شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لماذا ضاع

لماذا ضاع "الكبير" بين "أشغال شقة" و"كامل العدد"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأربعاء 27 مارس 202409:11 ص

حظيت الأعمال الدرامية الكوميدية المصرية خلال هذا الموسم باهتمام كبير يعود في جانب منه إلى تراجع سقف التوقعات التي يضعها المشاهدون للمسلسلات الاجتماعية والتاريخية.

فغالبيتها تعجز تماماً عن حل تناقض رئيسي يتعلق بالشرائح المجتمعية التي تسعى لتمثيلها على الشاشة حيث أن الموضوعات المطروحة في النصوص والخطابات الدرامية، إما تعبر عن طبقة فقيرة مهمشة، مثل مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة"، أو تعبر عن طبقة تملك رفاهية العيش في المنتجعات السكنية أو الكومباوند، بشروطها وبكامل هيئتها.

وبالتالي غابت عن الشاشة تماماً الطبقة الوسطى وقضاياها، وربما يترجم هذا الغياب تآكل هذه الطبقة ذاتها في المجتمع، وتراجع حظوظها على جميع الأصعدة.

أما المسلسل التاريخي الذي سبقته دعاية كبيرة وهو "الحشاشين" فقد حوصر بالأخطاء التاريخية، فضلاً عن شبهة التورط في عمليات إسقاط تاريخي، أخذت العمل كله خارج سياقه الزمني، وأخضعته للتأويل المفرط. 

الكوميديا المصرية 

وفي ظل هذه المتاهة أحيت الأعمال الكوميدية أمل المشاهد في التمتع بمشاهدة تحرره من مأزق التلقي المضغوط، الذي يعيشه منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود تحملت فيها المسلسلات عبء التعبير عن صور الاستقطاب في مجتمعاتنا سواء كانت استقطابات فكرية أم سياسية تركزت في غالبيتها حول أزمة المواجهة مع قوى الإسلام السياسي. 

حوصر المسلسل التاريخي الذي سبقته دعاية كبيرة "الحشاشين" بالأخطاء التاريخية، فضلاً عن شبهة التورط في عمليات إسقاط تاريخي، أخذت العمل كله خارج سياقه الزمني، وأخضعته للتأويل المفرط.  

وتملك الأعمال الكوميدية ميزة رئيسية، وهي المرونة التي تعمل بصورة ما على تأميم صور الصراع الطبقي وتعميم السخرية من جميع الطبقات، بفضل اعتمادها على أدوات متعددة منها المبالغة الكاريكاتيرية والتهكم والسخرية، وكلها تعزز قدرتها على زجر صور التصلب لتلائم الفرد مع مجتمعه وفقاً لإنحيازاته ومواقعه، كما يشير إلى ذلك الفيلسوف برغسون في كتابه عن الضحك .

والهدف من الضحك لدى برغسون إزالة الأشكال والقيود الآلية المفروضة على الحياة وذلك من خلال استهجان هذه القيود بغض النظر عن مصدرها أو طبيعتها. 

تراجع "الكبير" 

وفي سباق الكوميديا لهذا العام أقصى المشاهدون الجزء الثامن من مسلسل "الكبير" عن ساحة المنافسة، وتفرغت الغالبية لمتابعة مسلسلين هما "كامل العدد" و"أشغال شقة"، إذ أصبحا في الصدارة على غالبية المنصات لأسباب يمكن تأملها لاحقاً، على الرغم من اعتمادهما على مصادر قديمة، فالأول مستلهم من فيلم "عالم عيال عيال" لسميرة أحمد و رشدي أباظة، والثاني يتقاطع مع فيلم "صباح الخير يا زوجتي العزيزة" لنيللي وصلاح ذو الفقار .

ولا يكفي لتبرير فشل "الكبير" الحديث عن الترهل الذي يصاحب المسلسلات ذات الأجزاء المتلاحقة ، لأن نجاح "كامل العدد" في الجزء الثاني يدحض هذا الزعم نسبياً، كما أن "الكبير" نفسه حظي بالكثير من النجاحات في أجزاء سابقة. 

وبخلاف المشكلات الفنية الناتجة عن ضعف النص في "الكبير" فقد لمس الجميع غياب أي جهد إخراجي يُلزم الممثلين بالتعامل مع نص حقيقي يتسم بالثراء الدرامي أو بحركة مرسومة مسبقاً، أو حتى صياغة أداء مرتجل يخدم أي فكرة مركزية.

أدى الممثلون أدوارهم بالكثير من الفتور، الذي كشف عن عجز النص، وانعدام قدرته عن إثارة اهتمام الجمهور.

تأنيث الدراما المصرية 

أهم ما يمكن تلمسه في دراما هذا العام يتعلق بتنامي مزاج عام يميل إلى نمط من الفرجة يتخلص من هيمنة البطل الفرد الذي يرمي بظلاله على العمل.

صحيح أن "الكبير" أتاح في أجزاء سابقة الفرصة لتقدم ممثلين آخرين؛ إلا أن البنية المركزية للنص جعلت البطل الفرد محوراً للتطور الدرامي داخل الحلقات المكتوبة بطريقة أكدت حضوره المهيمن. في حين اعتمد المسلسلان المنافسان على نمط من الأداء الجماعي كان يعمل على تفتيت ما يمكن وصفه بـ"الهيمنة الذكورية"، والحد من تسلط البطل الفرد. 

في سباق الكوميديا لهذا العام تراجع الجزء السابع من مسلسل "الكبير"، وأصبح كل من "كامل العدد" و"أشغال شقة" في الصدارة، رغم اعتمادهما على مصادر قديمة؛ فالأول مستلهم من فيلم "عالم عيال عيال" لسميرة أحمد و رشدي أباظة. والثاني يتقاطع مع فيلم "صباح الخير يا زوجتي العزيزة" لنيللي وصلاح ذو الفقار 

و من الجائز أن تكون الهوية الجندرية لمؤلفي العملين قد لعبت دوراً في ذلك، فنحن نعرف أن مسلسل "كامل العدد" من تأليف رنا أبو الريش ويسر بهاء طاهر، كما أن "أشغال شقة" من تأليف شيرين دياب وخالد دياب، والحاصل كذلك أن مسلسلات أخرى خارج الكوميديا نالت نجاحاً مماثلاً كتبتها أو أخرجتها نساء، مثلاً "أعلى نسبة مشاهدة" من تأليف سمر طاهر، و"مسار إجباري" من إخراج نادين خان.

وبالتالي فنحن نعيش الحالة التي يسميها الناقد السعودي عبد الله الغذامي بـ(تأنيث الصورة)، وفيها تحل الشاشة محل الجدات لتكون المربية الجديدة والنموذج الثقافي المتجدد. 

أشغال شقة ووجوه بديلة  

وفي العملين "كامل العدد" و"أشغال شقة" يمكن أيضاً تتبع فكرة الغذامي عن الدور الذي لعبه التلفزيون في نزع أهم القيم العائلية وإعادة رسمها، إذ لم تعد العائلة مقياساً اجتماعياً ولا تربوياً، لكنها صارت تمثل ملاذاً وهذه سمة من سمات الصورة التلفزيونية التي تلعب دور العلامة التي تحمل الشيء ونقيضه.

تبدو الأم في مسلسل "أشغال شقة" مصدراً من مصادر الحنان والشقاء لدى بطلي العمل، فقد تنازلت الأم لولدها الوحيد عن الشقة الكبيرة التي كانت تقطنها، لكنها ظلت تمارس أدوارها معه بطريقة تراها الزوجة "تسلطية" لأنها ترغب في اختيار أثاث المنزل وأسماء أحفادها، وغير ذلك من الأمور التي كانت مصدراً عاشت عليه الدراما العربية كلها في تناول إشكالية الحموات الفاتنات وأدوارهن في البيوت. 

يشترك المسلسلان في صدق الرهان على الكفاءات القديمة من الممثلات، مثل شيرين، وأنعام سالوسة، وميمي جمال، وإسعاد يونس، وألفت إمام اللواتي تألقن لهذا العام.

ولعل الميزة الرئيسية في مسلسل "أشغال شقة" تأتي من لعبة المغايرة التي ابتكرها صناعه، فكل من كنا نراهم راهنوا على فكرة "تغيير الجلد" ونزع الأقنعة وارتداء وجوه بديلة تغاير الصور التي شاعت عنهم، فعائلة دياب التي تؤلف وتخرج ترغب في كل عملها من حبسها في إطار، تحررت العام الماضي من حصارها في إطار الموضوع السياسي وقدمت عملاً ناجحاً هو "تحت الوصاية" كان الرابح الأول في دراما الموسم السابق.

وهذا العام خالفت العائلة التوقعات وقدمت عملاً كوميدياً بممثلين لديهما الرغبة في التحرر من الأنماط التي تم حبسهما داخلها، وهكذا تحررت أسماء جلال من صورة الفتاة باذخة الجمال التي قدمتها في "الهرشة السابعة"، وتخطى هشام ماجد كوميديا الإفيهات التي تم تأطيره داخلها بعد تراجع مشروع الثلاثي "ماجد وشيكو وأحمد فهمي". 

أما فرس الرهان الحقيقي فقد جاء من خلال الأدوار التي لا يمكن وصفها بالهامشية، وأداها مصطفى غريب ومحمد عبد العظيم، وبالمثل أدوار ضيفات الشرف اللواتي لعبن أدوار الخادمات الوافدات إلى المنزل لتغير قوانينه "انتصار، مي كساب، أنعام سالوسة، إيمان السيد، نهى عابدين، إنجي وجدان". 

الرهان على الكفاءات القديمة 

كما يشترك مسلسل "أشغال شقة" مع "كامل العدد" في صدق الرهان على الكفاءات القديمة، والكشف عن عمق موهبة الخلايا النائمة: كما فعلت الممثلة الكبيرة شيرين في "أشغال شقة" ومعها أنعام سالوسة التي اكتسحت هي وميمي جمال الجوّ، وكذلك إسعاد يونس وألفت إمام في "كامل العدد"، الذي يفيض بمشاهد متعددة تقوم على استثمار هذا التناقض حول مفهوم العائلة ودورها، وبدا أن جميع من يعيشون داخل البيت الواحد هم ضحايا لظرف تم فرضه، إلا أن حساسية الكتابة ابتكرت حالة من حالات التناغم بين أربعة أجيال من الممثلين، دون أن تسعى لخلق أية صورة من صور التمييز في الكتابة التي تُفصل من أجل بطل أو بطلة ومن ثم أصبحت البطولة معنى يتخطى الفردية، والسمة التسلطية التي ارتبطت بمفهوم البطل ، ووجدنا أنفسنا أمام نمط من البطولة الجماعية قلما نراها في مسلسلاتنا. 

اكتساح نسائي لافت في الأعمال الناجحة، فمسلسل "كامل العدد" من تأليف رنا أبو الريش ويسر بهاء طاهر. و"أشغال شقة" من تأليف شيرين دياب وخالد دياب. كذلك هناك مسلسلات أخرى خارج الكوميديا نالت نجاحاً مماثلاً كتبتها أو أخرجتها نساء، مثلاً "أعلى نسبة مشاهدة" من تأليف سمر طاهر، و"مسار إجباري" من إخراج نادين خان

وعلى الرغم من أن بنية النص تنمي علاقة الحب التي نشأت بين البطلة (دينا الشربيني) والبطل (شريف سلامة) فإنّ الكتابة الحساسة اعتمدت على مبدأ عدالة التوزيع في التعامل مع بقية الأدوار، بل في إبراز سعي الجميع نحو خلق علاقات حب متكافئة، وأصبح نصاً متعدد الخلايا يستعرض السيناريو برهافة تنامي إحساس الحب في كل الأعمار والمراحل بطريقة عززت تصاعد التوترات الدرامية وخلقت إيقاعاً فريداً للمسلسل يندر وجوده في الأعمال ذات السمة الاجتماعية.

وقد تجلت كفاءة المخرج خالد الحلفاوي وقدرته على إدارة الممثلين، إذ بذل جهداً جباراً في اختيارهم لينعم بهذا المستوى من الأداء المحترف، رغم أن بعضهم يقف أمام الكاميرا للمرة الأولى. وفي غالبية المشاهد سعى إلى تعزيز الحالة الجماعية عبر الإكثار من مشاهد الاحتفال وإبراز التجمعات العائلية التي أتاحت المجال لتأكيد وجود الروح المفعمة بالحياة التي قصدها "ميخائيل باختين" في إشاراته المتعددة حول فكرة الكرنفال التي وصف بها عمليات نفاذ أو اختراق الحس الكرنفالي -أو الاحتفالي- للحياة اليومية، فالضحكة التي تولد استجابة لمشاهد من هذا النوع هي التي يسميها "ضحكة عيد" وهي ملك للجميع لأنها تمس كل شيء. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard