خلَط القتال الذي اندلع بين الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أوراق حملة السلاح الرسميين في السودان (الجيش والدعم)، وغير الرسميين (حركات الكفاح المسلح الدارفورية والحركة الشعبية في جنوب البلاد). وكان البرهان قد أصدر قرارات عدة بحقّ الدعم السريع، منها عدّها "قوةً متمردةً".
بات تاريخ القتال في 15 نيسان/ أبريل 2023، معلماً لتشكّل تحالفات جديدة على مستوى حملة السلاح. وبينما تمسكت معظم قوى سلام جوبا بالاتفاق والسلام، دخلت قوى محدودة على خطّ القتال إلى جانب الدعم السريع، مثل جبهة "تمازج". لكن أهم حدث كان استئناف الحركة الشعبية-شمال (SPLM-N)، بقيادة عبد العزيز الحلو، القتال ضد الجيش السوداني، برغم وقف إطلاق النار الساري بين الطرفين.
فما هي أسباب تحوّل موقف الحركة الشعبية؟ وهل جمعتها صفقة بقوات الدعم السريع؟
الحركة الشعبية-شمال
بعد شهرين من اندلاع الحرب، تعرضت قوات الجيش السوداني لهجوم من قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، مجموعة عبد العزيز الحلو، في ولاية جنوب كردفان التي تشترك في الحدود الدولية مع دولة جنوب السودان، وذلك في حزيران/ يونيو الماضي، لتدخل الحركة بذلك كطرف ثالث في القتال المندلع في البلاد.
بدوره، وصف الجيش السوداني الهجوم بالغادر، بحكم وجود وقف إطلاق نار غير دائم بين الطرفين، علماً أن الحركة لم توقّع على اتفاق سلام جوبا في العام 2020.
وتعود نشأة الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال، إلى ما قبل انفصال جنوب السودان عن الشمال في العام 2011، بقليل. كانت الحركة جزءاً من الكيان الأم؛ الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تأسست في العام 1983، بقيادة الزعيم الجنوبي جون قرنق. ولكن بعد توقيع اتفاق نيفاشا الذي أنهى الحرب الأهلية في جنوب السودان في 2005، ومهّد لانفصال الجنوب بعد تنظيم استفتاء حول حق تقرير المصير في 2011، انفصل السودانيون الشماليون عن الحركة الأم.
"الحركة الشعبية تُسيطر على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان، هي محلية هيبان بكاملها بما فيها مدينة كاودا معقلها الرئيسي، بالإضافة إلى وجود واسع في محلية دلامي ومحلية الدلنج والقرى شرق مدينة كادقلي"
شكّل الشماليون المنحدرون من ولايات عدة في السودان، خصوصاً ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق (جنوب السودان)، الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال، لتتميز عن الحركة الأم، وذلك في عام 2008.
واصلت الحركة الشعبية-شمال قتالها ضد حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، سعياً إلى السيطرة والحصول على وضع خاص في منطقتَي النيل الأزرق وجبال النوبة في جنوب كردفان. وفي العام 2017، انقسمت الحركة الشعبية-شمال إلى فصيلين؛ الأول بقيادة عبد العزيز الحلو الذي يُقاتل في منطقة جبال النوبة، والثاني بقيادة مالك عقار، الذي وقع على اتفاق سلام جوبا، ويشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحالي، منذ أيار/ مايو الماضي، خلفاً لحميدتي. ثم شهد جناح مالك عقار انقساماً؛ ليصبح فرعين؛ الأول بقيادة عقار، والثاني الحركة الشعبية-شمال، مجموعة التيار الثوري الديمقراطي، بقيادة ياسر عرمان، وذلك على خلفية الموقف من انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
الوضع الميداني
يقول مُختص بشؤون الحركات المُسلحة السودانية، فضّل عدم الكشف عن هويته، لرصيف22، إنّ الحركة الشعبية تُسيطر على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان، هي محلية هيبان بكاملها بما فيها مدينة كاودا معقلها الرئيسي، بالإضافة إلى وجود واسع في محلية دلامي ومحلية الدلنج والقرى شرق مدينة كادقلي.
وذكر أنّه منذ شهر تموز/ يوليو الماضي، وسّعت الحركة الشعبية نطاق عملياتها العسكرية ضدّ الجيش السوداني، وسيطرت على أكثر من موقع عسكري، بالإضافة إلى الطريق القومي المؤدي إلى مدينة كادقلي عند بلدة الكرقل. وأشار إلى أنّ الحركة استأنفت عملياتها العسكرية على الرغم من وجود إعلان لوقف إطلاق النار، كان يُجدَّد بين الحين والآخر.
"الحركة تهدف إلى توسيع رقعة سيطرتها الميدانية، برغم أنه سيكلفها الكثير، ويوسع دائرة السخط ضدها؛ لأنّ العديد من المناطق التي هاجمتها تستضيف مجموعات من الفارين من الحرب في الخرطوم"
وبحسب المختص بشؤون الحركات السودانية المسلحة، من المحتمل أنّ الحركة تعمل بالتنسيق مع قوات الدعم السريع، باعتماد سياسة شدّ الأطراف من أجل إنهاك الجيش، لافتاً إلى أنّ العلاقة بين الحركة الشعبية والدعم السريع غير معلنة من أي طرف. أما عن أهداف الحركة بقيادة عبد العزيز الحلو، فيرى أنّها تريد السيطرة على ولاية جنوب كردفان، مُستغلةً انشغال الجيش في حربه في العاصمة الخرطوم.
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز"، قامت قوات الدعم السريع بإغلاق الطريق بين كادقلي والأبيض، لعرقلة إمدادات الجيش لقواته التي تقاتل الحركة الشعبية. واللافت في التنسيق غير المعلن بين الحركة والدعم السريع، هو تحول الطرفين عن العداوة إلى التنسيق منذ اندلاع الحرب.
محاولات للفت الانتباه
بدوره، يعتقد القيادي في ائتلاف الحرية والتغيير-المجلس المركزي، عروة الصادق، بأن تحركات عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان تأتي للفت الانتباه إلى وضعه في أي حسابات سياسية وعسكرية مقبلة، خصوصاً أنه يرى أنّ الحكومة لم تستجِب لمطالبه المطروحة على طاولة التفاوض. ويضيف الصادق لرصيف22، أنّ الحركة تهدف إلى توسيع رقعة سيطرتها الميدانية، برغم أنه سيكلفها الكثير، ويوسع دائرة السخط ضدها؛ لأنّ العديد من المناطق التي هاجمتها تستضيف مجموعات من الفارين من الحرب في الخرطوم. وفق ما يقول الصادق، مهما حققت الحركة من توسع ميداني ستخسر التأييد الاجتماعي، ومن سيدفع الثمن هم المدنيون.
ويرجح السياسي السوداني، وجود خطَّين داخل الحركة بشأن استئناف العمل المسلح ضد الجيش؛ الأول يمثلّه القادة العسكريون الذين يدفعون نحو القتال، والثاني الساسة الذين ربما ينصحون القائد عبد العزيز الحلو، بعدم الاستمرار في القتال، لتجنّب الخسائر المادية والبشرية من جانب، وتجنيب المدنيين أهوالاً ستنتج عن اشتداد القتال.
وكما الحركة الشعبية-شمال، جناح عبد العزيز الحلو، لم توقّع حركة جيش تحرير السودان، جناح عبد الواحد نور على اتفاق سلام جوبا، وأخفقت جولات عدة من المفاوضات في التوصل إلى اتفاق سلام مع الحلو ونور، خلال الفترة الانتقالية التي بدأت بعد عزل البشير، في نيسان/ أبريل 2020، بعد ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2019 الشعبية. وتتمسك الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، بمنح حقّ تقرير المصير لولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتطبيق تصورها عن العلمانية في البلاد، بينما يرفض الجيش ذلك، معللاً رفضه بأنّه ليس مخولاً للبت في مسائل كبرى دون وجود جسم تشريعي مُنتخب.
جمع لقاء رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، بالقائد عبد العزيز الحلو في إثيوبيا، في أيلول/ سبتمبر 2020، لدفع الأخير للانضمام إلى اتفاق سلام جوبا، دون أن يُسفر عن شيء، بسبب مطلبَي حقّ تقرير المصير وعلمانية الدولة، والمطلب الأخير أثار سجالاً كبيراً في البلاد.
ويخشى الصادق، من تصاعد وتيرة دعوات الانفصال داخل الحركة الشعبية، مؤكداً على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات جادة تعالج جذور المشكلات، مع إشراك الحلو ونور، من أجل تجنّب توسع القتال، وتحوله إلى حرب مناطقية جهوية، تزيد من التطلعات الانفصالية والمشروعات التقسيمية المدعومة بأجندة خارجية وأيادٍ تعمل على تنفيذها.
خطأ تكتيكي
في السياق ذاته، يقول عضو اللجنة العليا للترتيبات الأمنية المنبثقة عن اتفاقية سلام جوبا، والقيادي في حركة العدل والمساواة، العميد حامد حجر، إنّ الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، خرقت المواثيق الخاصة باتفاقية السلام الشامل "CPA" بدخولها الحرب.
ويذكر لرصيف22، أنّ ما فعلته الحركة موقف تكتيكي خطأ؛ لأنّها اعتقدت أنّ الجيش مشغول عنها، وهذا غير صحيح. وأوضح أنّ اتفاق السلام الشامل حدد أماكن تواجد قوات الحلو. أما في ما يخص الأراضي التي حاول الدخول إليها فهي رهن آلية المشورة الشعبية وفق اتفاق نيفاشا، لافتاً إلى أنّ لدولة جنوب السودان نفوذاً على الحركة الشعبية، إلى جانب الرقابة الأممية على تنفيذ الاتفاق، في ما يخص أماكن انتشار قوات الحركة بقيادة عبد العزيز الحلو.
ويتفق القيادي في حركة العدل والمساواة حسن إبراهيم، مع ما سبق، ويقول لرصيف22، إن دخول الحركة الشعبية كطرف في الصراع له أثر سلبي على الحركة، التي كان متوقعاً منها الحفاظ على الاستقرار النسبي الذي تمتعت به مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان.
ويُعدّ موقف الحركة الشعبية مخالفاً للتفاهمات التي وقّعها زعيمها عبد العزيز الحلو مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في جوبا، في آذار/ مارس 2021. ونظراً إلى نفوذ دولة جنوب السودان على الحركة، واستضافتها لقاءات الوساطة بين الحركات المسلحة والحكومة والجيش منذ الإطاحة بالبشير، كان ملف هجوم الحركة على الجيش حاضراً في لقاء البرهان برئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ضمن جولته الخارجية الأولى منذ اندلاع القتال، والتي بدأها بزيارة مصر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين