شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كم ذنباً ستغفر مصر لتركي آل الشيخ؟... القوّة الناعمة المصرية في وجه

كم ذنباً ستغفر مصر لتركي آل الشيخ؟... القوّة الناعمة المصرية في وجه "السعودة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الثلاثاء 20 فبراير 202412:12 م

باعتبارها الأكثر مرونة في الأداء والأقوى تأثيراً في النتائج، ظهرت قيمة "القوة الناعمة" في السياسات الخارجية لسنوات طويلة، حتى أصبحت الأداة النموذجية لنشر هوية الدول وأفكارها ومبادئها، كما أنها تمثل ذراعاً رئيسياً في تأمين المصالح، وتحقيق الأهداف، بشكل مسالم ودون اللجوء للعنف أو القوة أو التهديد.

تُعرَّف "القوة الناعمة" طبقا لـ"جوزيف ناي"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، الذي صاغ مفهومها عام 1990، بأنها "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجذب والإقناع، بدلاً من القسر والإرغام والإكراه".

مثلاً، تظهر القوة الناعمة الأمريكية من خلال هوليوود أكثر من غيرها، والأوروبية من خلال دوريات كرة القدم، فالفنون والرياضة والعلوم والأزياء والفلسفة هي بعض أدوات القوى الناعمة في العالم التي تشكل حالة مغنطة من الآخر تجاه تلك الهوية.

لذا، تعتمد الدول على مؤسساتها في إطار إستراتيجية جذب واضحة، حيث تلعب كل عناصرها بمختلف المجالات أدواراً محددة متزامنة، تخترق من خلالها ثقافات الآخرين، وتبرز وسائل الإعلام تلك الأدوار فتعمل على التجييش لها. واليوم، يمكن إضافة وسائل التواصل الاجتماعي لأدوات القوة الناعمة في العالم، لا سيما في دول الشرق الأقصى ككوريا الجنوبية واليابان، لدورها الكبير في استقطاب الآخرين لأفكار وقيم مختلفة، بحيث يصب كل هذا الاستقطاب في النهاية لصالح الدولة الكبرى وسعياً لتحقيق أهدافها.

القوة الناعمة المصرية

مع قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، استطاعت مصر أن تفرض نفوذها الثقافي والفكري "الناعم" على المنطقة العربية، فاستخدمت في ذلك كل رموزها في مجالات الثقافة والفكر والدين والفن والرياضة، في ظل قيادة الدولة المركزية لجميع مؤسساتها، بعدما كانت تعتمد على جهود فردية، ودون استراتيجية واضحة المعالم. لكن، ولأسباب عديدة منها السياسي ومنها التاريخي، تراجع الدور الناعم لمصر تدريجياً لصالح أدوار ثقافية إقليمية منافسة بدأت في الظهور، وأمست عناصر القوة الناعمة المصرية مطمعاً في مسرح التنافس الإقليمي. 

استطاعت مصر خلال حقبة "جمال عبد الناصر"، أن تستثمر عناصر قوتها الناعمة بشكل استراتيجي محدد، مما أسهم في نشر أفكارها ورؤيتها للعديد من القضايا، وخلال ذلك كانت كل الشعوب العربية في حالة انبهار تام بما يقدمه المصريون في مختلف المجالات، خاصة عبر مجالات الثقافة والفن والرياضة، الأمر الذي صب لصالح السياسة بالطبع.  

ومع نجاحات العناصر المصرية واحدة تلو الأخرى، تحولت القاهرة إلى مركز الإقليم العربي الثقافي والفني، قبل أن تصبح قِبلة لمختلف الفنانين والمثقفين من سائر الأقطار العربية. لكن خلال العقود الأخيرة انسحبت القوة الناعمة المصرية تدريجياً لصالح الثقافة الفولكلورية الخليجية، وبدأ النفوذ السعودي يظهر في مجالات الفن والثقافة والرياضة المصرية. 

استطاعت مصر خلال فترة  عبد الناصر، أن تستثمر عناصر قوتها الناعمة بشكل استراتيجي ممنهج، مما أسهم في نشر أفكارها ورؤيتها للعديد من القضايا، وخلال تلك الفترة كانت الشعوب العربية في حالة انبهار بما يقدمه المصريون، خاصة عبر مجالات الثقافة والفن والرياضة، الأمر الذي صب لصالح الرؤى السياسية  

في هذا الإطار، يقول أستاذ الإعلام والباحث بالعلاقات الدولية أحمد أبو زيد لرصيف22 إن "الحقبة الناصرية شهدت أكبر عملية تصدير لنمط الحياة المصري من أفكار وآداب وفنون وتعليم، بسبب وعي الإدارة بأهمية عناصر تلك القوى، وبعد نجاح تلك الأدوات أصبح الجميع ينظر نحو مصر باعتبارها قوة ناعمة عظمى، بما تصدره من أفكار تنويرية تقدمية، ولأدوار مؤسساتها، وتأثير صحافتها، وماكينات الفكر فيها في تشكيل الوعي الجمعي لأكثر من مائة مليون عربي".

مع التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر بعد وفاة "جمال عبد الناصر"، غيّرت السعودية من أسلوب تعاطيها مع الساحة المصرية اللامعة، فتحولت تدريجياً من مقعد الأخ المعجب  إلى منافس و/ أو شريك يحاول الاستحواذ على تلك أدوات القوى الناعمة المصرية.

وفيما تبدو أنها سياسة محددة، استغلت المملكة قدراتها لاحتواء عناصر القوى الناعمة المصرية لصالحها، من عمليات شراء واحتكار أغلبية ميراث السينما المصرية، إلى استيعاب المد المصري الحديث بعقود احتكار مع الفنانين المصريين في مقابل أجور ضخمة، مروروا بكسب ود الرموز المصرية بحفلات التكريم، ودفع مقابل مادي كبير للمتعاونين مع مشروعاتها الفنية والثقافية، ومؤخراً منْح الإقامة الذهبية والجنسية السعودية لمشاهير الفن والاعلام.

وفي هذا الإطار، يرى أبو زيد أن "تراجع النمو الاقتصادي المصري وعدم الاستقرار السياسي وتردي الحالة الاجتماعية، بالتزامن مع صعود قوة الخليج، أدت إلى سحب بساط عناصر القوى الناعمة من تحت الأقدام المصرية". معتقداً أن "السعودية تستخدم كل الأدوات الممكنة في معركة تحقيق أهدافها، لدرجة أنها أصبحت تساهم بشكل رئيسي في تحديد المشهد الثقافي العربي والإقليمي، كما أنها تؤثر في تشكيل المشاهد السياسية والاقتصادية العربية".

"تركي آل الشيخ" مهندس الصفقة

برز اسم "تركي آل الشيخ"، المستشار بالديوان الملكي السعودي، ورئيس الهيئة الوطنية للترفيه في الأوساط المصرية منذ سنوات، تحديداً مع توليه الرئاسة الشرفية للنادي الأهلي، لينضم لكوكبة لامعة من الرموز المصرية الذين سبقوه للمنصب الفخري، أبرزهم الرؤساء المصريين الراحلين "نجيب" و"ناصر" و"السادات"، ولم يمر بروز الاسم دون أن يصاحبه جدل كبير حول مشروعه الاستثماري الرياضي في مصر، وكواليس علاقاته بالرموز المصرية في مختلف المجالات، وقد أصبح يشار إلى الرجل باعتباره مهندس صفقة سحب بساط ونفوذ القوة الناعمة لمصر لصالح المشروع السعودي الجديد، الذي أصبح يعتمد على رؤية مغايرة تماماً للنهج السعودي القديم في الثقافة والأفكار والقيم. 

عملت السعودية على شراء واحتكار أغلبية ميراث السينما المصرية، واستيعاب المد المصري الحديث بعقود احتكار مع الفنانين مقابل أجور ضخمة، وكسب ود الرموز المصرية بحفلات التكريم

قبل أكثر من خمس سنوات، أعلن المستشار تركي آل الشيخ -رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية، حينذاك- انسحابه من الاستثمار الرياضي في مصر، بعد فترة اتسمت خلالها العلاقات بينه وبين جماهير كرة القدم المصرية بالشد والجذب، وصلت حد الهجوم عليه والإساءة له، بينما استطاع خلال نفس الفترة أن يوطد علاقاته مع رموز الفن والرياضة والإعلام.

بعد أشهر قليلة، تم إعفاؤه من منصبه الرياضي، وتعيينه رئيساً للهيئة العامة للترفيه، ليظهر الرجل على الساحة المصرية في ثوب جديد، كراع للفنون والثقافة، وليوقع مذكرات التفاهم مع كبار الفنانين والمنتجين المصريين، بهدف تدعيم القطاع الترفيهي في السعودية، وسط اتهامات له بمحاولة اختراق الوسط الفني المصري، بأوامر سعودية عليا.

