شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لم ينجُ الغزيون في الضفة... يلاحقهم الترحيل والاعتقال والتفرج على إبادة عائلاتهم

لم ينجُ الغزيون في الضفة... يلاحقهم الترحيل والاعتقال والتفرج على إبادة عائلاتهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 20 مارس 202411:42 ص

يعيش الغزيون في الضفة الغربية حروباً داخلية اتقدت نارها منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فالمستقرون في محافظات الضفة منذ زمن، والعالقون بسبب الحرب، يواجهون شعوراً عميقاً بالذنب والحسرة والعجز. يخجلون من تناول طعامهم وعائلاتهم جوعى، من شعورهم بالدفء وعائلاتهم تنام في العراء. يخجلون من قدرتهم على النوم، بينما ينام أقاربهم في الخيام. يشعرون بالذنب لأن هواتفهم متصلة بشبكة الانترنت أو لأنهم يستحمّون ويشربون مياهاً نظيفة، بينما تعيش عائلاتهم في غزة تحت وطأة القصف والإبادة والمجاعة.

"أكثر شعور مرعب عشته هو قطع الإنترنت والاتصالات. مرت أيام كتيرة ما أعرف اخبار عن أهلي وزوجي، أحضر ع التلفزيون إنه في قصف شديد بالمنطقة اللي ساكنين فيها وأفكر. بس يرجع الخط ممكن أسمع صوتهم؟ ولا خلص ماتوا؟" تقول أمل، التي انتقلت للعيش في رام الله منذ العام 2022 وتركت وراءها عائلتها في غزة. إن الأزمة النفسية التي يمر بها المواطن الغزي معقدة ومركبة، كونها ممتدة وتأتي بعد جملة من الأحداث والحروب السابقة من جهة، وككونها صادمة وقاسية بشكل غير مسبوق، على إثر الحرب الأخيرة، من جهة ثانية. هذا ما تقوله الاختصاصية النفسية د. هانيا عبيد وهي ترصد وتتقرى ما يمر به الغزيون والغزيات في الضفة.

يخجلون من تناول طعامهم، من شعورهم بالدفء أو الشبع، ومن قدرتهم على النوم

بين نار الترحيل وجحيم الاعتقال

مع بدء الحرب على غزة، يواجه الغزي والغزية في الضفة خوفاً يومياً من الترحيل إلى غزة أو الاعتقال. فيتضاعف هذا الخوف إذا سمعا أخباراً عن اقتحام الجيش الإسرائيلي لمناطق قريبة منهما. سيقال يوسف قدوم (51 عاماً)، من مواليد غزة، وسكان بلدة شيوخ في مدينة الخليل. اعتقلت في الأول من شباط/ فبراير 2024 من أمام حاجز عسكري قرب رام الله. ثم تم نقلها إلى سجن "هشارون"، ثم إلى سجن "الدامون" لتفرج عنها السلطات الإسرائيلية بعد عشرة أيام، وترحلها إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم.

أما فاتن ماجد السيقلي (21 عاماً)، فتعيش في الضفة منذ نحو ثلاث سنوات، لغرض العلاج، بينما تعيش عائلتها في غزة. اعتقلت فاتن من أمام حاجز عسكري قرب بلدة عورتا في نابلس، أثناء عودتها وزوجها من مستوصف صحي في المدينة. اعتقلت فاتن لكونها تحمل بطاقة شخصية تشير إلى أنها من سكان غزة. قام الجنود بتهديد زوجها الذي حاول أن يقول لهم إنها مريضة بالسرطان، فصوبوا السلاح عليه. وهددوه بإطلاق النار عليه إن لم يغادر. كما رفضوا أن تأخذ دواءها معها. ثم أفرجوا عنها بعد يومين.

تقول لرصيف22 الاختصاصية النفسية وخبيرة التدخل وقت الحروب والأزمات د. هانيا: "إن الغزيين في مناطق الضفة الغربية، وتحديداً من تبقى من عمّال في مراكز الإيواء في مدينة أريحا، يعيشون أوضاعاً غاية من الصعوبة على الصعيد النفسي، تترافق مع عدّة مستويات من الخوف والقلق والشعور بالعجز. مشيرة إلى أن بعضهم تلقى خبر استشهاد أفراد عائلته خلال تواجده في هذه المراكز، وإلى أن أحد الشبان الذين تتابع حالتهم فقد 18 فرداً من عائلته، فلم يتبق من عائلته سوى أمه السبعينية.

قبل كم يوم كانت شتا برام الله. قدرت أتصل فيهم. كانت خيمهم غرقانة والبرد بنخر عظامهم. تمنيت بس أكون هناك. ما بدي أكون عايشة أحسن منهم

"ما بدي أكون عايشة أحسن منهم"

"يا ريتني معهم. يا ريت أعيش نفس اللي بعيشوه"، تقول أمل (26 عاماً، اسم مستعار) لرصيف22. وأمل هي أم لطفل واحد. تسكن في مدينة رام الله منذ العام 2022 بعدما انتقلت من قطاع غزة برفقة زوجها بتصريح طبي لتلقي العلاج. كانت أمل في شهرها الثاني من الحمل بعد رحلة علاج، وفي فجر يوم الثالث عشر من تموز/ يوليو 2023 اقتحمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال منزلهم، واعتلقوا زوجها بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، واقتادوه لجهة مجهولة. وبعد 35 يوماً تفاجأت أمل بمكالمة من زوجها الذي أفرج عنه من أحد السجون وتم ترحيله إلى قطاع غزة.

