شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"حقائق وأرقام صادمة"... شهادات عن جحيم الاكتظاظ في السجون المغربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 17 مارس 202412:51 م

ترتفعُ بنايات السجن الشاهقة، هناك حيث تُخفى أجساد وأرواح تنفصل عن المكان والزمان، وحيث يجتمعُ آلاف البشر الذين يُنظر إليهم على أنهم شرذمة المُجتمع، وإن كان بعضهم في الأصل ضحايا لعوامل متعددة. هناك لا تُسلب الحرية فقط، بل تسلب منهم إنسانيتهم، حيث يحكم عليهم بالبقاء على قيد الحياة داخل زنازن لا توجد فيها أدنى الشروط الصحية والإنسانية.

أو هذا على الأقل ما قاله بعض من خرجوا من تلك الأمكنة لرصيف22، وهو ذاته ما تؤكده التقارير الحقوقية والإنسانية.

تجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون 

فتح تقرير لصحيفة "إل إنديبيندينتي" الإسبانية، على إثر زيارة الرئيس بيدرو سانشيز للرباط، الباب من جديد حول وضعية السجون المغربية، وسلط الضوء على وضع "المعتقلين السياسيين" في ظل زنازين قاتمة، وظروف صحية صعبة.

كما دق البلاغ الصادر عن المندوبية العامة لـ"إدارة السجون وإعادة الإدماج" الصادر بتاريخ 7 آب/ أغسطس 2023 ناقوس الخطر حول وضع السجون المغربية. إذ كشف أن عدد السجناء في المؤسسات السجنية سجل رقماً قياسياً وصل إلى 100004، علماً أن الطاقة الاستعابية للمؤسسات السجنية لا تتجاوز 64600 سرير، وقد عبّرت المندوبية عن قلقها البالغ من هذا الرقم مطالبة السلطات القضائية والإدارية بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة إشكالية الاكتظاظ لتفادي الاختلالات أو الانفلاتات الأمنية التي قد تترتب على هذا الخلل.

جحيم الاكتظاظ

عن تجربة الاكتظاظ في السجون ونتائجها، يتحدث لرصيف22 أحمد لحمر (60 عاماً)، الذي قضى 57 يوماً في سجن العدير في مدينة الجديدة بتهمة الخيانة الزوجية، يقول: "فور دخولي إلى الزنزانة لم أجد مكاناً مخصصاً للنوم، فكنت مضطرا لافتراش الأرض، بعد أن مدني أحد الأصدقاء بأغطية قليلة". 

كشف تقرير أن عدد السجناء في المؤسسات السجنية في المغرب سجل رقماً قياسياً بتجاوزه الـ100 ألف سجين، علماً أن الطاقة الاستعابية لا تتجاوز 64600 سرير. 

لا يخالفه الرأي نور الدين العواج (42 عاماً) الذي يشير في حديثه إلى تسبب الاكتظاظ وتجاوز الأعداد بتردي حال الخدمات جميعها، في سجن عكاشة الواقع في مدينة الدار البيضاء، قضى العواج (42 عاماً) المعتقل السياسي السابق، عقوبته لمدة سنتين سجناً نافذاً تبعاً للفصل 179 من القانون الجنائي الذي يعاقب على المسّ بالحياة الخاصة لشخص المُلك، إلا أنه يرى بأن اعتقاله كان سياسياً بالأساس وتوبع بتهم ملفقة وجاهزة كما يروي لرصيف22.

يقول: "الاستحمام مرة واحدة في الأسبوع، لم نكن نستفيد من الماء الساخن إلا نادراً، فلكثرة السجناء لا يصلك الماء الساخن، لذلك كنا نستحم بالماء البارد، وأحياناً ينقطع الماء فجأة، وأحياناً يكون الماء ساخناً جداً".

وبحسبه لا تُمنح للسجناء أية ملابس أو أسرّة، وحتى إذا مُنحت لهم يجدونها متسخة، مهترئة، إلا أن بعض السجناء يساعدون بمنح النزيل الجديد فوطة أو مواد تنظيف.

يضيف: "حين ندخُل زنزانة نجدها مكتظة بالسجناء في مساحة تتراوح بين 3 و 5 أمتار مربعة، حيث ينام الكثير منهم وقد كوّروا أجسادهم، واقعٌ يزيد من قتامته الصراصير التي ألفت السجناء، والقمل اللامنتهي، زد على ذلك غياب نوافذ التهوية. وفي نفس الزنزانة يجتمع المرضى والأصحاء والمرضى النفسيين، ما يجعل الحياة هناك أشبه بالجحيم، عدا حالات الاغتصاب المتعددة، ومحاولات القتل والتصفية".

