شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"في البدء كان الحب"... من طوق الحمامة إلى السينما العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والمهاجرون العرب

السبت 30 مارس 202412:09 م

تناولت جلسات أيام التاريخ، التي جرت في 23 و 24 آذار/مارس في باريس، في معهد العالم العربي، موضوعة الحب عبر عصور وأزمان متعددة في عدة جلسات تمكننا من تتبع تاريخ الحب في المنطقة بترتيب زمني لموضوعات من العصور القديمة وحتى العصر الحديث.

افتتحت المختصة بالمصريات فلورانس ماريوجول جلسة "الحب في مصر القديمة" بقولها: "في البدء كان الحب"، والحب في الثقافة الفرعونية مرتبط بالجنسانية، ويقال إن المصريين القدامى استنتجوا أن الجنسانية هي مصدر الحياة، لذا كان الجنس في صلب الميثولوجيا الفرعونية. إذ خلق العالم في الأساطير الفرعونية من ممارسات الآلهة الجنسية، وبما أن الجنس لم يكن من التابوهات في حينه كما في الثقافة المعاصرة، فإن بعض الاكتشافات الفرعونية كانت تصدم الباحثين في مطلع القرن الماضي لأنهم كانوا أشد محافظة بكثير من الثقافة التي يبحثونها.

يقال إن المصريين القدامى استنتجوا أن الجنسانية هي مصدر الحياة، لذا كان الجنس في صلب الميثولوجيا الفرعونية. إذ خلق العالم في الأساطير الفرعونية من ممارسات الآلهة الجنسية.

وأشار الباحث بيرت كاسباريان، في نفس الجلسة إلى أن غياب القانون في العصر الفرعوني جعل ما يوحد العائلة هو الحب وحده.

تناول باسكال فيرنوس تمثيل الحب في الفن المصري القديم وأشار إلى انقسامه إلى نوعين، تصوير ملكي راقٍ يبتعد عن الابتذال، وتصوير للعامة صريح ومباشر ومرتبط بالجنسانية.

في جلسة "الحب في العصور القديمة"، تحدث الباحث بلال عنان، عن نقوش المقابر التدمرية وواجهات القبور، وحلل من خلال لغة الجسد علاقات الحب المعبر عنها سواء كان زوجياً أم أخوياً أم أبوياً أم أمومياً أم غيره. وأشار إلى نقاط ملفتة في تحليله منها أن واجهة القبر تصور المتوفى أحياناً وهو يواسي من يبقى على قيد الحياة من خلال لمسة أو تربيتة على الكتف، وأن التلامس أيضاً بين الأجساد كان دليل حميمية، رغم أن الشخصيات تنظر دوماً باتجاه الجمهور ولا تلتفت إلى بعضها.

ندوة الحب في مصر القديمة، في معهد العالم العربي، باريس

صورة من ندوة الحب في مصر القديمة،  في معهد العالم العربي، باريس، تصوير إيناس حقي

تناول الباحث كميت عبد الله في نفس الجلسة الموزاييك في بلاد الشام، محللاً روايات الحب التراجيدي والإلهي التي روتها تفاصيل جمالية عالية تعتني بالأجساد وتصويرها.

في جلسة الحب في العصور الوسطى، تحدثت المحاضِرتان إيمانويل تيكسيه دو مينيل وفانيسا فان رينترغيم، عن صعوبة إيجاد مصادر عن الحب إلا فيما ندر، وإن وجد ففي كتب الأطباء الذين صنفوه في باب المرض، أو في النصوص الأدبية ولا سيما في شعر العصور الوسطى.

سجلت قصة حب مجنون ليلى، قيس بن الملوح، في العصر الأموي من باب العبرة، فالحب المستحيل اجتماعياً، يدفع المحب إلى الجنون ثم إلى الموت

كما أشارتا إلى اختلاف واضح بين العصر الأموي والعباسي والأموي الأندلسي في التعبير عن الحب وتوثيقه. لاحظت الباحثتان أن الحب في العصر الأموي يعبر عنه نساء ورجال أحرار في إطار قبلي، يعيشون قصص حبهم ويعبرون عنها بالشعر وغالباً ما يكون حبهم عُذرياً، كما سجلت قصة حب مجنون ليلى قيس بن الملوح من باب العبرة، فالحب المستحيل اجتماعياً، يدفع المحب إلى الجنون ثم إلى الموت.

في العصر العباسي، احتجبت النساء الحرائر عن الفضاء العام، ودار الحب في قاعات قصور الخلافة، ظهرت الجواري اللواتي يعبرن عن الحب ولكنهن بضاعة ثمينة تباع وتشترى، وكن متعلمات ويعرفن اللغات والموسيقى والشعر، وقد انحصر هذا النوع من تملك تلك الجواري بالفئة التي تمتلك الثروة. ورغم تعبير الجواري عن الحب للسيد، إلا أنه كان عهد سيطرة الرجل وكان على الجواري أن يحضرن لتلبية رغبات السيد وشهواته، وأحد نماذجهن محبوبة جارية المتوكل وهي جارية نظمت الشعر في حبه وسجلت قصائدها في كتاب الأغاني.

