يواجه مجتمع الميم-عين تحديات شتّى لا سيما في المنطقة العربية، سواء من الناحية القانونية، أو النبذ من قبل الأهل والمجتمع وبعض المطالبات الدينية بالقتل. لكن برغم ذلك، يبقى هناك أفراد من نسيج هذا المجتمع يتحدّون الواقع بقوة لإثبات نجاحهم ووجودهم والتحدث عن هويتهم الجنسية والجندرية دون خوف، لأنهم ببساطة لا يحبون وضع الأقنعة المرهِقة أمام المقرّبين منهم.
وبرغم أن لبنان هو من البلاد الأقل حدّةً تقريباً من باقي الدول العربية في التعامل مع موضوع المثلية الجنسية، إلا أن هناك دوماً تخوفاً من المتطرفين الذين يعارضون المثلية الجنسية.
أنيس عز الدين، شاب لبناني مثلي الجنس، يعمل في مجال الموضة والأزياء في بيروت، ويقدّم نفسه كـ"دراغ غوين" تحت اسم "أنيسا"، ليقوم بعروض مسرحية صغيرة كوميدية تهكمية في بارات ومسارح مختلفة في لبنان، وهو مثال عن قصة نجاح لشخص قرر أن يواجه المجتمع والأهل بمثليته.
- كيف تصف العلاقة الأولى التي تعرفتَ من خلالها على جسدك وميولك الجنسية؟
لقد عرفتُ أني مثلي الجنس مذ كان عمري ثماني سنوات تقريباً، ولم أشعر وقتها بأنني غريب، بل على العكس، كنت سعيداً بتحديد ميولي وهويتي الجنسية والتصالح معها منذ الطفولة.
غالباً ما تشكّل الأمور في بدايتها حالةً من الضياع لدى الشخص المثلي، لكن بالنسبة لي فإن القصة كانت أسهل، فقد فهمت نفسي وماذا أريد وماذا أحب وعرفت أنني أحب التقرب من الذكور وليس الإناث. لم أخَف أو أخجل بل كانت العلاقة الأولى التي اكتشفت ميولي وجسدي فيها، مع شخص آخر رائعة، وفيها تحديات بحكم أن المجتمع لا يتقبل ذلك.
- كيف أخبرت أهلك عن ميولك الجنسية؟
عرفت أمي بميولي الجنسية من أيام المدرسة، وحينها واجهتني بالموضوع واعترفتُ بذلك، وقالت لي إنها تتقبل أن يكون كل أولاد الناس "مثليين" إلا ابنها، وبعد أربع سنوات من هذا الموقف، كشفت قريبتي أنها مثلية، وكانت والدتي أقرب الناس إليها، وعندها جاءت أمي واعتذرت لي بأنها كانت قاسيةً معي وأنها بدأت تتقبل الأمر، في حين أن أختي كانت تدعمني منذ البداية، أما أبي فقد عرف بذلك حين كان عمري 21 عاماً، ووقتها تقبّل الأمر قليلاً، وعموماً اجتهدتُ بشكل كبير بالتحدث عن المثلية علمياً وثقافياً كي يتقبل أهلي الأمر.
"فهمت نفسي وماذا أريد وماذا أحب. لم أخَف أو أخجل بل كانت العلاقة الأولى التي اكتشفت ميولي وجسدي فيها، مع شخص آخر رائعة، وفيها تحديات"
- اتجهتَ إلى مجال "الموديلينغ" والأزياء، وبدأتَ تحقق ذاتك في هذا المجال، وغالباً ما نجد فنانين/ ات أو متخصصين/ ات في المكياج أو الأزياء أو التصوير وغيرها من المهن الإبداعية من مجتمع الميم-عين. هل برأيك الشخص المثلي يتمتع بحس إبداعي أكثر من غيره؟
طبعاً، فالمثليون/ ات يجدون/ ن أنفسهم/ نّ في المجال الفني بشكل أكبر، لأنهم/ نّ يشاهدون/ ن الأمور بمنظور مختلف ويتعاملون/ ن مع المسائل بعقلية منفتحة ومختلفة عن الآخرين، ولأن بعضهم/ نّ قد يكونون منعزلين قليلاً عن المجتمع بسبب ميولهم/ نّ، فإنهم/ نّ يجدون/ ن في الفن على اختلاف أنواعه ملاذاً لهم للتعبير عن أنفسهم/ نّ.
- شغفك بعالم الأزياء قد يصطدم بواقع الرفض من قبل بعض مديري الشركات أو رؤساء العمل بسبب الميول الجنسية، هل اصطدمت بهذه العراقيل؟ وكيف واجهت الأمر؟
صراحةً في عالم الأزياء لا أجد أن هذا الرفض موجود بكثرة، لأن أغلب العاملين في مجال الموضة والأزياء وتصفيف الشعر هم من مجتمع الميم-عين، ولأن الأفراد المثليين في الغالب مبدعون وشغوفون بهذا المجال، وعملهم متقَن، لذا هم يُقبَلون في هذا النوع من الأعمال بالتحديد، وقلَّما يواجهون عراقيل بسبب ميولهم الجنسية. عنّي شخصياً لم أواجه أي مشكلة بخصوص هذا الأمر.
- حدّثنا عن شخصية "أنيسا" التي صنعتَها، وبماذا تختلف عن "أنيس"؟ ولماذا اخترتَ فن الجر بالتحديد لتقديمه للناس؟
لا أعدّ أن أنيسا وأنيس يختلفان عن بعضهما، بل على العكس، أنيسا هي تتمة لأنيس، وهو الشخص الذي "يقوّي" أنيس ويدفعه ماسكاً بيده نحو الأمام. هما الشخصية نفسها مئة في المئة، لكن أنيسا ليس لديها حدود، فهي تكمل خطواتها قدماً وتكسر كل التابوهات أو القيود المفروضة من المجتمع التي قد تعيق أنيس في بعض الأماكن، فأنيس لديه بعض الخوف من المجتمع، والتساؤلات المحيطة دوماً حوله عن تقبّله وعدم تقبّله، فتأتي أنيسا في الوقت المناسب لتشدّ على يده وتمنحه الشجاعة والجرأة، أما اختياري لهذه المهنة فهو لأسباب عدة أهمها أنها تعبّر عن أنوثتي الداخلية، كما أنها فرصة رائعة لتحقيق شغفي في عالم الأزياء، المكياج، التمثيل أيضاً، كما أنها شخصية جديدة تعبّر عن جانب آخر من شخصيتي.
-ما هي التحضيرات التي تقوم بها قبل الصعود على المسرح؟ وكيف يتفاعل معك الجمهور تحديداً في لبنان؟
أهتم جداً قبل الصعود على المسرح بالشخصية التي سأقدّمها؛ تعابير الوجه، حركات اليدين، وحتى العينين، والشفاه، ووجدتُ تفاعلاً كبيراً مع الناس الذين يحبون ما أقدّمه، والجمهور اللبناني كان مشجعاً لي خصوصاً أني لا أعتقد بوجود شخص شبيه يقدّم ما أقدّمه كـ"دراغ كوين".
"هناك الكثير من "الدراغ كوين" الذين يستخدمون الضحك والكوميديا لإمتاع الناس وأنا منهم، لكن المهمة لا تقتصر على ذلك، فأنا شخصياً قدّمتُ عروضاً توعويةً إيجابيةً عدة بشخصية أنيسا عن رهاب المثلية، الانتحار، المخدرات، الاكتئاب، الاغتصاب وحتى الجنس، وغيرها من الأمور التي يرى المجتمع أن الحديث عنها "تابو"
- هل ترتدي الملابس الخاصة بـ"الدراغ كوين" في عروضك فقط، أم من الممكن أن ترتديها في أماكن أخرى؟
لا أفعل ذلك عامةً، خصوصاً أن المكياج والملابس غالباً ما يكون "مبالَغ فيهما" لأن هذا ما يحتاجه فنّ الجر، لكن من الممكن أن أرتدي ملابس يعدّها البعض ذات طابع أنثوي بما يتناسب مع المكان الذي أتواجد فيه.
- هل يحضر أهلك العروض التي تقدّمها وما هي ردة فعلهم؟
أمي وأختي تحضران عروضي وهما مشجّعتَان كبيرتَان لي منذ البداية، حتى أن أمي حين حضرت أول مرة أحبّت الأداء والمحتوى ككُل، أما أبي فهو لا يحب فن الجر، وبرغم معرفته بتقديمي له إلا أنه لا يحبذ أن يكون موجوداً في هذه العروض.
- هل تعدّ فن الجر مهنةً بالنسبة لك مثلها مثل الأزياء؟
نعم أعدّ فن الجر مهنةً، خصوصاً أنها جزء لا يتجزأ من الأزياء بل هي أصعب من ذلك، فالدراغ كوين أنيسا تحتاج إلى مكياج، شَعر، أزياء خاصة بها، وقصة ترويها، وكل هذا أصنعه بنفسي، لذا هي مهمة متعبة وتستهلك وقتاً أكبر بكثير، وأنا أُطلَب لعروض كثيرة في لبنان وفرنسا وهولندا، ويُدفَع لي على كل عرض، لذلك أعدّها مهنةً لكنها مساندة بشكل أو بآخر لمهنة الموضة بل ومكمِّلة لها.
- بما أنك تعمل في مهنة فن الجر من أجل تحصيل المال أيضاً، هل هذا برأيك من الممكن أن يقتل الإبداع والتجديد في تقديم العروض؟
لا، فمن جهتي من الصعب أن أقدّم عرضاً مكرراً لمرتين أو ثلاث مرات من أجل المال، ولا أُقدِم على صنع عرض إلا إذا كان هناك محتوى جديد مختلف عما قدّمتُه سابقاً وذلك كي يُسعَد به الجمهور ويهتم به، فلا أقبل بإعادة عروض وأفكار من أجل المال فقط، لكن من الصعب أيضاً أن أقدّم عروضاً يوميةً في فن الجر لأن ذلك قد يستهلكني ويأخذ مني طاقةً مضاعفةً.
- تقدّم عروضاً كوميديةً بشخصية أنيسا، هل برأيك فن الجر في لبنان وباقي الدول العربية وغير العربية محصور في الكوميديا والإضحاك فقط؟ وما هي الرسالة التي يقدّمها "الدراغ كوين" للمجتمع؟
هناك الكثير من "الدراغ كوين" الذين يستخدمون الضحك والكوميديا لإمتاع الناس وأنا منهم، لكن المهمة لا تقتصر على ذلك، فأنا شخصياً قدّمتُ عروضاً توعويةً إيجابيةً عدة بشخصية أنيسا عن رهاب المثلية، الانتحار، المخدرات، الاكتئاب، الاغتصاب وحتى الجنس، وغيرها من الأمور التي يرى المجتمع أن الحديث عنها "تابو" في الكثير من الأحيان، وأحاول من خلال منبر أنيسا على وسائل التواصل، أن أقدّم توعيةً في العديد من المواضيع، لذا فإن فن الجر لا يسهم فقط في إضحاك الناس، بل برأيي لديه رسائل معيّنة يجب تقديمها، فالدراغ كوين دائماً في "بوز المدفع" لأنهم من أوائل الأشخاص الذين حاربوا من أجل حقوق مجتمع الميم-عين، لذلك يجب عليهم التحلي بالمسؤولية وعدم الاقتصار على الترفيه والإضحاك فقط.
"من تجب محاسبتهم قانوناً ونبذهم ليسوا المثليين/ ات، بل هم السارقون وتجّار الأسلحة والبشر والمخدرات، فإذا نظر العالم بمنطقية وموضوعية إلى الأشخاص من مجتمع الميم-عين، فإنه سيجد أن المشكلة تكمن في هؤلاء الناس الذي خرّبوا حياتهم، لا في المثليين/ ات، لأن أغلبهم/ نّ يبحثون/ ن عن الحب والعمل والقبول بين أهلهم/ نّ وناسهم/ نّ"
- برأيك، كيف يجب على المثليين/ ات في مجتمعنا أن يتصرفوا/ ن تجاه محيطهم/ ن وأهلهم/ ن كي يعبّروا/ ن عن أنفسهم/ ن دون أقنعة؟ وهل النضال لتحصيل حقوق مجتمع الميم-عين قد يؤدي إلى نتائج مرجوّة في يوم من الأيام قانونياً ومجتمعياً؟ وبأي طريقة يمكن تحصيل هذه الحقوق؟
بالنسبة لي ليست هناك طريقة معيّنة لذلك، السرّ ربما يكمن في أن يكون الشخص المثلي على طبيعته، وأن يحترم الشخص المقابل له وأفكاره وطريقة تربيته والبيئة المحيطة به، فأنا شخصياً احترمتُ أهلي ومحيطي لأجعلهم فخورين بي في كل ما أفعل، وهذا ما منحَهم تجاهي الثقة والمحبة والافتخار. أما النضال لتحصيل حقوقنا فما زال قائماً وأمامه طريق طويل لتحقيق أهدافه، لكن المهم هو عدم الاستسلام، فالنضال ممكن أن يكون بمئة ألف طريقة؛ بالمساعدة، بتقديم العون، بالإسهام في المجتمع سياسياً واجتماعياً ومهنياً...
عن نفسي أحاول من خلال شخصية أنيسا تقديم التوعية تجاه مجتمع الميم-عين، كي ينخرط في المجتمع ولا يُنبَذ.
عموماً، من تجب محاسبتهم قانوناً ونبذهم ليسوا المثليين/ ات، بل هم السارقون وتجّار الأسلحة والبشر والمخدرات، فإذا نظر العالم بمنطقية وموضوعية إلى الأشخاص من مجتمع الميم-عين، فإنه سيجد أن المشكلة تكمن في هؤلاء الناس الذي خرّبوا حياتهم، لا في المثليين/ ات، لأن أغلبهم/ نّ يبحثون/ ن عن الحب والعمل والقبول بين أهلهم/ نّ وناسهم/ نّ دون التعدي على حرية أحد أو المساس بها.
لا شك في أن الدراغ كوين "أنيس عز الدين" ومن خلال شخصية "أنيسا" تصالح مع نفسه وبنى جسراً للتواصل مع الناس بأسلوب جميل، لكن كثيرين/ ات من المثليين/ ات ما زالوا/ ن داخل "الخزانة" في مجتمعاتنا خوفاً من تعرضهم/ نّ لأي خطر قانوني أو حتى رأي متطرّف قد يشجع على هدر دمهم/ نّ، فما زالت الاعترافات بالميول الجنسية دون وضع أقنعة محفوفةً بمخاطر شتى، لذلك ربما تحتاج المجتمعات المنغلقة إلى أكثر من "أنيسا" واحدة حتى تتغير الذهنية المتطرفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون