أصبحت قطر لاعباً أكبر من أي وقت مضى في إفريقيا، ما يخوّلها المشاركة في وساطات سياسية في تشاد ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وكينيا والصومال.
يقول الصحافي الفرنسي نيكولاس بو، في موقع "موند فريكا" الناطق بالفرنسية، إن "قطر تقوم حالياً بأكبر نشاط دبلوماسي في إفريقيا، وأصبحت الدوحة العاصمة التي يذهب إليها الجميع من القارة السمراء".
ويلفت إلى أن الرئيس النيجيري، محمد بازوم، المعروف بأنه قريب جداً من الإمارات والسعودية، توجه أيضاً إلى قطر، ويضيف: "الدوحة تعلمت من خسارتها في انتخابات اليونسكو الأخيرة، ضرورة التوسع في خلق صداقات جديدة لها في إفريقيا".
تحالفات جديدة
انخرط أمير قطر تميم بن حمد، في صناعة صداقات مع قادة القارة، حتى أصبح الرئيس الرواندي بول كاجامي، الشريك الأكثر أهميةً للدوحة في إفريقيا، ما ساعد الإمارة في تأمين الإفراج عن معارض بارز هناك بطلب أمريكي.
وذاع صيت قطر في آذار/ مارس الماضي، بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن وصول هذا المعارض الرواندي بول روساباجينا، إلى الدوحة بعدما أصدر كاغامي عفواً عنه، من عقوبة بالسجن لمدة 25 عاماً.
الحظر الذي فرضته دول عربية على قطر في عام 2017، أجبرها على البحث عن شركاء دبلوماسيين واقتصاديين وعسكريين آخرين
وجاء إطلاق سراحه نتيجة صفقة توسطت فيها قطر، والأمير تميم شخصياً، بين حكومتي الولايات المتحدة ورواندا. وشكر الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، وأعضاء من الكونغرس، قطر بعد الإفراج عن روساباجينا، الذي يراه الغرب بطلاً أنقذ الآلاف من الإبادة الجماعية في رواندا.
يقول المحلل القطري صالح غريب، لرصيف22، إن "قطر تدخلت في وساطات عديدة ومعقدة قبل سنوات، سواء في أفغانستان أو لبنان أو سوريا وغيرها من البلدان، لكن اتجهت أيضاً نحو إفريقيا منذ أن تعرضت للحصار في عام 2017".
ويضيف: "المأمول من هذا الانفتاح على الدول الإفريقية، هو توسيع دائرة العلاقات وشبكات المصالح لتشكيل قوة سياسية تخدم مصالح البلاد وتنسق معها في المحافل الدولية".
وكان أستاذ السياسة الدولية في جامعة SOAS في لندن، فيل كلارك، قد قال إن "الحظر الذي فرضته دول عربية على قطر في عام 2017، أجبرها على البحث عن شركاء دبلوماسيين واقتصاديين وعسكريين آخرين في الجوار، ووفر شرق إفريقيا والقرن الإفريقي فرصاً مهمةً في هذا الصدد".
الوساطة في حقوق الإنسان
لم تكن واشنطن على علاقة جيدة مع رواندا، بسبب آرائها بشأن سجل الحكومة الرواندية في مجال حقوق الإنسان. وعليه، قدّمت قطر نفسها، بصفتها جهةً فاعلةً تحظى بالثقة نفسها من الولايات المتحدة ورواندا، للعب دور الوساطة.
وعدّت قطر هذه القضية جزءاً من صورة أكبر لدبلوماسيتها، كما حدث عندما توسطت في محادثات السلام في دارفور وتشاد، وبين الولايات المتحدة وطالبان الأفغانية.
يقول غريب: "العالم عرف جهود قطر الدبلوماسية والإنسانية، وتشكلت لديه صورة مفادها أنه يمكن الاعتماد عليها، خاصةً بعد إجلاء الأمريكيين من أفغانستان، وعليه فإن هذا الدور وهذه السمعة يمهدان للدوحة أن تكون حاضرةً في الأزمات العالمية كافة".
ويلفت المحلل القطري إلى أن "الأمير تميم سافر شخصياً إلى إفريقيا مرات عدة، بعد الحصار الخليجي على الدوحة، وذلك في إطار دعم علاقات بلاده وتأسيس مسار جديد مع القارة وقادتها".