ويضيف: "أتذكر جيداً شيخاً كبيراً التصق سروالهُ بجلده نتيجة تراكم الفضلات والأوساخ على جسده، أخذوه في غطاء، يصرخُ عالياً وهم ينزعون سرواله عن جلده".

غياب الرعاية النفسية وحقوق التواصل

ناقوس خطر آخر دُقّ نهاية العام الماضي، ففي تقريره المعنون بـ"وضعية المؤسسات العقابية والسجناء بالمغرب"، أطلق المرصد المغربي للسجون خلال ندوة صحفية، عقدت يوم 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 تقريره السنوي لسنة 2022 تصريحات بالغة الخطورة. 

شهادة سجين سياسي سابق: "الاستحمام مرة واحدة في الأسبوع، لم نكن نستفيد من الماء الساخن إلا نادراً لكثرة عددنا، لذلك كنا نستحم بالماء البارد، وأحياناً ينقطع الماء فجأة، وأحياناً يكون ساخناً جداً، ولا تُمنح للسجناء أية ملابس أو أسرّة، وحتى إذا مُنحت لهم يجدونها متسخة، مهترئة" 

إذ جاء في التقرير أن عدد السجون في نهاية ذلك العام بلغت 75 سجناً، موزَعين على النحو التالي: 65 سجناً محلياً، و6 سجون زراعية، وسجنين مركزيين، ومركزي إصلاح وتعليم. وبينما يعاني 67% من السجناء يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية، استفاد 11.52% فقط من الرعاية المتخصصة. ويمثل كبار السن 2.04% من النزلاء. في حين أن 1.21% هم من القُصر.

ودعا التقرير لتحسين وضعية السجناء إلى تعزيز الحقوق الأساسية لهم، من حيث حقهم في التعليم والتواصل والإدماج، وتعزيز الحماية الجسدية والصحية، وتوسيع مجال تواصلهم مع أسرهم، إضافة إلى "دمج الحق في الحياة" مع "الاستراتيجية الوطنية للصحة بالمؤسسات السجنية 2022 – 2026"، والتي وضعتها المندوبية العامة للسجون.

الحرمان من القراءة والكتابة

في تقرير لها صدر في أيار/ مايو 2023 ، كشفت منظمة العفو الدولية، أنّ ما لا يقل عن أربعة صحافيين وأكاديمي واحد حرموا من الحق في القراءة والكتابة في السجون المغربية.

وصرّحت راوية ناجح، نائبة مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية أن "السلطات المغربية لطالما استهدفت الكتاب والصحافيين المعارضين بالاعتقال"، وأن "حرمان الصحافيين المسجونين من الأقلام والأوراق هو أمر عقابي وغير ضروري واعتداء متعمد على حريتهم في التعبير".

مزيد من الجحيم للسجناء السياسيين

يبدأ نور الدين سرده للأوضاع هناك بما عاشه شخصياً، بداية من التصنيف الذي يُميزه عن باقي السجناء باعتباره معتقلاً سياسياً، الأمر الذي يجعله بعيداً كل البعد عن بقية السجناء، باعتباره حسب النيابة العامة التي تتخذ إجراءات التصنيف إلى جانب مدير السجن خطراً على السجناء. هذا التصنيف جعله يقضي 365 يوماً داخل زنزانة منفردة، أي نصف مدة اعتقاله، حيث يقضي 23 ساعة داخل الزنزانة، فيما ساعة أخرى للفسحة داخل زنزانة أخرى مع قليل من التهوية، وبعيداً عن كل السجناء، فسحة انفرادية يصفها نور الدين بـ"حال القبر". 

شهادة سجين سابق: "أتذكر شيخاً كبيراً التصق سروالهُ بجلده نتيجة تراكم الفضلات والأوساخ على جسده، أخذوه في غطاء، يصرخُ عالياً وهم ينزعون سرواله عن جلده". 

ويصف تلك الأوقات بأنها واقع نفسي رهيب، جعله أحياناً يتحدث مع الجدران ويكتب عليها، بل وصل الأمر به إلى حد أنه لم يعد قادراً على المشي، وصار يمشي على أطرافه".

دَخل نور الدين السجن بإعاقة بصرية، تفاقمت مع الظروف التي عاشها داخل المُعتقل. ورغم نداءاته المتكررة، لم تُلب رغبته في الحصول على رعاية طبية، قبل أن تتدخل بعض المنظمات التي ضغطت على الإدارة لحصوله على العلاج.

يقول:" قضيتُ أكثر من 20 يوماً وأنا مضرب عن الطعام، تنديداً بالاعتقال التعسفي الذي تعرضت لهُ، لكن، تمت مساومتي بوالدتي التي كانت تعاني كثيراً وأنا في هذه الحالة، وكانوا دائماً يستغلون هذه النقطة لثنيي عن الإضراب".

تمييز طبقي 

يقارنُ نور الدين بين الدستور والقانون المنظم للمؤسسات السجنية، مشيراً إلى أن التمييز الذي يقع داخل السجن طبقي وعرقي، يقول: "دخلتُ المعتقل إبان جائحة كورنا، أجبرت خلالها على العزل 15 يوماً في الحجر الصحي، لكنني شهدت على دخول شخص صاحب نفوذ متهم بملفات فساد وتزوير، لم يجتز هذا الحجر الصحي، وبعد أسبوع من اعتقاله تم نقلهُ إلى جناح آخر، مخصص لكبار السن، جناح تتوفر فيه مجموعة من الحقوق، رغم أن عمره لا يتجاوز 34 عاماً، علاوة على تمكينه من المكالمات الهاتفية التي نُحرم منها أياماً عديدة، إذ لا تخصص لنا إلا 10 دقائق للتواصل مع العائلة".

ويضيف: "شكل آخر من أشكال التمييز شاهدته حين دخل للسجن مجموعة من اليهود المغاربة كمعتقلين، حيث وُفر لهم كل شيء، تلفاز، وفسحة مطولة، هاتف على مدار الأسبوع ما عدا الأحد، وأماكن مجهزة ونظيفة للنوم".

ويشير إلى إن الخدمات الطبية ليست بأفضل، حيث لم يتوفر 9000 شخص كانوا نزلاء في المؤسسة السجنية "عكاشة" حين كان متواجداً، إلا على 6 أطباء، بمعدل طبيب لكل 1500 سجين، مع غياب تام للتجهيزات الطبية الضرورية.

غياب الزيارات التفتيشية

يقول نور الدين: "سوء تغذية رهيب جداً، اللحم لا نراه إلا في عيد الأضحى، أما الأسماك فلم نذقها يوماً، يُفرض عليك نمط من الأكل، فيكون إما مالحاً جداً أو العكس، وأحياناً يوقظونني في الخامسة صباحاً فجأة، يفتشونك تفتيشاً رهيباً، وغرضهم ليس التفتيش إنما الاستفزاز، يرمون كل الحاجيات خارج الزنزانة، ثم يولون ظهورهم خارجين، فأضطر إلى جمع كل شيء بمفردي". 

تروي الشهادات كثيراً من قصص التمييز بين السجناء، منها  أن أحد المتهمين بالتزوير والفساد حصل على معاملة مميزة منذ اليوم الأول وتم نقله لعنبر كبار السن المريح وهو لا يتجاوز 34 من عمره

يقول لحمر في حديثه لرصيف22: "حين كنا نخرج إلى الفسحة اليومية، كنا نجد أن بعض الأشياء سرقت في كل مرة نعود إلى الزنزانة، أحذية وأغطية وأواني وأشياء خاصة، حين تأكدنا أن أحد الموظفين سبب ذلك، قدمت شكاية لرئيس المعقل الذي لم يقم بأي خطوة، عدا أنه أخبر موظفه أن يبتعد عني، لأني قد أسرب كل شيء، هنا يظهر أن الكل متواطئ".

يرى الناشط الحقوقي خالد البكاري لرصيف22 أن هذه الظروف لا تساعد على إدماج السجناء ولا على إعادة تأهيلهم، يقول: "حتى الخطابات الرسمية بما فيها بلاغات المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج، تقر أن الاكتظاظ الذي تعرفه السجون يؤثر على الخدمات الاجتماعية والطبية، وعلى أداء الموظفين والشغلية السجنية".

ويضيف في حديثه لرصيف22: "من جهة أخرى فإن السياسات الحكومية لا تهتم بأوضاع السجون، ولا تعبتر تحسينها أولوية، بدليل أن الميزانيات الموجهة لهذا القطاع، فضلاً عن أنها هزيلة فهي مستقرة ولا تعرف ارتفاعاً، رغم أن أعداد السجناء ترتفع سنة بعد أخرى".

ويختم بأن المجتمع بدوره لا يزال غير متشبع بالثقافة الحقوقية، لذلك يتزايد الطلب الاجتماعي على توسيع مجال العقوبات السالبة للحرية، وحتى مشاريع القوانين، التي تقدمها بعض الأحزاب أو بعض الجمعيات الحقوقية لتقليص هامش العقوبات تجد رفضاً مجتمعياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image