شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
قصص داود وإسرائيل وأرض الميعاد… حقيقة أم خرافة؟

قصص داود وإسرائيل وأرض الميعاد… حقيقة أم خرافة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ نحن والحقيقة

الثلاثاء 19 مارس 202412:40 م

"وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ".

بعد أن استولى داود على مدينة أورشاليم، بحسب الرواية التوراتية، ونقل إليها تابوت العهد، وخاض العديد من الحروب مع سكان الأرض الأصليين، أرض كنعان أو فلسطين حالياً، حقّق بعد ذلك إنجازات عديدةً والعديد من الحروب التي على إثرها اتسعت رقعة حكمه وسلطانه، واستطاع توحيد قبائل بني إسرائيل تحت حكم مملكة موحدة، ثُم ارتكب الخطيئة التي على إثرها تفككت تلك المملكة كما وعده الرب.

"لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّون. وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ.." (صموئيل الثاني 12: 9 – 10).

وتبقى العديد من روايات العهد القديم محلّ شكّ من الباحثين، خاصةً تلك المرتبطة بحجم المملكة وضخامتها، كما أوضح ذلك عالم اللاهوت الأمريكي تومسون ل. تومبسون، في كتابه "أسفار العهد القديم في التاريخ، اختلاق الماضي".

تفكك مملكة داود وسليمان (الحكم الأول)

يوضح كلٌّ من البروفسور ماكس ملير وجوهان هايس في كتاب بعنوان "A History of Ancient Israel and Judah"، أنه بعد وفاة داود تولّى سليمان حكم المملكة وبنى الهيكل الذي يُعدّ من أعظم أعماله على الإطلاق، ولكنه ارتكب العديد من الآثام منها عبادة آلهة أجنبية والزواج من أجنبيات، فخلق هذا صراعاً بينه وبين الكهنة، وجعل الرب يوعده بتمزيق المملكة من بعده. فتوضح الباحثة منة الله عامر في كتابها "مركزية الخطيئة في العهد القديم ومفهوم التوبة به"، أنه نتيجةً لما ارتكبه سُليمان كان عقاب الرب له ما ورد في سفر الملوك الأول (11: 11 - 12)، "فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقاً وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ"، لذا يُعدّ تاريخ "اليهود" هو تاريخ الخطيئة ومحاولات العودة إلى الرب.

بعد أن استولى داود على مدينة أورشاليم، استطاع توحيد قبائل بني إسرائيل تحت حكم مملكة موحدة، ثُم ارتكب الخطيئة التي على إثرها تفككت تلك المملكة كما وعده الرب

في حين أكد الباحث "אדם דורון – أدم دورون" في كتابه "מדינת ישראל וארץ ישראל" (دولة إسرائيل وأرض إسرائيل)، أنه بعد مرور ما يقرب من 80 عاماً إلى 85 عاماً (1020-936 ق.م)، بحسب رواية العهد القديم، تمزقت المملكة الموحدة وانقسمت ثم دُمّرت تماماً بعد ذلك، فاستمرت مملكة الشمال نحو 250 عاماً ثم سقطت على يد الأشوريين في عهد شلمناصر عام 721 ق.م، ثم استمرت مملكة الجنوب نحو 350 عاماً، وبعد ذلك دُمّرت على يد البابليين في عهد نبوخذ نصر عام 565 ق.م، ودُمّر وقتها هيكل سليمان كاملاً.

كوروش وعودة بني إسرائيل إلى أرض كنعان

يوضح الـبروفيسور جيرمي زويلينج أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة ويسلين في الولايات المتحدة، في بحثه "The fictions of biblical history"، أن الملك كوروش الفارسي استولى على بابل عام 539 ق.م، حتى غزو الإسكندر الأكبر للبلاد عام 331 ق.م، ويسرد سفرا "عزرا" و"نحميا" في العهد القديم حكايات النفي البابلي وحلم العودة.

وحين يوضح البروفيسور محمد خليفة حسن، أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة القاهرة سابقاً، الأمر في كتابه "مدخل نقدي إلى أسفار العهد القديم"، يذكر أنه بحسب ما ورد في سفر أخبار الأيام الثاني، فإن الرب تكلّم على لسان كوروش بإعادة بناء الهيكل من جديد، بينما يؤكد البروفيسور سامي الإمام، أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة الأزهر، في كتابه "هيكل أورشاليم كما جاء في المصادر اليهودية – وتفنيد المزاعم الإسرائيلية بأن المسجد الأقصى بُني على أنقاض الهيكل"، بأن حلم بناء الهيكل هو أحد الأحلام التي داعبت خيال يهود المنفى كما العودة إلى صهيون (أورشاليم) منذ النفس الأول وحتى الآن، بين يهود العالم، وظلوا على هذا الحال قرابة خمسين عاماً حتى جاء كوروش، ملك فارس، وسمح لهم بالعودة إلى كنعان، وأعلن في مرسوم للمنفيين عن رغبته في إعادة بناء الهيكل، فجاء في سفر عزرا (6: 14): "فبنوا وأكملوا الهيكلَ حسب أمر إله إسرائيل وأمر كوروش وداريوس وأرتحشتا ملك فارس".

ويُسمّى هذا الهيكل أيضاً باسم "زروبابل"، نسبةً إلى عودة زروبابل حفيد يهوياكين، ملك مملكة يهودا قبل النفي البابلي.

تم الانتهاء من بناء الهيكل عام 515 ق.م، في عهد الملك داريوس الأول، وفي عام 332 ق.م، احتل اليونانيون مدينة أورشاليم، ودخلوا الهيكل وسلبوه جميع أداوته وأقاموا وثناً ضخماً فوق المذبح لـ"زيوس" كبير آلهة الإغريق، فأدى ذلك إلى توقف الخدمة في الهيكل وانتشر اليهود فوق المرتفعات، كما يوضح الدكتور عبد الوهاب المسيري في الموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.

ثورة المكابيين (سُلطة الحشمونئيم)

عام 167 – 37 ق.م، اندلعت ثورة بقيادة "يهودا المكابي" استطاع خلالها انتزاع جبل صهيون والهيكل، وتجددت الطقوس من جديد، وأقام سوراً حول جبل صهيون للدفاع عن بيت الرب، وكانت لا تزال هناك مناطق تحت الحكم اليوناني، إلا أنه قُتل في نهاية الأمر وهو يدافع عن الهيكل، كما ذكر المؤرخ البريطاني سيسل روث في كتابه "A History of the Jews: From Earliest Times Through The Six Day War". وتجدر الإشارة إلى أن حكم اليهود وقتها كان على مدينة محددة، هي مدينة يهودية، وليس على كامل الأرض.

هل حقاً لعنة العقد الثامن، سنشهدها حقيقةً قريباً، أم هي مجرد حُلم ينشده الملايين منّا على أمل تحرر أرض تم اغتصابها، واغتصاب أحلام وآمال الملايين؟

وبحسب المصادر اليهودية، ففي عام 27 ق.م، عيّن الرومان ملكاً جديداً يُدعى "هيرودس"، وأمر الأخير ببناء هيكل آخر لليهود إرضاءً لهم وفي الوقت نفسه بنى معبداً يتشابه في مواصفته مع الهيكل اليهودي لآلهة المدينة إرضاءً للملك أوغسطس، وبالفعل بدأ بناء الهيكل الخاص باليهود عام 20 ق.م، وهُدم الهيكل القديم واستمر العمل في البناء وقتاً طويلاً فمات دون إتمامه، واستمرّ العمل حتى عهد "أجريبا الثاني" (64 م)، حتى أنه كان في حاجة إلى لمسات أخيرة عندما هدمه تيتوس عام 70م.

والجدير بالذكر أنه على أنقاض هيكل "زروبابل"، أقام هيرودس معبداً للمعبود "جوبيتر" كبير آلهة الرومان، وحَرَّمَ على اليهود دخوله، وسمح لهم فقط بالوقوف على أحد الجدران المتبقية في السور الغربي من المدينة، ويُسمّى "حائط المبكى" وبالعبرية "הכותל המערבי" أي "الجدار الغربي"، كما يوضح البروفيسور حسن ظاظا أستاذ الدراسات اليهودية في كتابه "القدس مدينة الله؟ أم مدينة داود؟". ويرجَّح أن الحكم الثاني للسلالة استمر نحو 80 عاماً إلى 100 عام.

الجدير بالإشارة أن كل تلك الحكايات ليست أكثر من عمل أدبي واستعارات لاهوتية اتفق العلماء عليها وعلى نقدها بأسس علمية للتأكد من صحتها، فلا شيء يؤكد حكاية العقد الثامن تأكيداً حاسماً، ولا شيء ينفيها أيضاً.

نبوءات العصر الوسيط

لم تتوقف الأعمال الأدبية لليهود، ففي العصر الوسيط أُنتجت أكثر الكتب المقدسة تأثيراً على عقولهم وعقيدتهم، وهي التلمود والمشنا والجمارا والمدراشيم، والقبالاه، ونذكر هنا بالأخص الربي شمعون بار يوحاي الذي يُشار إليه أحياناً باختصار (רשב"י)، وهو مؤلف كتاب "الزُوهار أو العقيدة السرّية لليهود"، ويرجع إلى جيل التنائيم أي مفسري العهد القديم الأوائل خاصةً الجيل الرابع، ويُذكر اسمه في "المشنا" التي جمعها بعد ذلك الحاخام "يهودا هناسي".

لكن لماذا له أهمية خاصة؟ تعود أهميته إلى نبوءات عدة تنبأ بها في بعض كتب المدراشيم وكتاب "الزوهار"، ويُقال إنها تحققت، فنذكر على سبيل المثال ما ورد في كتاب "الزوهار" حسب ما كتب يوناثان هولي في موقع جريدة "הידברות – هيدبروت": نبوءة الدمار الذي سيحلّ على إسرائيل ومعاناة شعب إسرائيل في المنفى، وكل هذا الدمار ما هو إلا مقدمة لمجيء المخلص المنتظر.

ويكمل يوناثان سردَه للنبوءات: "في اللحظات الأخيرة قبل مجيء المُخلص، ستنشأ حروب كثيرة في جميع أنحاء العالم، وسيتم سماع العديد من المشكلات الغريبة الجديدة في الصباح"، ويوضح الربي يوحاي أن كل هذه المشكلات ستقود إسرائيل إلى هدفها: "حينئذ سيكون خلاصهم من الظلام"، وتنبأ أيضاً: "في ذلك الوقت تقوم حروب أمة على أمة، ومدينة داخل مدينة، وتتجدد الشدائد على أعداء إسرائيل حتى تَسودّ وجوههم".

ويذكر مدراش آخر أن الخلاص سيأتي عن طريق البكاء والتوبة القلبية، فيؤكد أنه "حتى لو لم يكن إسرائيل (أي اليهود) مؤهلاً، فإن الرب يخلصهم من أجل شرف اسمه". ويؤكد مدراش آخر على الفكرة نفسها: "في أي وقت يكون فيه إسرائيل (أي اليهود) في المنفى، إذا كانوا مؤهلين، فإن الرب يستبقهم ليرحمهم ويخرجهم من المنفى، وإن لم يكونوا أهلاً يؤجلهم في المنفى (يقصد تفرقهم في مختلف بلاد العالم) إلى ذلك الوقت المعين، وعندما يأتي الوقت وهم غير مستحقين، يسهر الرب ولا ينساهم في المنفى".

 كل تلك الحكايات ليست أكثر من عمل أدبي واستعارات لاهوتية اتفق العلماء عليها وعلى نقدها بأسُسٍ علمية للتأكد من صحتها، فلا شيء يؤكد حكاية العقد الثامن تأكيداً حاسماً، ولا شيء ينفيها أيضاً

وهكذا هي آراء اليهود خارج إسرائيل، فهم لا يعترفون بدولة إسرائيل ككيان قائم باسمهم، وهم ينتظرون ذلك المخلص ليجمعهم بإرادة الربّ في أرض الميعاد (فلسطين).

ونبوءة أخرى: "الحزن والضيق والفقر ستقود إسرائيل إلى التوبة"، وتالياً سيتم خلاصهم: "يقول الحاخام إليعازر: والمنفى الأخير ليست له نهاية وزمن، بل كل شيء يعتمد على التوبة"، وفي فصول ربي إليعازر: "إسرائيل لا تتوب إلا من شدة الحزن والضغط وانعدام الرزق"، وهذا ما تؤكده دراسة "مركزية الخطيئة في العهد القديم ومفهوم التوبة به".

استمرار الدولة في العصر الحديث

ظهرت في العصر الحديث حركات عديدة معادية لدولة إسرائيل ولا تعترف بها، سواءً داخل إسرائيل أو خارجها، مثل حركة "ناطوري كارتا" وغيرها، والعديد من المؤرخين الجُدد الذين يقرّون بحتمية سقوط الدولة لأسباب عديدة أهمها الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإسرائيل تشهد انقسامات داخليةً لا يمكن التغافل عنها، بين الأحزاب الدينية واليمين واليسار، بالإضافة إلى العنصرية.

ويعرض نيفتالي بينت، رئيس وزراء إسرائيل الثالث عشر، في جريدة "يديعوت أحرونوت"، العديد من المقالات التي تظهر طريق الهاوية التي تسير نحوها إسرائيل، من تفكك شديد واختلافات في الرؤى والسرقات والرشاوى التي ازدادت خلال فترة حكم نتنياهو، فيعرض صورة الوضع داخل إسرائيل في أثناء الانتخابات السابقة: "إننا نشهد محاولة تشكيل حكومة من أكثر من 30 وزيراً، في ذروة الأزمة الاقتصادية، ومع وجود أكثر من مليون عاطل عن العمل، ومع الفقراء الذين أصبحوا أكثر فقراً بين عشية وضحاها، بالإضافة إلى انهيار الأعمال التجارية، والطبقة الوسطى التي تحمل البلاد على ظهرها كل يوم، والآن سقط جزء منها تحت خط الفقر".

فهل حقاً لعنة العقد الثامن، سنشهدها حقيقةً قريباً، أم هي مجرد حُلم ينشده الملايين منّا على أمل تحرر أرض تم اغتصابها، واغتصاب أحلام وآمال الملايين؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image