شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"الأمية الأبجدية"... أزمة التعليم في مصر تبدأ من "التأسيس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الخميس 14 مارس 202407:35 ص

تعاني الأم الثلاثينية ريهام. أ مع طفلتها التي تدرس بالصف الرابع الابتدائي في العام الدراسي 2023/2024 ضعف مستواها في القراءة والكتابة، وترى أن أزمة فيروس كورونا التي حلّت على العالم أجمع في عام 2020، وما ترتب عليها من تدابير احترازية شملت غلق المدارس، في إحداث صعوبة في التعلم لدى طفلتها ورفيقات لها في مثل عمرها.

حاولت ريهام مساعدة طفلتها بإحضار "معلمة تأسيس" لها لتعوّض ما فاتها. لكن يبدو أن هذا الحل جاء متأخراً أيضاً. تقول ريهام لرصيف22: "لا يوجد تأسيس كاف في المدارس الحكومية إما بسبب كثرة أعداد الطلاب داخل الفصل أو لعدم وجود شرح كاف للطلبة. لذلك إذا كانت الأسرة ميسورة الحال مادياً تلجأ إلى المدارس الخاصة أو اللغات لتأسيس أبنائها من الصغر فيما تعتمد أسر أخرى على الدروس الخصوصية بشكل أساسي بجانب المدارس الحكومية". 

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل فعلاً جائحة كورونا السبب وراء هذه "الأمية الأبجدية"؟

في كانون الثاني/ يناير 2015، صرّحت رئيسة الإدارة المركزية للتعليم الأساسى، رنده شاهين بأن نسبة طلاب المرحلة الابتدائية الذين لا يجدون القراءة والكتابة وصلت إلى 30% من إجمالى طلاب هذه المرحلة في المدارس الحكومية. 

وبعد مرور ثماني سنوات على هذا التصريح، خرج وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي وأعلن أن المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي أجرى دراسة قومية وكانت نتائجها أن 30%؜ من الأطفال في مصر "دون المستوى في القراءة والكتابة"، لذلك نفذت الوزارة بالتعاون مع البنك الدولي ورشة عمل حول "تعزيز مهارات القراءة والكتابة… خطة عمل قصيرة إلى متوسطة الأجل".

ارتفاع كثافة الفصول

يرى الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج  كلية التربية جامعة عين شمس وعضو اتحاد كتاب مصر، أن انتشار "الأمية الأبجدية" بين تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي يرجع إلى عدة أسباب أهمها عدم قيام المدرسة بواجبها التعليمي نتيجة ارتفاع كثافة الفصول والنقص في أعداد المعلمين وعدم المتابعة الميدانية لعمل المعلم من قبل مدير المدرسة والموجهين. 

انتشار "الأمية الأبجدية" بين تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي يرجع إلى عدة أسباب أهمها عدم قيام المدرسة بواجبها التعليمي نتيجة ارتفاع كثافة الفصول والنقص في أعداد المعلمين وعدم المتابعة الميدانية لعمل المعلم

ويقول لرصيف22: "من الأسباب الأخرى للمشكلة النقل الآلي للتلاميذ من صف إلى آخر دون مراعاة مستوياتهم التعليمية، بجانب استخدام طرق تدريس تقليدية وعدم وجود تقنيات حديثة في المدرسة. وجميعها أسباب قديمة ما تزال تعاني منها المدارس الحكومية". 

في تقرير صادر عن البنك الدولي في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، حول نظام التعليم في مصر ذكر أن المدارس الحكومة تواجه نقصاً شديداً في أعداد المعلمين، قُدر بما يصل إلى 250 ألفاً، ما يترتب عليه مواجهة معلمي المدارس الحكومية - في مختلف مراحل التعليم الأساسي - مجموعة من التحديات بينها الأجور المنخفضة والافتقار إلى الأدوات اللازمة.

ويقترح أستاذ المناهج لعلاج لأزمة ضعف مستوى الطلاب في "إلغاء النقل الآلي، وعودة الوزارة إلى تبني القرائية من جديد، والمتابعة الجادة من للمدرسين، وبناء المزيد من المدارس لتقليل الكثافة في الفصول، وتدريب المعلمين على أساليب التدريس الحديثة، ومتابعة الآباء مستوى تعلم الأبناء".

مشروع القرائية هو مشروع نفّذته وزارة التربية والتعليم في مصر خلال العام الدراسي 2015/2016 بهدف "إعادة الهيبة للغة العربية، ومنع حدوث ضعف في القراءة لدى المراحل التعليمية الأولى".

ضعف الخدمة التعليمية المقدمة للطلاب 

ويحيل أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، الدكتور محمد عبد العزيز، أسباب استمرار أزمة ضعف مستوى الطلاب في القراءة والكتابة، إلى ضعف الخدمة التعليمية المقدمة للطلاب في هذه المرحلة العمرية، بجانب ضعف مستوى المعلمين غير المؤهلين أو غير المدربين على تقديم طرق تدريس مناسبة للمناهج الجديدة.

يشرح عبد العزيز لرصيف22 أن "كل مرحلة عمرية لها مستوى عقلي معين يتم تصميم مناهج موظَّفة ومتماشية معه. لكن في حال كان البرنامج التعليمي يفوق المستوى العقلي للتلميذ تصبح هناك مشكلة في القدرة على التعلم والاستيعاب من قبل الطلبة وهو ما يحدث في حالة المناهج الجديدة". 

ويتابع: "فالمناهج التعليمية الجديدة للصفوف الابتدائية تفوق المستوى العقلي للطفل. وبالتالي بدأت تحدث المعاناة. والحل عمل مراجعة دقيقة لها كي تتماشى مع مستوى الطلاب في هذه المرحلة العمرية الصغيرة لعلاج أزمة ضعف مستواهم التعليمي".

نقص أعداد المعلمين 

يشدد عبد العزيز على تفاقم هذه الأزمة بسبب النقص في أعداد المعلمين في المدارس الحكومية بما يؤدي إلى فجوة  كبيرة في التعليم تؤثر بالتبعية على الخدمة التعليمية المقدمة للطلاب.

في تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ورد أن عدد المعلمين في قطاع التعليم العام قبل الجامعى بلغ 830.4 ألف معلم يدرّسون 23.244 مليون تلميذ عام 2022/2023، مقابل 856.7 ألف معلم في التعليم العام يدرّسون 22.872 مليون تلميذ عام 2021/2022.

ويلفت أستاذ التربية والعلوم إلى أن "القراءة والكتابة هي وعاء التعليم الأساسي وعدم توافرهما لدى الطلاب يعني عدم قدرتهم على استيعاب أي مادة تعليمية تُدرس وعدم قدرتهم على التعبير عما تعلموه أو درسوه، خاصة أنها عملية تحتاج إلى متابعة بشكل مباشر بين الطلاب والمعلم وبصورة دورية".

كما يشير إلى أن "الاهتمام بتعليم القراءة والكتابة في المراحل الدراسية الأولى أهم أساسيات التعلم في البداية، والتشخيص المبكر لصعوبات التعلم يساهم في علاجها المبكر حتى لا يتسبب ضعف مستوى القراءة والكتابة لدى الطلاب  بزيادة نسب التسرب من التعليم"، مردفاً "الطالب الذي يتخلف عن أقرانه في القراءة والكتابة يشعر بالغربة داخل المدرسة وبالتالي يكره الذهاب إليها". 

ويختم عبد العزيز بأنه من الأمور الخطيرة المسببة لضعف مستوى القراءة والكتابة لدى الطلاب "التدريس الأون لاين" - عن طريق الإنترنت - والذي يصفه بأنه "سيىء جداً" حيث لا يمكن تدريس القراءة والكتابة للتلاميذ عن بعد خاصة مع ارتفاع الكثافة الطلابية. 

الدروس الخصوصية مفتاح التعلم 

"لا يوجد وقت في المدارس لتعليم القراءة والكتابة" تقول لرصيف22 أماني محمود عن رحلتها مع تعليم طفليها بالصفين الثالث والرابع الابتدائي حالياً، بعد أن بدأت في تأسيسهما بالاعتماد على حضانة في محافظتها، أسيوط. 