في العهد الأندلسي، تظهر نماذج مختلفة، حب ولادة وابن زيدون وهي ابنة الخليفة والشاعرة وهو الوزير المرموق والشاعر المفوه، حب المعتمد واعتماد، الخليفة والجارية التي أعتقها ليتزوجها، كما شهد هذا العصر ولادة كتاب الحب الشهير "طوق الحمامة" لكاتبه ابن حزم الأندلسي.

مرت الباحثتان سريعاً على موضوع المنع، فقد ظهرت في العصور الوسطى أحكام المنع والتحريم التي أطلقها فقهاء متشددون على مر العصور الوسطى، لكن زمن الجلسة لم يسمح لهما بالتبحر في الموضوع.

ندوة الحب في مصر القديمة، في معهد العالم العربي، باريس

صورة من ندوة الحب في السينما العربية، معهد العالم العربي، باريس، تصوير إيناس حقي

رافقت الجلسة قراءات باللغتين العربية والفرنسية أداها الممثل ريمون حسني لنص من كتاب طوق الحمامة وقصيدة لابن زيدون، وبضعة أبيات من قصائد محبوبة.
في جلسة "الحب في السينما العربية"، تحدث الباحث مارك خريش عن أن الحب ولد في مطلع القرن الماضي في السينما وكان حباً مهذباً.
وأوضح أنه بعد النكسة أعطيت الرقابة تعليمات لتحرير مشاهد الجنس والمخدرات للتغطية على الخسارة السياسية، بحيث ينشغل المجتمع بالجدل المرافق لعرض هذه المشاهد بدل مناقشة السياسة وتناول الباحث موضوعة الحب المثلي الممنوع في السينما الذي ندر تناوله في السينما المصرية الحديثة وإن تم ففي إطار ساخر أو كوميدي عدا في فيلمين.

ندوة الحب في مصر القديمة، في معهد العالم العربي، باريس

صورة من ندوة الحب في العصور القديمة، معهد العام العربي، باريس، تصوير  إيناس حقي
فيما قسمت المخرجة اللبنانية ندين أسمر السينما اللبنانية إلى ثلاث مراحل، قبل الحرب، حيث الحب المغنى الذي انتقل إلى السينما اللبنانية بتأثير من السينما المصرية الطاغية على المرحلة، وسينما الحرب، التي عالجت موضوعة الحب ولكنها كانت حذرة دوماً في التناول ورغبت في الحفاظ على السلم الأهلي الهش أثناء الحرب وبعدها مباشرة، وسينما ما بعد الحرب التي حاولت تناول الموضوعات الإشكالية بحرية أكبر مما عرضها للمواجهة مع الرقابة.
في نفس الجلسة تحدثت الباحثة كاميل لوبرانس، عن السينما الجزائرية المعاصرة وأوضحت أن اهتمامها بالبحث في الموضوع انطلق من كونها مشاهدة للسينما الجزائرية ومن معايشتها للحياة في الجزائر. وعرضت ضمن مداخلتها مقطعاً من فيلم للمخرج حسن فرحاني، تتوازى فيه مشاهد لقاء الأحبة في حديقة الحيوان مع لقطات من الحرب الجزائرية.
نلاحظ كمشاهدين كيف تحول الحب في الحديقة إلى حب مخبأ وسري، حب يخشى الأهل والمجتمع والجيران، حب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرقابة المجتمعية كما بالرقابة التي تقتطع مشاهد الأفلام وتمنعها. لعل هذه النظرة العامة التي أعطتها مجمل محاضرات أيام التاريخ عن الحب توحي بتحول مس الحب، الذي كان حراً وجريئاً ليكبَّل تدريجياً ويُحجَب تحت تابوهات متعددة، ولكن المحاضرات التي تناولت الحياة المعاصرة أشارت أيضاً إلى عودة موضوعات الحب وحرية الجسد والجندر ومسائله إلى واجهة الاهتمام وإلى أن حرية دراسة الموضوعات المحرمة هي ما يجعل الحب يعود إلى العلن والضوء، ويخرجه من الغرف المعتمة ومن غطاء النفاق الاجتماعي.
أشارت المحاضرات التي تناولت الحياة المعاصرة، إلى عودة موضوعات الحب وحرية الجسد والجندر ومسائله إلى واجهة الاهتمام، وإلى أن حرية دراسة الموضوعات المحرمة تخرج الحب من الغرف المعتمة ومن غطاء النفاق الاجتماعي
شكلت أيام التاريخ المخصصة لموضوعة الحب نافذة مهمة على ثقافتنا وتنوعها عبر العصور، وعن قدرتنا العربية على التعبير عن الحب، وعن تنوع أشكال الحب الذي يجمعنا، حب الأفراد، حب العائلة، حب الجماعة، ولعل أبرز أشكال الحب التي تم تناولها وإن كانت غير حاضرة في عناوين الجلسات بشكل مباشر، هو حب الوطن والارتباط به مصيرياً في كل أشكال الحب التي نعيشها، رغم الظروف المعاصرة شديدة القسوة التي تحكم مجمل المنطقة العربية. على أمل أن تنظم يوماً في القريب العاجل أيام التاريخ التي تروي حكاية الحرية وعودة الأوطان إلى أبنائها الذين يحبونها.


ندوة الحب في مصر القديمة، في معهد العالم العربي، باريس

صورة من ندوة الحب في العصور القديمة، معهد العالم العربي، باريس، تصوير إيناس حقي


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image