وقبل أيام قليلة من إطلاق سراح روساباجينا، كان الرئيس الرواندي في الدوحة، والتقى بأمير قطر، وقالت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، إن العلاقة الشخصية بين الزعيمين ساعدت في إطلاق سراح روساباجينا بعد 3 أيام فقط.
ربما لم تكن في تأمين إطلاق سراح روساباجينا، المقيم الدائم في الولايات المتحدة، مصلحة لإدارة بايدن فحسب. في الواقع، تستفيد الدوحة من ذلك من خلال تعزيز نفوذها الدبلوماسي المتزايد في المنطقة وخارجها.
بعد عام 2017 والمقاطعة الخليجية، بدأت قطر في توسيع علاقاتها والبحث عن حلفاء جدد. صارت تقوم بالوساطات، تُقرّب بين البلدان، وتفتح لنفسها أبواب الاستثمارات
وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، إن بلاده أصبحت "شريكاً دولياً موثوقاً به في حل النزاعات بالوسائل السلمية والدبلوماسية"، وأضاف: "استطاعت دولة قطر أن تلعب دور الوسيط المحايد في العديد من الملفات والقضايا، ما جعلها شريكاً دولياً موثوقاً به في حل النزاعات بالطرق السلمية والدبلوماسية، وتقريب وجهات نظر مختلف الأطراف".
يشير المحلل السياسي المصري المتخصص في الشؤون الإفريقية صلاح خليفة، لرصيف22، إلى أن "قطر تريد أن ترسم سياسةً خارجيةً تشتهر بالتوازن والتواجد الإيجابي في الساحات كلها من خلال 'صورة الوسيط' مما يتيح لها الاتصال بالأطراف كافة وخلق النفوذ".
تحركات سياسية واسعة
شاركت قطر في الجهود الدبلوماسية في شرق إفريقيا، بما في ذلك الوساطة بين إثيوبيا وإريتريا في العام 2018، واستضافت محادثات السلام بين الحكومة السودانية والجماعات المتمردة في العام 2019.
وساعدت قطر في تهدئة التوتر المتصاعد بين كينيا والصومال، بعدما قطعت مقديشو العلاقات الدبلوماسية مع نيروبي لمدة 6 أشهر في كانون الأول/ ديسمبر 2021، واتهمتها علناً بالتدخل في الشؤون الداخلية.
وأعلنت الحكومتان إعادة فتح سفارتيهما وتوصلتا إلى اتفاق يشمل عدداً من الصفقات التجارية الثنائية، بهدف تسهيل الأعمال التجارية برعاية من الدوحة.
وفي الآونة الأخيرة، انخرطت قطر في دبلوماسية مكوكية، لعقد اجتماع بين الرئيس الرواندي بول كاغامي، ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، لتحقيق التقارب وسط التوترات المتصاعدة.
وكان وفد من الدوحة برئاسة مساعد وزير الخارجية للشؤون الإقليمية، محمد بن عبد العزيز الخليفي، قد سافر إلى القارة السمراء، في آذار/ مارس الماضي، والتقى برؤساء كل من رواندا وبوروندي وكينيا وأنغولا للقيام بجهود الوساطة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية الشهر الماضي: "تواصل قطر دعم جهود الوساطة الحالية والمبادرات والاتفاقيات السابقة الموقعة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية".
توسطت قطر بين إثيوبيا وإريتريا في العام 2018، واستضافت محادثات السلام بين الحكومة السودانية والجماعات المتمردة في العام 2019
ولا يزال تشيسكيدي، متردداً في الذهاب إلى الدوحة، لأنه يرى أنها انحازت إلى جانب رواندا، في الصراع الحدودي بين البلدين.
الاقتصاد في خدمة النفوذ
أرجع المحاضر في العلوم السياسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، باتريك كاراماجا، في حديثه إلى الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، نجاح قطر في الوساطة إلى استثماراتها الضخمة في هذا البلد.
يقول غريب، إن "قطر بادرت إلى الاستثمار في دول أقريقيا كنوع من رد الجميل لموقفها خلال فترة الحصار، وللتنويع في مواقع الاستثمار ولاكتشاف فرص جديدة"، مضيفاً أنها إحدى أدوات الدولة لتشكيل نفوذها السياسي الخارجي.
وفي العام 2019، وافقت قطر على استثمار 60% في مشروع بقيمة 1.3 مليارات دولار (مليار جنيه إسترليني)، لبناء أكبر مطار في شرق إفريقيا، مطار رواندا الجديد، الذي من المتوقع أن يكون مركزاً إقليمياً للطيران، على بعد قرابة 40 كيلومتراً جنوب شرق كيغالي".
وفي العام التالي، اشترت الخطوط الجوية القطرية 49% من شركة الخطوط الجوية الرواندية، المملوكة للدولة، وقال كاراماجا: "رواندا ستقاوم الضغط الأمريكي، لكن لن تقاوم طلب صديق يستثمر مئات الملايين من الدولارات فيها".
وتعمل قطر الآن بنشاط على توسيع مصالحها الاقتصادية في شرق إفريقيا، لا سيما في رواندا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا، وتتولى التنقيب عن النفط والغاز في شرق إفريقيا، مع التركيز بشكل خاص على موزمبيق، التي أدى اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي فيها، إلى جعلها وجهةً مهمةً لقطر، في مجال الطاقة في المنطقة.
واستثمرت الإمارة الصغيرة بكثافة في مشاريع البنية التحتية في شرق إفريقيا، مثل إنشاء موانئ ومطارات وطرق سريعة جديدة، وموّلت توسيع ميناء مومباسا في كينيا، وبناء ميناء جديد في تنزانيا.
واستثمرت أيضاً في قطاع الطاقة في شرق إفريقيا، إذ وقّعت شركة قطر للطاقة اتفاقيات عدة مع شركات في موزمبيق، لتطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في البلاد، وكذلك في مشاريع الطاقة المتجددة في كينيا، مثل تطوير مزرعة رياح في مقاطعة مارسابيت.
يشير المحلل المصري إلى أن "أحد الأسباب الرئيسة للنفوذ الدبلوماسي لدولة قطر، هو استخدام ثروتها حاليّاً في بناء نفوذ ضخم في إفريقيا"، ويُرجع أيضاً "الاستثمار القطري إلى محاولة الدوحة موازنة الاستثمارات الأخرى التي تضخّها دول إقليمية عدة في إفريقيا، سواء مصر أو دول الخليج أو تركيا".
ويرى خليفة أن الاستثمار القطري، ثمرة دور سياسي إيجابي لعبته الدوحة في القارة، مشيراً إلى أن الإمارة الخليجية بدأت تستفيد اقتصادياً، عبر الدخول في العديد من المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية.
التحديات أمامها
واجه الخليفي، خلال جولته في دول البحيرات العظمى، تحفظاً من العديد من قادة المناطق، الذين يتخوفون من وساطة قطر في الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفق ما ذكر موقع إنتلجنس أونلاين الفرنسي.
العلاقات مع قطر تتضمن بعض المخاطر، مثل انزلاق الدول الإفريقية في التوترات بين قطر ومنافسيها الإقليميين الرئيسيين، مثل الإمارات ومصر، فهل تقدر هذه البلدان على موازنة مصالحها؟
وفي رأي فيل كلارك، "العلاقات مع قطر تتضمن بعض المخاطر، مثل انزلاق الدول الإفريقية في التوترات بين قطر ومنافسيها الإقليميين الرئيسيين، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر".
وأضاف: "هذه دول قوية وترتبط حكومات عدة في شرق إفريقيا معها بعلاقات وثيقة، وعليه فإن هذه البلدان يجب أن تحافظ على توازن دقيق لدول شرق إفريقيا".
يذكر غريب أن "هناك تحديات أمام قطر في إفريقيا، تحديداً عامل الاستقرار والأمن لضمان الحفاظ على استثماراتها، في بيئة مشهورة عالمياً بأنها مضطربة".
وفي رأي خليفة، فإن أبرز التحديات التي تواجه قطر أنها تلعب دوراً في ساحة تشهد تنافساً وتدخلاً متصاعداً بين القوى الدولية، خاصةً روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وزار وزير التجارة الكيني موسى كياري الدوحة، مطلع آذار/ مارس الماضي، في مهمة رسمية، ورصد صحافيون وناشطون لقاءه برجلَي الأعمال البيلاروسيَين، ألكسندر زينجمان وأوليج فودشيتس، المتهمَين بالتورط في صفقات أسلحة في إفريقيا وفي مناجم الذهب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...