خلال ذلك، تعددت الأزمات بين المسؤول السعودي البارز وعدد من الفنانين المصريين بسبب ردوده العنيفة في حال رفض بعضهم التعاون معه، حدث ذلك خلال أزمة بينه وبين الفنان "محمد صبحي"، وأخرى مع المطربة "آمال ماهر"، بعدما انتشرت تقارير تفيد زواجهما بشكل سري، قبل أن تتزايد الخلافات بينهما، وصلت إلى حد اتهامها له بالتعدي عليها بالضرب في بلاغ رسمي، قبل أن يقرر تركي آل الشيخ الابتعاد عن الأجواء المصرية مع تصاعد الغضب تجاهه، لينقل ملعب عملياته إلى المملكة، عبر فعاليات الرياض الثقافية والفنية، وبعدما توسعت دائرة علاقاته بالعديد من مشاهير مصر في مجالات الثقافة والرياضة والفنون.

"كواليس" العودة المثيرة للجدل

في 13 شباط/ فبراير ،وخلال زيارة لمصر، اجتمع آل الشيخ بعدد من المسؤولين ورجال الأعمال والفنانين والكتاب المصريين، والتقى بوزيرة الثقافة المصرية د. نيفين الكيلاني، وعمرو الفقي الرئيس التنفيذي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وبعد جولة بدار الأوبرا المصرية، أعلن المسؤول السعودي عن سلسلة حفلات "ليالي سعودية مصرية"، في دار الأوبرا المصرية، وسط جدل واسع وهجوم من المصريين على صفحته في "فيسبوك"، بسبب تقديم اسم السعودية على مصر في ملصقات الدعاية، في فاعلية تقام على الأراضي المصرية، وفي أعرق قلاعها الفنية، وبأغلبية مشاركة لفنانين مصريين.

كما اجتمع مستشار الديوان الملكي السعودي بمجموعة من أكبر رجال الأعمال المصريين، في إطار حفل عشاء نظمته السفارة السعودية في القاهرة، وطبقاً للتقارير المصرية الرسمية، فقد ناقش الاجتماع قضايا الاستثمار المشترك بين البلدين، فيما أوضحت تقارير سعودية أن اللقاء تناول عرض الخطوط العريضة للاستثمار في المملكة، وبحث سبل الاستثمار في السعودية من جانب كبار المستثمرين المصريين، في إطار سياسة جذب الاستثمارات المصرية إلى أراضيها. 

خلال هذا الشهر اجتمع تركي آل الشيخ بعدد من المسؤولين ورجال الأعمال والفنانين والكتاب المصريين، وأعلن عن سلسلة حفلات "ليالي سعودية مصرية" في دار الأوبرا المصرية، وعن المصالحة بينه وبين "آمال ماهر"، وعن تدشين صندوق استثماري لرعاية الأفلام المصرية والعربية بقيمة 130 مليون دولار

فضلاً عن ذلك، فقد التقى آل الشيخ بعدد من كبار الشعراء والملحنين المصريين، بالإضافة إلى اجتماعه مع عدد من كبار المخرجين والكتاب المصريين، وناقشت الاجتماعات مجموعة من المقترحات السعودية لأعمال فنية متنوعة، تم الاتفاق بشأن بعضها.

تزامنت زيارة آل الشيخ لمصر مع تردد أنباء حول "مصالحة" بينه وبين الفنانة آمال ماهر، بعد تصريحات لها قبيل أيام من الزيارة باستئناف التعاون معه من جديد، مشيدة بالتطور الذي تشهده الساحة الفنية السعودية تحت إشرافه، ومكذبة لكل الأخبار التي أشارت إلى اختطافها وإخفائها وتعذيبها خلال الفترة الماضية.

وعلى هامش الزيارة أعلن المسؤول السعودي البارز عن تدشين صندوق استثماري إسمه "BigTim"، لرعاية الأفلام المصرية والعربية، بدعم من هيئة الترفيه ووزارة الثقافة السعودية وشركات الإنتاج، وقدر رأساله بحوالي مقدر بـ4 مليار جنيه مصري، أي (130 مليون دولار) وفق سعر الصرف الرسمي.

في هذا الإطار، يقول الناشط والمحلل السياسي المصري أحمد عابدين لرصيف22: "تركي آل الشيخ هو المبعوث الرسمي السعودي لدى مصر لسحب بساط عناصر قوتها الناعمة لصالح المملكة، وهو يقوم بهذا الدور بالشكل الأمثل الذي يحقق من خلاله الأهداف السياسة السعودية في السيطرة على عناصر القوة المصرية، وزيادة مشروع الهيمنة والنفوذ السعودي الذي يتبناه ولي العهد السعودي في سياسته الإقليمية".

ويرى أن رفض وغضب قطاع عريض من المصريين لهذا الدور الذي يلعبه، بما يتضمنه من أسلوب استفزازي كبير، لا يقلل من نجاحه الكبير في استخدام أدواته بما يحقق نتائج السياسة السعودية في هذا الملف.

السعودية تقول... تكامل لا تنافس

في نهاية 2023، تجاوزت استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر الـ 35 مليار دولار، وطبقاً لتصريحات رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري، بندر بن محمد العامري، فقطاعات الصناعة والعقارات والسياحة والصناعة والزراعة، بالإضافة إلى الصحة والطاقة، تمثل أهم نطاقات الاستثمار.

وجاء في تصريح سابق لوكيل وزارة الشؤون البلدية للسعودية عبد الرحمن بن عبد الله الطويل، خلال كلمته في المؤتمرالسعودي المصري للاستثمار العقاري الذي انعقد في العاصمة الرياض، تحت عنوان "تكامل لا تنافس"، أن "المملكة تعد المستثمر الأول عالمياً وعربياً بمصر، باستثمارات تزيد عن 55 مليار دولار، لـ6225 شركة صناعية سعودية تعمل بمصر".

وقد أشارت الأرقام الصادرة عن المؤتمر، أن هناك خلل في ميزان الاستثمارات المشتركة بين البلدين، رغم ان مصر لديها الكثير من رأس المال المحلي المتوفر في طبقة رواد الأعمال، فعدد الشركات المصرية في السوق السعودي 513 شركة فقط، تسعى السعودية لزيادتها، وجلب استثمارات مصرية جديدة بنحو 10 مليار دولار خلال الفترة المقبلة. وفقاً لتصريحات رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري.

وبرغم أن التوسع الاقتصادي السعودي في مصر يعني مزيداً من فرص النفوذ، الا أن المملكة تسعي في الوقت ذاته على تمدد نفوذها إلى طبقة رجال الاعمال في مصر، لتضمن ضخ سيولة أجنبية إلى أراضيها تسهم في خطتها للتنمية، وتسطيع من خلال مشاركتها لتلك الطبقة أن تفتح مزيداً من الفرص الواعدة في الاستثمار المصري الواعد. 

خلال المؤتمر السعودي المصري للاستثمار العقاري الذي عُقد في الرياض، تم التصريح  أن المملكة تعد المستثمر الأول عالمياً وعربياً في مصر، بأموال تزيد عن 55 مليار دولار. 

خلال أعمال المؤتمر، دعى رئيس مجلس العقار المصري أحمد شلبي، إلى "ضرورة تدشين مشروعات بين مطوري العقار في مصر والسعودية"، مطالباً مصر بتفعيل سياسة "التصدير العقاري" لتحصل على حصيلة بنحو 3 مليار دولار سنوياً. دون أن يوضح هل تتحصل مصر على تلك الحصيلة المحتملة أم أنها قيمة الأرباح المتوقعة لشركات المستثمرين العقاريين المصريين الخاصة.

هذه الخطوات تزامنت مع إعلان رجل الأعمال المصري الشهير "سميح ساويرس"، عزمه إيقاف استثماراته الجديدة في مصر ونقل نشاطه إلى السعودية، كما أعلنت ثلاث شركات مصرية نقل مقراتها إلى السعودية، في ظل مخاوف وتوقعات بتزايد هذه الشركات.

وفيما يرى عدد من رجال الأعمال المصريين أن حوافز الاستثمار السعودي الجديدة، تسهم في تدفق الإيرادات إلى مصر في نهاية المطاف، يبدي بعض الاقتصاديين تخوفهم من هذا الاتجاه، في ظل لقاءات المسؤول السعودي البارز بأكبر رجال الأعمال في مصر.

في هذا السياق يقول لرصيف22 أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة، د. سليم عبد الشافي: "مصر مهددة بأن تفقد مليارات الدولارات التي تحتاجها لحل أزمتها الاقتصادية، بالإضافة إلى خسارتها المحتملة لمراكز صناعات إقليمية حديثة، حال استمرار خروج رأس المال المصري"، مؤكداً أن مصر تضررت بشكل بالغ بسبب خروج مجموعة من الشركات فيها إلى السعودية.