كان على أمل البقاء في مدينة رام الله لمتابعة حالتها الصحية إلى حين إنجاب طفلها، ثم تعود إلى غزّة.. لكن الحرب كانت أسرع من خطتها. "في 7 تشرين أول/ أكتوبر صحينا ع الأخبار. قعدنا أول كم ساعة مش فاهمين شو في.. ومن هاد التاريخ لليوم وأنا عايشة بحالة رعب"، تقول أمل. وتردف: "لما تنقطع خطوط الاتصال قلبي بوقف ولما ترجع برجع يدق". يذكر أن خدمات الاتصالات والإنترنت انقطعت عن قطاع غزة أكثر من 10 مرات منذ اندلاع الحرب واستمر الانقطاع كل مرة لعدة أيام.

يعيش زوج أمل وعائلتها الآن في خيمة برفح بعد أن نزحوا مرتين وهدمت منازلهم. "قبل كم يوم كانت شتا برام الله. قدرت أتصل فيهم. كانت خيمهم غرقانة والبرد بنخر عظامهم. تمنيت بس أكون هناك. ما بدي أكون عايشة أحسن منهم. بأنبني ضميري لما أكون دفيانة، لما آكل وأشرب"، تقول أمل، مضيفةً: "كنت أصلي تنتهي الحرب قبل ما أولد طفلي الأول.. اليوم ابني صار عمره 4 شهور. القلب بطل متحمل. ما بدي إشي من الدنيا غير يرجعلي شعور الطمأنينة. الخوف سرق كلشي حلو بحياتي".

يتبين من خلال جلسات الدعم النفسي التي تقدمها د. عبيد أن الغضب والشعور بالعجز الذين تمرّ بهما أمل وغيرها من الغزيين، أثناء متابعة أخبار عائلاتهم، يعتبران أحد مراحل الفقدان والصدمة، سيما أن هؤلاء غير قادرين على دعم عائلاتهم في غزة مالياً، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب ومشاهد المجاعة.

منشوف ع الأخبار إنه أي حد مسجل مكان السكن في هويته غزة، بيتم اعتقاله ويصبح مصيره مجهولاً. الرعب محاوطنا من كل الجهات

"إجت أتلقى جرعات العلاج ويا ريتني ما إجيت"

تعتري صبحي عطا الله (48 عاماً) المشاعر ذاتها. فهو أب لسبعة أبناء. يأتي بشكل دوري من قطاع غزة إلى مدينة رام الله بتصريح طبي، لتلقي جرعات علاجية لمرض السرطان. يقول في حديثه لرصيف22: "إجيت من غزة قبل الحرب بشهر. أخدت الجرعة البيولوجية الأولى وكان لازم استنى شهر لآخد التانية. وبلشت الحرب.. يا ريتني ما إجيت". سكنت عائلة عطا الله في حي الدرج وسط مدينة غزة، قبل أن تجبر على النزوح لمنطقة الشمال خلال الحرب. "ابني أصيب خلال القصف والآن في بإيده بلاتين. وبناتي وزوجتي بدون معيل. لو كنت في غزة لتمكنت من توفير الطحين لعائلتي. زوجتي وأولادي بوكلوا خبز من شعير الدواب"، يقول صبحي، ويساءل: "كيف بدي أشوف الأكل وولادي جعانين؟ يا ريتني ما طلعت من غزة".

طالت الحرب الغزي أينما كان، بحسب ما يؤكد صبحي. فحتى أثناء وجوده في رام الله، يخشى الخروج من المنزل خوفاً من أن يعتقله جنود إسرائيليون. "منشوف ع الأخبار إنه أي حد مسجل مكان السكن في هويته غزة، بيتم اعتقاله ويصبح مصيره مجهولاً. الرعب محاوطنا من كل الجهات"، يقول.

تقول د. عبيد إن محدوديّة الحركة للغزيّ في الضفة الغربية تشكل عبئاً إضافياً يزيد من شعوره بالعجز، سيما عند أولئك الذين جاؤوا إلى الضفة لإعالة عوائلهم وتوفير المال لها. وبالتالي، فإن الحد من قدرتهم على الحركة يحد من فرصة حصولهم على عمل يفي بهذا الغرض.

ولفتت النظر إلى أن الحفاظ على النسيج الاجتماعي يجب أن يظل أولوية وطنية، مشيرة إلى أن المواطنين الفلسطينيين في الضفة هبّوا في بداية الحرب لمساندة الغزيّين، وتحديداً العمال الذين توزعوا على مراكز الإيواء. لكن هذه الحماسة بهتت مع الوقت وتراجع إقبال الناس على الدعم المادي والمعنوي لهم، وأصبح الأمر الآن مرتبطاً بعمل المؤسسات أو الجمعيات وحسب.

كذلك، فثمة غزيون مغيبون، فبعد السابع من أكتوبر، اعتقل جيش الاحتلال العديد من العمال الغزيين في الضفة وغيب المعلومات عنهم وظروف احتجازهم، حسب ما ذكر نادي الأسير. كما نفذ الجيش اعتقالات بحق مواطنين لمجرد أن بطاقات هوياتهم تشير إلى أنهم من مواليد غزة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard