شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
آل ساويرس وآل الشيخ... مصر بين

آل ساويرس وآل الشيخ... مصر بين "أونكل" و"الكفيل"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأحد 7 أبريل 202407:30 ص

في العالم كله تقريباً وليست مصر وحدها، تُعدّ قوّة المال هي المُحدّد والمؤثر الأكبر في ناتج كل عمل، حتى إن كان ذلك العمل مبنياً بالأساس على موهبة صاحبه، فالمال الآن هو ما يجعل الموسيقى تُسمع والأفلام تُشاهَد والكرة تُلعَب، لأنه، واقعياً، يتحكم في أدوات الموسيقى وجودتها وقنوات التوزيع وانتشارها وصالات العرض ومشاهيرها وجوانب الملاعب المليئة باللوحات الإعلانية، وحتى قمصان اللاعبين.

ربما لن تكون تلك مشكلة كبرى إن توقف المال عند عتبة مساعدة العمل وتطويره وتحقيق طموحات صناعه، لكن الأمر الواقع يخبرنا بأن المال لن يتوقف عند أي عتبة، بالعكس فصاحب المال، شخصاً كان أم حكومة، توقف الآن عن اكتشاف المواهب لتحقيق طموحاتها، وبدلاً من ذلك اختار أن يحتكر المواهب الأكثر شهرة في بلادنا، أو صناعة أخرى "بلاستيك"، تناسب المقاسات التي يرغب فيها بالضبط.

من هنا بات الحظ في إنتاجات ترقى لتطلعات الجمهور وذات قيمة حقيقية، مربوطاً بشخصية صاحب المال نفسه، ويمكن رصد ذلك في مدى تدخّلاته في العمل وتوجيهه صوب رؤى خاصة أو من أجل أهداف شخصية للغاية أحياناً.

قرّر تركي آل الشيخ الدخول في عالم الفن بأنواعه، ووضع نفسه متصدراً لأكبر عدد ممكن من الصور والأخبار المتعلقة بالحفلات، مع تلقيه مقدار عظيم من الشكر والمدح غير المتناسب إطلاقاً مع جودة ما قُدّم، لدرجة تجعلك تقول إنه من حسن الحظ أن "الأوسكار" ليست مصرية

أونكل والكفيل

النموذج الأول المعاصر الذي يُمكن تأمله في تزاوج رجل المال مع الفن والرياضة والصحافة والإعلام هم آل ساويرس، نجيب ساويرس في أغلب الأحيان، والنموذج الثاني هو الأوضح بالنسبة للناس والمتعلّق بتركي آل الشيخ، وبشكل عام قبل الحديث عن تفاصيل أدق، يُمكن رسم صورة للأول على هيئة "أونكل"، الذي قرّر، بعد عمر طويل في أوروبا، أن يعيش في مصر، وفضّل صرف أمواله بطريقة استكشاف ما هو جميل أصلاً، والثاني، كما أطلق عليه البعض "الكفيل"، فهو نموذج لصاحب العمل الخليجي الذي قرّر السفر لمصر في زيارة لعائلة موظف لديه، واعتبر ما سيصرفه من مال خلال الزيارة هي مساعدات يجب أن تؤدي إلى تغيير يناسب مزاجه الخاص في شكل بيت مستضيفيه، كأن يحمل طابع بلده وعاداته، وحتى الموظف تراه يرتدي عباءة خليجية قبل استقبال كفيله ليرضى عنه.

ساويرس وتركي والإعلام

لأننا نتحدث هنا عن تأثير رجل المال على مجالات الفنون والرياضة والإعلام، فسوف نتخطى مرحلة تعرّف الشعب المصري على نجيب ساويرس، والتي ارتبطت بشبكة خطوط هاتف محمول في وقت سابق، لننتقل إلى الإعلام والصحافة، وفي تلك النقطة يجب أن نُقرّ بأن الرجل ساهم في طفرة، لولا التحكمات الحكومية اللاحقة لكانت أفرزت نوعاً مختلفاً من الإعلام عن ما عهدناه في مصر، بداية من نوعية البرامج ومقدميها الذين أطلوا علينا عبر قناة "أون تي في"، والحديث هنا عن أسماء شهيرة، مثل ليليان داوود وريم ماجد ويسري فودة وباسم يوسف، على سبيل المثال.

وعن الحدود التي تخطتها القناة في أصعب أوقات فرض الحدود، مثل نقلها لأحداث ثورة 25 يناير رغم ما واجهته من ضغوطات لا شك فيها، ولعلنا نتذكر ما قاله يسري فودة عن تعامل نجيب ساويرس مع خريطة تغطية أحداث الثورة، وشهادته بأن الأخير ترك لمسؤولي المحتوى حرية التصرّف والتعبير عن قناعاتهم وفقاً لما تقتضيه المهنية، مخاطراً بإغلاق القناة تماماً، ونتج عن ذلك استمرار تغطية الحدث مباشرة دون انقطاع تقريباً، وصدّق أو لا تصدّق، استمرار البثّ فقط كان وقتها ثورة إعلامية حقيقية، ويضاف في ذلك الملف لرصيد "ساويرس" جانب من العمل الصحفي المتمثل في مواقع الأخبار والجرائد الورقية، فمحاولاته في أوقات عدّة لكسب مساحات، كانت ملحوظة، تظهر في تبنيه لسياسة صحافة الشارع غير الموجّهة نظراً لتلقائية رصدها للأحداث مثلاً، لكن مرة أخرى، تجد أن الحكومات المختلفة هي من تُطفئ أي إضاءات خافتة يحاول نجيب إشعالها.

أي أن من ناحية الصحافة والإعلام، لو تُرِك الأمر لرغبات نجيب ساويرس، لكانت مساحات الحرية غير مسبوقة، ولا يعني ذلك أنها خارج توجيهات الحكومة فحسب، إنما بعيدة عن توجيهاته هو شخصياً، لذلك ربما بقي نجيب ساويرس هدفاً دائماً لهجومات من يُطلَق عليهم "الدولجية"، أنصار الرئيس الحالي، إذ إن أي مساحات حرية متروكة في أي بقعة تُسبب لهم ألماً شديداً.

على الطرف الآخر، ومع نقص طبيعي في الأدلة بسبب غياب الشفافية، معظمنا يعلم بأن ما يُقدّم عبر المنصات السعودية الموجّهة -كلياً أو جزئياً- للجمهور المصري، يتم وفقاً لرؤية خاصة جداً لتركي آل الشيخ، تعكس تفضيلاته بالإضافة طبعاً لسياسات المملكة، فنسمع صوته بلسان عمرو أديب مثلاً، ونعرف أن فلاناً لن يظهر على شاشة كذا لأنه هاجم آل الشيخ مرّة، وأن توجيه الرأي العام لا بد أن ينتهي إلى تبرأته من كل نقد والتشكيك في نقاده، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكنه طال حتى غير المشتغلين في المنصات السعودية، حتى أن عدد البلاغات التي أقامها الرجل ضد إعلاميين وصحفيين اعتادوا الهجوم عليه قد تخطت الخمسين بلاغاً في وقت سابق، قبل أن يُعلن تنازله عنها وفتح صفحة جديدة.

وبشكل عام، انتقاد تركي آل الشيخ في مصر هو خطر، أولاً لأنه قريب بشكل ما من السلطة، خاصة مع اعتباره أحد ممثلي المملكة السعودية، وثانياً لأنه يملك قدراً لا بأس به من ما يُمكن اعتباره نرجسية، لدرجة وصلت حد عدم قبول نقد أعماله ذاتها، لذا فهو يواجه ذلك إما بشراء الأصوات المعارضة بما يقدمه لإسكاتها، أو يبحث عن طرق أخرى عدوانية أكثر، أي أن معاداته تجعلك صوب المدفع في أي وقت.

المال والفنون، زينة الحياة الدنيا

لا أجد بصمة واضحة لعائلة ساويرس فنياً، ربما لأن التحكم الحكومي في الفن يُكلف أموالاً طائلة مهدرة، بمعنى آخر، حذف مقال لن يُكلفك الكثير لكن منع فيلم سيكلفك ثروة، فقد فضّل آل ساويرس اختصار تجربتهم مع الفن في الاحتفالات، فنتج عن ذلك مثلاً مهرجان "الجونة"، والذي يُمكن اختصاره في معادلة قليل من الفن وكثير من التريندات، ومرة أخرى نعود لصورة "أونكل" الذي حشد أكبر عدد من مشاهير بلدته، وقرّر قضاء وقت لطيف معهم لا أكثر، أما تركي آل الشيخ فشخصيته لم تكن لتقنع بذلك، فقرّر آل الشيخ الدخول في عالم الفن بأنواعه، من كتابة الشعر والأغاني وسيناريوهات الأفلام، ووضع نفسه متصدراً لأكبر عدد ممكن من الصور والأخبار المتعلقة بالحفلات التي قام بتنظيمها ورعايتها، ومسارح موسم الرياض، مع تلقيه مقدار عظيم من الشكر والمدح غير المتناسب إطلاقاً مع جودة ما قُدّم، لدرجة تجعلك تقول إنه من حسن الحظ أن "الأوسكار" ليست مصرية.