يقول: "عدد لا بأس به من رجال الأعمال المصريين قاموا بتسجيل شركاتهم في السعودية، باعتبارها سوق صاعد مستقر ومنفتح، ويتميز بمجموعة محفزات تتمثل في الدعم الجزئي للرواتب، والاستشارات المجانية التي تقدمها وزارة الاستثمار، والمكاتب المعفية من الإيجار والضرائب، وتسهيل عملية الترخيص في ظل وجود مركز شامل لجميع المعاملات الحكومية، وهي امتيازات فارقة حال مقارنتها بما تقدمه مصر".

ومصر تقول "سحب البساط"  

مع استمرار مسببات التدهور والتراجع، باتت قطاعات عريضة من المصريين قلقة من خطر فقدان عناصر قوى البلاد الناعمة، خاصة في ظل ظهور مشروعات "السعودة" على الساحة الإقليمية، والتي تنتهج من خلالها المملكة سياسة جذب المشاهير والرموز المصريين اليها، وتنامت تلك المشاعر بعد أن منحت المملكة العديد من المشاهير المصريين الجنسية السعودية والإقامة الذهبية.

ففي 2021 صدر أمر ملكي سعودي قضى بفتح باب تجنيس الكفاءات في مختلف المجالات، فتم تجنيس عدد من المصريين في مجالات مختلفة، أبرزهم الإعلامي "عمرو أديب"، المقرب من "تركي آل الشيخ"، بالإضافة إلى المايسترو "هاني فرحات"، بعد جهوده في موسم الرياض، والموزع الموسيقي "وليد فايد" بعد حصوله على جائزة صناع الترفيه الفخرية، والفنان "محمد هنيدي".

كما أعلنت المملكة عن برنامج الإقامة الذهبية، "كمبادرة رئيسية تهدف إلى جذب الكفاءات والمواهب الإبداعية"، والتي تم منحها للكاتب والسيناريست "صلاح الجهيني"، والمطرب "تامر عاشور"، والمطربة "أنغام".

كذلك أعلن آل الشيخ عن تكفل المملكة بعلاج "أشرف قاسم" نجم الكرة المصرية السابق، وإجراء عملية جراحية لشقيق "أحمد خيري"، نجم فريق اليد في النادي الأهلي.

من جهته يقول أستاذ الاقتصاد السياسي، رائد سلامة: "مصر قد تعرضت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى محاولات متعددة للـ(بدونة والتصحير)، أو ما يمكن تسميته بالـ(صحوة الإسلامية)، وقد اعتمدت على تكفير الفن والثقافة، قبل أن تتلاشي تلك الجهود، بسبب أن منبعها الجغرافي أدرك أنه يسير ضد حركة التاريخ". 

ويضيف سلامة في تصريحه لرصيف22: "عدم توفر عناصر القوى الناعمة في المجتمعات الخليجية هو ما يدفعها لسياسة الجذب والإغراء، مستغلة حالة الضعف الثقافي الظاهري، والهبوط النوعي للفنون في مصر".

لكنه يلفت الانتباه في نفس الوقت إلى أن "عناصر القوة الناعمة لا تتمثل في شخوص، لأن تلك القوة بطبيعتها جمعية وليست فردية، فهي ليست بالهشاشة التي تؤثر على نحو يخيف، وحيث أن الامتدادات الحضارية في التاريخ هي التي صنعت حلقات السلسلة من تلك العناصر عبر الزمن، فلا مخاوف أبداً من فقدان مصر أي من عناصر قواها الناعمة، إلا إذا فُصلت مصر عن تاريخها الثقافي، بخلق حالة ثقافية تتمّ تقويتها على حساب حالة أخرى تستبدلها".

إلى جانب إستراتيجية الجذب السعودية في مصر، تظهر سياسة تكميم أفواه العناصر المصرية المشاركة في فاعليات المملكة، ولعل ما حدث مع الفنان "محمد عادل إمام" من تراجع مجموعة "MBC" الإعلامية عن شراء مسلسله، بسبب توجيهه التحية إلى صمود الشعب الفلسطيني، هو خير تجسيد لمخاوف المصريين من الهيمنة على القيم الراسخة في الوجدان الجمعي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard