شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لن يبقى منا، نحن الذين لم تشملنا الأمومة والأبوة، شيء

لن يبقى منا، نحن الذين لم تشملنا الأمومة والأبوة، شيء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الخميس 21 مارس 202411:12 ص

مطاردون نحن بالأمومة والأبوة. لا أقصد أننا مطاردون بالسعي كي نكون آباء وأمهات - وإن كنا مطاردين بهذا السعي أيضاً - ولكني أقصد مطاردون بصفات وخصائص وأهمية وصعوبة وعبادة وتبجيل الأمومة والأبوة... مطاردون بكل معاني الأمومة والأبوة، وهذه المطاردة مفهومة، وبأحيان كثيرة مبرّرة.

وبما أننا مطاردون بالأمومة والأبوّة، بل ومحاصرون بها، لن تكون هذه المطاردة موضوعي لهذا النص، إنما ما أسعى لمطاردتكم به، ولعلي أنجح في محاصرتكم به أيضاً، هو البنوة.

البنوة تصيبنا جميعاً، أكثر مما تصيبنا الأمومة والأبوة. كلنا أبناء ولكن لسنا كلنا أمهات وآباء، إلا أنّ مفهوم البنوة مغيّب. أخذت الأمومة والأبوة كل حصته من دائرة الاهتمام وكل المطاردة. البنوة نتاج الأمومة والأبوة وضحيتها.

البنوة تشملنا، نحن المتروكين لمصيرنا وجحيمنا، مصيرٌ أنشأته الأمومة والأبوة ونهايته جحيمهما.

نحن الأبناء، وبالتحديد الذين لم نصبح أمهات وأباء لأحد، رُبط مصيرنا بمصير أهالينا لوقت أطول ممن أصبحوا، وقبل أن يُربط كان قد حدّد من قِبل نسختهم وكل ما سبقها من نسخات

نحن الأبناء والبنات الذين واللواتي يلعبون ويلعبن دور البنوة، نحمل على سحناتنا بصمات أهالينا، ونحمل في خريطة جيناتنا أمراضهم وعللهم، وتنطبع في شخصياتنا عيوبهم ومآسيهم. وعندما نبحث نكاد لا نجد شيئاً منّا ولنا وحدنا فينا. نحن مجرّد استنساخ عنهم، يطبعون منا نسخاً، ونتحمّل نحن مسؤولية النجاة لاحقاً بكل شوائب هذه النسخ وذاك الأصل.

وتأخذنا سنوات قبل أن نبدأ بفهم أين نبدأ وأين ينتهون، ثم وبصعوبة بالغة قد ندرك أهمية سلخ نسختهم عن نسختنا، وبعدها نتعلم كيف نعيش مع ما بقي عالقاً منهم علينا بعد السلخ، ويسبق هذا السلخ وأحياناً يتخلله غضبٌ عارمٌ منهم وعليهم، ونصير كائنات غاضبة، ويكونون هم السبب.

ولأنهم نقلوا إلى نسختنا رأفةً ما وقدرة لا بأس بها على التحليل ثم التّفهم، لا يستمر غضبنا منهم وعليهم وقتاً طويلاً بعدما ندرك أنهم ليسوا الأصل، وأنهم هم أيضاً مجرد نسخ.

نحن الأبناء، وبالتحديد الذين لم نصبح أمهات وأباء لأحد، رُبط مصيرنا بمصير أهالينا لوقت أطول ممن أصبحوا، وقبل أن يُربط كان قد حدّد من قِبل نسختهم وكل ما سبقها من نسخات، وبفضل خياراتهم الممتدة على مدار سنوات حياتهم صارت حياتنا -هذه التي نعيشها- هي حياتنا؛ صارت حياتنا هذه -التي بقوا هم فيها- حياتنا، صارت حياتنا هذه -المقيدة بهم- هي حياتنا.

نحاول تعديل مسارات حيواتنا، ولكن مسارات حيواتهم التي صارت (وربما كانت كذلك دائماً) مقفلة تقف بيننا وبين هذا التعديل، وتُبعد عنا الحياة التي افترضنا أن تعديل مسارها وجعلها مفتوحة أمراً ممكناً.

محاولاتنا  للتعديل متواضعة، كوننا أصلاً مدركين أنه لم يعد بإمكاننا السعي خلف الحياة التي حلمنا بها قبل أن ندرك التصاق أهلنا بنا، وإن جُلّ ما يمكننا الحصول عليه هو الحياة التي وصلنا إليها، أو وصلت إلينا، بعدما سلخنا جزءاً منهم عنا... لكنهم لا يتوقفون عن إعاقتنا ولا نتوقف عن الغضب والرأفة.

مُراقبون نحن من الجميع. الجميع ينتظر منا أن ننجح في اختبار البنوة، وأن نتحول لآباء وأمهات لآبائنا وأمهاتنا، وأن نرتدي عباءة رد الجميل... ونختفي تحتها.

كلما اختفينا صرنا امتداداً لهم، صرنا هم. يفرحهم أن نصيرهمـ ويؤلمنا.

لدى بعضنا، نحن الأبناء الذين لم نصر آباء وأمهات، بعض العزاء أنه لن يكون هناك نسخ عنّا. نسختنا هي الأخيرة

يفرحهم أن يجيّروا لنا أصدقاءهم الذين لم يعد بإمكانهم التواصل معهم كما يجب، وأن نقوم بدلاً عنهم بالزيارات وبواجبات العزاء والتهنئة، وأن نرتب أدوات المطبخ كما كانوا يفعلون. يفرحهم ويؤلمنا. يتسلّلون داخل جلدنا وسحناتنا بحجّة العمر والمرض، ويحركوننا كدمى. يكملون ما تبقى لهم من خلال أجسادنا وأرواحنا ونظرات عيوننا والمفردات التي صرنا ننطق بها. يكملون سنوات حياتهم من سنوات حياتنا، يعيشون بفضل الزمن الذي نمدّهم به، يستمرون بفضل حصتنا من الزمن... ونختفي نحن تدريجياً.

وحين ننظر إلى المرآة لن نرانا، سنراهم. سيفرحون وسنتألم.

بعضنا لن يستعيد صورته في المرآة ولا حتى أجزاء منها حتى بعد مغادرتهم، فبعضهم يغادر متأخراً.

لدى بعضنا، نحن الأبناء الذين لم نصر آباء وأمهات، بعض العزاء أنه لن يكون هناك نسخ عنّا. نسختنا هي الأخيرة. بمغادرتنا يُمزّق نيغاتيف حياتنا. صورتنا هي الأخيرة. لا صور مكرّرة عنا. لن يرث أحد خيبتنا. لن يرث أحد حزننا. لن يرث أحد نظراتنا التي تغيرت عبر الزمن. لن نكون عثرة أمام أحد. لن يكون أحد امتداداً لنا. لن يعيش أحداً في ظلّنا الثقيل.

لن يبقى منا نحن الذين لم تشملنا الأمومة والأبوة شيء. منّي ستبقى أشيائي التي أود لو تغادر معي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard