هناك أسئلة غبية، بل هناك الكثير من الأسئلة الغبية.
معظمنا يسأل أحياناً أسئلة غبية، ولا يعني بالضرورة أننا أغبياء. لكننا على الأقل أثناء طرحنا السؤال الغبي نكون أغبياء، ولا ندرك هذا الأمر دائماً. أحياناً لأن من نطرح عليهم سؤالنا الغبي لا يخبروننا دائماً أن السؤال غبي. أحياناً لا يخبروننا لأنهم هم أنفسهم لم يدركوا أنه سؤال غبي، بل انشغلوا بمحاولة الإجابة عنه، ولكم أن تتخيلوا كمية الغباء التي سيتم توليدها من سؤال لا يدرك طارحه ولا المجيب عنه أنه سؤال غبي!
من أكثر الأسئلة الغبية شيوعاً والتي تجعل طارحها غبيّاً على الأقل أثناء طرحه السؤال وانتظاره الجواب هو: مع إنك حلوة وذكية، ليش single؟
في البداية دعوني أوضح أنني لست من الذين ينشغلون بمحاولة الإجابة عن هذا السؤال لأنني مدركة أنه سؤال غبي، فاقتضى التوضيح. وأعلم أنه في معظم الأحيان، طارح هذا السؤال يكون في نيته أن يقدّم مجاملة يتضمنها الشق الأول من السؤال: "مع إنك حلوة وذكية". هلأ طبعاً أنا يفترض أن أبتسم أو حتى أتشكّره كونه وجدني حلوة وذكية أيضاً، على أساس أنني أصلاً لطالما كنت أقدّر رأي هذا السائل/المجامل، وكونه يراني حلوة وذكية فهذا سيكون نيشان يجب أن لا أنسى وضعه كلما بدّلت ملابسي. لكنني لا أفعل... لا أبتسم ولا أتشكّره.
بكل حلاوتي وذكائي، الرجال لا ينظرون نحوي لأنهم عميان، فإذن، لا علاقة لي أبداً – رغم ذكائي – بواقع أنني سينغل... لا أحد ينظر إليّ، وإن نظر فهو إما أعمى لا يراني أو بلا ذوق لا يريدني... كمان أحّا
نأتي الآن إلى سبب غباء هذا السؤال لمن لم يكن يعلم أنه سؤال غبي. إن هذا السؤال البريء يوحي باهتمام السائل عدا عن مجاملته، بل وربما يتضمن قلقاً من كوني عزباء، وهو مبني على أساس، وضعه السائل، أنه بما أنني حلوة وذكية فبالتالي، وضمناً، يجب أن أكون محط إعجاب واهتمام الرجال، وأن، ومن دون شك، كثيرين لا بد أنهم سعوا لنيل ودي ومحاولة الارتباط بي، ولكن – وهنا يأتي القسم الآخر من السؤال وهو على شكل تعليق – "يبدو أن الرجال صاروا عميان"... أحّا.
يعني السبب الوحيد لكوني عزباء، رغم صفاتي الرائعة تلك، هو أن الرجال عميان.
يعني أني بكل حلاوتي وذكائي (كما يراني السائل) ولكن الرجال لا ينظرون نحوي لأنهم عميان... وأحيانا كلمة "عميان" تستبدل بـ "لا يقدرون" أو "بلا ذوق".
فإذن، لا علاقة لي أبداً – رغم ذكائي – بواقع أنني سينغل... لا أحد ينظر إليّ، وإن نظر فهو إما أعمى لا يراني أو بلا ذوق لا يريدني... كمان أحّا.
هذا السؤال البريء مستفز جداً. ليس فقط السؤال وما يتضمّنه من مجاملة في بدايته (مع إنك حلوة وذكية) وتعليق في نهايته (يبدو الرجال صاروا عميان/بلا ذوق) بل المستفز فيه أيضاً هو مظهر السائل الواثق والمتأكد من أنه قد أغدق عليّ عند طرحه إطراء مربكاً، سأحمر خجلاً عند سماعه، وسيثير غروري في حين أنه لن يثير إلا غثياني، لأن لا شيء يثير غثياني قدر الغباء.
ولكني أتمالك نفسي وأستمتع بإرباك السائل: "قصدك لإني حلوة وذكية ومهضومة (في معظم الأحيان هم يضيفون "ومهضومة" فلا بد من أن أضيفها أيضاً، لأن لا اعتراض على رأي هذا السائل وتقييمه لي) متل ما إنت عم تقول لازم يتم اختياري من قبل أحدهم على الأقل؟ بس هذا الأحدهم لم يراني؟ رآني ولم أعجبه؟ يعني أنا مش مرتبطة لأنه لم يخترني أحد؟".
وفي معظم الأحيان يكون الجواب الذي يتخلله الكثير من التأتأة: "إيه إنو لأ مش يعني هيك... يبدو إنت ما بيعجبك العجب ممكن. قصدي يبدو إنو إنت ذوقك صعب. إنو يمكن ما عم تلاقي حدا يعجبك".
أها... تغير كل الحكي.
نحن السناغل الموقعين أدناه، لسنا معروضين في سلة الأشخاص الذين لم يتمّ اختيارهم من قبل أحد، ولأن معظمكم لم يستوف الشروط بقينا سناغل
لم يكن يخطر – واضح أنه لم يكن يخطر – على بال سائل هذا السؤال أنه على الأرجح لأنني "حلوة وذكية ومهضومة" فأنا سينغل، وليس بالرغم من ذلك. فأنا "الحلوة، الذكية، المهضومة" -ميرسي كلك ذوق- أختار، أو بما أنني سينغل لا أختار، لأنني لم أجد من أختاره بعد. يعني الصفات التي أطلقتها أنت عليّ، لا تضعني في "واجهة العرض" ليتم اختياري أو تحييدي.
عزيزي صاحب هذا السؤال الذي، كالكثير من الأسئلة والكلام، ينمّ، بالإضافة عن "حفظ مش فهم" للعبارات، عن اختيار كلام هو "أي كلام" فعلاً... وفي أحيان كثيرة سيمرّ هذا السؤال، والكثير غيره، مرور الكرام على المسامع المقصودة، ولكن في أحيان أخرى سيقع على مسامع تميز السؤال الغبي، وفي بعض هذه الأحيان ستقرّر هذه المسامع أن تضع حدّاً للتلوّث السمعي وتفضح هذا الغباء... ليس غبائك إنما على الأقل غباء السؤال الذي اخترته من تشكيلتك المحفوظة في ملف بعنوان "عبارات مستهلكة"، فوفّر على نفسك بعض الحرج، وعلى تلك المسامع بعض الغثيان.
نحن السناغل الموقعين أدناه، لسنا معروضين في سلة الأشخاص الذين لم يتمّ اختيارهم من قبل أحد، بل نحن نجلس في المقاهي فيما أنتم أو غيركم تمرّون أمامنا، أو تجلسون على مرمى من أعيننا، فننظر إليكم ونتفحّصكم لثوان، لأننا نستطيع من حركات قليلة لأيديكم، أو من نوعية نظراتكم أو لون جراباتكم، أن نميز إن كنتم مناسبين لأن نضحك معكم ومن ثم نقبلكم أم لا... ولأن معظمكم لم يستوف الشرطين بقينا سناغل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.