"الاهتمام بتعليم القراءة والكتابة في المراحل الدراسية الأولى أهم أساسيات التعلم في البداية، والتشخيص المبكر لصعوبات التعلم يساهم في علاجها المبكر حتى لا يتسبب ضعف مستوى القراءة والكتابة لدى الطلاب  بزيادة نسب التسرب من التعليم. الطالب الذي يتخلف عن أقرانه في القراءة والكتابة يشعر بالغربة داخل المدرسة وبالتالي يكره الذهاب إليها"

وتصيف أنها أرسلت طفليها إلى الحضانة، عندما بلغا ثلاث سنوات، لتعلم القراءة والكتابة، مردفةً "المناهج الجديدة التي تُدرس للطفل تُدرّبه ليدخل الصف الأول الابتدائي وهو يعرف الكتابة والقراءة وتؤسسهُ جيداً كي يستوعب المناهج المدرسية".

تعتبر الأم الشابة أنه "لا يوجد وقت لتعليم القراءة والكتابة في المدارس ويكون الاعتماد على الدروس الخصوصية، ودروس التأسيس من الصف الأول وحتى الرابع الابتدائي وهو ما اضطرني للاعتماد على الدروس الخصوصية في جميع المواد لصعوبة المناهج على طفليّ. وفي الوقت نفسه، المعلمون لا يبذلون المجهود الكافي للشرح".  

دور أولياء الأمور

"المتابعة اليومية من أولياء الأمور تساعد في علاج ضعف القراءة والكتابة لدى الطلاب بجانب دروس التقوية والتأسيس" هذا ما تقترحه الخبيرة التربوية، الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، لعلاج أزمة ضعف مستوى التعلم لدى الطلاب الناتج عن سوء الخدمة التعليمية المقدمة لهم في المؤسسة التعليمية أو بسبب انخفاض معدل ذكاء الطفل وتأخره عن أقرانه.

تذكر عبد الرؤوف لرصيف22، أن أحد أسباب أزمة التعليم الأساسي هو اعتبارها مجرد صفوف نقل وليست شهادة كما كان في السابق قبل إلغاء الشهادة الابتدائية في الصف السادس. وتشرح: "كان يتم اختبار قدرات طلاب الصفوف الابتدائية في القراءة والكتابة، والتحصيل الكلي. لكن مع إلغاء هذه الاختبارات، أصبحت المرحلة الابتدائية مجرد صفوف نقل تلقائي لعدم وجود امتحانات تقييم حقيقي في مدارس التعليم الأساسي الرسمية وإنما مجرد امتحانات صورية".

وتبيّن الخبيرة التربوية أن ضعف التحصيل الدراسي و"الأمية الأبجدية" من أهم أسباب التسرب من التعليم ومن الحالات الشائعة في القرى تحديداً - "والد الطفل يجبره على ترك المدرسة ولسان حاله أن طفله في الصف السادس الابتدائي ولا يمكنه القراءة أو الكتابة إذاً ما فائدة ذهابه إلى المدرسة بل يمتهن حرفة أفضل".

خلاصة القول إن "الأبجدية الأمية" هي حلقة في دائرة أزمات التعليم المصري المفرغة إذ تنتج عن تردي الخدمة التعليمية المقدمة إلى الطالب في حالات، وتتسبب فيها في حالات أخرى. وتِلقي بظلالها على مستقبل العملية التعليمية وتحرم الطالب/ة من فوائدها في جميع الحالات. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نفكر بالأطفال من أجل اليوم والغد

"هيك متعودين. هيك كانوا يعاملونا أهلنا"، وغيرها من الإجابات الجاهزة، تؤدي إلى تفادي التغيير.

المستقبل المشرق، هو أن يعيشوا في أيامنا هذه حياةً سليمةً.

كيف؟

عبر تسليط الضوء على قصصهم، وما يؤثر في حيواتهم، والمطالبة بحقوقهم وحسن تربيتهم.

من خلال التقارير والمقالات والحوارات، يمكن للإعلام أن يدفع نحو تغييرات في السياسات التربوية، وأن يعزز الحوار الاجتماعي حول قضايا الأطفال.

معاً نطرح القضايا الحساسة المتعلقة بسلامتهم النفسية والجسدية والبيئية والمجتمعية.

حين نرفع أطفالنا على أكتافنا، نرى الغد بعيونهم كما لو يكون الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image