المال الآن هو ما يجعل الموسيقى تُسمع والأفلام تُشاهَد والكرة تُلعَب، لأنه واقعياً يتحكم في أدوات الموسيقى وجودتها وقنوات التوزيع وانتشارها وصالات العرض ومشاهيرها وجوانب الملاعب المليئة باللوحات الإعلانية وحتى قمصان اللاعبين

شخصنة الرياضة

يُمكن اختصار شخصية آل ساويرس وآل الشيخ في طريقة تعاملهم مع ملف الرياضة في مصر، فتجد أن آل ساويرس دخلوا هذا المجال بطريقة عادية لا تختلف عن أي رجل أعمال، إنشاء نادٍ يرتبط بمصالحهم، واختيار موقع يضمن لهم حضوراً جماهيرياً أحياناً وفي نفس الوقت يقدم لجمهور الصعيد متنفساً رياضياً بسيطاً، نتحدّث عن نادي الجونة، أما تركي آل الشيخ، فقد شخصن مهمته الرياضية في مصر، لتتحول بدلاً من مُحِب للنادي الأهلي، يبحث عن تخليد سيرته بين جماهيره العريضة، إلى منافس يدفع كل ما يستطيع من أجل تحقيق ولو انتصار واحد في مباراة كرة قدم ضد النادي الذي لم يقدّم له الخلود كما أراد، أو بمقدار ما أراد، ولكي يُشفي غليله، صرف مليارات الجنيهات في تحويل ناد من أندية صعيد مصر إلى أحد أندية القاهرة والجيزة، واستقدم رموزاً أهلاوية كبيرة للعمل في ناديه المُحدث، فقط لتوصيل رسالة مفادها أنه وإن فشل في أن يُصبح رمزاً للأهلي، فهو يستطيع تكرار نموذج الأهلي بكامله وشراء رموزه أنفسهم.

 يُمكنك مشاهدة درجة كبيرة من الشخصنة في ملف الرياضة هذا تحديداً، والذي لم ينتهِ إلا بصلح بينه وبين رئيس النادي الأهلي، بضغوطات سياسية أغلب الظن.

لم الموضوع يهم؟

بالطبع لتركي آل الشيخ مساوئ عديدة، لكن الجميع تقريباً يعلم أن جزءاً كبيراً من الرياضيين والفنانيين، وغالبية من صادفهم حظ التعرف على الرجل، هم أنفسهم سبب في تربية مساوئ آل الشيخ، فلن يكون من الصعب أن نتوقع طريقة التعامل بينه وبين أي من المقصودين، علاقة رأسية، يفصل بين طرفيها مساحة شاسعة خالية من الرفض والنقد والجدال، مساحة من الـ "نعم وطال عمرك"، لو أن تأثيرها ينتهي ها هنا لكان الأمر عادياً، لكن إن اعترفنا بأن تركي آل الشيخ يضع شخصيته داخل مكونات ما يرعاه من مجالات الإعلام والفن والرياضة، عكس آل ساويرس مثلاً، فحينها تكون تربية وتشجيع الشخصية الخطأ جزءاً من أزمة الإعلام والفن والرياضة حالياً، وعندما نقوّي ذلك الخليط بالمال، فتسيطر على الساحة كاملةً حينها شخصية فرد واحد، تلك الشخصية الواحدة تبتلع ما تبقى من مساحات متاحة لشخصيات حرة ومتنوعة ومخلصة لمجالها، فنياً أو إعلامياً أو رياضياً، لا لشخص صاحبها، وفي النهاية ومع الأزمات المادية التي يواجهها الإعلام والفن تحديداً واحتياجهما لمنقذ، أجد نفسي بين تحكّم الحكومة وشخصنة آل الشيخ، أترحّم على أيام آل ساويرس العابرة التي مضت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard