شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ناس أمير الدلنج... قصة المقاتلين النوباويين الذين هزموا الدعم السريع في جنوب كردفان

ناس أمير الدلنج... قصة المقاتلين النوباويين الذين هزموا الدعم السريع في جنوب كردفان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مطلع العام الجاري، تراجع الجيش السوداني أمام قوات الدعم السريع في غرب البلاد، ونجح مقاتلو جبال النوبة في الجنوب في إلحاق هزيمة كبيرة بقوات الدعم السريع التي تقدّمت لاجتياح ثانية كبريات مدن ولاية جنوب كردفان، الدلنج.

لم تكن تلك المواجهة الأولى بين المقاتلين الذين أسماهم مساعد القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادي، الفريق ياسر العطا، بـ"ناس أمير الدلنج" وقوات الدعم، فمنذ عام 2011 خاض العديد من العناصر من أصول نوبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق حرباً ضد الجيش السوداني ثم الدعم السريع بعد فراغه من حرب دارفور.

معركة الدلنج

هاجمت قوات الدعم السريع المدينة في 10 كانون الثاني/ يناير الماضي، بنحو 60 عربة قتالية بهدف السيطرة على المدينة ذات الأهمية الإستراتيجية، التي تضمّ مقر قيادة اللواء 54 مشاة التابع للجيش السوداني. 

تمكّن المقاتلون المنحدرون من أصول نوبية في الدلنج من صد هجوم الدعم السريع، وإلحاق خسائر كبيرة بالقوة المهاجمة وإجبارها على الانسحاب إلى مناطق تمركزها في القرى القريبة. لكن القتال اتخذ طابعاً عرقياً إلى حد كبير، إذ تضم ولاية جنوب كردفان مكونات عرقية وقبلية تحمل اسم "النوبة" تتحالف مع الجيش، إلى جانب أخرى تنتسب إلى العرب، وتتحالف مع الدعم السريع

كانت قوات "الدعم" قد سيطرت خلال الشهرين الأخيرين من العام 2023 على أربع من ولايات إقليم دارفور، ومدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، وسعت إلى السيطرة على الدلنج التي تقع بالقرب من الحدود مع جنوب السودان، وتتوسط الطريق بين غرب وشرق البلاد.

وتمكّن المقاتلون المنحدرون من أصول نوبية في المدينة من صد هجوم الدعم السريع، وإلحاق خسائر كبيرة بالقوة المهاجمة وإجبارها على الانسحاب إلى مناطق تمركزها في القرى القريبة. واتخذ القتال طابعاً عرقياً إلى حد كبير، إذ تضم ولاية جنوب كردفان مكونات عرقية وقبلية تحمل اسم "النوبة" إلى جانب أخرى تنتسب إلى العرب، وتتحالف مع الدعم السريع.

تقع الدلنج على بعد 498 كم جنوب غربي العاصمة الخرطوم، إلى الجنوب من مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، التي تشهد قتالاً واسعاً بين الجيش والدعم. وساهم عاملان في هزيمة الدعم السريع، الأول الخصائص الديموغرافية للمنطقة والثاني الطبيعة الجغرافية. قبيل الهجوم بأيام، سمح الجيش بدخول قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، جناح عبد العزيز الحلو إلى المدينة، على الرغم من عدم توقيع الحركة على اتفاق سلام جوبا.

وحين هاجمت قوات الدعم المدينة تصدت لها قوات مشتركة من ذوي الأصول النوبية في الجيش والأجهزة الأمنية والحركة الشعبية والمستنفرين، بقيادة أمير الدلنج، عبد الحميد النور، الذي أثنى عليه الفريق ياسر العطا.

ذكر مصدر ميداني في المدينة، لرصيف22، أنّ جميع مكونات النوبة في الجيش والحركة الشعبية تحركت دون أوامر من قياداتها، وانحازت إلى المستنفرين بقيادة أمير الدلنج، ونجحت في هزيمة الدعم وطردهم من المدينة، بعد أن وصلوا إلى وسطها واشتبكوا مع الجيش.

أضاف المصدر، الذي طلب حجب اسمه، أنّه "من الطبيعي أن تكون المقاومة الشعبية كبيرة، فطبيعة الصراع مختلفة عن الحرب الدائرة في الخرطوم بين الجيش والدعم السريع".

وأشار إلى أن الصراع في الدلنج وجنوب كردفان ككل يأخذ طابعاً قبلياً؛ فغالبية الدعم السريع في الولاية من أبناء قبائل البقارة والحوازمة، وغالبية الجيش من أصل نوبي، وبينهما صراعات قديمة ومشاكل تحدث بين الحين والآخر، وأغلبها صراعات بين مزارعين ورعاة تتحول لتأخذ الطابع القبلي، لهذا فالصراع بينهم قديم متجدد.

أولى هزائم الدعم

أوقعت القوات المشتركة خسائر كبيرة في صفوف الدعم السريع، ودمرت عدة عربات واستولت على 10 أخريات، في المعركة التي استمرت لساعة ونصف بالقرب من مقرّ الفرقة 54 مشاة، وقامت طائرات الجيش بتعقب الدعم خلال انسحابه وألحقت به خسائر كبيرة.

عن ذلك، قال الخبير العسكري أسعد التاي: "نجح الدعم السريع في الحرب في دارفور وفشل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لأن مقاتلي الدعم السريع لم ينالوا تدريباً احترافياً على القتال في جغرافيا الجبال، بينما يقاتلون بسهولة في المناطق المفتوحة التي يعتمدون فيها على قوة النيران الكثيفة، التي تساعدهم على اكتساح العدو".

"الصراع في الدلنج وجنوب كردفان يأخذ طابعاً قبلياً، فغالبية الدعم السريع في الولاية من أبناء قبائل البقارة والحوازمة، وغالبية الجيش من أصل نوبي، وبينهما صراعات قديمة ومشاكل تحدث بين الحين والآخر، وأغلبها صراعات بين مزارعين ورعاة تتحول لتأخذ الطابع القبلي، لهذا فالصراع بينهما قديم متجدد"

وأكّد لرصيف22 أنّ الدعم السريع ليست لديهم التجهيزات المناسبة لتكتيكات القتال في المناطق الجبلية، التي لا تستطيع السيارات المقاتلة التحرك فيها بسرعة، ما يفقدهم الميزة الوحيدة وهي كثافة النيران.

واستبعد التاي أنّ يحقق "الدعم" اختراقاً في منطقة جبال النوبة لما اشتهر به مقاتلو هذه المنطقة من صمود وشجاعة، فقد نجحوا في صد هجمات الجيش السوداني إبان الحرب بين الحركة الشعبية - شمال (2011-2019)، ولم يتمكن الأول من اقتحام مدينة كاودا الجبلية على الرغم من تكرار الهجوم، وفق قوله.

كانت الحركة الشعبية - شمال جزءً من الحركة الشعبية التي قاتلت ضدّ الجيش السوداني في الجنوب حتى الانفصال عام 2011، وتشكيل دولة جنوب السودان. بعد ذلك، أضافت كلمة "شمال" لتمييز نفسها عن الحركة الشعبية الأم في دولة جنوب السودان.

وقد شهدت الحركة عدة انقسامات، فهناك الحركة الشعبية - شمال جناح عبد العزيز الحلو وتسيطر على مناطق في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وجناح مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة، وجناح ياسر عرمان، والأخيرين وقّعا على اتفاق جوبا للسلام عام 2020، بينما أعلن جناح الحلو عن وقف لإطلاق من جانب واحد عام 2019 بعد إسقاط نظام البشير.

إمارة الدلنج

ويعود منصب "أمير الدلنج" إلى قبيلة "الأجانج"، وهي قبيلة تنحدر من الأصول النوبية في جنوب كردفان، الذين يربطون أنفسهم بالنوبة في شمال السودان. هناك اختلاف حول تاريخ هجرتهم إلى جبال كردفان، بين من يعود بذلك إلى سقوط ممالك النوبة المسيحية أو إلى عهد أقرب بكثير إبان التوسع المصري في السودان عام 1820، في عهد محمد علي باشا. 

والأجانج بحسب لغة أهل النوبة تعنى (الرجل العنيد أو المتمرد). ويشغل السيد عبد الحميد النور منصب أمير إمارة الدلنج، وقد ورث الإمارة من والده، وهي العادة المتبعة، وهو يعمل في مجال التدريس. 

وتكثر في السودان الإمارات والسلطنات التي تحولت إلى كيانات رمزية منذ تأسيس الدولة الحديثة في السودان، مع التوسع المصري والبريطاني لاحقاً إبان الحكم الثنائي عام 1899.

قال لرصيف22 الأمير فرح إبراهيم، ابن عم أمير الدلنج، إن "الصراع في جبال النوبة قديم بين المكون النوبي والوافدين من غرب أفريقيا، الذين استقروا في السودان حيث طاب بهم المقام في هجراتهم للحج، وتجمعوا في جيوش المهدية". 

وتابع: "بعد هزيمة المهدية كونوا قبيلة الحوازمة مع مجموعة من السكان الأصليين في المنطقة من الأجانج من خلال المصاهرة، ويُعرفون أنفسهم على أنّهم عرب من قبيلة البقارة. يتهم إبراهيم تلك القبائل العربية بالطمع في أراضي النوبة، والقتال مع الجيش السوداني إبان الحرب الأهلية ضد ذوي الأصول النوبية".

وبعد تشكيل قوات الدعم السريع، زج الرئيس المعزول عمر البشير بهم في القتال في جنوب كردفان ضد قوات الحركة الشعبية. وجد "الدعم" المساندة من القبائل التي تُعرف نفسها كعرب، مثل البقارة التي كانت تطمع في أراضي النوبة وكذلك شتات أفريقيا ممن لهم نفس الأطماع لإنشاء دولتهم، ومن هنا أخذ الصراع منحى أكثر حدة، بحسب إبراهيم.

وبلغت الحرب الأهلية التي شهدتها مناطق كردفان والنيل الأزرق في عهد الرئيس المعزول عمر البشير ذروتها عام 2013. وفق تقرير مجموعة الأزمات الدولية نشر البشير عام 2013، ما بين 40 و70 ألف جندي في جنوب كردفان، واستمال القبائل العربية المحلية مثل المسيرية مرة أخرى (الأولى كانت في دارفور) لمحاربة خصومها من الأفارقة أصحاب البشرة السمراء.

من جانب آخر، لتلك القبائل العربية رواية أخرى تقول إنها ترتبط بصلة دم وقرابة مع القبائل العربية في إقليم دارفور، ولا ترى في نفسها دخيلة على مناطق النوبة، وتعتبر قضايا القبلية من أعقد الموضوعات في القارة الأفريقية، كما أنّ قبائل النوبة وفدت هى الأخرى إلى المنطقة بحسب ما يقولون أفرادها.

تبعاً لذلك، اتخذ هجوم الدعم السريع على مدينة الدلنج طابع الصراع القبلي، حيث انقسمت المكونات الاجتماعية على أسس الصراع التاريخي بين النوبة والعرب. 

مخاوف الصراع العرقي

ومع اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل 2023، حدث تقارب أكبر بين المكونات النوبية التي كانت منقسمة بين الدولة السودانية من جانب والحركة الشعبية المتمردة من جانب آخر، وهو ما ظهر من خلال تنسيق جناح الحلو مع الجيش في المدينة، وولاية جنوب كردفان.

يعود منصب أمير الدلنج إلى قبيلة "الأجانج"، وهي قبيلة تنحدر من أصول نوبية، هناك اختلاف حول تاريخ هجرتهم إلى جبال كردفان، بين من يعود بذلك إلى سقوط ممالك النوبة المسيحية أو إلى عهد أقرب بكثير إبان التوسع المصري في السودان عام 1820، في عهد محمد علي باشا. والأجانج بحسب لغة أهل النوبة تعنى (الرجل العنيد أو المتمرد)

وبعد الهزيمة في معركة الدلنج اتهمت قوات الدعم السريع، الجيش السوداني والحركة الشعبية بارتكاب انتهاكات واسعة طالت الإثنيات العربية، بما في ذلك تصفية عناصرها داخل القوات المسلحة بزعم موالاة الدعم السريع. وتداول مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو، لمجموعات من جنود الجيش الشعبي برفقتهم أفراد من القوات المسلحة وهم يحتفلون مع مواطني الدلنج.

وقال قيادي في المكونات العربية في جنوب كردفان، إنّ "جنود القوات المسلحة السودانية سلموا الدلنج إلى قوات الحركة الشعبية بعد أن تحالفا لقتال الدعم السريع وكل القبائل العربية". توعد القيادي، الذي تحدث لرصيف22 مشترطاً حجب اسمه، بما وصفه بـ"حقّ الرد والثأر لأبنائهم الذين قُتلوا غدراً على يد قوات الجيش والحركة الشعبية". واتّهم الجيش بتحويل القتال في جنوب كردفان إلى حرب عرقية بين النوبة والقبائل العربية، وفق زعمه.

وكان العديد من جنود الجيش السوداني من القبائل العربية في مدينة الدلنج قد تركوا مقرّ الفرقة 54 مشاة، خوفاً من القتل على أسس عرقية، وذلك بعد توسع الدعم السريع في منطقة "هبيلة" شرق المدينة، في 4 كانون الثاني/ يناير الماضي.

وظهر قائد ثاني حامية الدلنج في مقطع فيديو تم تداوله عقب هزيمة الدعم السريع، وهو يخاطب حشداً من جنوده، حاثّاً إياهم على إبعاد الصراعات القبلية عن الجيش. وقال إن "القوات المسلحة هي المتبقية فقط، ومسألة عدم القبول بعناصر محددة غير مقبولة، وأدى لتخوف بعض الناس وخروج مجموعة كبيرة، ولو وجدنا طريقة الآن لأرجعناهم".

وأضاف أنّ "البندقية يجب أن نرفعها في وجه العدو، ووصلنا مرحلة أن هناك من يخاف قتله لأنه لا ينتمي إلى النوبة وهذا حديث غير صحيح".

بدوره، وصف مستشار قائد الدعم السريع، إبراهيم مخير، ما حدث في الدلنج بأنه "إبادة للمكونات العربية". وقال لرصيف22: "بعد دخول الدعم السريع إلى منطقة "هبيلا" غرب الدلنج مارس الجيش العنف تجاه الإثنيات العربية المقيمة في المدينة". وأشار إلى  تصفية رقيب يتبع للقوات المسلحة بطريقة بشعة بحجة أنه موالٍ لقوات الدعم السريع.

واتهم مخير الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية باستهداف  المكونات العربية في مدينة  الدلنج وقتلهم على أساس الهوية.

وكانت مصادر عسكرية في الجيش السوداني نفت لصحيفة "التغيير" السودانية، أن "تكون هناك دوافع إثنية خلف مقتل الجندي، نافين مقتل آخرين في الوقت نفسه". مع ذلك، أكد حديث قائد ثان حامية الدلنج، في مقطع الفيديو السابقة الإشارة إليه، هروب العديد من أفراد الجيش من المكون العربي من مقر الحامية خوفاً من استهدافهم من زملائهم من المكون النوبي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard