شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"كوكب زُحل": حلمي أن أكسر الصورة النمطية عن الكوير وأن يتم التعامل معنا دون تمييز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الثلاثاء 3 أكتوبر 202309:23 ص


عالم من السحر؛ عباءات برّاقة، شعر مستعار ومكياج مبهر، تُسدَل الستائر على مشهد عبثي مليء بالألوان والفن، فن الجرّ أو "الدراغ كوين" الذي رسم حياة زياد سبلاني المعروف بـ"كوكب زحل"، وهي الشخصية التي خلقها لتصبح لاحقاً مزيجاً بين هويته الجندرية وشغفه بالفن الاستعراضي.

يفتح سبلاني الباب أمامنا ليعرّفنا على رحلته غير العادية، والتي تعود إلى طفولة مليئة بالخيال والأحلام المدموجة بالحزن حيناً والكثير من التحديات والانتصارات لذلك الطفل الذي اتخذ الفن عالماً مختلفاً له وطموحاً شكلّه بخطواته الصغيرة قبل أن يكبر ويصبح كوكباً.

هو ابن البقاع، من أم لبنانية-سورية تعمل في مهنة التعليم، وأب لبناني يحترف الرسم وفن الخط، كان التنوع الديني والحضاري فرصةً له للانفتاح على الآخر. يخبر ضاحكاً أنه وُلد في اليوم العاشر من الشهر العاشر، كأنه كان في حينها يعرف أن الحياة لن تكون سهلةً عليه، فقرر أن يبقى محتمياً برحم أمه.

اكتشاف الذات

يُدخلنا زياد سبلاني إلى عالمه الصغير. يبدأ حكاياته بابتسامة كمن فتح كفيه أمام عرّافة يودّ لو تخبره هي الحكاية، هو الذي عاش في عالمه الخاص منجذباً إلى عالم الموضة والفن ورقصات شاكيرا.

يسرد لرصيف22 أولى الحكايات: "لم تكن طفولتي استثنائيةً، لكنني أذكر جيداً شغفي بالفن الاستعراضي. كنت أرتدي تنانير أختي وأتظاهر بأنني نجم ساحر على المسرح، وكانت شاكيرا ملهمتي الأولى، حتى في المدرسة ارتديت ثياباً غريبةً تشبهني. كنت أشعر بأن عليّ أن أبرز هويتي الخاصة عبر كل شيء، حتى هويتي الجندرية كانت حرةً لم أكن أفكر في طفولتي في ما هو الصواب أو الخطأ، إنما ركزت على حقيقتي التي وددت أن أعيشها".

ويضيف زياد: "ما ميّز طفولتي هو اجتهادي في المدرسة. كنت دائماً من الطلاب المتفوقين وهذا كان سبباً كافياً لحمايتي من التنمر والانتهاكات الشخصية من المحيط، لكنها لم تغيّر علاقتي بعائلتي، فلم تكن علاقةً مثاليةً، كنت طفلاً حساساً ولم يفهموا مدى حساسيتي وحاجتي الى الاحتواء والانتماء إليهم، وهذا ما أثّر على مجريات الحياة بيننا لاحقاً، وبدأت أخوض صراعات دامت لسنوات قبل أن نصل إلى نقاط تلاقٍ. لم أكن على توافق مع أبي الذي لم يفهمني يوماً، أما أمي فكانت هي من دعمني في محطات مصيرية وأثّرت في شخصيتي".

في الزوايا المظلمة

في حديثه إلى رصيف22، ينبش زياد سبلاني حكايات لم يروِها من قبل، فكل الفرح الذي يقدّمه على المسرح، خلف كواليسه حزن وألم عاشهما في طفولته وحيداً، وأفكار خطرت بباله مئات المرات، خاصةً بعدما قضى هذا الطفل ليلته الأولى عقب التعرض للتحرش من ابن جيرانه الذي عمره من عمره دون أن يفهم ماذا جرى.

عن هذه الحادثة المريرة التي طُبعت في ذاكرته، يقول زياد: "لم أحكِ عن قصتي لأحد خوفاً من أن يتم ربط ميولي بقصة التحرش، فالميل الجنسي ليس له علاقة بالصدمة، فأنا اكتشفت نفسي منذ طفولتي، لكنني في عمر التاسعة تعرضت للتحرش من ابن جيراننا الذي بادر بالقيام بأفعال جنسية لم أفهمها حينها ولم أفهم أنها تندرج ضمن التحرش".

 "لم تكن طفولتي استثنائيةً، لكنني أذكر جيداً شغفي بالفن الاستعراضي. كنت أرتدي تنانير أختي وأتظاهر بأنني نجم ساحر على المسرح، وكانت شاكيرا ملهمتي الأولى، حتى في المدرسة ارتديت ثياباً غريبةً تشبهني. كنت أشعر بأن عليّ أن أبرز هويتي الخاصة عبر كل شيء"

ويضيف: "برغم شعوري بالذنب إلا أنني لم أخَف من قول الحقيقة. هرعت يومها لأخبر أمي، لكنها ككل الأمهات لم تحاول علاج الصدمة بل حاولت أن تحميني بطريقتها، وبقيت أتعرض للتحرش لفترات عديدة إلى أن كبرت وفهمت ما كنت أمرّ به".

ويوضح سبلاني أنه اكتشف نفسه مبكراً، لكن المواجهة الأصعب كانت مع عائلته: "بعدما تعرضت للكثير من المضايقات في المرحلة الثانوية، حاول أهلي اجباري على الخضوع لجلسات نفسية لكنني عارضت بشدة، وعندما كبرت المشكلات بيننا، هربت إلى المدينة وتحديداً إلى حضن جدتي التي لعبت دوراً أساسياً في منحي الأمان والثقة وإعادة التواصل مع عائلتي".

ويكمل الحديث عن علاقته المميزة بجدّته: "كانت جدتي تعرف ميولي الجنسية وتحبني كما أنا لكنها لم تخبرني إلا بعد عامين من مكوثي لديها، كي لا تُحرجني. عشت معها سنوات عدة في بيروت وبرأيي أفضل ما حصل معي في تلك الفترة كان وجود جدتي وانتقالي إلى هذه المدينة التي غيّرت المسار نحو 'كوكب زُحل'".

ولادة "كوكب زحل"

عن الحياة في بيروت، يقول زياد سبلاني: "كانت الحياة في بيروت عبارةً عن مد وجزر مستمرَّين؛ لحظات من الجمال والفرح، ومصاعب وانتكاسات".

ويضيف: "تخصصت في السينما والإخراج وانتقلت لدراسة المسرح، وفي تلك المرحلة بدأت رحلتي مع فن الجرّ، كنت أؤديه على مسرح الجامعة ولاقى ترحيباً كبيراً من أستاذي في المسرح وزملائي"، مشيراً إلى أن المنافسة كانت عاليةً والتحديات لا تسمح بدخول فنانين/ ات جدد: "استخدموا حياتي الشخصية لإزاحتي جانباً، لا أنكر أنني تأثرت حينها وعشت مرحلةً صعبةً حتى استرجعت قواي ودخلت عالم الدراغ باحترافية عالية".

كيف وُلدت شخصية "كوكب زحل"؟ يجيب زياد سبلاني: "تشكلت أولى ملامح فن الجرّ في مخيلتي عندما طُلب مني في الجامعة أن أؤدي إحدى شخصيات مسرح شكسبير، لايدي ماكبث، لكن بطريقة مختلفة، من خلال مشهد كوميدي أو رقص، وكان عيد الهالويين حينها، فاخترت أن أقدّمها بطريقة فن الجرّ وحصلت على أعلى علامة في الصف، وشعرت بالدعم الكبير ممن حولي وأودّ أن أشير هنا إلى أن الميول الجنسية لم تكن عائقاً أمام دراستي أو علاقتي مع زملائي في الجامعة، بل كنّا نتقبل بعضنا كما نحن".

"وُلدت 'زحل' كشخصية فردية لي على المسرح وهي شخصية كوميدية، حضورها قوي، جميلة، شعرها أسود، مليئة بالنشاط والحب، مرهفة، وبعض ملامحها تشبه أمي، حظها قليل وتحصل معها أشياء غريبة على المسرح وتعلمت تحويل الحوادث العرضية إلى محتوى كوميدي"

أما عن بداية عروض الدراغ كوين، فيخبر زياد: "في أواخر العام 2017، قررت أن أعيد التجربة خارج الجامعة وحصلت على فرص عدة، لتقديم عروض متنوعة، وأهم الفرص التي حصلت عليها عام 2018 كانت من مقهى 'رِواق' يوم طلبوا مني أن أُقدّم عرضاً لمدة ساعة أسبوعياً. كانت مشاعري مختلطةً بين الفرح والخوف، لكنني قررت أن أخوض هذه التجربة وأعدّها من أهم العروض التي قدّمتها في بداياتي، ولا أنسى رد فعل الجمهور والتفاعل الذي حصل بيننا، وحرصت على أن أقدّم فناً للجميع وليس لمجتمع الميم-عين فقط".

ويتابع: "وُلدت 'زحل' كشخصية فردية لي على المسرح وهي شخصية كوميدية، حضورها قوي، جميلة، شعرها أسود، مليئة بالنشاط والحب، مرهفة، وبعض ملامحها تشبه أمي، حظها قليل وتحصل معها أشياء غريبة على المسرح وتعلمت تحويل الحوادث العرضية إلى محتوى كوميدي بشكل سريع خلال العروض وهذا جزء من دراستي المسرحية".

عن سبب اختيار اسم "كوكب زحل"، يقول: "جاءت تسمية هذه الشخصية لشدة تعلقي بعلم الفلك والأبراج فهي هواية إضافية لفن الجرّ. "كوكب زحل" يشكل الحاضر والماضي وهواجسي وكل ما مررت به، إستطعت أن أعبُرَ بهذه الشخصية إلى عالمي الخاص وأحوّله إلى عروض استعراضية كنت أحلم بها في طفولتي".

ويشرح سبلاني أن ما يميز "كوكب زحل" أنه كان من أوائل الفنانين/ ات الذين/ اللواتي غيّروا/ ن صورة فن الجرّ من الغربي إلى العربي: "كانت هويتي الفنية عربيةً، اسمي زحل وأقدّم عروضاً باللغة العربية ولقيتُ تقبلاً لدى الجمهور بشكل كبير، وفي بعض العروض أشرك الجمهور معي على المسرح فيصبح العرض مضحكاً جداً وعملت جاهداً لتثبيت هوية "كوكب زحل" العربية وطورتها مع الوقت، وفي أحد عروض التحدي التي نقوم بها كدراغ كوين، قدمت شخصية سارية السواس وكان الأمر غريباً حينها ولكني نجحت في تقديمها".

"لم تكن الحياة على ما يرام دائماً، لكنني نجحت في محطات كثيرة وظهرت في مجلات عالمية وكنت من بين مئة شخصية كسرت الحواجز الاجتماعية في العالم وأثّرت بشكل إيجابي بمن حولي وساعدت عدداً من الأشخاص للتصالح مع هويتهم الجندرية"

أما عن تصميم العروض، فيخبر زياد: "منذ بداية زُحل في العام 2017، وحتى اليوم في رصيدي مئة عرض منفرد، أصمم العروض بنفسي وأشرف على كل التفاصيل وأخيط الثياب وأضع المكياج بنفسي وأختار الشعر المناسب للعروض، حتى أنني أصمم إعلان الحفل بنفسي، وأفتخر بأنني صنعت 'كوكب زحل' وأوصلتها لتصبح هويتي الفنية التي حلمت بها".

ويضيف: "ما ساهم في شهرتي أيضاً كانت منصة تيك توك في العام 2021، وانتشار فيديوهات صورتها في فترة كورونا، وبرغم تعرضي للتنمر إلا أنها ساهمت في انتشاري على السوشال ميديا ولقيت تقبلاً في وقت لاحق من مختلف الجماهير، فالمحتوى الذي أقدّمه لم يزعجهم، وما عددته إيجابياً أيضاً أني قمت بنوع من الشراكة مع شركة ميتا ودُعيت إلى مؤتمر في تركيا".

وعن الفن الذي يقدّمه، يقول: "أنا أقدّم نوعين من الفن، فن الجرّ ككوكب زحل، وستاند أب كوميدي كزياد، ودخلت في تجارب أداء عدة مع Awkword بشخصية زياد، ورحبوا بي بانتظار أن أقدّم عروضاً معهم في المستقبل".

بالرغم من صعوبات الحياة، تذوق سبلاني طعم الانتصارات في العديد من المحطات، وفق ما يؤكد لرصيف22: "لم تكن الحياة على ما يرام دائماً، لكنني نجحت في محطات كثيرة وظهرت في مجلات عالمية وكنت من بين مئة شخصية كسرت الحواجز الاجتماعية في العالم وأثّرت بشكل إيجابي بمن حولي وساعدت عدداً من الأشخاص للتصالح مع هويتهم الجندرية. شعرت بأن عليّ أن أقوم بما أحب. التحديات كانت كبيرةً وقررت أن أخوض غمار هذا الفن الذي تصعب تحدياته يوماً بعد يوم في هذا الوطن، لكنني أؤمن بأن الفن فوق كل شيء وأن الإنسانية ستنتصر في النهاية".

يختم زياد سبلاني حديثه بالقول: "ما أحلم به اليوم هو أن أحترف فن الستاند أب كوميدي بحيث أنني أحببت نفسي في هذا المجال وأطمح إلى أن أصبح مؤثراً بشكل أكبر في محيطي وأن أصل إلى العالمية وأن أكسر الصورة النمطية عن الكوير وأن يتم التعامل معنا دون تمييز".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image