شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أندريا...

أندريا... "ملكة جرّ" لبنانية تجتاح المسارح الأوروبية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الخميس 4 أبريل 202402:02 م


امتلأت الصالة.

كانت صوت الأغاني اللبنانية ينبعث منها منذ أن وصلنا، إلى أن توقفت الموسيقى وخفتت الأضواء.

سكت مئتا حاضر تقريباً، غالبيتهم/ نّ من اللبنانيين/ ات، مع بعض العرب و"رَشّة" من الفرنسيين/ ات لإضافة حسٍّ من "الإيكزوتيزم".

كلهم ينتظرون بحماسة كتلاميذ المدرسة قبل بدء فرصة الساعة العاشرة.

دخول الملكات

برغم صمت الموسيقى والحاضرين، لم يبدأ العرض. هل يلزم الملكات وقت أطول للتحضير؟

تكلم "الدي جي" عبر الميكروفون، ثم تابعت إحدى المنظمات. طلبا من الجمهور التراجع: فلا مكان في الصالة لمرور الملكات ووصولهنّ إلى المسرح.

بسرعة، جلس البعض وتراجع البعض الآخر بانتظام. فالكل أتى من كل أنحاء باريس وضواحيها إلى هذا المقهى تحديداً في شمال المدينة، لحضور الملكات الأربعة.

فجأةً، بدأت الهتافات: دخلت أول ملكة.

يكشف أندريا أنه عندما أعلن البابا فرنسيس عن مباركته المثليين/ ات، ابتهجت خالاته آملات أن "يفرحن منه قريباً!"

بدت متألقةً على المسرح. شعرها أشقر طويل وفستانها أسود لمّاع، يخبّئ صدرها ويُظهر بجرأة بشرةً نضرةً حول منطقة الخصر الرفيع.

ثم سمعنا موسيقى برنامج "ستار أكاديمي"، وظهر صوت هيلدا خليفة وهي ترحب بالجمهور وتناشد الوطن. تُحرّك الملكة شفتيها الكبيرتين، وتنقل بدقة نص هيلدا خليفة ملوّحةً بيديها. انتهت المقدمة وبدأ النشيد الوطني اللبناني، مغنّى بصوت كارول سماحة. صفّق الحاضرون عند انتهاء النشيد، ومشهد البلاي باك، وهنا، أخذت الملكة الميكروفون ورحبت بالجمهور بلغة فرنسية متقنة معرّفةً بنفسها: أندريا.

التمسك بالهوية العربية

في حديثه إلى رصيف22، يشرح أندريا من أين يأتي إتقانه اللغة الفرنسية، فهو خرّيج مدرسة الجمهور، وبعدها درس وعاش في فرنسا، لكنه لم يحب دروس الحقوق، فعاد إلى بيروت ليتخصص في دراسة تصميم الأزياء، وليعيش مع والدته في بيتها في الأشرفية، حيث تربّى على موسيقى شارل أزنافور وداليدا وإيديت بياف.

"تربيت في بيت مؤمن وملتزم، ولم تشعرني أبداً أمي بأني منبوذ أو غير محبوب بسبب هويتي الجنسية أو حتى بسبب أدائي كـ'ملكة جرّ'. هي تقول لي إن الله يحب الجميع، وعليّ فقط أن أكون إنساناً طيباً، صادقاً، يتحلى بصفاء النية وبالاحترام للآخرين"

هذه الثقافة الأجنبية أثّرت في أندريا، فاختار في بدايات مسيرته أن يغنّي باللغتين الإنكليزية والفرنسية. مع مرور الوقت، اكتشف ثقافة الـpop العربية، وأصبحت هيفا وإليسا من أحب الفنانات إلى قلبه.

منذ بداية الحرب على غزة، يتمسك أندريا ويفتخر بعرض هويته وثقافته العربية أكثر فأكثر، خاصةً في العروض التي يقدّمها خارج لبنان.

احترام الأديان

لم يهتم أندريا في صغره بلبس أزياء نسائية، لكنه بمناسبة حفل "هالوين" عام 2017، قام بالتنكر بلباس نسائي للمرة الأولى في حياته.

يومها أحبّت أمه إطلالته. فهي كأخواتها الأربعة، من منطقة الأشرفية، يتزيّنّ ويظهرن بأجمل اللباس والأحذية والماكياج ويهتممن بأناقتهنّ. تربين كلهنّ على يد جدّته الأنيقة لولو، التي كانت تصنع قبعات للمناسبات وتبيعها لنساء الحي.

توقفت لولو عن صنع القبعات وتفرغت لرئاسة نساء أخوية العذراء في الأشرفية، والذهاب مع بناتها إلى القداسات والزياحات ورحلات الحج إلى روما وماديغورييه. وعلى سبيل المزاح، يكشف أندريا أنه عندما أعلن البابا فرنسيس عن مباركته المثليين/ ات، ابتهجت خالاته آملات أن "يفرحن منه قريباً!".

يتحدث أندريا عن زياراته لقداسات الآحاد ودير عنايا وسيدة لبنان، ويشدد على حرصه على احترام الديانات وعدم التعرض للمقدسات: "أُجرح عندما نهين الدين وأفهم رد فعل المؤمنين/ ات. نحن لسنا في بلد علماني، وأنا لا أسمح لنفسي بأن أجرح مشاعر أي إنسان مؤمن. فكما أطلب من الآخرين احترام ما أؤمن به وما أقوم به، عليّ أيضاً احترام مقدساتهم ومعتقداتهم".

ويضيف: "تربيت في بيت مؤمن وملتزم، ولم تشعرني أبداً أمي بأني منبوذ أو غير محبوب بسبب هويتي الجنسية أو حتى بسبب أدائي كـ'ملكة جرّ'. هي تقول لي إن الله يحب الجميع، وعليّ فقط أن أكون إنساناً طيباً، صادقاً، يتحلى بصفاء النية وبالاحترام للآخرين".

وهنا اعترفت لأندريا بأن ما أثر بي وميّزه عندي عن باقي الملكات هي كمية اللطف التي تنبثق منه على المسرح والاحترام الذي يعبق به حديثه مع الجمهور، فيرد قائلاً إنه يسعد عندما يكون على المسرح. وبرغم التعب والإرهاق خلال التحضير، من إزالة الشعر إلى وضع الماكياج ولبس الكعب والفستان... يمتلئ بالحب والامتنان عند الظهور أمام الجمهور.

وحين سألت أندريا عن ذكرى قوية مليئة بالحب أثّرت فيه، أراني جروح كتفه ويديه، قائلاً: "خسرت بيتي وتأذيت جرّاء انفجار بيروت. لم يكن في استطاعتي التحرك. كنت ملفلفاً، أعيش في بيت يهرّ سقفه مع صديقتي ساندرا وصديقتي ملكة الجرّ ديفا. ولكن برغم ذلك، قمنا بجمع التبرعات وساعدنا ضحايا من مجتمع الميم-عين، وقدّمنا أيضاً المأكولات للعاملات الأجنبيات ولكبار السن... فملأني هذا بالكثير من الحب. أنا محظوظ لأن عائلتي تحبني وتتقبلني، ولكنني أيضاً محظوظ بعائلة من الأصدقاء تحتضنني. هذا كله من فضل بيروت".

وعن بيروت، يقول أندريا إنه ممتن لساحة الدراغ هناك، فهي سمحت له بالظهور، إذ يعي أنه لو بدأ مسيرته في أوروبا، لكان الموضوع صعباً عليه، وهو يفرح الآن بزيارة أوروبا وبالعروض التي يقدّمها فيها.

يتحدث عن ردود فعل المشاهدين/ ات اللبنانيين/ ات الذين تأثروا وأحسوا بالحنين بعد مشاهدة العرض. نجاح حفلاته في أوروبا يدل على أنه ربما قد يكون جاهزاً الآن للانتقال للعيش خارج لبنان.

مدّد أندريا زيارته إلى فرنسا بعد انتهاء حفلاته. وبرغم العروض العديدة التي تُقدَّم له، ليس بإمكانه الآن أن يقوم بحفلات أخرى: لقد استهلك كل فساتينه وأكسسواراته، وعليه العودة إلى لبنان كي يستطيع جلب أزياء أخرى، كاشفاً أنه سافر مع حقيبتين كبيرتين، في إحداهما فساتين وأحذية وأغراض كثيرة، وهذا الشيء مكلف جداً، خاصةً في السفر والتنقل بين بلدان أوروبا.

قبل أن ننهي المقابلة، سألت أندريا عن اسمه. أخبرني أنه اختار إعطاء اسمه لملكة الجرّ لأنها ببساطة امتداد لشخصيته. وعن أصول الاسم، يخبر أن جدّه أمضى طفولته في إيطاليا: "هناك، اسم أندريا يُعطى للشباب، وبما أن الاسم في لبنان ليس مألوفاً لدى الشباب، قررت البقاء عليه لإبقاء شعور بالازدواجية والارتباك لدى الآخرين".

"علّمتني بيروت أن خلق مشاريع للمستقبل أمر غير ممكن. عليّ دائماً الارتجال، ولكن الحياة قدّمت لي مفاجآت عديدةً، فها أنا أعمل الآن كـ'مايك آب آرتيست'، وعندما توقفت العروض في بيروت، دُعينا لنعرض في فرنسا وتونس وإسبانيا، وفي كل عرض، تمتلئ الصالة... لقد كتبوا عني مرات عدة في مجلة Vogue وفي نيويورك تايمز أيضاً"

برغم ذلك، لا يفكر أندريا في العبور، وليست لديه تساؤلات حول هويته الجندرية، فهو يفصل تماماً بين الشخصيتين، على عكس بعض ملكات الجرّ الأخريات. ينزع أندريا كل الأكسسوارات في حياته اليومية، ويفرح عندما يتخلى عن الماكياج والمجوهرات والفساتين.

في ختام حديثنا عن المستقبل، يقول أندريا: "أنا أحب بلدي كثيراً، وأنا متحمس للعودة. أحب الانفتاح والتقبل والتسامح في بيروت".

ويضيف قائلاً: "تعرضت مؤخراً للتنمر في وسط باريس، وهو ما لم يحصل لي أبداً في لبنان. أحلم بأن يتحسن الوضع في المنطقة وأن أبقى هناك ولا أضطر إلى ترك البلد أبداً، ولكن علّمتني بيروت أن خلق مشاريع للمستقبل أمر غير ممكن. عليّ دائماً الارتجال، ولكن الحياة قدّمت لي مفاجآت عديدةً، فها أنا أعمل الآن كـ'مايك آب آرتيست'، وعندما توقفت العروض في بيروت، دُعينا لنعرض في فرنسا وتونس وإسبانيا، وتلقينا الآن دعوات للأشهر المقبلة. وفي كل عرض، تمتلئ الصالة... لقد كتبوا عني مرات عدة في مجلة Vogue وفي نيويورك تايمز أيضاً".

ويختم بالقول: "أنا في الحقيقة ممتن لكل ذلك. هذا كله يعود للحب الذي أنا محظوظ بأن أحاط به، من عائلتي وأصدقائي ومدينتي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image