شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ماذا يفعل أوباما في

ماذا يفعل أوباما في "10 داونينغ ستريت"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والمشرّدون

الخميس 4 أبريل 202412:37 م

افترضنا في مقال "هل أصبحت أمريكا صديقةً لنا؟... زاوية مغايرة للفهم"، أن قرار مجلس الأمن بخصوص الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، إن تم تطبيقه، فهو من أجل تخفيف معاناة السكان أولاً وأخيراً، وأن عدم استخدام الفيتو الأمريكي كان لهذا السبب، على الأقل ظاهرياً، وكما صرّحت المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن ليندا غرينفيلد، مباشرةً بعد تصويت المجلس على القرار. وهذا الافتراض يعني في ما يعني، أن تمرير القرار ليس انتصاراً سياسياً على حساب إسرائيل، بقدر ما يشكل انتصاراً للسياسة الأمريكية في المنطقة على حساب إسرائيل وحسابنا معاً.

والسياسة الأمريكية في المنطقة لم تعد متوافقةً تماماً مع تطلعات إسرائيل، أو لنقل إن ثمة تعارضاً بين ما تريده الولايات المتحدة، تحت حكم الحزب الديمقراطي، وبين ما تريده حليفتها الأولى إسرائيل، تحت حكم اليمين الديني والقومي. وهذا التعارض يتعلق تحديداً بفكرة تيار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في الحزب الديمقراطي حول الشرق الأوسط الجديد، والتي يمكن اختصارها أو تبسيطها على شكل جمل قصيرة أهمها: "الدولة في الشرق الأوسط ليست مقدسةً، وتالياً يمكن الاستغناء عن شكلها أو حدود سيادتها الحالية"، و"حدود هذه الدول لا تتوافق مع الحدود الإثنية أو الدينية أو الطائفية لمكوناتها"، و"عدم التوافق هذا هو السبب في حالة عدم الاستقرار المزمنة"، و"يمكننا، وبمباركة هذه المكونات، أن نعيد صياغة الحدود ورسمها بما يضمن حالةً مستدامةً من الاستقرار"، و"من أجل الحصول على مباركة هذه المكونات علينا الوقوف على مسافة واحدة من كل مكوّن"، و"دعهم يتقاتلون ثم أنقذهم".

السياسة الأمريكية في المنطقة لم تعد متوافقةً تماماً مع تطلعات إسرائيل، أو لنقل إن ثمة تعارضاً بين ما تريده الولايات المتحدة، تحت حكم الحزب الديمقراطي، وبين ما تريده حليفتها الأولى إسرائيل، تحت حكم اليمين الديني والقومي

بلغة أخرى، الكيانات السياسية التي نشأت في العالم العربي وحوله بعد مرحلة الاستعمار، لم تعد تلبّي لا الطموح السياسي ولا الحاجات الاقتصادية لسكانها، وهي بالتأكيد لا تلبّي حاجة الولايات المتحدة إلى أجسام حليفة يمكنها أن تساعد في عدم اختطاف المنطقة من قبل الصين أو روسيا أو أي قوة اقتصادية أو عسكرية ناشئة.

ومع أن إسرائيل هي الحليف الأول والدائم للولايات المتحدة، وهي الحليف الذي تم اختباره دوماً ونجح في الاختبارات كافة، إلا أن وجودها دون اعتراف وقبول من المكونات السياسية والدينية في الشرق الأوسط يشكل عامل توتر دائم، يغري هذه المكونات ببناء تحالفات مع أعداء أمريكا، وتالياً عدم ضمان الحاضر والمستقبل.

بالعودة قليلاً إلى العام 1989، وهو العام الذي فاز فيه جورج بوش الأب برئاسة الولايات المتحدة، فإن الحزب الجمهوري حينها فاز بولاية ثالثة على التوالي لإدارة البلاد، بعد ولايتين لرونالد ريغان. هنا ظهر الحزب الديمقراطي بمظهر من يفقد زمام الأمور، وبمظهر الحزب الذي يكاد يخرج من اللعبة السياسية. وكما يحصل في أي حزب سياسي أو نقابة أو حتى جمعية، فإن الخسارات المتتالية تحفّز على التغيير، أو على الأقل تدفع إلى تشكيل تيارات متصارعة داخل هذا الجسم، وكل تيار يحاول التملص من كونه المتسبب في الهزيمة، ويسعى إلى تبنّي سياسة مغايرة لتلك التي تسببت فيها، وذلك من أجل تحقيق انتصار قادم، وهذا ما كان.

تم تأسيس تيار داخل الحزب الديمقراطي تحت اسم "الديمقراطيين الجدد"، بسياسات داخلية وخارجية منزاحة قليلاً عما ينادي به الحزب. من بين أعضاء هذا التيار كان السيناتور آل غور، وحاكم ولاية أركنساس بيل كلينتون. استطاع التيار بعد سنوات قليلة، وتحديداً في عام 1992، أن يوصل بيل كلينتون إلى رئاسة الولايات المتحدة وأن يكسر هيمنة الجمهوريين على البيت الأبيض. لا داعي للتذكير بأن اتفاق أوسلو عام 1993 ومفاوضات كامب ديفيد التي سبقت اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية بأيام، كانتا في عهد كلينتون، وأنه لم يحصل أن توصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى تفاهمات جدية، لا قبل هاتين المرحلتين ولا بعدهما، كما حصل خلالهما.

انتهت مرحلة بيل كلينتون وانتهى معها تيار الديمقراطيين الجدد، أو أنه سيطر بسياساته الجديدة على مجمل سياسات الحزب، أي أنه لم يعد هناك من يتحدث عن هذا التيار، إلى أن جاء باراك أوباما عام 2008، ليتفاجأ المتابع للشأن الأمريكي بأن هذا الرجل يفتتح خطاب تنصيبه بجملة "أنا أحد الديمقراطيين الجدد أيضاً".

لقد أفردتُ مقالاً في بداية الحرب على غزة عن كتاب "أحلام وظلال: مستقبل الشرق الأوسط" للصحافية المتمرسة روبن رايت، وفيه أوردت تصورها الكامل عن إعادة تشكيل الكيانات في عالمنا العربي، وكيف أن إدارة أوباما تبنّت هذه الرؤية وأفردت لها مساحات واسعةً من النقاش والدراسة.

ذهب أوباما وإدارته، لكنه عاد وظهر في مكتبه وهو يمسك سماعة الهاتف ويدعو الناس لانتخاب جو بايدن، ثم اختفى الرجل مجدداً، لكنه ظهر قبل أيام في "10 داونينغ ستريت" للقاء رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك. يقول أوباما إن هذه الزيارة "اجتماعية"... لكن الصحافة لا تصدّقه

لم تخرج روبن رايت، في تشخيصها للشرق الأوسط عن الجمل القصيرة المذكورة في بداية هذا المقال، والتي هي سياسة أوباما وفريقه الذي ما زال يتحكم في مفاصل الإدارة الحالية للبيت الأبيض، اللهم إلا بهامش بسيط يتعلق بحق إيران في امتلاك سلاح نووي. وتدافع رايت عن هذا الحق في أحد فصول الكتاب. لكن من يدري، هل قال أنتوني بلينكن غير ذلك؟

ذهب أوباما وإدارته، لكنه عاد وظهر في مكتبه وهو يمسك سماعة الهاتف ويدعو الناس لانتخاب جو بايدن، ثم اختفى الرجل مجدداً، لكنه ظهر قبل أيام في "10 داونينغ ستريت" للقاء رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك. يقول أوباما إن هذه الزيارة "اجتماعية"، وإنه كان في بريطانيا ورأى من العيب ألا يعرّج على مكتب رئيس الوزراء، لكن الصحافة لا تصدّقه.

ما أريد قوله هو أن فريق أوباما الممتد من جون كيري مروراً بكلينتون ومادلين أولبرايت، وصولاً إلى بلينكن وليندا توماس غرينفيلد، التي تشغل، بالإضافة إلى منصبها كمندوبة للولايات المتحدة في مجلس الأمن، منصب كبير المستشارين في مجموعة أولبرايت ستونبريدج، التي أسستها مادلين أولبرايت، هؤلاء كلهم يريدون حلاً للقضية الفلسطينية، وهذا الحل ليس من أجل عيون الفلسطينيين أو الإسرائيليين، بقدر ما هو من أجل مصالح مضمونة وطويلة في الشرق الأوسط. ولن يتأتى هذا الحل إلا باحتواء الكل وإرضاء الكل. ومن أجل احتواء الكل وإرضائهم، لا بد من إنهاكهم أولاً، أو... "دعهم يتقاتلون ثم أنقذهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image