كان عادة رش الدواء اللازم كل شهرين، وبسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ ستة أشهر لم يتلقَّ النحل العلاج، ما يعني أن هناك أربع دورات علاجية حرم منها النحل، وبحسب نصرالله فإن النحل الذي بقي لديه في منطقة الدبش لا تتجاوز نسبته 20%، وإذا استمرت الحرب شهراً إضافياً فلن تبقَ أي نحلة.
مناحل في جنوب لبنان بعد تعرضها للقصف والحرق
وقد نزح نحّالو المنطقة الحدودية عن بلداتهم ومناحلهم، وبقي نحالو الجنوب البعيدين عن الشريط الحدودي في بلداتهم، لكن بات يتعذر عليهم الوصول إلى مناحلهم، التي تكون عادة في الأحراش والوديان والجبال بعيداً عن المنازل، وهذه المناطق أصبحت مستهدفة من قبل الآلة العسكرية الاسرائيلية.
حال علي ليست أفضل من محمد نصرالله ابن بلدة حولا الحدودية، فهو يملك 150 خلية نحل في منحله الذي يقع في منطقه حساسة جداً تحت موقع العباد الاسرائيلي، ويشير إلى تضرر منحله بالقذائف الاسرائيلية وخاصه الفسفورية منها، لكن يلفت في الوقت عينه إلى أن النحل لديه يعاني الجوع بسبب غيابه عن المنحل لفترات طويلة، فهو لم يستطع الوصول إليه منذ بداية الحرب، ويقول: "الجيش الاسرائيلي يستهدف كل شيء يتحرك في منطقه الشريط، لذلك لم نتمكن من التحرك تجاه مناحلنا وتفقد النحل".
ويؤكد نصرالله أن حشرة الفارواه تنقل سبعة أنواع من الفيروسات للنحل، وإذا لم يقدم العلاج الخاص بهذه الحشرة، فسيكون النحل مهدداً بالإبادة بكل تأكيد.
لا مجال لترك النحل دون رعاية واهتمام لفترات طويلة، فهو بحاجة إلى متابعة وعلاج بشكل دوري خاصه لناحية حشرة الفارواه التي تقتله، وبروتوكول العلاج كان عادة رش الدواء اللازم كل شهرين، وبسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ ستة أشهر لم يتلقَّ النحل العلاج
النحل مصدر رزق
يعتبر البعض أن تربية النحل هواية تعرفهم على عالم النحل الخاص والمميز بدقّته وتنظيمه وعمله، إلا أن النسبة الأكبر ترى في النحل مصدر رزق أساسي ومهنة لا بديل عنها، تماما كحال علي ومحمد اللذين يعتمدان بشكل أساسي على عائدات مواسم العسل من كل عام، ليؤمّنا لقمة العيش الكريمة لعائلتيهما.
يؤكّد علي أن النحل يشكل مصدر رزقه الأساسي، ومع خسارته للمناحل يكون قد خسر هذا المصدر، ويقدر خسائره في المناحل بأكثر من 25 ألف دولار، لناحية أسعار خلايا النحل وكلفة الأدوية والرعاية التي قدمها لها على مدار الأعوام الستة الماضية.
أما الخسائر الكبرى فهي المواسم، ويقول في هذا السياق: "خسرنا حتى الآن موسم زهر الليمون بين شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، والذي يعد أساسياً لمربي النحل وانطلاقة لموسم العسل، ولو فرضنا أننا لم نتعرض لهذه الحرب، فنحن نتوقع أن ننتج ما يزيد عن طن واحد من العسل من موسم زهر الليمون فقط، وكلنا كنحالين نعول كثيراً على هذا الموسم الذي يعوض علينا جزءاً كبيراً من كلفة تربيه النحل في السنة الواحدة".
بدوره محمد نصرالله يؤكّد أن اعتماده الكلي في حياته الاقتصادية كان على النحل، وبسبب الحرب فقد هذا المصدر، ويقدّر خسائره بآلاف الدولارات.
المناحل في جنوب لبنان قبل الحرب
خسائر المراعي
قد يقول البعض إن خسارة النحل يمكن تعويضها بإنتاج وتربية خلايا نحل جديدة، خاصة مع وجود خبرات كبيرة لدى النحّالين اللبنانيين، الذين يعتمدون على ملكات نحل مميزة لإنتاج العسل ذي الجودة العالية وبكميات وفيرة، إلا أن ما يصعب تعويضه هو المراعي من الأودية والجبال الخضراء في الجنوب اللبناني.
وبحسب وزارة الزراعة اللبنانية فإن المساحات المحترقة بالكامل بلغت 2100 دونم، ومساحة الأراضي الحرجية والزراعية المتضررة وصلت إلى 6000 دونم، إذ أتت الحرائق على الزيتون والصنوبر والسنديان والغار إضافة إلى أشجار زراعية وحمضيات، ما يعني أن النحل فقد مساحات شاسعة من المراعي الضرورية لجني الرحيق لإنتاج العسل.
يشير علي نصرالله إلى أن الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب، حرق الأحراج في الناقورة واللبوني وشيحين والظهيرة وبيت ليف وياطر والمنصوري، وهذه الوديان كانت تشكل مصدر رزق أساسي لنحالي الجنوب لأنها تضم أشجار السنديان المعمرة، ومنها ينتج النحل عسل السنديان المميز.
مناحل في جنوب لبنان بعد تعرضها للقصف والحرق
ويضيف: "فقدان المراعي أمر خطير جداً، الإسرائيلي استعمل كل الذخائر الحارقة التي يمكن أن تحرق المساحات الخضراء في الجانب اللبناني. نحن في الجنوب كنا نعمل لفترات طويلة على خلق المراعي، واستقدمنا أعداداً كبيرة من أشجار السدر والكينا والتي تعطي نسبة كبيرة من العسل، وهذا المشروع يجب أن يستكمل فور انتهاء الحرب، لنعوّض البساط الاخضر الذي فقدناه ولنخلق مراعي للنحل من جديد".
أمر خطير آخر يتهدد النحل المتبقي، ليس فقط في منطقة الشريط الحدودي فحسب بل في كل لبنان، ألا وهي الطائرات المسيرة، فبحسب محمد نصرالله فإن النحل يتواصل بعضه مع بعض بواسطة الذبذبات التي يصدرها، والطائرات المسيرة تبث ذبذبات أثناء تحليقها فوق المناطق، وبالتالي تشوّش على النحل وتؤدّي إلى ضياعه وتشتّته فيضلّ طريقه إلى الخلايا.
يؤكّد علي أن النحل يشكل مصدر رزقه الأساسي، ومع خسارته للمناحل يكون قد خسر هذا المصدر، ويقدر خسائره في المناحل بأكثر من 25 ألف دولار، لناحية أسعار خلايا النحل وكلفة الأدوية والرعاية التي قدمها لها على مدار الأعوام الستة الماضية
"خسائر زراعية"
يشير مسؤول ملف النحل في وزارة الزراعة المهندس حسين خليل جرادي في حديث خاص لرصيف22 إلى أن الخسائر الحاصلة في قطاع تربية النحل تُصنف تحت الخسائر الزراعية، وبالتأكيد ستشملها التعويضات حين إقرارها من قبل الحكومة اللبنانية ممثلة بالإدارات المختصة بالإضافة إلى وزارة الزراعة، بهدف إعادة الحياة والحيوية إلى هذه القطاعات في هذه المناطق بعد توقف الاعتداءات.
أما بالنسبة للخسائر في المراعي، يشير جرادي إلى أن وزارة الزراعة اعتنت بتأهيل وتقوية الغطاء النباتي في لبنان وفي الجنوب، ولا سيما الغطاء الحرجي والأشجار المثمرة، عن طريق توزيع أعداد كبيرة من الأشجار الصغيرة على المواطنين بشكل مجاني، والتي شملت في جزء منها نصوب أشجار رحيقية وطلعية تعمل كمراعي طبيعية للنحل.
النحالون في جنوب لبنان قبل الحرب
وحالياً وفي ظل الخسائر الفادحة في المراعي، والتي أدت الى تدمير وابادة رقع حرجية وجردية واسعة، فإن وزارة الزراعة تدرس العديد من الخيارات التي ستتحول إلى خطط توضع حيز التنفيذ حال توقف العدوان، للبدء باستعادة الغطاء النباتي والحرجي والمراعي المتضررة بشكل تدريجي، مما سيستعيد الإمكانات التي خسرها الجنوب، وسيضاعف الإمكانات في المستقبل.
وبحسب جرادي، لا يمكن البحث في أي إجراءات أو حلول إلا بعد انتهاء الحرب، ويجب تضمين خسائر النحالين من ضمن الخسائر الزراعية وإلا فلن يعوّض أحد عليهم، وبعد انتهاء المسح والتعويضات ينبغي العمل مع المنظمات الدولية والصناديق الداعمة للزراعة لإقامة مشاريع تعوض الغطاء النباتي والحرجي والمراعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا